الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية البنائية في النقد الأدبي

عطا درغام

2022 / 7 / 26
الادب والفن


لقت نظرية البنائية اهتماما كبيرا من النقاد العرب، إذ تُرجمت الكثير من الكتب إلي اللغة العربية تتناول هذه النظرية ،وما ألفه النقاد العرب ،تبرز إلي السطح بعض الكتب داخل إطار المنهج البنائي في التحليل الأدبي ،وأهمها دراسة بعنوان" الأسلوب والأسلوبية: نحو بديل ألسني في نقد الأدب، التي نُشرت عام 1977 ، مضافًا إليها مجموعة بحوث عن " مفاعلات الأبنية اللغوية والمقومات الشخصانية في شعر المتنبي" وعرض لكتاب" ريفاتير" " مقالات في علم الأسلوب الهيكلي"(البنائي) ،ودراسات عن الجاحظ وأيام طه حسين .
وأهم ما يقدمه المسدي هو محاولة إقامة القنطرة بين الفكر اللغوي الحديث من جانب التراث الأدبي العربي من جانب آخر؛ في اجتهادات نظرية وتطبيقية ذات مستوي عال من الأصالة والحداثة،تمزج بين معطيات علم اللغة وعلم النفس اللغوي وعلم الأسلوب بمراحله المختلفة وتصهر كل هذا في أدوات نقدية بالغة الرهافة والحساسية، يعرض عليها نماذج من التراث فتضيء بدلالات جديدة تشهد بفاعلية المنهج ونجاحه ؛علي أنها ليست بديلًا ألسنيًا عن النقد ؛ بقدر ماهي إضافة علمية إلي مناهجه وتسيس رشيد لبعض طرائقه.
وكتاب الدكتور كمال أبو ديب" جدلية الخفاء والتجلي؛ دراسات بنيوية في الشعر" الذي صدر عام 1979، وسبقته مجموعة من البحوث التطبيقية المهمة، قدم فيها الدكتور كمال أبو ديب رؤية جديدة للشعر الجاهلي علي ضوء المنهج البنائي تُعد إنجازًا حقيقيًا يتقدم بدراسة الأدب العربي خطوات جادة في سبيل التحليل العلمي المثمر.
ولأننا نعد كتاب"جدلية الخفاء والتجلي" أخطر محاولة بنيوية تطبيقية متكاملة تضرب في جذور الشعر العربي حتي الآن؛ فإنه يحق لنا أن نلقاها بما هي جديرة به من العناية والاهتمام؛ إذ قد يحكم علي مدي جدية المنهج وعلميته بها.وهذه هي طريقة الحفاوة النقدية الوحيدة .
ويبدأ الباحث دراسته البنيوية عن"الفضاء الشعري"-وهو عنوان مستعار من الكاتب الفرنسي"موريس بلانشو" – باقتطاع جذاذات من الشعر يتبدي فيها لون من الثنائية بين جانبين محددين؛ وبالرغم من أن محور الثنائية أساسي في المنهج البنيوي إلا أنه ليس وصفة جاهزة تصلح لاكتشاف الخواص المميزة لكل نص شعري؛ بل يبوح كل نص بمحوره ومركز الثقل فيه بعد أن يتم اختياره بطريقة لا توحي بالقصد إلي إثبات فكرة مسبقة، والاقتصار علي المستوي الثنائي المباشر مصادره قد تمنع الباحث من الاستجابة الحرة الواعية للنص واكتشاف نظامه الخاص.
وقد تحول بينه وبين العثور علي البنية الخصبة العميقة الكامنة خلف التكاثر الثنائي أو غيره..علي أن أخطر ما في هذا الفصل لا يقف عند ذلك ، بل يتمثل في القفز المفاجيء من جزئية صغيرة تتصل بنسق موسيقي صوتي في الشعر إلي الحديث عن بنية الثقافة والحياة بطريقة لا تراعي الاختلاف الجوهري بين الظواهر المتنوعة؛ إذ يفترض أن ما يصدق علي تصور جزئي بسيط قابل بالضرورة لهذا التعميمر، مما يكاد يخرج بنا عن روح المنهج العلمي الذي تحاول البنائية الاقتراب منه.
وقريب من هذا المزلق ما وقع فيه المؤلف عند حديثه عن "الأنساق البنيوية في الفكر الإنساني والعمل الأدبي"؛إذ التقط عدة نماذج عشوائية أو مختارة عمدًا- من الشعر والقصة والأسطورة بحثًا عن بنية ثلاثية-هذه المرة- بشكل يكاد يقودنا إلي الإيمان بما للرقم 3 من قوة سحرية تخضع لها كل مظاهر الحياة.
فإذا ما تذكرنا شرط النموذج في التحليل البنيوي السليم باعتباره فرضًا علميًا يستقيه الباحث من مادته نفسها ويشرح جوانبها المختلفة في حركة متذبذبة مثل حركة المكوك- علي ماهو معروف عند ليفي شتراوس وجولدمان مثلًا- أدركنا أن الفكرة الثلاثية المسبقة التي تختار الأمثلة المتطابقة معها ليست استقرائية ولا شارحة؛ وأن هذا المنطلق نفسه تجهد البنيوية لمحاربته لما فيه من تبسيط شديد يلتمس النظام في السطح المباشر.
أما الفصل الخامس الذي يقدم فيه المؤلف دراسات معمقة في شعر أبي نواس وأبي تمام ،فهو صلب الكتاب وأقوي مافيه؛ إذ يعمد د.كمال أبو ديب إلي مجموعة من النصوص المختارة علي أساس منهجي سليم ليكشف من خلالها أنساقًا بنيوية بالغة التماسك والقدرة علي الإفضاء بدلالات جديدة ،ومع أنه لا يزال يخضع لسطو فكرة النموذج الثلاثي إلا أن هذا لا يهدده بقدر ما يوقفه عند مرحلة محددة؛ فقد كان بوسعه أن يتابع انتقاء الأمثلة التي تمده بفرص أوفر لاختبار مستويات متعددة ،يستطيع من خلالها أن يدعم نتائجه عبر شبكة العلاقات الموسيقية والدلالية والرمزية المتفاعلة.
ومع أن الباحث يرتكز في تحليله فحسب علي المستوي السياقي الذي يبرز التضاد بين عالمين متجاورين في النصوص، إلا أنه قد حاول في بعض الأحيان أن يفيد من إمكانات تقاطع المستوي الاستبدالي مع المستوي السياقي، وإن لم تشتبك علاقة الغياب في تحليله بعلاقات الحضور لتبرز الطبيعة الاستعارية التصويرية للشعر، وتختبر فعاليتها المجازية ومستواها الفني؛إذ أنه بالطريقة التي أجري بها د. كمال أبو ديب تحليله يستوي إن كان النص شعرًا أو نثرًا فلم يتداخل لديه المستوي الصوتي الموسيقي بالمستوي الرمزي إلا في حالات قليلة عند بحثه عن وظيفة النثر الدلالية، ولم يتمكن الباحث من جلاء هذا الجانب .
والعمل الثالث الذي برز في تناول البنيوية كتاب الدكتور زكريا إبراهيم عن مشكلة البنيوية الذي صدر غالبًا عام 1978- إذ إنه لا يحمل تاريخ صدوره- وهو كتاب عالم قدير يتخذ منظورًا فلسفيًا يشرح من خلال إشكالية البنية اعتمادًا علي مقولات المعرفة.وبدلًا من التركيز علي مباديء البنييوية وشرح كيفية تشكلها وممارستها لوظائفها يعمد إلي تناول أهم أفطاب البنيوية بالعرض المتقصي لآرائهم وأعمالهم.
فهو إذن كتاب عن البنيويين في الدرجة الأولي..وعلي الرغم من ذلك يظل مرجعًا أساسيًا يعرض أهم مفكري البنائية بأستاذية واقتدار، ويُعد دليلًا لكل من يتصدي لنقل آثارهم الكبري إلي اللغة العربية حتي لا نترك جانبًا تلك الرءوس .
وتأتي دراسة الدكتور صلاح فضل عن البنيوية بعنوان (نظرية البنائية في النقد الأدبي"، ويذكر في مقدمة الكتاب أنه بحث يختلف عما يألفه الناس ويأنسون إليه في البحوث الادبية، لا لأنه يتعرض لأصعب المناهج الحديثة وأدقها وأكثرها جفافًا وأبعدها عن المصطلحات والتصورات التقليليدة فحسب،ولكن لأنه يلتزم بمستوي نظري تجريدي عال يقتضي منه العزوف عن التطبيقات المبتسرة المبسطة في محاولة لاستيعاب النظرية أولًا وموقعتها في إطارها الثقافي الشامل ثانيًا،واصطناع كلماتها الجديدة التي تفاجيء القاري وتحمله علي أن يقطع صلته بما يسميه مفكرو البنائية بعصر التشبيهات، بحثًا عن تسمية الأشياء من خلال تركيبها وتحليلها ووصف وظائفها، فهو مغامرة حقيقية في قلب الفكر المعاصر اقتضت جهودًا شاقة لن يلبث القاريء ان يدرك بدوره ضرورة أدائه لما يعادله من مشقة غن كان جادًا في متابعة خطواته بما تتطلبه من يقظة.
ويُشير الدكتور صلاح فضل أن السنوات الأخيرة شهدت ثورة منهجية حقيقية لم تقتصر علي النقد الأدبي،وإنما بدأت في علوم اللغة والنفس والاجتماع ،ثم انتهت إلي الدراسات الأدبية طبقًا للنظرية البنائية ومقولاتها السيمولوجية.فإن أي عرض أمين لهذه النظرية لابد وأن يمتد إلي هذه العلوم باحثًا عن كيفية احتضانها لبذرة البنائية ونموها فيها بما لا نعهده في الدراسات الأدبية التي تختلط بالتاريخ وتترنح قبل أن تطوي صفحاته.
ويذكر تضاربات النقاد حول تحديد المصطلح الخاص بالبنائية ، فبعض الباحثين يستخدم كلمة بنيوية نسبة إلي البنية – وهو اشتقاق صائب لولا أنه يجرح النسيج الصوتي للكلمة بوقوع الواو بين ضرتيها، بما يترتب علي ذلك من تشدق حنكي عند النطق به،وهذا ماحدا به أن يستخدم "البنائية" بدلأ من "البنيوية" لسلاستها وقرب مأخذها.
وقد جاءت الدراسة في قسمين: قسم يتناول مدخل لدراسة البنائية من خلال أصول البنائية وتاريخها وبذورها في الفكر الحديث وتطورها في مختلف العلوم الإنسانية، وذلك قبل الخوض في كيف تصب في الدراسات النقدية والأدبية..
والقسم الثاني البنائية في النقد الأدبي، وذلك من خلال تناولها في الأدب ومستويات التحليل الأدبي،وشروط النقد البنائي، ، وعلاقتها بلغة الشعر وتشريح القصة والنظم السيمولوجية والأدب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان السوري سامر المصري يهنئ الشعب السوري


.. الفنان السوري جهاد عبدو يهنئ السوريين بسقوط نظام الأسد




.. منى زكي باكية فى مهرجان البحر الأحمر: المرض وحش.. وتجربة فيل


.. 311 الناس الحلوه مجدى عفيفى و محمد زكى العشماوى ومحمد السنع




.. فيلم الحريفة 2 يحصد 11 مليون جنيه خلال يومي عرض بالسينمات