الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة البنيوية المعقدة للمجتمع والنظام السياسي اللبناني

غسان الرفاعي
كاتب وباحث ماركسي من لبنان

2022 / 7 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الدكتور نزار يونس يقرأ
الازمة البنيوية المعقدة للمجتمع والنظام السياسي اللبناني

ليسمح لي اخي نزار ان استفيد من بحثه المنفتح على رحاب العلم ، لاجاهر ببعض الجرأة ، من اجل ازالة بعض " السدود " من امام الحقيقة !
قرأنا ابحاثا كثيرة عن الطائفية واثرها في حياة اجيال واجيال من اللبنانيين ، تنطلق حقا من معاناة الناس ، على " ضفتي " الشعب الواحد ! لا شك اننا للجميع شاكرون لما قدموا ... لكننا نعتقد بان الاوان قد حان للجهر بما ينبغي ان يقال : فما انتج كان في الواقع تكريسا " للآفة " ، واقرارا ، ضمنيا ، بشرعيتها – بالظن ، بشكل ما --- بدون وعي مسبق على الارجح ، في اغلب الاحوال – انا نكافحها ! ... وهذا ، على وجه الضبط ، ما ساند وابقى ، في الواقع ، الانحيازات والطروحات الاستقطابية ذات المضمون الطائفي المتنافر في المواقف السياسية ... هكذا جرى تمويه واخفاء اصحاب المصالح والمنافع الحقيقيين ، وتمكينهم من " استغلال " وتسخير المجتمع والدولة لصالحهم ، ولتوسيع امتيازاتهم الفئوية الخاصة ، مع ابقاء الناس : جميع الناس ، الذين تجمعهم ، موضوعيا ، المصالح الحياتية الاشمل التي تضمن تأمين شروط البقاء الجماعي ، وتؤمن استمرار الكتلة الاجتماعية الاساسية التي تحافظ على استمرارية المصالح الحيوية العامة ، امام مخاطر التأزم والتراجع والتفكك. وهذه ، على وجه الضبط ، ما تشكل المرتكزات المادية للمجتمع والدولة ، وهي الشروط للاستمرار في سياقات تطور طبيبعية ، بصرف النظر عن درجة توافق او تنافر " افكار الناس " ، وصراعات معتقداتهم الدينية ، وتضارب آرائهم الشخصية !.. هكذا كانت الحال دوما ، كما يقول التاريخ ، بعد ان صار المجتمع قائما على التراتبية الاجتماعية والسلطوية !... في ظل هذه الظروف المحددة مارس الناس ، ويمارسون نشاطهم لتحقيق غاياتهم .
في الواقع ، لم تغب هذه الحقيقة التاريخية ، العلمية ، عن الدكتور نزار وهو يكتب كتابه " الميثاق " !... وهو يدرك ، في الوقت نفسه ، الى جانب ذلك ، بانه لا يستطيع ان يتجاهل الاثر المادي الذي ما زالت تمارسه على الواقع السياسي حتى اليوم ، وبقوة ، المادة 95 من الدستور التي تقول " ... بصورة موقتة ، وعملا بالمادة الاولى من صك الانتداب ، والتماسا للعدل والوفاق ، تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة ، وفي تشكيل الوزارة ، من دون ان يؤول ذلك الى الاضرار بمصلحة الوطن "!... لكن نزارا الذي لا تغيب عنه العلاقة والتفاعل بين الايديولوجيا والفعل النفسي الارادوي الذي يمكن ان يتولد تحت تأثير الدوافع المصلحية ، تجرأ ، بروحية العالم والوطني اللبناني العميق العميق ، ان يستنتج : بان " الموقت تحول الدائم الوحيد في الحياة السياسية ، واتاح غرس بذور جرثومة الطائفية ... التي الحقت بالوطن المذلة والعار "... ولخص كل ذلك بالقول ان الشعب اللبناني قد حصد " مئة عام من الضياع " ، ويقرأ فيها " دولة لبنان الكبير التي نخرها وباء خبيث ... عطل امكانية قيام دولة " !...
وما هذا الا التوصيف الادق والاكمل والاشمل !
ان الاهمية النوعية لكتاب نزار يونس تتجاوز مجرد " الدعوة التبشيرية " . لقد طرح مشروعا سياسيا واقعيا متكاملا لمعالجة " سرطان " النظام السياسي اللبناني والتشوهات الفكرية والنفسية التي زرعها عبر اجيال واجيال ، مع ذلك فتح السبيل لولوج طريق العمل : بحثا فكريا وعملا سياسيا لبلورة العوامل المادية الجامعة فيما بين الناس ، وفضح بطلان " عوامل فرقتها " التي يزعم انها ابدية . وهذا ما لم تستطع الكثير من الاحزاب السياسية ان تقرب منه . لقد تعامل نزار مع الطائفية كظاهرة اجتماعية –تاريخية ، وليس " كمؤامرة " ... وبذلك يكون الاقرب للولوج الى عقل المواطن اللبناني ومصلحته ، الذي صار تحت تأثير " السرطان الطائفي " بهذه الدرجة او تلك ... ومن البديهي ، ان الظاهرة الاجتماعية تحتاج الى تفسير ، من حيث كشف دوافع نشوئها ، واسباب استمرارها وظواهر تجلياتها الفكرية والسلوكية ( العملية ). فهي ليست من الطبيعة التكوينية للناس ! هي تحتاج الى تفسير لنشوئها : صحيح كان هناك تعسف عثماني وظلم ... ولكن اللبنانيين جميعا عانوا منه ... صحيح كان هناك صراع ونزاعات بين الموارنة والشيعة ، وبين الموارنة والدروز ... ومن الطبيعي ان تصطبغ هذه النزاعات بفروقات الانتماء الديني ، عفوا او قصدا . لكنها ، في واقعها ، ومن حيث دوافعها المحركة ... فقد كانت تدور حول الارض ... والمياه ... والمراعي ! كما في سائر المعمورة ، وفي سائر الازمان . في ظل هاتيك الظروف العامة المحددة مارس الناس ، ويمارسون ما تمليه عليهم مصالحهم .
اما المسألة التي نحن بصددها اليوم فمختلفة : هي : كيف تحولت هذه التمايزات الدينية الى تمايزات ايديولوجية سياسية نفسية تتواجه فيها كتل جماهيرية كبيرة نطلق عليها اسم الظاهرة الطائفي ؟ وهنا لابد من العودة الى التاريخ ليرشدنا .
رافق السنوات الثلاث الاخيرة من الحرب العالمية الاولى نشاط محموم لتهيئة المسرح العالمي لنمط جديد من التحاصص والتقاسم فيما بين " القوى الكبرى ". هذه حقيقة تاريخية ينبغي ان تراعى وتؤخذ بعين الاعتبار بمعزل عن المعايير والاحكام الاخلاقية والعواطف !... اذا كان رائدنا العلم ، وهاجسنا اصلاح مجتمعنا وسعادة شعبنا !
لقد كان شرقنا الاوسط احد الميادين الرئيسية لهذا التقاسم . وبعيدا عن اي تقييم مبني على سوء الحظ او على حسنه ... كانت بريطانيا وفرنسا هما الدولتان الحليفتان اللتان تتنازعان النفوذ على المنطقة ، متجاوزتين حتى اتفاقاتهما المسبقة حول الموضوع ... وقد رجّح الهاشميون ( بقيادة شريف مكة حسين بن علي واولاده ) كفة الانكليز في لبنان وسوريا باعلان الملكية في سوريا ، وتنصيب فيصل ابن الحسين ملكا ... متجاوزين ارادة الشعب السوري التي عبر عنها عن طريق الاستفتاء برفض الانتداب . وكان لهذا الحدث اثر وصدى ما في لبنان ، ولّدا هادسا وخيفة لدى الفرنسيين ... هذا هو في الحقيقة الامر الجلل الخطير الذي استوجب اجتراح واقتراح المادة 95 ، واقحامها في الدستور ، متجاوزين ، هنا ايضا ، مصلحة وارادة الشعب اللبناني التي تجلت بالمعارضة " الحادة من النواب الوطنيين في لبنان ، المطالبين بفصل الدين عن الدولة ، وعلى رأسهم جورج زوين ، نائب كسروان آنذاك " ( نزار يونس ص 31 ). وكان من الطبيعي ان يجري، كذلك ، تجاهل التراث السياسي والفكري المتقدم الذي بنته اجيال من اللبنانيين ، كما يكتب نزار يونس ، حين " تفاعلت النخب اللبنانية ، منذ بدايات القرن التاسع عشر وما قبله ، بحماسة وبشكل مذهل ، مع الفكر الوافد من الغرب بعد ثورته الاولى . لم تكن العاميات الاولى التي عرفها لبنان في القرن التاسع عشر سوى التعبير عن ذلك التفاعل ، عندما رفعت ، باكرا ، شعار الجمهورية وفصل الدين عن الدولة . "
ماذا يريد ان يقول لنا نزار يونس بهذه الايحاءات التي يطرحها ؟ انه يدعو ويحثّ ويحرّض ، بقناعة الواثق ، ضميرا وعقلا ( وهو محق ) ، بان نسلك نهج مفكري عصر الانوار ، ونمارس فعل اجيال عصر الانوار !
ان كتاب نزار يونس ليس حدث صدفة !... كان استجابة لتفجر انتفاضة تشرين ، ونداء لاستكمالها !... تشرين اعلنت نضج عصر التحويل في لبنان ايضا ! ... ورسمت خط السير العام لما ينبغي ان نقوم به نحن : كافراد واحزاب ، و" كتل جماهيرية " لها حضورها وتأثيرها الفاعل لضمان التوجه الديموقراطي للتحرك في تحقيق اهدافه الاصلاحية كاملة : الاجتماعية والسياسية ، وذلك بافشال تكرار التسويات الفوقية التي يمكن ان تعقدها فيما بينها الاجنحة التقليدية للطبقة الحاكمة ، كما فعلت في السنوات الثلاث الاخيرة لاجهاض انتفاضة تشرين ، ووضع العراقيل امام توحيد جهود فصائلها وتشويه نشاطاتها . وهذا ما نتابعه حتى في التحركات التي تجري على صعيد الحملة الانتخابية التي بدأت .
كم اتمنى ان لا يكتفي الصديق نزار بطرح كتابه " كرما على درب ! "... فالحقل الذي هيأه يعد باعناب وقمح وزيت وافراح !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتيل وجرحى في انهيار مبنى بمدينة إسطنبول التركية


.. مبادرة شابة فلسطينية لتعليم أطفال غزة في مدرسة متنقلة




.. ماذا بعد وصول مسيرات حزب الله إلى نهاريا في إسرائيل؟


.. بمشاركة نائب فرنسي.. مظاهرة حاشدة في مرسيليا الفرنسية نصرة ل




.. الدكتور خليل العناني: بايدن يعاني وما يحركه هي الحسابات الان