الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة المغربية تطالب بحوار اجتماعي حقيقي 2/2

خالد جلال

2006 / 9 / 22
الحركة العمالية والنقابية


لقد أولت غالبية دول العالم عناية خاصة للحوار الاجتماعي باعتباره أسلوبا حضاريا يجمع على طاولته الأطراف المعنية لتدارس مختلف القضايا والملفات الاجتماعية ومعالجة المشاكل المطروحة وكذا فض الخلافات والنزاعات. ومن أجل تحقيق هذا المبتغى، تبادر هذه الدول إلى تفعيل آليات الاستشارة والتشاور والمفاوضة والتوفيق بين مختلف أطراف الإنتاج بهدف تدارس جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك والمتعلقة أساسا بالتشغيل والتكوين والارتقاء بالقوى الإنتاجية ودعم تنافسية المقاولة وكذا ضمان الحقوق الأساسية للأجراء. وفي المغرب، اعتمدت الحكومة الحوار الاجتماعي منذ سنين كأداة أساسية للتشاور بين أطراف الإنتاج في مجال العلاقات المهنية لمعالجة المشاكل الاجتماعية وتحسين وتنظيم علاقات الشغل ووسيلة لإقرار ما يسمى بـ "السلم الاجتماعي". فهل ساهم الحوار الاجتماعي ببلادنا إلى معالجة المشاكل الاجتماعية وتحسين علاقات الشغل؟ وهل أفضت نتائج الحوار الاجتماعي إلى ضمان الحقوق الأساسية للأجراء؟ وما تقييمنا للجلسات السابقة للحوار الاجتماعي ونتائجها وفي مقدمتها "السلم الاجتماعي" ؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار "الحوار الاجتماعي" حوارا حقيقيا؟ وهل يمكن اعتبار النقابات العمالية متورطة في موافقتها على "السلم الاجتماعي" بصورته الحالية؟ وما هي مقومات السلم الاجتماعي الحقيقي؟ هذه بعض التساؤلات التي تطرح للنقاش في العديد من المحافل والمنابر وفي أوساط الطبقة العاملة لأنها لسبب بسيط لازالت تعتبر إشكاليات كبرى وتشكل مبررات انتقاد الأطراف المشاركة في الحوار وتمثل كذلك الدواعي الرئيسية للحركات الاحتجاجية الاجتماعية.
ففي ظل هذه الرتابة المشبوهة والسكون القاتل في التعامل مع القضايا المصيرية للأجراء، وفي ظل التكماطل والتسويف اللذين يطبعان تدبيرالمشاكل ذات الصبغة الاجتماعية، لا يزال مسلسل الإجهاز على القدرة الشرائية للأجراء متواصلا من خلال الزيادات المتكررة التي همت المحروقات وبعض المواد والخدمات الأساسية والتي تعتبرها غالبية شرائح المجتمع بمثابة صب المزيد من الزيت على نار الأزمة الاجتماعيةالتي أصبحت تحاصر ذوي الدخل المحدود والفئات الفقيرة. إن اشتعال أثمنة المحروقات والماء والكهرباء والخدمات كالهاتف والنقل بكل أصنافه وبعض المواد الأساسية كالسكر والخضر والفواكه والأسماك سيزيد لامحالة من لهيب الخركات الاحتجاجية الشعبية ويطلق العنان للاحتقان الاجتماعي.
إن تراكم الملفات الاجتماعية للعديد من القطاعات، العمومية منها والخاصة، وعدم التوصل إلى معالجتها بشكل عاجل وعادل وارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية لعموم المواطنين وتجميد الأجور وانسداد الآفاق في مجال التشغيل لعوامل من شأنها أن أن تذكي الاحتقان الاجتماعي وتعمق من الأزمة الاجتماعية التي بدأت تضرب في العمق فئات واسعة من الشعب المغربي، الشيء الذي تترجمه هذه الفئات إلى حركة احتجاجية سلمية معبرة بذلك عن سخطها على أوضاعها المزرية والمتدهورة ورفضها المطلق للسلم الاجتماعي في شكله الحالي.
وتأسيسا لما سبق، وبالنظر إلى المواقف التفاوضية الضعيفة للنقابات العمالية في الحوار الاجتماعي والتي أدت إلى فرض السلم/الظلم الاجتماعي وما ترتب عنه من تراجعات اجتماعية غير مسبوقة بالرغم من تحقيق بعض المكاسب الجزئية والتي تضمنتها الاتفاقات التالية التي همت أغلبيتها قطاع التربية والتكوين: اتفاق فاتح غشت 1996 ،اتفاق 19 محرم 1421( 24 أبريل 2000 )،اتفاق 13 ماي 2002 ثم اتفاق 28 يناير 2004 وآخرها اتفاق 14 دجنبر 2005، وبالنظر كذلك إلى تحول ميزان القوى بحيث أصبحت الحكومة تتحكم بزمام الأمور وتحاول فرض شروطها ولا أدل على ذلك الاتفاق الأخير بينها وبين النقابات الصحية الخمس (اتفاق 07 أبريل 2006) بحيث وصفته بعض الفروع المحلية للنقابات الموقعة بالاتفاق المهزلة، فقد شرعت منذ السنة الماضية في رفع أسعار بعض المواد والخدمات الأساسية وفي مقدمتها المحروقات والماء والكهرباء لتتلوها بعد ذلك أسعار وسائل النقل بمختلف أصنافه، ثم جاء بعد ذلك دور مادة السكر والخضر و واللحوم والأسماك. وقد أقدمت الحكومة على هذه الزيادات المتكررة دون استشارة الفرقاء الاجتماعيين الذين اكتفوا بالتنديد والاستنكار دون القيام بأية خطوة إيجابية في هذا الموضوع. ومن المحتمل أن تكون قائمة المواد والخدمات المرشحة أسعارها للارتفاع طويلة ولن يعلن عن اللائحة دفعة واحدة الكاملة حفاظا على مشاعر وصحة المواطنين بحيث يتم تقديم الزيادات بجرعات خفيفة ومتفرقة زمنيا. ويرى العديد من المتتبعين أن الحكومة باتخاذها قرار الزيادات المتكررة دون استشارة النقابات، الطرف والمحاور الأساسي في الحوار الاجتماعي، بدأت تسحب البساط من تحت أقدامها بشكل مفضوح وبتحد غير مسبوق وتتعمد إحراجها أمام عموم الأجراء محاولة بذلك دق آخر المسامير في نعوش هاته الهيئات النقابية.
ففي ظل هذا الوضع المختل والمتسم بفرض الجهات الحكومية لسياسة الأمر الواقع على النقابات وعدم تحمل هذه الأخيرة لمسؤولياتها أمام الطبقة العاملة وأمام مواصلة ضرب القدرة الشرائية لشرائح واسعة من الشعب المغربي وخصوصا بالنظر إلى تزامنها مع الدخول المدرسي وشهر رمضان، يتوقع العديد من المحللين والباحثين الاجتماعيين والاقتصاديين أن من شأن كل هذه العوامل السالفة للذكر بالإضافة على التماطل والتأخير غير المبرر في تسوية مجموعة من الملفات الاجتماعية الكبرى وتمرير بعض القوانين التراجعية والهجوم على الحريات النقابية والتسريح الجماعي والفردي للعمال ومحاكمة النقابيين وعدم تحريك الأجور قد تساهم في تصعيد وثيرة الحركات الاحتجاجية وتوسع من دائرتها كرد فعل منطقي ومبرر على اللجوء إلى سياسة الآذان الصماء أمام كل الأصوات المرتفعة من كل أرجاء البلاد التي تصرخ من جراء لهيب نار ارتفاع الأسعار التب أحرقتها وتنادي بضرورة وضع حد للإجهاز على القدرة الشرائية، وكذا انتهاج سياسة الأبواب الموصدة في وجه احتجاجات الأجراء والمعطلين على السواء مفضلة أحيانا لغة العصا على لغة الحوار، الشيء الذي قد يأجج من نار الحركات الاحتجاجية الشعبية والتي من المتوقع أن تعرف منعطفا خطيرا بسبب عمق الأزمة الاجتماعية الخانقة التي أصبحت غالبية المواطنين تعاني منها.
ففي ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة للطبقة العاملة وبعض ملامح الاحتقان الاجتماعي التي تبدو في الأفق والتي من المتوقع أن تلقي بظلالها على الدخول الاجتماعي الحالي، فإن عموم الأجراء يترقبون بقلق شديد بداية جلسات الحوار الاجتماعي قصد الوقوف على مدى قوة الرد النقابي على الهجوم الحكومي الذي سجل عدة إصابات في شباك المنظمات النقابية التي انتهجت خطة الدفاع وركنت للوراء فكانت الهزيمة هي النتيجة الحتمية. فلا زال الحوار الاجتماعي والتعمال مع النقابات محكوما بالمناسباتية والاستعراضية أحيانا، ويتم أحيانا تحت ضغط الاحتجاجات أو الإضرابات التي تصل إلى حد من الإحراج تجد الحكومة معه أن لا مناص من الحوار والوصول إلى حلول. إن رفع الظلم عن الطبقات العمالية وتحسين أوضاعها الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية رهين بشكل رئيس بالتأسيس لحوار اجتماعي حقيقي وتفعيله بواسطة العمل الجاد والمتواصل والتداول حول مختلف القضايا الآنية والاسترتيجية مع التأكيد على الالتزامات القابلة للتطبيق والقادرة على تصفية وتنقية الأجواء والعلاقات الجدلية القائمة بين العمال وأرباب العمل وكذلك ضمان المصالح المشتركة إذ في صحة العامل وصون مكاسبه وحقوقه والرفع من قدرته الشرائية تكمن صحة المقاولة وضمان استمراريتها وتحسين إنتاجيتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين تعديل نظام الكفالة وتحديات المناخ.. ما وضع العمالة الأجن


.. الرئيس السيسي يجري جولة تفقدية داخل مجمع هاير الصناعي خلال ا




.. الرئيس السيسي يشهد احتفالية عيد العمال | الخميس 2 مايو 2024


.. الرئيس السيسي يكرم عددا من النماذج العمالية المتميزة خلال اح




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الرئيس السيسي يشهد احتفالية عيد ا