الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السير على جلد الغزال

احمد الحمد المندلاوي

2022 / 7 / 25
حقوق الانسان


# قرر أن يعود الى بلدته وأهله بعد حفنة من السنين تجاوزت التسع،متحملاً آلامها المريرة كي يحيا ما تبقى من عمره النكد في سعادة مرجوة .. فهو لو لم يكن ضيّق الحال ما ترك أهله و أترابه وعياله لا سيما طفلهُ الوحيد (ما شا الله) و الذي يدلعه بـ(ماشي – ناشي) ذي أربع سنوات .. الفراق صعب و مرٌّ ..و لكن الفقر أصعبُ و أمرُّ، و على قاعدة (أرضُ اللهِ واسعة) هجر البلاد و الزوجة الظريفة و المواسية ،و الطفل البرئ الذي لا تملّهُ العيون ..عينانِ سوداوانِ واسعتانِ..شعر أسودُ ناعمٌ يحاكي الفحم في السواد ،و قامةٌ لا تتعدى ستين سنتيمتراً ..إنتبه على نفسهِ فجأة..
- آهٍ ..لقد تركتهما بلا فحمٍ؛وبلا دقيقِ؛حتى الجاجيم كانَ متهرئاً من كثرة الإستعمال ،بل ماذا بقي منه؟لقد ورثته عن أبي،رحمك الله تعالى يا أبي؛لم تترك لنا شيئاً..حتى البقرة الأخيرة ذبحتها في عيد الأضحى قبل وفاتك ..أضحية لأبيك و ربما كان آخر كمية من اللحم تناولتها منذ ما يقارب العشر سنوات ..لعن الله الفقر ،و كان الإمام علي (ع) محقاً حين قال:(لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته).
و لكنّي لن أنسى كلام والدي حين يقول لنا دائماً:
- ما دمتم طيبين يا أبنائي،و لا تبحثون الا عن الطيب الحلال فأنتم موفقون بأذن الله..و هو معكم.
- ما أجمل هذا الكلام ..أرددّه مع نفسي ..و لكن ما دمتُ في أزمة خانقة..والحصول على ليرة مجيدية أصعب من الصعود الى القمر..و لكن ما العمل؟ و أتذكر زوجة صبورة و طفلاً يافعاً .و أنا لا أتناول من الخبز الا مرة واحدة في اليوم إقتصاداً كي أبعث ما أوفره من مجهودي اليهما.. حمداً لك يا إلهي ..
صمتٌ خيّم عليه .. و كأنَّ هناك من يصغي اليه..ألتفتَ الى نفسه قائلاً:
- ها يا (فلان) أنسيت إنّك عازم اليوم على الرحيل!..
- نعم نعم ..سأرحل عن هذه الديار؛ليس بمقدور العيش هنا بعيداً عن أهلي و أسرتي..لقد طال الفراق ..رغم أني آليت على نفسي أن لا أعود الا و همياني مملوء بالليرات الذهبية.ولكن للصبر حدود..
و لم أرَ تحسناً في الأمر..أبقى أو لا أبقى سيّانِ ..و بوصلة رزقي تؤشر على عين الرقم كلَّ صباحٍ ..أقترض منه كما يقترض البخيل من رغيف يابس .إذاً العَودُ أحمد..و ذخري من الحياة ذكرى والدي و كلامه الطيّب..والشوق يدفعني لرؤية (ماشي-باشي)..هنا طفَتْ على وجهه البائس إبتسامة عفوية بذكر ضناه.. وكأنه يسير على جلد الغزال نحو محبوبه ماشي –ناشي.
- ما الأمر كذلك.إذاً لابدَ من التجهيز،وإعداد الزوادة،و ليس لي خمسة عشر درهماً،حكمُ والدي ترن في مسامعي بلذة كأنغام سمفونية بحيرة البجع:
- أن لا تنم في الوادي؟
- ان لا تنم مع الغرباء؟
- ان لا تستعجل في القرار؟
- إبلع كلماتك أولاً ثم إنطق بها؟؟.و..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي


.. مراسلة العربية: إسرائيل طلبت إطلاق سراح 20 من الأسرى مقابل ه




.. اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين


.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل




.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر