الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطّابع الأممي لثورة أكتوبر بمناسبة الذّكرى العاشرة لأكتوبر (تأليف جوزيف ستالين )

ابراهيم العثماني

2022 / 7 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إبراهيم العثماني (تعريب)
لا نستطيع أن نعتبر ثورة أكتوبر ثورة محدودة في "الإطار القومي"فقط. فهي، قبل كلّ شيء، ثورة ذات طابع أممي، عالمي لأنّها تمثّل في التّاريخ الكوني منعرجا راديكاليّا أحدثته الإنسانيّة في العالم القديم، الرّأسمالي تجاه العالم الجديد، الاشتراكي.
اعتادت الثّورات، فيما مضى، أن تنتهي بتعويض زُمرة من المستغِلّين بزمرة أخرى في سدّة الحكم. فكان المستغِلّون يتغيّرون ويستمرّ الاستغلال. حدث ذلك أثناء ثورات تحرير العبيد، وحدث ذلك في فترة انتفاضات الأقنان، وحدث ذلك في فترة الثّورات "الكبرى" الّتي نعرفها في أنقلترا وفرنسا وألمانيا. لن أتحدّث عن كومونة باريس الّتي كانت المحاولة الأولى المَجيدة والبطوليّة للبروليتاريا لدفع عجلة التّاريخ إلى الأمام ضدّ الرّأسماليّة لكنّها محاولة غير مثمرة.
تتميّز ثورة أكتوبر عن هذه الثّورات بمبدئها. فهي لا تطرح على نفسها تعويض شكل الاستغلال بشكل آخر، وزُمرة من المستغِلّين بزمرة أخرى بل إلغاء كلّ شكل من أشكال استغلال الإنسان للإنسان، وكلّ مجموعات المستغلّين مهما كان شأنهم، وتركيز دكتاتورية البروليتاريا، وسلطة الطّبقة الأكثر ثوريّة من بين كلّ الطّبقات المضطهَدة الّتي وُجدت إلى يوم النّاس هذا، وتنظيم المجتمع الجديد، المجتمع الاشتراكي الخالي من الطّبقات.
ولهذا السّبب تحديدا يمثّل انتصار ثورة أكتوبر منعرجا راديكاليّا في تاريخ الإنسانيّة، منعرجا راديكاليّا في المصائر التّاريخيّة للرّأسماليّة العالميّة، منعرجا راديكاليّا في حركة تحرّر البروليتاريا العالميّة، منعرجا راديكاليّا في أساليب النّضال وأشكال التّنظيم، وفي نمط العيش والعادات، وفي ثقافة وإيديولوجيّة الجماهير المستغَلّة في أنحاء العالم.
وثمّة يكمن السّبب في أنّ ثورة أكتوبر هي ثورة ذات طابع أممي وعالمي،
وثمّة يكمن كذلك سرّ التّعاطف العميق الّذي تبديه الطّبقات المضطَهَدة في أنحاء العالم مع ثورة أكتوبر الّتي ترى فيها رهان تحرّرها.
يمكننا أن نعلن جملة من القضايا الأساسيّة أثّرت ثورة أكتوبر فيها لتطوير الحركة الثّوريّة في العالم أجمع.

1- إنّ ما يميّز ثورة أكتوبر هو أنّها اخترقت، أوّلا وقبل كلّ شيء، جبهة الامبرياليّة العالميّة وأطاحت بالبورجوازيّة الامبرياليّة في أحد أكبر البلدان الرّأسماليّة وأوصلت إلى سدّة الحكم البروليتاريا الاشتراكيّة.
ولأوّل مرّة في تاريخ الإنسانيّة ارتقت طبقة المؤجَّرين، طبقة المضطهَدين، طبقة المقموعين والمستغَلّين إلى مصاف الطّبقة المهيمنة كاسبة إلى صفّها بمثالها هذا بروليتاريا العالم.
وهذا يعني أنّ ثورة أكتوبر دشّنت عهدا جديدا، عهد الثّورات البروليتاريّة في بلدان الامبرياليّة.
وقد افتكّت من الملاّكين العقّاريين الكبار والرّأسماليّين أدوات ووسائل الإنتاج وحوّلتها إلى ملكيّة اجتماعيّة ووضعت الملكيّة البورجوازيّة في وجه الملكيّة الاشتراكيّة. ومن ثمّ فضحت أكذوبة الرّأسماليّين الّذين يدّعون أنّ الملكيّة البورجوازيّة لا تُنتهك، مقدّسة وأبديّة.
انتزعت ثورة أكتوبر السّلطة من البورجوازيّة وحرمتها من حقوقها السّياسيّة، وفكّكت جهاز الدّولة البورجوازيّة ونقلت السّلطة إلى السّوفياتات واضعة بذلك البرلمانيّة البورجوازيّة والدّيمقراطيّة الرّأسماليّة في وجه الحكم الاشتراكي للسّوفياتات، الدّيمقراطيّة البروليتاريّة. وكان لفارق على حقّ لمّا كان يقول في سنة 1887، غداة الثّورة"سيُحرم كلّ الرّأسماليّين السّابقون من حقوقهم الانتخابيّة".
ومن ثمّ كشفت ثورة أكتوبر أكذوبة الاشتراكيّين الدّيمقراطيّين الّذين يدّعون أنّ الانتقال السّلمي للاشتراكيّة عبر البرلمانيّة البورجوازيّة ممكن الآن.
لكنّ ثورة أكتوبر لم تقف ولا تستطيع أن تقف عند ذلك الحد . فما إن قوّضت نظام الأشياء القديم البورجوازي حتّى شرعت في بناء نظام الأشياء الجديد الاشتراكي. إنّ سنوات ثورة أكتوبر العشر هي السّنوات العشر لبناء الحزب والنّقابات والسّوفياتات والتّعاضديّات والمنظّمات الثّقافيّة والنّقل والصّناعة والجيش الأحمر. ونجاحات الاشتراكيّة المؤكّدة في اتّحاد الجمهوريّات الاشتراكيّة السّوفياتيّة على جبهة البناء أبرزت بكلّ جلاء أنّ البروليتاريا قادرة على حكم البلاد بنجاح دون البورجوازيّة وضد البورجوازيّة، وعلى بناء الصّناعة دون البورجوازيّة وضد البورجوازيّة، وعلى قيادة مجمل الاقتصاد الوطني بنجاح دون البورجوازيّة وضد البورجوازيّة، وعلى بناء الاشتراكيّة بنجاح رغم الحصار الرّأسمالي.
إنّ"النّظريّة" القديمة الّتي ترى أنّ المستغَلّين لا يستطيعون أن يستغنوا عن المستغِلّين كما لا يستطيع الرّأس وأعضاء الجسد الأخرى الاستغناء عن المعدة لا تنتسب إلى مينينيس أقربا (Agrippa Menenius) السيناتور الرّوماني الشّهير في العصور القديمة فحسب بل إنّها تمثّل اليوم أساس"الفلسفة" السّياسيّة للاشتراكيّة الدّيمقراطيّة بصفة عامّة والسّياسة الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة القائمة على الوفاق مع البورجوازيّة الامبرياليّة بصفة خاصّة. وهذه" النّظريّة" الّتي اكتست طابع الحكم المسبق هي الآن إحدى العراقيل الأكثر جدّية أمام تغلغل الرّوح الثّوريّة في بروليتاريا البلدان الرّأسماليّة. وإحدى النّتائج الهامّة لثورة أكتوبر هي أنّها سدّدت ضربة قاضية لهذه "النّظريّة" الكاذبة.
أما زلنا في حاجة إلى أن نبيّن أنّ نتائج ثورة أكتوبر هذه ونتائج أخرى مماثلة لها لم تستطع ولا تستطيع أن تبقى دون أن يكون لها تأثير جدّي في الحركة الثّوريّة للطّبقة العاملة في البلدان الرّأسماليّة؟
إنّ أحداثا معلومة على المستوى الكوني مثل التّقدّم المستمرّ للشّيوعيّة في البلدان الرّأسماليّة، وازدياد تعاطف بروليتاريي بلدان العالم مع الطّبقة العاملة في اتحاد الجمهوريات الاشتراكيّة السّوفياتيّة وأخيرا كثرة زيارات الوفود العمّاليّة لبلد السّوفياتات تبيّن بكلّ تأكيد أنّ البذرة الّتي زرعتها ثورة أكتوبر أعطت ثمارها.

2- لم تحدث ثورة أكتوبر رجّة للامبرياليّة في مراكز هيمنتها وفي"المتروبول" فحسب بل سدّدت لها ضربة من الخلف، ومن الهامش مقوّضة هيمنتها في البلدان الاستعماريّة والتّابعة.
فكّت ثورة أكتوبر، بالإطاحة بالملاّكين العقّاريّين الكبار، قيود الاضطهاد القومي والاستعماري الّتي خلّصت منها كلّ الشّعوب المقموعة دون استثناء من دولة شاسعة.. لا تستطيع البروليتاريا أن تتحرّر دون أن تحرّر الشّعوب المضطهدة. إنّ السّمة المميّزة لثورة أكتوبر هي أنّها لم تنجز في ج.ا.س.ا. هذه الثّورات القوميّة والاستعماريّة تحت راية التّباغض القومي والصّراع بين الأمم بل تحت راية الثّقة المتبادلة والتّقارب الأخوي بين عمّال وفلاّحي الشّعوب القاطنة ب ا.ج.ا.س.، وليس باسم القوميّة بل باسم الأمميّة.
وتحديدا لأنّ الثّورات القوميّة والاستعماريّة حدثت عندنا تحت قيادة البروليتاريا وتحت راية الأمميّة، ولهذا السّبب تحديدا فإنّ الشّعوب- المنبوذة والشّعوب - العبيد ارتقت، لأوّل مرّة في تاريخ الإنسانيّة، إلى مصاف الشّعوب الحرّة والمتساوية فعلا كاسبة إلى صفّها بمثالها هذا الشّعوب المضطهدة في أنحاء العالم.
وهذا يعني أنّ ثورة أكتوبر قد دشّنت عهدا جديدا، عهد الثّورات الاستعماريّة في بلدان العالم المضطهَدة المتحالفة مع البروليتاريا تحت قيادة البروليتاريا.
فيما مضى كان"مقبولا" التّفكير في أنّ العالم منقسم منذ زمان إلى أجناس دنيا وأجناس عليا، إلى سود وبيض، فالأُوّل غير مؤهّلين للحضارة وكتب عليهم الاستغلال، والثّواني وحدهم يمتلكون الحضارة، ومدعوّون إلى استغلال الأُوّل.
الآن يجب اعتبار هذه الخرافة خرافة مخالفة للمنطق ومرفوضة، و من أهمّ نتائج ثورة أكتوبر هي كونها سدّدت ضربة قاضية لهذه الخرافة مبيّنة عمليّا أنّ الشّعوب غير الأروبيّة المتحرّرة والّتي تدرّبت في مسار التّطوّر السّوفياتي قادرة كذلك مثل الشّعوب الأروبيّة على تطويرالثّقافة والحضارة المتطوّرتين فعلا.
كان" مقبولا"، فيما مضى، أن نفكّر أنّ الطّريقة الوحيدة لتحرير الشّعوب المضطهدة هي طريقة القوميّة البورجوازيّة المتمثّلة في فكّ ارتباط الأمم عن بعضها البعض، وفصلها عن بعضها البعض وإذكاء التّباغض القومي بين الجماهير الكادحة لمختلف الأمم.
الآن يجب اعتبار هذه الخرافة كاذبة، ومن أهمّ نتائج ثورة أكتوبر هي أنّها سدّدت لها ضربة قاضية مبيّنة في الواقع أنّ الطّريقة البروليتارية والأمميّة في تحرير الشّعوب المضطهدة باعتبارها الطّريقة الوحيدة العادلة ممكنة وعقلانيّة مبيّنة في الواقع أنّ وحدة التّآخي بين العمّال والفلاّحين المنتمين إلى مختلف الشّعوب، الوحدة القائمة على التّوافق الحرّ والأممي ممكنة وعقلانية. إنّ وجود اتّحاد الجمهوريّات الاشتراكيّة السّوفياتيّة التّجسيد المسبق للاتّحاد المستقبلي لعمّال شعوب العالم في اقتصاد عالمي واحد هو الحجّة المباشرة.
لا فائدة في القول بأنّ مثل هذه النّتائج ونتائج أخرى مماثلة لها حقّقتها ثورة أكتوبر لم تستطع ولا تستطيع أن تبقى دون أن يكون لها تأثيرجدّي في الحركة الثّوريّة في البلدان المستعمَرة والتّابعة. إنّ وقائع مثل نموّ الحركة الثّوريّة للشّعوب المضطهَدة في الصّين وأندونيسيا والهند...إلخ والتّعاطف المتزايد لهذه الشّعوب مع ا.ج.ا.س هي شاهد على ذلك ثابت
لقد ولّى العصر الّذي كنّا نستطيع أن نستغلّ فيه المستعمرات والبلدان التّابعة ونضطهدها بكلّ طمأنينة.
وحلّ عصر الثّورات التّحريريّة في المستعمرات والبلدان التّابعة، عصر نهضة بروليتاريا هذه البلدان وعصر هيمنتها في الثّورة.

3- وضعت ثورة أكتوبر، بزرع بذرة الثّورة في مراكز الامبرياليّة ومن الخلف على حدّ سواء، وإضعاف قوّتها في "المتربول" وزعزعة هيمنتها في المستعمرات ، وجود الرّأسماليّة العالميّة في مجملها محلّ تساؤل ..
ولئن تفكّك التّطوّر العفوي للرّأسماليّة في ظروف الامبرياليّة- جرّاء مساره اللاّمتكافئ والنّزاعات والصّدامات المسلّحة الّتي لايمكن تجنّبها، وأخيرا جرّاء المجزرة الامبرياليّة الّتي لامثيل لها- في مسار قوامه تفسّخ الرّأسماليّة واحتضارها فإنّ ثورة أكتوبر إذن وانفصال بلد شاسع عن النّظام الرّأسمالي العالمي مافتئا يعجّلان بهذه السّيرورة مقوّضين أسس الامبرياليّة العالميّة نفسها تدريجيّا.
وبالإضافة إلى ذلك فقد خلقت ثورة أكتوبر، وهي تحدث رجّة في الامبرياليّة، في آن وبأوّل دكتاتوريّة بروليتاريّة، قاعدة للحركة الثّوريّة العالميّة قويّة ومفتوحة، قاعدة لم يسبق لها أن تملّكتها وعلى أساسها أصبحت الحركة قادرة الآن على الاعتماد عليها. لقد خلقت مركزا للحركة الثّوريّة العالميّة قويّا ومنفتحا، مركزا لم يسبق لها أن امتلكته وتستطيع الآن أن تتحلّق حوله منظّمة الجبهة الثّوريّة الموحّدة للبروليتاريا وشعوب العالم المضطهدة ضد الامبرياليّة.
وهذا يعني أوّلا أنّ ثورة أكتوبر جرحت الرّأسماليّة العالميّة جرحا غائرا لن يندمل أبدا. ولهذا السّبب تحديدا فإنّ الرّأسماليّة لن تستعيد أبدا"توازنها"، و"استقرارها" الّذي كانت تنعم به قبل أكتوبر.
تستطيع الرّأسماليّة أن تنعم بالاستقرار الجزئي وأن تعقلن إنتاجها وتسلّم قيادة البلاد للفاشيّة وتخفّض ظرفيّا من [ عدد] الطّبقة العاملة لكن لن تستعيد أبدا هذا"الهدوء" وهذه"الطّمأنينة"، وهذا"التّوازن" وهذا"الاستقرار" الّذي كانت تتباهى به فيما مضى لأنّ أزمة الرّأسماليّة العالميّة بلغت درجة من التّطوّر حتّى أنّ نيران الثّورة يجب أن تفتح لنفسها بالضّرورة ممرّا تارة في مراكز الامبرياليّة وطورا في محيطها مزيلة نهائيّا التّرميمات الرّأسماليّة ومعجّلة من يوم إلى آخر بسقوط الرّأسماليّة مثلها مثل ماجاء في الحكاية المعروفة:"إن سحَبَ الذّيل انغمس المنقار وإن سحب المنقار انغمس الذّيل" .
وهذا يعني، في مرحلة ثانية، أنّ ثورة أكتوبر رفعت إلى مستوى أعلى قوّة الطّبقات المضطهدة في أنحاء العالم وأهمّيتها وشجاعتها وكفاحيّتها فارضة على الطّبقات المهيمنة أن تقيم لها وزنا باعتبارها عنصرا جديدا وجدّيا. لم يعد ممكنا اليوم اعتبار الجماهير الكادحة في العالم "قطيعا أعمى" يهيم في الظّلمات وهو لا يملك آفاقا لأنّ ثورة أكتوبر زوّدتها بمنارة تضيء لها السّبيل وترسم لها آفاقا. ولئن انتفى، فيما مضى، وجود تكتّل كوني منفتح لإبراز تطلّعات وإرادة الطّبقات المضطهدة وتجسيدها فقد وُجد اليوم هذا التّكتّل ممثَّلا في أوّل دكتاتورية للبروليتاريا.
لا يمكن أن يساورنا أدنى شكّ في أنّ تدمير هذا التّكتّل قد يُغرق طويلا الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة "للبلدان المتقدّمة" في ظلماتِ رجعيّة سوداء لا كابح لها. وليس بوسعنا أن ننكر أنّ مجرّد وجود"الدّولة البلشفيّة" يكبح جماح قوى الرّجعيّة الظّلاميّة ميسّرا للطّبقات المضطهدة النّضال في سبيل تحرّرها، وهو ما يفسّر إجمالا الكراهيّة الشّديدة الّتي يكنّها مستغلّو بلدان العالم للبلاشفة.
التّاريخ يعيد نفسه لكن على قاعدة جديدة. فكلمة"بلشفي" تثير اليوم الرّعب والاشمئزاز في نفوس بورجوازيّة العالم في عصر سقوط الرّأسماليّة كما سبق أن أثارت كلمة"يعقوبي"، في عصر سقوط الإقطاعيّة، الرّعب والاشمئزاز في نفوس أرستقراطيّي العالم. وبالعكس تُتّخذ موسكو اليوم ملاذا ومدرسة للمُمَثّلين الثّوريّين للبروليتاريا الصّاعدة كما كان الشّأن فيما مضى لمّا اُتّخذت باريس ملاذا ومدرسة للممثّلين الثّوريّين للبورجوازيّة الصّاعدة. إنّ الكراهيّة الّتي كانت الإقطاعيّة تكنّها لليعقوبيّين لم تُنقذها من الغرق. فهل يمكن أن نرتاب في أنّ كراهيّة الرّأسماليّة للبلاشفة ستنقذها من السّقوط الحتمي؟
لقد ولّى عصر"استقرار" الرّأسماليّة حاملا معه أسطورة ثبات النّظام البورجوازي.
وحلّ عصر انهيار الرّأسماليّة.

4- لا يمكننا أن نعتبر ثورة أكتوبر ثورة محدودة في مجال العلاقات الاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة فقط. فهي كذلك ثورة في العقول، وفي إيديولوجيّة الطّبقة العاملة، وُلدت وتدعّمت صفوفها تحت راية الماركسيّة، وفكرة دكتاتوريّة البروليتاريا، واللّينينيّة ماركسيّة عصر الامبرياليّة والثّورات البروليتاريّة. ولهذا السّبب فهي تمثّل انتصار الماركسيّة على الإصلاحيّة، وانتصار اللّينينيّة على الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة، وانتصار الأمميّة الثّالثة على الأمميّة الثّانية.
أحدثت ثورة أكتوبر هوّة سحيقة بين الماركسيّة والاشتراكيّة الدّيمقراطيّة، بين سياسة اللّينينيّة وسياسة الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة.
فيما مضى، وقبل انتصار دكتاتوريّة البروليتاريا، كان بإمكان الاشتراكيّة الدّيقراطيّة أن تتباهى براية الماركسيّة دون أن تنكر جهرا فكرة دكتاتوريّة البروليتاريا لكن دون أن تفعل أيّ شيء إطلاقا للتّعجيل بتكريس هذه الفكرة. إلاّ أنّ اتّباع الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة لمثل هذا السّلوك لم يكن يثير أيّ تهديد للرّأسماليّة. في ذلك العهد، كانت الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة، من النّاحية الشّكليّة، تتماهى- أو تكاد تتماهى- مع الماركسيّة.
الآن وبعد انتصار دكتاتوريّة البروليتاريا، رأى كلّ فرد بالعين المجرّدة إلى أين تقود الماركسيّة وماذا يمكن أن يعني انتصارها، إنّ الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة لم تعد قادرة على التّباهي براية الماركسيّة، ولم تعد قادرة على تبنّي فكرة دكتاتوريّة البروليتاريا دون أن تهدّد الرّأسماليّة. وما إن قطعت صلتها، منذ مدّة طويلة، بروح الماركسيّة حتّى اُضطرّت إلى قطع صلتها كذلك براية الماركسيّة. فقد اتّخذت موقفا صريحا ودون لبس ضدّ ثورة أكتوبر الّتي أفرزتها الماركسيّة، وضد أوّل دكتاتورية للبروليتاريا في العالم
ومنذ ذلك الوقت كان عليها أن تنفصل و قد انفصلت فعلا عن الماركسيّة لأنّ الفرد، في الظّروف الحاليّة، لا يستطيع أن يتسمّى ماركسيّا دون أن يساند بوضوح ودون احتراز الدّكتاتوريّة البروليتارية الأولى للعالم، ودون أن يخوض النّضال الثّوري ضد بورجوازيّة بلده ودون أن يخلق الشّروط الضّروريّة لانتصار دكتاتوريّة البروليتاؤيا في بلده.
بين الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة والماركسيّة هوّة. ومن الآن فصاعدا فإنّ الممثّل الوحيد للماركسيّة وحاميها هو اللّينينيّة والشّيوعيّة.
إلاّ أنّ الأمور لم تقف عند ذلك الحدّ. فبعد أن رسمت ثورة أكتوبر حدود الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة مع الماركسيّة تقدّمت كثيرا ملقية بالاشتراكيّة الدّيمقراطيّة في معسكر المدافعين المباشرين عن الرّأسماليّة ضد أوّل دكتاتورية بروليتارية في العالم. ولمّا احتجّ بشدّة كلّ من م.م. أدلار وباور، ووالس وليفي ولنقات وبلوم على" النّظام السّوفياتي" ممجّدين "الدّيمقراطيّة " البرلمانيّة أرادوا أن يبيّنوا بذلك أنّهم يكافحون وأنّهم سيواصلون كفاحهم في سبيل إعادة تركيز النّظام الرّأسمالي في ا.ج.ا.س. للإبقاء غلى العبوديّة الرّأسماليّة في الدّول "المتمدّنة".
إنّ الدّيمقراطيّة الاشتراكيّة اليوم هي المرتكز الإيديولوجي للرّأسماليّة. فلينين له ألف حق لمّا كان يقول إنّ محترفي السّياسة الدّيمقراطيين الاشتراكيين في أيّامنا هذه هم"الأعوان الحقيقيّون للبورجوازيّة في الحركة العمّاليّة، وإنّ مساعدي عمّال طبقة الرّأسماليين سيصطفّون بكلّ تأكيد إلى جانب "أنصار فرساي" ضد "المتشيّعين للكومونة" في الحرب الأهليّة بين البروليتاريا والبورجوازيّة.
يستحيل أن نجهز على الرّأسماليّة دون أن نتخلّص من الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة في الحركة العمّاليّة. ولهذا السّبب فإنّ عصر احتضار الرّأسمايّة هو في آن عصر احتضار الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة في الحركة العمّاليّة.
تتمثّل الدّلالة الكبرى لثورة أكتوبر، فيما تتمثّل، في أنّها تعلن الانتصار الحتمي للّينينيّة على الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة في الحركة العمّاليّة العالميّة.
لقد ولّى عصر هيمنة الأمميّة الثّانية والاشتراكيّة الدّيمقراطيّة في الحركة العمّاليّة وحلّ عصر هيمنة اللّينينيّة والأمميّة الثّالثة.

نشر النص في جريدة "البرافدا" عدد 255، بتاريخ 6-7 نوفمبر1927.
اعتمدنا، في ترجمة هذا النّصّ، النّسخة الصّادرة في كرّاس مستقلّ عن"مكتبة/نشر نورمان بيتين/باريس 1977.
Staline (J) : Le caractère international de la Révolution d octobre, 11 pages
Librairie-Edition, Norman Béthune, Paris 1977.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هاي وين نايم -بالزمن العصمنلي-ستالين غلب هتلر وصار
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 7 / 24 - 01:18 )
رمز الاجرام


2 - ستالين لم يكمل مدرسة متوسطة ولم يكتب يوما مانسب ا
د. لبيب سلطان باحث عراقي كاليفورنيا ( 2022 / 7 / 25 - 11:44 )
السيد المعرب
رغم ان المقالة انشائية ولا تحتوي غير وصف لا يمت للواقع، فان ستالين قام باغتيال ثورة اكتوبر وفق اغلب الماركسيين فهو رجل امي طرد من المدرسة بعمر 15 عاما ومتسلق للسلطة من خلال جهاز الأمن وجلاد حقيقي قام بتصفية كل عقول الماركسية الروسية في الحزب البلشفي كل اعضاء قيادة البلاشفة ومتهم بتصفية ارقام فلكية بين 10 الى 17 مليونا ونشر كتابا ومقالات الفت له باسمه بينها اسس الفلسفة الماركسية اللينينية وهو امي وربما لم يتفوق عليه حتى رجلان اميان وجلادان مثله هم صدام وبول بوت ولن يتشرف لا ماركس ولا انجلز ولا حتى بائع خضار روسي
بتاريخ هذا الرجل المجرم بحق شعبه وشعوب اخرى ساهم بتدميرها

اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة