الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين في الشرق الأوسط - الجزء الثاني

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 7 / 19
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لماذا الاستثمار في الشرق الأوسط؟
يسعى الشرق الأوسط - منذ مدة - إلى تطوير القطاعات التي تقدمت الصين تقدمت (التكنولوجيا المالية ، والطاقات المتجددة ، والذكاء الاصطناعي). واليوم ، تعتبر دول الشرق الأوسط، على المدى الطويل، من العملاء المحتملين لبكين. وإذا استعادت هذه الدول مسار التنمية الاقتصادية ، فسيؤدي ذلك – لا محالة - إلى تحقيق سلم اجتماعي يسمح بتحقيق معدل تشغيل ودخل فردي كافيين لتشجيع الاستهلاك، وبالتالي جعلها دولًا تستورد المنتجات الصينية عبر "طرق الحرير الجديدة" التي في طور التشكل من طرف الصين وحلفائها. فالرغبة الصينية ، في هذا الانفتاح ، تخدم "طرق الحرير الجديدة" عبر المرور من إيران وتركيا على وجه الخصوص. لذا، رغبة الانفتاح من جانب الصين، رغبة قوية حقيقية وفعلية وذات استراتيجي وأمني.

إن العلاقات الصينية الإيرانية قائمة منذ زمن بعيد ، لكنها تعاظمت أكثر في أعقاب الثورة الإيرانية " الخمينية" سنة 1979. وهذه العلاقات ذات طبيعة دبلوماسية وسياسية واقتصادية وعسكرية. وتعتبر الصين فاعلا تجاريا رئيسيا وع طهران. وقد لعبت الشركات الصينية دورًا مهمًا، بشكل خاص، في تطوير قطاع الطاقة الإيراني عبر شراء النفط و القيام باستثمارات كبيرة في قطاع الطاقة. كما حرصت بكين على الحفاظ على علاقات سياسية وثيقة مع طهران منذ ثمانينيات القرن الماضي ، وساعدت في تعزيز الجيش الإيراني من خلال مبيعات الأسلحة و العمل على حفظ السلام. ويعتبر النفط والغاز ، على الرغم من كل شيء ، من الركائز الأساسية لهذه العلاقة. كما تحتل إيران موقعًا استراتيجيًا في أضيق نقطة في الخليج الفارسي ، وتربط بحر العرب بالمحيط الهندي . وهي أيضًا دولة "ساحلية" ، عمليًا على أبواب أوروبا. لذلك، تنظر الصين إلى إيران ، كبوابة يمكن أن تسهل تدفق البضائع بين أوروبا والصين.

من وجهة النظر الصينية ، إن الشرق الأوسط ذو أهمية استراتيجية لا تخفى على أحد. وتحتاج الصين - التي تلعب دورًا متزايدًا في الشؤون العالمية حاليا - إلى تعزيز وجودها في المناطق الأساسية. فالصين يمكنها أن تلعب دورًا مهمًا، على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي و من حيث التأثير الأيديولوجي. لذلك تعمل "بكين" على توطيد روابطها مع قوى المنطقة ، مما يتيح لها فرصة الفعل في التوازنات الإقليمية. وتعتبر إيران الهدف الرئيسي في هذا الصدد. وهذا لأنها دولة تبرز كقوة إقليمية تلعب حاليًا دورًا أكيدا – لا غنى عنه - في التوازن الدبلوماسي في الشرق الأوسط.

في شرق إيران ، تعمل الصين بنشاط على تحديث أحد خطوط السكك الحديدية الرئيسية في البلاد ، وتوحيد المقاييس والمعايير ، وإعادة بناء الجسور ، بهدف ربط "تركمانستان" وإيران و أفغانستان. ويحدث الأمر نفسه في غرب إيران ، حيث أن العمل جاري في قطاع السكك الحديدية لربط طهران بتركيا.

إن إيران – اليوم - أساسية لتمكين الصين من تحقيق طموحاتها الكبرى، كما أصبحت أيضًا تشكل وجهة ذات "شعبية وجاذبية" متزايدة لدى رجال الأعمال الصينيين. وعند اكتماله ، سيمتد خط السكك الحديدية المقترح - ما يقرب من 3000 كيلومتر- من "أورومتشي" ، عاصمة منطقة "شينجيانغ" الغربية ، إلى طهران من ربط "كازاخستان" و"قيرغيزستان" و"أوزبكستان" و"تركمانستان".

فقد تكثفت العلاقات التجارية – أكثر من أي وقت مضى - بين إيران والصين، منذ أن بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في الضغط على إيران بشأن برنامجها النووي. ولا تزال الصين المستورد الرئيسي للنفط الخام الإيراني ، رغم استئناف العقوبات الغربية في 2018.

تنشط الشركات الصينية المملوكة من طرف الدولة في جميع أنحاء إيران ، حيث تقوم ببناء الطرق السيارة السريعة والتنقيب على المناجم لاستغلالها وتصنيع الصلب. وتمتلئ متاجر طهران بالمنتجات الصينية وتزدحم شوارعها بسيارات صينية الصنع. ويأمل القادة الإيرانيون أن تتيح لهم مشاركة بلادهم في خطة "طرق الحرير الجديدة" الاستفادة من الطموحات الصينية الاقتصادية الكبيرة. ومنذ سنة 2016 ، قدم التعاون بين الصين وإيران مساهمة ملحوظة في النمو الاقتصادي الإيراني ، وتحديث جملة من القطاعات وانتعاش سوق الشغل . وقد ساعد هذا التعاون - الذي يتسم بالتشاور الصريح والمنفعة المتبادلة - على تعزيز التفاهم بين الشعبين، فضلا عن تقوية الثقة والدعم المتبادل بين البلدين.

أثار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني مخاوف جدية داخل المجتمع الدولي ، لا سيما بين الدول الموقعة عليه (ألمانيا ، فرنسا ، المملكة المتحدة ، الصين ، روسيا) ، لكن لم يمنع هذا بكين من الاستمرار في فتح طرق التجارة إلى طهران. ففي مايو 2018 ، افتتحت الصين خطًا جديدًا للشحن بالسكك الحديدية بين "بايانور" ، وهي مدينة تقع في منطقة "منغوليا" الداخلية المتمتعة بالحكم الذاتي ، وإيران. فإيران شريك رئيسي في مشروع "طرق الحرير الجديدة"، بل هي أكثر من هذا، لأن المحور بين القوة الصينية والإيرانية يدفع إلى النظر أبعد من ذلك. فإيران على أعتاب تركيا ، وهي دولة لا تقل أهمية ضمن المشروع الصيني الطموح واستراتيجيتها.

بفضل مبادرة "طرق الحرير الجديدة"، شهدت تركيا زيادة مفاجئة في الاستثمار الصيني. وتتوقع الدولة التركية الكثير من هذا المشروع الضخم في مجال النقل والتجارة ، والذي يُعتبر أهم مشروع في هذا القرن. فليس من المستغرب أن تسعى تركيا إلى تطوير بدائل جديدة وشراكات جديدة في السياسة الدولية في نفس الوقت الذي توترت فيه علاقاتها مع الغرب (الحرب في سوريا ، الهجرة ، توسيع الناتو ، حقوق الإنسان). لكن هذا القرب المتزايد بين تركيا والصين ، الذي بدأ على خلفية "مشروع طرق الحرير الجديدة" ، سيخلق تأثيرًا جيوسياسيًا واستراتيجيًا على النطاق الإقليمي والعالمي. وهذا ما أكده الرئيس "أردوغان" في مايو 2017 في بكين حيث قال : "تقاربنا مع الصين سيكون له تأثير كبير على العالم ".

بلغ عدد الشركات الصينية الموجودة في تركيا أكثر من 1000 شركة في أبريل 2018. علاوة على ذلك ، دخول بنكين صينيين إلى القطاع المالي التركي واستحواذ المستثمرين الصينيين على ميناء تركي يشير إلى أن بكين ستطور استثماراتها وأنشطتها التجارية في تركيا في قطاعات متنوعة ، تخص الطاقة والخدمات اللوجستية و السياحة والنقل والبنية التحتية والتجارة الإلكترونية. كما شهدت التجارة بين الصين وتركيا زيادة مطردة على مدى العقدين الماضيين وأكثر منذ إطلاق مشروع "طرق الحرير الجديدة". ففي عام 1990 ، بلغ حجم التجارة البينية 238 مليون دولار بينما في عام 2017 كان لا يتجاوز 28 مليار دولار. وهكذا تفوقت الصين على روسيا وألمانيا لتصبح الشريك التجاري الرائد لتركيا. ولا نجانب الصواب بالقول إن التعاون الصيني التركي سيظل قويًا ، لأن اهتمامات الطرفين قائمة على مصالح كلا البلدين ، وهذا باعتبار أن الأهمية المتزايدة للسوق الصيني وتأثيراتها والموقع الجغرافي السياسي لتركيا سيدفعان أكثر إلى زيادة تكثيف هذا التعاون وتوطيده.
لقد انتهزت بكين الفرصة للاستثمار بشكل كبير في إيران ثم في تركيا. ورغم كل شيء ، فإن الاستثمارات الصينية في الخارج، في واقع الأمر، تتجاوز هذا المشروع والحدود التركية والإيرانية. فالصين تستثمر أيضًا في باقي الشرق الأوسط ، لا سيما في مصر وسوريا.
______________________ يتبع الجزء الثالث ___________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال