الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عروة في قميص السؤال لـ فرج بيرقدار

كمال جمال بك
شاعر وإعلامي

(Kamal Gamal Beg)

2022 / 7 / 26
الادب والفن


في العمل الأدبي والفني والفكري، كما في الحبّ والحلم والجمال ، يتعدّد الواحد إلى الكثير، في الانطباع والتفسير والتأويل، ويتفتح النص في كل قراءة جديدة عن معان مضمرة بمهارة أو عفو الخاطر من خزين الوجدان، ودلالات تثير بإيحاءتها خيال المتلقي وأحاسيسه باتجاهين متفاعلين، الأول إلى أعماق النفس التي تناغمت مع الدهشة المجهولة من سريان قشعريرة تحت مسّام الجسد، والثاني إلى آفاق المعرفة الإنسانية واستشرافها، بقوس قزح من مشرق التجربة الشخصية و الذكريات، إلى مغرب المعاناة العامة والوجود.
يختزل هذا التوصيف – على ما فيه من تقصير في مقاربات ثانية – قراءة الصديق الشاعر فرج بيرقدار نصوصاً شعرية ونثرية وكتابات فكرية في تجربتين نضالية وأدبية لأكثر من أربعة عقود، سلخ النظام الأسدي منها أربعة عشر عاما في الفروع الأمنية ومعتقلات الموت بتدمر وصيدنايا. ومن السجن سرّب قصائده الحرة، مرة كفراشات مفجوعات بالنار، ومرات كحمامات الأمل الزاجل. وفي " مرايا الغياب" نتعرف على هذا الكهف حيث يُقتل العقل في المعتقل ويسود الجنون. وما أشبه المنفى لاحقاً به. ثلاثية تصدى لها من (نجا) من كتّابها، حتى بات هناك ما يعرف (بأدب السجون) وفي ريادتهم فرج بيرقدار.
و بإطلالة سريعة على " عروة في قميص السؤال" الصادرة حديثاً عن دار سامح في السويد، فإنها تضم مقدمة للشاعر بعنوان "جانب من سيرتي مع النشر" وستّاً وأربعين قصيدة، منها أربع قصائد في خاتمة المجموعة بين عامي 1973 و1982 تمت الإشارة إليها بأن الرقابة رفصتها في حينها. أما القصائد الثانية فتسلسلت في المتن بين عامي 2001 و2018. والزمان والمكان هنا ليسا (ما بعد إذا زائدة)، بل لهما وظيفتا التوثيق من جهة، والدلالة من جهة ثانية، ويدخل في هذا أيضا الإهداءات أو الإشارات أو الهوامش في قصيدة ما. وفي مئة وخمس وعشرين صفحة تنفرد النصوص بين قصيدتي البيت والتفعيلة، غالبيتها قصيرة، ويأخذ بعضها أحيانا تشكيل المقطع أو البطاقة أو البرقية. والقاسم المشترك بينها غنائيتها المنسابة وإيقاعاتها الهادئة، واتقاد وجدانها وغليان مشاعرها، في وحدة أشبه بتدفق الينابيع الكبريتية الحارة.

والشاعر المدرك لما مررنا به من كوارث، لا يرفع الراية البيضاء، بل يشد العزائم منذ مقدمته:
بأن " تحويل المأساة إلى قصيدة قد يساعد على تحملها أو تمثلها أو فضحها أو تحاشيها أو تصفية الحساب معها ولو معنويا"
وعلى خط فني مواز في السكة ذاتها فإن "الشاعر وهو يكتب قصيدته الحرة "المنثورة" قد يطرأ له شطر موزون، فإن لم ينتبه إليه ويكسره، فستنكسر القصيدة".
وانطلاقا من هذا الوعي الفكري والجمالي، تأتي الرؤيا منسجمة مع مجمل التجربة كاملة في حلقاتها المنفصلة والمتصلة في آن، بلغة رشيقة ودقيقة تقترب بعض مفرداتها أو جملها أو صورها من فصيح العامي المشبع بالبلاغة. وتحتاج بعض القصائد في هذه المجموعة إلى وقفة نقدية لكل منها خارج حدود قراءة إنطباعية أولية، ومن هذه القصائد: سآتي إلى حمص، عروة في قميص السؤال، الذكريات.. أما بعض مفاتيح المجموعة، فمنها أن الحب بمفهومه الشامل يتسيّدها، وأن الشاعر يعمق لجذور صوفية جديدة، يلتبس ظاهر الحب فيها مع باطن الكوني، ويستجلب ذلك سحابا يمطر حضورا وغيابا من ("الحرف المطعون" نون النسوة إلى ناديا- وسميرة خليل - و أمّه التي علمته المرارة قبل أبيه – والحرية الأنثى - ورفيقه الراحل عدنان محفوض- وصولا إلى حمص – وأم الهوى الشام...) وبيانها كاملا:
سأكون أول لاجئ يا شامُ
لو رحل الطغاةُ
يا أم سوريا إذا اقتضت الحياةُ
وأم سوريا إذا شاء المماتُ
من صالحية سفحك المسفوحِ
من دوما وجيران الهوى
من ركن دينك والمخيمِ
والجنوب إلى الشمال إلى شروق الحب عند غروبه
هاتي يداً يا أخت واستلمي يدا
يا شام يا أم الهوى
وهنت دريئتنا
وما وهن الرماةُ

"عروة في قميص السؤال"، يقول الشاعر في مقدمته "بأنها ليست إلا عنوانا لبعض الفداحات التي مرت بنا أو مررنا بها أفرادا وجماعات وعواصم" مع أنها أكثر من سؤال وأكثر من قميص، يمكن ممايزتها زمانيا ومكانيا، في الخاص والعام في تجربة لها خصوصيتها شعريا وفكريا وموقفا إنسانيا.
فرج بيرقدار شاعر وصحفي من مواليد حمص 1951 حائز على إجازة في اللغة العربية جامعة دمشق. عضو اتحاد الكتاب السويديين، ونادي القلم في السويد، وعضو شرف في نادي القلم العالمي، وعضو في رابطة الكتاب السوريين.
اعتقلته المخابرات الجوية أول مرة 1978 بسبب نشاطه الثقافي. وآخر مرة 1987 بعد مدة من التخفي والملاحقة أربع سنوات، وهذه المرة بسبب انتمائه إلى حزب العمل الشيوعي. أحيل بعد ست سنوات من اعتقاله إلى "محكمة أمن الدولة العليا بدمشق"! فأصدرت ضده حكما 15 عاما مع الأعمال الشاقة والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية. نظت حملة دولية واسعة للمطالبة بالإفراج عنه من الكتاب والفنانين العالميين وشخصيات سياسية وحقوقية ومنظمات معنية، فلم ترضخ السلطات إلا بعد مرور قرابة 14 عاما من الاعتقال قضاها الشاعر بين فروع الأمن ومسالخ الاعتقال في تدمر الصحراوي وفي صيدنايا العسكري.
صدرت له بين عامي 1979 و2022 تسع مجموعات شعرية، وكتاب خيانات اللغة والصمت حول تغريبته في سجون المخابرات السورية، والخروج من الكهف (يوميات السجن والحرية)، ومجموعة مقالات ومداخلات وكتابات متفرقة في كتاب ليس للبكاء.. ليس للضحك. وصدرت عدة ترجمات لبعض كتبه ولجانب من شعره إلى الفرنسية والإنكليزية والهولندية والألمانبة والسلوفينية والسويدية والليتوانية والإيطالية.
حاز بيرقدار على جوائز: هلمان/ هامت أمريكا 1998، نادي القلم العالمي- أمريكا 1999، الكلمة الحرة هولندا 2004، حرية القلم للتعبير هولندا 2006، توشولسكي السويد 2007، ابن بطوطة- اليوميات الإمارات العربية المتحدة 2011، حامد بدر خان 2016، مهرجان فيرتسلي للسعر إيطاليا 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً


.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو




.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس


.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي




.. انتظروا لقاء مع أبطال مسلسل دواعي السفر وحوار مع الفنان محمد