الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجن الجفر... الجمر!

باسمة وراد

2022 / 7 / 20
أوراق كتبت في وعن السجن


صحراء تنبسطُ ككفين كأنها تستجدي السماء شيئاً ما، مطراً يبلل جفافها، أو سرباً من طيور، كما تتطلّعُ أعيننا نحن المغادرين ساحة السجن نحوها استجداء أمل انقضاء الزمن على نحوٍ أسرع، لكنها، كانت سماء قاسية لامبالية، لا يحجب أزرقها غيمة ولا يرفرف في أفقها أيّ طير، تمتد أعلى أرض مغمورة بالرمال. حافلة واحدة تقل عائلات معتقلين سياسيين في "سجن الجفر الصحراوي" ، الذي سيهدم بعد سنوات، طاوياً في الذاكرة بعمق حكايات بعدد من أودعوا هناك وشركائهم في القصص على مرّ سنين طويلة، سجناً كان في منتصف القرن الماضي مشرع الأبواب على حيوانات ضارية متأهبة لالتهام من يفكر بالتحرر من الشِباك. لم يفكر أحد بالمجازفة أملاً بحريّة محفوفة حتماً بموت بوسيلة مريعة. بسبب بعد المسافة بين العاصمة حيث تسكن عائلات وأصدقاء وأحبة أسرى معتقل الجفر، كان يُرتّب بتوافق زيارة موعدها يوم جمعة، ينحشر في حافلة قديمة عجلاتها مؤهلة لنهب الرمل بسرعة نبضات قلوب الركاب وأغانيهم والأحاديث كل عن قصته المكررة كل زيارة باختلاف من يجاورك في المقعد. تنعطف الحافلة يساراً حيث اللافتة الدالّة نحو الطريق الرملية في الشارع المؤدي إلى مَعان المدينة الجنوبية التي على أطرافها تم تشييد المعتقل. لحظة الوصول هي لحظة التدافع عند الباب قبل أن يقرر السائق فتحه، تدافع مبعثه الأمل بالدخول أولا لمن يحالفه او يحالفها الحظ بدقائق إضافية في حساب مدة الزيارة المسموح بها. تتداخل الأصوات وتتقارب الأجساد لضيق المكان على طرفيّ شبك السجن ذي الفتحات الواسعة بما يكفي لمصافحة ونصف عناق لناظرٍ من مسافة للزائرين، كالحراس مثلاً، يمكن بسهولة معرفة صلة القربى بين المتقابلين، الأمهات دموع محبوسة، الأبناء نظرات دهشة وخوف وأسئلة مخنوقة، الحبيبات مضيئات بلهفة اللقاء وانتظار محكوم بالأمل، مشرقات بانعكاس لمعات العيون المنتظرة شهراً لتبادل رسائل حصيلة ثلاثين يوماً لكتابتها، ومونة أخرى قادمة تُعين بقرائتها مِراراً على انتظار يوم الإفراج بثقلٍ أقلّ وطأة. صافرة تعلن تجمد لحظة الوداع، لحظة يُترك وصفها جانباً، الزيارة انتهت!!. السائق في الحافلة من مسافة، يرقب خطوات تغوص في الرمل ببطء أجساد مثقلة بمشاعر مختلطة، الوداع المؤقت، الكلام الذي قيل على عجل، الرسائل المكتوبة على ورق كورق لف السجائر، الرغبة في اللاعودة، ليست ذاتها الأقدام التي انطلقت راكضة نحو باب السجن فور فتح باب الحافلة، والسماء ذاتها في كل زيارة قاسية لامبالية تظلل بأزرقها امتداد الرمل الحارق الذي تغوص فيه أقدام تاركة آثارها حتى أول هبة ريح تمحوها.... !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بعقد صفقة تبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لدراسة رد حماس على مقترح صفقة تب




.. حرب غزة: لا تقدّم في مفاوضات الهدنة.. حماس تتمسك بشروطها ونت


.. مظاهرات في تونس لإجلاء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين




.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال