الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية من ثلاثة فصول الطريق إلى دلمون

طلال حسن عبد الرحمن

2022 / 7 / 28
الادب والفن


مسرحية من ثلاثة فصول

الطريق إلى دلمون


الفصل الأول

صالة ، الأم ترتب الأثاث ،
تدخل ابنتها سالمة متثائبة

الأم : سالمة ، تأخرت اليوم .
سالمة : لم أتأخر ، هذا وقت نهوضي كلّ يوم ،
يا ماما .
الأم : لكنّ خالك سالم عندنا ، وهو لا يأتي كلّ
يوم إلى الموصل .
سالمة : عفواً ، ماما ، ظننت أن أبي سيكون معه
صباح هذا اليوم .
الأم : أبوكِ كالعادة ذهب إلى المحل ، منذ
وقت مبكر .
سالمة : " تهم بالخروج " سأذهب ، وأعد مائدة
طعام الإفطار .
الأم : أعددت المائدة ، وأنتِ نائمة ، اذهبي
وسلمي على خالك .

يدخل سالم ، في حدود
الأربعين ، تتوقف سالمة

سالم : لا عليكِ ، أنا أسلم على الوردة العزيزة
سالمة .
سالمة : خالي !
سالم : صباح الخير ، وردتي .
سالمة : صباح النور والسرور ، يا خالي .
سالم : " يتأملها مبتسماً " آه يا للحنطة
القندهارية الجميلة ، زهرتي أيضاً حنطية
مثلك .
سالمة : زهرة ؟
سالم : نعم ، هذا اسمها .
الأم : على اسم أمنا ، زهرة ، آه .
سالم : كلّ من يراها من العراقيين ، يقول إنها
موصلية ، أكثر مما هي بلغارية .
الأم : لا عجب ، فأبوها سالم ، والموصل
تجري في دمه .
سالم : الموصلي حيثما يكون ، فهو موصلي ،
حتى لو كان في الآخرة .
الأم : تصور ، ابنة أختك القندهارية ،
استيقظت الآن .
سالم : " يبتسم " ....
سالمة : اليوم عطلة ، يا ماما .
سالم : وما أكثر العطل في العراق .
الأم : الآن تغيرت عناوين العطل ،
ومدلولاتها ، وتضاعفت عما كانت عليه
من قبل .
سالمة : تصور ، يا خالي ، أيام الدوام في الكلية
توقظني ماما مع الفجر ، وأحياناً قبل
صياح الديك .
الأم : لو يترك الأمر لها ، لما استيقظت إلا
عند الظهر .
سالم : " يضحك " وراثة .
الأم " تغالب ابتسامتها معاتبة " سالم .
سالم : رحم الله أيام زمان .
الأم : الذنب ليس ذنبي ، وإنما ذنب أمي ،
كانت تدللني .
سالمة : أرأيت ، يا خالي ؟ لا أريدها إلا أن
تكون مثل جدتي زهرة .
الأم : هذا يلائمكِ ، اذهبي الآن ، الشاي يغلي
على النار .
سالمة : " تهم بالخروج " نعم ، ماما .

يدق جرس الباب ،
تتوقف سالمة مترددة

سالمة : ترى من يكون ؟
الأم : لابدّ أنه وعد الله ، لقد اتصل بالتلفون
قبل قليل ، وقال بأنه سيأتي ، ليرى خالكِ
، ويسلم عليه .
سالمة : " وهي تخرج " سأفتح الباب .
سالم : " يبتسم للذكرى " وعد الله .
الأم : للحقيقة ، يا سالم ، وعد الله يسأل عنك
دائماً ، ويرسل لك تحياته .
سالم : " مازحاً " إنه وعد من الله ، مهما يكن ،
فهو إنسان طيب ، وطالما وقف إلى
جانبي ، في أقسى الظروف .
الأم : لا عجب ، فإنه ابن عمتك " تضحك "
لقد ذهب قبل سنوات إلى الحج .
سالم : " يضحك " هذه تليق به تماماً ، الحاج
وعد الله .

يدخل وعد الله ، ويسرع
إلى سالم فرحاً متهللاً

وعد الله : والحمد لله ..
سالم : " يضحك " كنت أغتابك ، الحاج ..

الحاج وعد الله .
وعد الله : ستذهب أنت أيضاً إلى الحج يوماً ، ولن
تكون أول ماركسي متشدد يذهب إلى الى
بيت الله الحرام .
سالم : " يمدّ يديه نحوه " فليذهب أبو محمد
خاصتكم أولا .
وعد الله : " يعانقه ضاحكاً " آه منك ، يا ابن
عمتي " يقبله " يسعدني أن أراك بصحة
وعافية .
سالم : أشكرك ، أشكرك جداً ، يا عزيزي "
مازحاً " يا حاج وعد الله .
الأم : كما قلتُ لك ، يا سالم ، وعد الله يسأل
عنك دائماً ، ويدعو لك بالخير .
سالم : " يربت على كتفه " لا عجب ، كنّا في
جبهة وطنية واحدة .
وعد الله : ليتها استمرت ، يا ابن عمتي ، فتلك
الأيام كانت أفضل الأيام .
سالم : لم يردها من لم يردها ، وإلا لما وصل
العراق إلى ما وصل إليه اليوم .
الأم : لا تعودا إلى نقاركما السياسي ، وعد
الله أفطر معنا اليوم .
وعد الله : أشكركِ ، أفطرت قبل قليل ، ثم إنني
مشتاق لنقاره الراقي ، فمنذ أن ذهب إلى
بلغاريا لم أجد من أناقره .
الأم : " تتجه إلى الخارج " تناقرا إذن ، ولكن
كونا رحيمين بريشكما ، الذي وخطه
الشيب .
وعد الله : أخوك هو الشايب ، أنظري إلى شعره ،
لقد غزاه الثلج .
سالم : وابن عمتك وعد الله ، يقاوم الثلج
بالأصباغ ، دون جدوى .

تخرج الأم ، يبقى
سالم ووعد الله وحدهما
وعد الله : " يمازحه " وأخيراً جئتم ، يا سالم ،
ولكن على دبابة أمريكية .
سالم : كلا ، رغم أنني ، كما تعلم ، بعيد عن
الحزب ، لكن ما أعرفه أن الحزب كان
ضد الحرب وضد الدكتاتورية ، وكذلك
ضد التدخل الذي حدث في العراق .
وعد الله : سالم ..
سالم : والحقيقة ، أن الذي حدث ، هو أن
الأمريكان ، أنزلوكم من القطار ، الذي
جاءوا بكم فيه عام 1963 .
وعد الله : أنت كالعادة تغالط ، يا سالم ، فالحقيقة
هي ..
سالم : هذا ما قاله مسؤولكم الأول وقتها ، جئنا
في قطار أمريكي .
وعد الله : هذه ليست الحقيقة ..
سالم : " يحضنه ضاحكاً " والحقيقة .. الحقيقة
.. أن هذا فات أوانه .
وعد الله : لندع هذا الآن ، ستأتي عندنا ، ونناقش
كلّ شيء بهدوء " يدق التلفون " مهما
يكن ، أهلاً بك في الموصل .
سالم : أشكرك ، أشكرك ، يا عزيزي ،
سأجيء ، وأسلم على عمتي .
وعد اله : طالما تمنيت أن أراك " يبتسم " وقد
دعيت ، وأنا بين يدي الله في الحج ، أن
تأتـي ، وأراك .
سالم : " التلفون يستمر على الدق " وها قد
أتيت ، ورأيتني .
وعد الله : الحمد لله .
سالم : أشكرك ، أراك قريباً .
سالمة : " تدخل وترفع السماعة " ألو ..
وعد الله : إلى اللقاء قريباً .

وعد الله يخرج ، سالمة
تتحدث في التلفون

سالمة : نعم ، إنه هنا ..
سالم : " ينظر إليها " ....
سالمة : " هامسة " إنه لك ، يا خالي .
سالم : " يتجه نحوها " من ؟
سالمة : صباح .
سالم : صباح !
سالمة :" تقدم له سماعة التلفون " تفضل ، يا
خالي ، تريد أن تسلم عليك .
سالم : " يأخذ سماعة التلفون " ألو ..
صباح : " في التلفون " سالم ..
سالم : صباح ..
صباح : مرحباً ، يا سالم ..
سالم : أهلاً بكِ صباح ..
سالمة : " تنسحب وتخرج بسرعة " ....
صباح : حمداً لله على سلامتك ..
سالم : أشكرك ، يا صباح ..
صباح : أرجو أن تكون .. بخير .
سالم : ألف شكر ..
صباح : صوتك متغير .. متغير بعض الشيء ..
يا سالم .
سالم : إنه الزمن ، يا صباح ، لكن صوتكِ أنتِ
لم يتغير .
صباح : أنت مجامل كالعادة .
سالم : هذه ليست مجاملة ، صوتك مازال كما
، أعرفه ، صباحاً .
صباح : أخشى أنك قد تغير رأيك ، يا سالم ،
إذا التقينا .
سالم : سنلتقي ، سنلتقي قريباً ، لابدّ أن أزوركم
، فأرى خالتي ، وأراكِ ، و.. ولن أغير
رأيي بالتأكيد .
صباح : خالتك ، إنها تسأل عنك دائماً ، ربما
أكثر مما تسأل أنت عنّا ، مهما يكن ،
فأنت عزيزها الغالي .
سالم : وأنتما العزيزتان دائماً ، وأنا أسأل
عنكما دائماً .
صباح : عفواً لقد أطلت ..
سالم : لا .. أبداً ..
صباح : اتصلتُ لأسلم عليك ، وأسمع صوتك ،
كي أطمئن على صحتك ، و .. وأقول لك
" الأم تقف بالباب " إن خالتك تسلم عليك
، وتدعوك للعشاء هذا اليوم .
سالم : شكراً ، أريد أن أراكما فقط ، وأشرب
معكما قدحاً من الشاي ، سأحضر اليوم
قبل المساء .
صباح : أهلاً ومرحباً بك .
سالم : مع السلامة " يضع سماعة التلفون "
هذه صباح .
الأم : عرفت أنها هي .
سالم : اتصلت بي لتسلم عليّ ، وتدعوني
عندهم مساء هذا اليوم .
الأم : كما يقال ، يا سالم ، جبل وجبل لا
يلتقيان ، لكن إنساناً وإنساناً ، مهما طال
الزمن ، قد يلتقيان ، وها أنت وصباح ،
وبعد هذه السنين ، ستلتقيان .
سالم : أنتنّ النسوة تقلن ، كلّ شيء قسمة
ونصيب .
الأم : كلا ، كلا يا سالم .
سالم : " ينظر إليها " ....
الأم : إنها إحدى أخطائك ، يا سالم .
سالم : يبدو أن لا فائدة ، سأبقى المتهم عندك ،
يا أم سالمة .
الأم : أمي المرحومة ، كانت تتمنى دائماً ، لو
رأتك أنت وصباح ..
سالم : " يلوذ بالصمت " ....
الأم : ماتت ، وفي قلبها حسرة واحدة ، أنت ،
يا سالم .
سالم : أنتِ تعرفين ، إنني لم أحب إنساناً كما
أحببتُ أمي .
الأم : لكنك سافرت ، وتركتها ، كما تركت ..
صباح .
سالم : أمي ، وكذلك صباح ، لم تريدا أن أبقى
هنا ، بعد أن تعرضت لمحاولة الاغتيال
الغادرة تلك .
الأم : لم تغب عن بالها ، لحظة واحدة ، حتى
النهاية .
سالم : أرادوا قتلي ، وأطلقوا عليّ الرصاص ،
لكنهم أخطأؤني ، وأرادوا ملاحقتي حتى
النهاية ، وتصفيتي جسدياً ، ولو لم
يهربني وعد الله إلى بغداد ، لما نجوت
منهم أبداً .
الأم : تلك فترة بعيدة ، قبل أن تسافر إلى
بلغاريا .
سالم : لم أسافر إلى بلغاريا مباشرة ، كما
تعرفين ، فقد تسللت عبر المنطقة الكردية
، إلى مواقع الأنصار، وبقيت هناك لمدة
سنتين تقريباً ، وكانت الحياة هناك صعبة
وخطرة ، فاضطررت إلى الهجرة إلى
بلغاريا .
الأم : ومنذ أن تزوجت تلك الفتاة البلغارية ،
وورثت متجر أبيها ، لم تعد سالم الذي
نعرفه .
سالم : عملت أول الأمر عند أبيها ، وقد
احتضنني وكأني ابنه ، وتزوجت ابنته
ليس طمعاً في شيء ، فقد كانت هي فتاة
ناضجة خيّرة محبة ، وبعد أن توفي أبوها
، ورثت هي عنه المتجر ، فهذا حقها
وليس حقي .
الأم : أمي كانت تنتظرك هنا في الموصل ،
وكذلك صباح .
سالم : لم يكن بإمكاني أن أعود ، لأي سبب من
الأسباب ، فقد كانت الخطورة شديدة عليّ
، وحتى مجيئي الآن ، فيه خطورة شديدة
على حياتي ، إنهم لم ينسوني ،
والاغتيالات الآن ليست أقل من
الاغتيالات في السبعينيات ..
الأم : " تنظر إليه صامتة " ....
سالم : لقد اغتالوا مسؤول الحزب قبل أيام ،
وبعدها اغتالوا أحد أعضاء الحزب ومعه
زوجته ، وأنا نفسي يمكن أن أغتال في
أية لحظة .

يفتح الباب ، وتدخل سالمة ،
يتوقف سالم والأم عن الكلام

سالمة : ماما ..
الأم : " تنظر إليها " ....
سالمة : الفطور جاهز .
الأم : " لسالم " تفضل .

سالم يخرج ، تخرج
سالمة ، تتبعها الأم

إظلام


الفصل الثاني


صالة ، صباح ترتب قطع
الكيك ، الأم تتابعها بنظرها

الأم : صباح ، ابنتي ، المفروض أن نعدّ لسالم ، بعد هذه الغيبة الطويلة في بلاد الغربة ، وجبة عشاء تليق به ، وليس قالب كيك وشاي .
صباح : هذه رغبته ، يا ماما .
الأم : إننا لم نره ، منذ أن سافر إلى بلغاريا ، ومن يدري ، فقد نراه ، أو لا نراه مرة ثانية .
صباح : لا عليكِ ، يا ماما ، سندعوه إلى الغداء ، في يوم قريب .
الأم : " تبدو فرحة " سالم يحب كبة البرغل الموصلية ، وطالما قال إنني أفضل من يعمل كبة البرغل في العائلة ، حتى أفضل من أمه .. أختي زهرة .
صباح : كما تريدين ، يا أمي ، أدعيه ، واعملي له كبة برغل .
الأم : " تنظر إليها " صباح ..
صباح : ماما ..
الأم : عزيزتي ..
صباح : سالم الآن ، وسيبقى ، ابن خالتي المرحومة زهرة ، وأخي .
الأم : أنتِ مازلتِ عنيدة كالصخر ..
صباح : هذا الموضوع انتهى ، منذ فترة طويلة ، يا ماما .
الأم : إنها الفرصة الأخيرة ، وقد لا أراه أنا وأنت مرة أخرى .
صباح : " تقف لائذة بالصمت " ....
الأم : " تتنهد " ليهدكِ الله .

جرس الباب يدق ،
الأم تلتفت نحو الباب

الأم : لابدّ أنه سالم ..
صباح : نعم ، إنه هو على الأغلب .
الأم : أسرعي ، وافتحي الباب .
صباح : " تنظر إلى أمها " ....
الأم : صباح ، إنني متعبة ، قد أجلس معكما
قليلاً ، ثم أخلد إلى فراشي .
صباح : " تهز رأسها " ماما ..
الأم : لا تدعيه ينتظر ، اذهبي يا ابنتي ،
وافتحي الباب .
صباح : " وهي تخرج " حالاً ، يا ماما .
الأم : الولد همّ ، وخاصة إذا كان بنتاً ، وكلما
كبر الولد كبر همه معه ، آه صباح ، ماذا
سيكون مصيرها بعد أن أرحل ، وصحتي
تقول لي ، إنني قد أرحل قريباً ، آآآآه .

يدخل سالم باشاً ،
وتدخل صباح وراءه

صباح : تفضل ، خالتك تنتظرك ، آه لو تعرف
كم تحبك .
سالم : القلوب سواقي ..
الأم : دعها ، يا سالم ، إنها تغار .
سالم : " يفتح يديه لها " أمي وليست خالتي
فقط .
الأم : " تعانقه بلهفة " هذا صحيح ، إنني أمكَ
" تتشممه " آه رائحة الغالية ، أختي
العزيزة زهرة .
سالم : فليرحمها الله .
الأم : آه منك ، يا سالم .
صباح : ماما ..
سالم : دموعكِ غالية " يمسح دموعها " دعيني
أمسحها لك .
الأم : أمك لا توفيها الدموع حقها ، إنها في
قلبي ، وستبقى فيه ، مهما مرّ الزمان ، آه
زهرة .. زهرة .
صباح : أرجوكِ ، يا ماما .
الأم : " تمسح دموعها " صباح أعدت لكَ
قالب كيك ، " تجلس " تعال اجلس ،
سنتذوقه مع الشاي المهيل .
سالم : " يجلس إلى جانبها " إنني مشتاق إلى
شايك المهيل .
صباح : " تقدم له استكان شاي " تفضل ، ذق
شاي خالتك .
سالم : " يتذوق الشاي " الله ، ما اللذه ، طالما
حاولت في بلغاريا أن أقلده ، لكن دون
جدوى .
الأم : " تضحك " شاي خالتك ، إنه ماركة
مسجلة لا تقبل التقليد .
سالم : " يضحك " حتى أنا ، ومهما حاولت ،
لم أستطع تقليده .
الأم : " تقدم له قطعة كيك " تذوق هذا الكيك ،
أعدته لك صباح .
سالم : " يأخذ قطعة الكيك ، ويتذوقها " آه ..
كيك لذيذ ، صباح مبدعة في صنع الكيك
منذ البداية .
صباح : أشكرك .
الأم : " تتأمله " أنت بخير ، وهذا يفرحني ،
و .. ومازلت شاباً .
سالم : " يبتسم " شيباتي تقول غير ذلك ، يا
خالتي .
الأم : هذه زينة .
سالم : " يتأملها " وأنت ، يا خالتي العزيزة ،
في صحة وعافية ، العمر الطويل لكِ ، إن
شاء الله .
الأم : لا تخدعك المظاهر ، يا ابني سالم "
تقف بشيء من الصعوبة " إنني في
الحقيقة لست على ما يرام ، وقد ألحق
بأختي زهرة قريباً .
صباح : ماما ..
الأم : " تحاول أن تبتسم " مهما يكن ، يا بنيّ
، هذه هي الحياة .
صباح : ماما ، برد شايك ، سأصب لك استكانة
أخرى .
الأم : لا ، كثرة الشاي تضرني كما تعرفين "
تتنهد " إنني متعبة ، عن اذنك يا بنيّ "
تسير ببطء نحو الباب " ..
سالم : " يقف " خالتي ..
الأم : أريد أن أرتاح في فراشي .
سالم : تفضلي ، يا خالتي ، صحة وعافية .
الأم : أشكرك ، يا عزيزي .
صباح : " تمسك يدها وترافقها " دعيني أمسك
يدكِ .
الأم : " تتوقف عند الباب " لا تستعجل ،
ستبقى صباح معك .
سالم : شكراً ، يا خالتي .
الأم : أريد أن تتغدى معنا ، في يوم قريب ،
سأعد لك كبة برغل .
سالم : إن شاء الله ، يا خالتي .
الأم : " لصباح " دعيني ، ما زلت أستطيع أن
أسير وحدي ، أبقي أنت مع سالم .

الأم تخرج ببطء ، صباح
تعود إلى حيث سالم

صباح : " تفضل اجلس .
سالم : " يجلس " خالتي تبدو متعبة .
صباح : أمراض الشيخوخة ، لم تعد ماما
صغيرة " تنظر إليه " أنا أيضاً أشيخ ، يا
سالم .
سالم : " يحدق فيها مبتسماً " لا ، أنت مازلتِ
صباحاً .
صباح : الصباح أيضاً يشيخ ، إذا مرّ عليه وقت
، كالوقت الذي مرّ علينا .
سالم : أنتِ صباح ، وستبقين صباحاً .
صباح : ليس صباح ، التي كنت تعرفها من
السنين الأولى .
سالم : أمر طبيعي أن نتغير مع الزمن ،
فصباح التي قرأت رواية الأم لمكسيم
غوركي ، هي ليست صباح التي قرأت
فيما بعد ، كتاب " عشرة أيام هزت العالم
" للكاتب الأمريكي جون ريد ..
صباح : أنت أول من هزني ، يا سالم ، وأيقظني
على عالم جديد .
سالم : صدقيني ، يا صباح ، إنني أشعر أحياناً
بما يشبه الندم ، فالنوم في بلادنا ليس
سيئاً دائماً .
صباح : بالعكس ، كنت ومازلت فخورة ، فقد
أفقت على يديك ، لكن يديك للأسف
سرعان ما أفلتتاني .
سالم : صباح ، أنتِ تعرفين أن يديّ ، لم تفلتاكِ
أبداً ، وكلّ ما حدث ، لم يكن بإرادتي ،
فقد كنت مطارداً ، ولو ألقوا القبض عليّ
وقتها ، لما كنتُ الآن أمامكِ .
صباح : هل أنتَ الآن أمامي ، يا سالم ؟ هل أنت
أمامي ؟
سالم : ليتني استطعت أن أكون أمامكِ دائماً ،
يا صباح ، فقد كان الابتعاد عنك ، طوال
هذه المدة ، نوعاً من الموت .
صباح : " تلوذ بالصمت " ....
سالم : غادرت بغداد سراً ، بعد أن هربت من
الموصل ، والتحقت بالأنصار في الجبال
، وحملت السلاح معهم ، وفي هذه الحالة
، كان من المستحيل أن أتواصل مع أحد
هنا ، وخاصة معكِ ..
صباح : وبقيت أنا هنا ، أنقل من موقف إلى
موقف ، بعد أن فصلتُ من الجامعة ،
وكنتَ أنت دائماً حاضراً في الاستجوابات
, التي أواجه بها ، ولم أستطع حتى في
داخلي أن أتبرأ منكَ .
سالم : لا أدري إذا كان خطئي أنني كنت دائماً
معكِ ، وأردتكِ دائماً معي ، حيثما رحلت
أو حللت .
صباح : لكنك فيما بعد تركت الجبال ، وما تمثله
الجبال ، ولذت بالفرار إلى بلغاريا .
سالم : لم أكن الوحيد في هذا ، وأنا شخصياً لم
أستطع أن أواجه التناقضات ، التي شكلتها
الجبال ، ولست الوحيد ، الذي ألقى
السلاح ، واستجاب إلى متطلبات الحياة
الأخرى .
صباح : وتزوجت هناك ، في بلغاريا ، وصارت
لك حياتك الخاصة ، التي لم يعد لصباح
مكان فيها .
سالم : لو تعرفين الوضع الذي كنت فيه ، حين
وصلت بلغاريا ، بعد أكثر من سنتين ،
من الملاحقة والقتال المستمر في الجبال ،
كنت وحيداً ، ضائعاً ، شبه مريض ، وقد
صادفني هذا الرجل الطيب ، الذي فتح لي
متجره ، وبيته ، وحياته ، فعملت معه بكل
جد وإخلاص ، وقد كانت ابنته الشابة
تعمل معنا ، فتعلقت بي ، و .. وتزوجنا ..
بمباركة أبيها .. وقد رزقنا بعد مدة بابنة ..
أسميتها زهرة .
صباح : " تطرق صامتة " ....
سالم : قبل أكثر من سنتين ، أصيبت أم زهرة
بمرض عضال ، لم يمهلها طويلاً .
صباح : " تتنهد " ....
سالم : هذه هي الحياة .
صباح : تساءل البعض عن سبب مجيئك إلى
الموصل الآن بالذات .
سالم : لم أجيء لأبقى ، وقد تأكد لي هذا بعد أن
جئت ، الحياة هنا ليست مناسبة لي ، أو
لابنتي زهرة ، فالخطورة لا تقل عن
خطورة السنين السابقة التي عشتها هنا ،
أو في بغداد ، أو في الجبال .
صباح : خالتي زهرة ، توفاها الله ، قبل سنين
عديدة ، وقد توقعت ماما وخالتي أن تأتي
وقتها ، ولو لحضور طرفاً من مراسيم
العزاء .
سالم : أردت أن أحضر ، حالما علمت بوفاة
المرحومة أمي ، لكن بعض أصدقائي من
العراق في بلغاريا ، نصحوني أن أتريث
، فالأوضاع في رأيهم ، كانت خطرة
للغاية .
صباح : لكن الأوضاع لم تتغير كثيراً ، خلال
هذه الفترة .
سالم : نعم ، ورأيت أن أجيء ، رغم ذلك ،
فقد لا تتاح لي الفرصة ثانية .
صباح : " تنظر إليه صامتة " ....
سالم : صباح ..
صباح : لو تعرف ، يا سالم ، كم انتظرتك أمك ،
خالتي زهرة ، وكم تمنت أن تراك ، قبل
أن ترحل عن هذا العالم .
سالم : أعرف ، وهذا ما يحزّ في نفسي ،
يا صباح ، وحاولت جهدي أن أجيء
لأراها ، لكني أعرف أيضاً ، أنها ما كانت
لترضى أن أتعرض لخطر الموت ، لأي
سبب من الأسباب .
صباح : والآن رحلت خالتي ، دون أن تراك ،
وتركت البيت لك .
سالم : " ينظر إليها ملياً " لم يخطر هذا الأمر
في بالي لحظة واحدة ، لا الآن ولا في
أي وقت من الماضي " يصمت لحظة "
وكم أخشى أن هذا ما تظنه أختي أم
سالمة .
صباح : مهما يكن ، يا سالم ، فأنت الآن هنا ،
في الموصل .

يدق جرس التلفون ،
صباح ترفع السماعة

صباح : ألو ، أهلاً وعد الله ، نعم ، إنه هنا "
تشير لسالم " تفضل ، وعد الله يريد أن
يتكلم إليك .
سالم : " يأخذ سماعة التلفون منها " ألو ، وعد
الله ، أهلاً بك ، إنني أسمعك ، أسمعك
جيداً ، سأعود بعد قليل إلى البيت ،
أنتظرك هناك ، نعم ، سأستقل تكسي ، في
أمان الله .
صباح : خيراً .
سالم : يريد أن يراني على وجه السرعة ، يبدو
أن الأمر هام .
صباح : وعد الله يحبك كثيراً ، وهو إنسان طيب
جداً ، ويعرف الكثير مما يدور في
المدينة هذه الأيام .
سالم : نعم ، إنه إنسان طيب ، ولابد أنه قدم لك
الكثير من المساعدة ، في محنتك مع
الاستدعاءت الكثيرة .
صباح : هذا صحيح ، لكن يبدو أنه كان يأمل
شيئاً ، لم أستطع أن أحققه له ، وهذا ما
حزّ في نفسه .
سالم : " ينظر إليها صامتاً " ....
صباح : أرادني ..
سالم : وعد الله !
صباح : رأى الطريق أمامه مفتوحاً ، فأنت .. في
بلغاريا ، وتزوجت هناك ، تزوجت من
فتاة بلغارية .
سالم : لم أكن أعرف هذا .
صباح : الآن عرفت .
سالم : أنا الآن ليس في بلغاريا ، يا صباح ..
صباح : " تنظر إليه " ....
سالم : ولم أعد متزوجاً ..
صباح : سالم ..
سالم : رافقيني ..
صباح : " تنظر إليه صامتة " ....
سالم : " يمد يده ، ويمسك يدها " طالما كنت
بحاجة إليك ..
صباح : " تطرق رأسها " ....
سالم : صباح ..
صباح : " تهز رأسها " فات الأوان .
سالم : الأوان لم يفت ، ولن يفوت ، ما كان
بيننا يربطنا معاً حتى النهاية .
صباح : لنترك هذا إلى وقت آخر ، يا سالم ،
اذهب إلى موعدك ، أخشى أن يكون وعد
الله في ينتظرك الآن في البيت .

يتأملها لحظة ، ثم يتجه
مقطباً إلى الخارج

سالمة : " تلحق به " استقل تكسي ، وكن حذراً
، يا سالم .
سالم : تحياتي إلى خالتي .
سالمة : رافقتك السلامة .
سالم : أشكرك .
صباح : اتصل بي ، وطمئني حالما تصل
بالسلامة إلي البيت .
سالم : " وهو يخرج " إن شاء الله .

صباح تغلق الباب ، وتقف
دامعة العينين ، تدخل الأم

الأم : يبدو أن سالم قد ذهب .
صباح : نعم ، ذهب ، وقد سلم عليكِ .
الأم " تصمت " ....
صباح : اتصل به وعد الله لأمر هام ، فذهب
على عجل .
الأم : صباح ..
صباح : " تنظر إليها صامتة " ....
الأم : سمعت ، وأنا في غرفتي ، ما دار بينكما
من حديث .
صباح : هذا يغنيني عن الحديث عما دار بيننا ،
مادمتِ قد سمعته .
الأم : سمعت أنكِ وعدتِ أن تجيبيه على ما
طلبه ، فيما بعد .
صباح : نعم ، لقد وعدته .
الأم : كنت أتمنى لو تجيبيه مباشرة .
صباح : ماما ، أنتِ ..
الأم : " تقاطعها " لا تتحججي بي ، أمي
مريضة ، وهي بحاجة إليّ ، لو كنت
مكانك ، لتركت كلّ شيء ورائي ،
ولحقت بمستقبلي .
صباح : " تنظر إليها " ....
الأم : اذهبي ، وعيشي حياتكِ .
صباح : لقد عشت حياتي .
الأم : لم تعيشيها ، ولن تعيشينها ، مادمتِ
بعيدة عن سالم ، سالم كان وسيبقى حياتكِ
، التي يجب أن تعيشيها .
صباح : " تجلس ، وتضع وجهها بين كفيها "
....
الأم : هذه فرصتكِ الأخيرة ، فلا تفرطي فيها
، يا ابنتي .
صباح : " لا ترد " ....
الأم : فكري ، يا صباح " تتجه إلى الداخل
ببطء " فكري جيداً ، لقد عشتُ أنا حياتي
، بحلوها ومرها ، فلا تدعي حياتكِ أنتِ
تفلت من بين يديك ، فالإنسان لا يحيا إلا
مرة واحدة .

إظلام


الفصل الثالث


مشهد الفصل الأول ، يدق
التلفون ، تدخل سالمة مسرعة

سالمة : ألو ، أهلاً صباح ، الحمد لله ، خالي
سالم ؟ لم يأتِ بعد ، حسناً ، سأتصل بكِ
حالما يأتي ، اطمئني " تدخل الأم " أرجو
أن لا يكون هناك أمر ذا بال ، حمداً لله ،
سأتصل بك ، مع السلامة .
الأم : من كان على التلفون ؟
سالمة : " تضع سماعة التلفون " ابنة خالتي ،
صباح .
الأم : صباح ، يبدو أنها كانت تسأل عن خالك
سالم .
سالمة : نعم .
الأم : كان عندهم هذا المساء ، أخشى أن يكون
قد جرى ، ما يدعوها للسؤال عنه ، إن
الظروف لا تبشر بخير .
سالمة : لا تقلقي ، يا ماما ، سيصل خالي بعد
قليل ، ونطمئن عليه .

يدق جرس التلفون ،
سالمة ترفع السماعة

الأم : " قلقة " انظري من يكون ، آه يا سالم ،
طول عمرك قلق وتثير القلق .
سالمة : لحظة ، يا ماما " في التلفون " ألو ،
أهلاً أستاذ عبد المنعم ، كان خالي في بيت
خالتي أم صباح ، وهو الآن في الطريق
إلى بيتنا ، ولابدّ أنه سيصل قريباً ، أهلاً
ومرحباً ، مع السلامة .
الأم : لابدّ أن الأمر خطير ..
صباح : " تضع سماعة التلفون " ماما ..
الأم : صباح تتصل لتطمئن على وصوله ،
وعبد المنعم أيضاً يتصل ، آه سالم .

يدق جرس الباب ،
سالمة تسرع إلى الخارج

سالمة : لابد أن خالي وصل ..
الأم : بالسلامة إن شاء الله ، أسرعي ..
أسرعي .. يا سالمة .
سالمة : " تخرج مسرعة " ....
الأم : أخي سالم هذا كتب عليه الشقاء ، ويبدو
أنه لن يرتاح أبداً .

يدخل سالم ، ومن
ورائه تدخل سالمة

الأم : " تسرع إليه ، وتعانقه " سالم ، عزيزي
، حمداً لله .
سالم : " يضحك " أم سالمة ، لم أكن في
الجبهة ، لقد انتهت الحرب .
الأم : لم تنتهِ الحرب ، ولن تنتهي ، حروب
العراق دائمة .
سالم : " يتملص منها " حربنا انتهت ، اطمئني
، يا أم سالمة .
الأم : آه ..
سالمة : خالي ..
سالم : " يلتفت إليها " نعم ، سالمة .
سالمة : اتصلت صباح قبل قليل ، وسألت إذا
كنت قد وصلت إلى البيت .
سالم : " يلتفت إلى الأم مبتسما " ها أنا هنا ،
ماذا تقولين ؟
الأم : أقول ليحفظك الله من كل مكروه . لكن
لن أطمئن عليك ، لن أطمئن .
سالم : أشكرك ، اطمئني .
الأم : لن أطمئن عليك ، لن أطمئن .
سالم : " يضحك " أمي الثانية .
الأم : آه منكَ .
سالم : " يلتفت إلى سالمة " سالمة ..
سالمة : نعم خالي .
سالم : اتصلي بصباح ، وقولي لها ، إنني
وصلت .
سالمة : حالاً ، يا خالي " تتجه نحو التلفون "
سأتصل بها ، وأطمئنها .
الأم : أنتم تقلقونني ، يبدو أنني كالأطرش في
الزفة ، لا أدري ماذا يجري .
سالم : اطمئني ، يا أم سالمة ، ليس هناك ما
يدعو إلى القلق .
سالمة : " في التلفون " صباح ، مرحباً ، خالي
وصل قبل قليل ، اطمئني ، إنه بخير طبعاً
، تحياتي إلى خالتي ، شكراً ، مع السلامة
" تضع سماعة التلفون " .
الأم : " تنظر إلى سالم " هذه صباح ..
سالمة : نعم ، يا ماما ، وهي تسلم عليكِ .
الأم : ليسلمها الله ، بنت مثل الوردة ، لكن ..
آه من لكن " لسالم " اجلس ، يا سالم ،
اجلس .
سالم : " يجلس " اجلسي أنتِ أيضاً .
الأم : " تجلس إلى جانبه " سالم ..
سالمة : نعم ، ماما .
الأم : هاتي قدح ماء لخالكِ .
سالمة : " تتجه إلى الخارج " نعم ، ماما .
سالم : " مازحاً " وعزمي عليه .
سالمة : " تخرج مبتسمة " ....
الأم : نعم ، لتعزم عليه ، لعل الله يهديكَ .
سالم : أمي ..
الأم : إذا لم أقلق أنا عليكَ ، فمن يقلق ؟ نحن
لا نعرف ما يخبىء لنا القدر ، في هذه
الأيام السوداء .
سالم : اقلقي ، يا أم سالمة ، إذا كان هناك داع ٍ
للقلق .
سالمة : " تدخل حاملة كوب ماء " تفضل ، يا
خالي .
الأم : اشرب .
سالم : " يأخذ كوب الماء مبتسماً " أرجو أن
تكوني قد عزمّمتِ عليه .
سالمة : " مبتسمة " اشرب ، يا خالي ، هذه
أوامر ماما .
سالم : سأشرب وأمري إلى الله ، رغم أنني
لست عطشاناً ، إرضاء لأمكِ ، أمي
التي تطاردني دائماً .
الأم : والآن ، حدثني ، يا سالم ، قل لي
الحقيقة ، ماذا يجري ؟
سالم : علمي علمكِ " يدق جرس الباب " ،
وهذا الجرس شاهد .
سالمة : " تتجه إلى الخارج " سأفتح الباب .
الأم : يبدو أنه الشاهد فعلاً ، آه منك ، تمنيت
أن تأتي لأراك ، وأطمئن عليك ، والآن لا
أدري .. لا أدري ماذا يجري .

يدخل وعد الله ،
ووراءه تدخل سالمة

الأم : " تنهض " أهلاً ابني وعد الله .
وعد الله : أهلاً بكِ ، يا خالة .
سالم : " ينهض باشاً " مرحباً " يصافحه
بحرارة " اتصلت بي ، وأنا عند خالتي أم
صباح .
وعد الله : أريد أن أراك ، وأشبع منك " لأم سالمة
" أشتهي فنجان قهوة .
الأم : من عيني " لسالمة " أعدي لنا قهوة
للجميع .
وعد الله : لا ، يا خالة ، أريد فنجان القهوة من
يدكِ أنتِ .
الأم : حيلة مكشوفة .
وعد الله : " يبتسم " ....
الأم : قل إنك تريد أن تختلي بسالم ، وتتبشبش
معه .
وعد الله : أريد أن أختلي به ، وآكله ، لعلي أشبع
منه .
الأم : " تدفع سالمة أمامها " هيا تعالي ،
وليختلِ به كما يشاء " تتوقف عند الباب "
وعد الله ..
وعد الله : اطمئني ، القهوة .
الأم : آه منكَ ، ستأتيك القهوة حالاً .

تخرج الأم وسالمة ، يبقى
سالم وعد الله وحدهما

سالم : ما الأمر ، يا وعد الله ؟ يبدو أن الأمر
جاد .
وعد الله : عليك أن تغادر الموصل ، يا سالم
، وبأسرع وقت ممكن .
سالم : مهلاً ، مهلاً ، يا وعد الله ، الأمر
خطير على ما يبدو .
وعد الله : أخطر مما يمكن أن تتصور .
سالم : قل لي الحقيقة إذن ، فكل شيء متوقع
في هذه الظروف .
وعد الله : مجموعة إسلامية متشددة جداً ، علمت
بوجودك ، وأخشى أنهم يبيتون لك أمراً
خطيراً .
سالم : " يلوذ بالصمت " ....
وعد الله : خلال هذه الفترة ، إذا كنت لا تعلم ،
قامت المجاميع الإسلامية ، باغتيال عدة
أشخاص من جماعتكم وغير جماعتكم ،
من بينهم المسؤول الأول للحزب في
المدينة ، وشخص آخر أيضاً هو وزوجته
، وبلغت بهم الجرأة حدّ ، أن يقتحموا بيت
الضحية ، وينتزعوه من وسط أهله ،
ويقتادونه إلى الشارع ، وينفذون فيه حكم
الإعدام علناً أمام الناس .
سالم : هذا ما سمعته ، من بعض الرفاق ، وأنا
في بلغاريا .
وعد الله : لم يعد لك مكان هنا ، يا أخي سالم ، وقد
عملت على تأمين خروجك من الموصل
هذه الليلة .
سالم : مادام هذا رأيك ، يا عبد المنعم ، فليكن
ما تراه ، أشكرك .
وعد الله : اتفقتُ مع سائق موثوق ، سيأتي إليكَ في
غضون ساعة ، ويأخذك إلى اربيل ، ومن
هناك ، أنصحك ، أن تطير إلى بلغاريا ،
في أسرع وقت ممكن .
سالم : أشكرك ، يا أخي .
وعد الله : أنت أخي ، يا سالم ، ولن أرتاح إلا
بوصولك إلى بيتك في بلغاريا ، وتكون
مع ابنتك ورفاقك .
سالم : لقد أنقذتني في أواخر السبعينيات ، وها
أنت تنقذني الآن أيضاً .
وعد الله : إذا وصلت الليلة إلى أربيل ، سأقول
إنني أنقذتك .

تدخل أم سالمة ،
وتحمل فنجاني قهوة

الأم : انتظرت أن ينتهي كلامكما ، لآتيكما
بالقهوة ، لكن كلامكما على ما يبدو لن
ينتهي " تقدم فنجان قهوة لوعد الله "
تفضل قهوتك .
وعد الله : " يبتسم لها " أشكركِ .
الأم : " تقدم الفنجان الآخر لسالم " تفضل .
سالم : أشكرك ، يا أم سالمة .
الأم : " لعبد المنعم " أرجو أن تكونا قد
انتهيتما من أسراركما ، التي لا يبدو أنها
لا تنهي .
عبد المنعم : " يشرب قهوته " فليحدثك سالم عنها ،
وأرجو أن تساعديه .
الأم : " تحدق في عبد المنعم " ....
عبد المنعم : " يعيد لها فنجان القهوة " عاشت يدك ،
يا أم سالمة .
الأم : بالعافية .
عبد المنعم : سالم ، أخي العزيز " يعانقه بحرارة " ،
اتصل بي عندما تصل أربيل ، حتى لو
كان ذلك بعد منتصف الليل ، لن أنام حتى
أطمئن عليك .
سالم : إنني أنتظر السيارة ، أشكرك ، أشكرك
جداً ، يا عبد المنعم .
عبد المنعم : لا شكر على واجب " يمازحه " ترجلوا
عن الدبابة الأمريكية .
سالم : " يمازحه " إياكم أن تعودوا في قطار
أمريكي مرة ثانية ، فهذا القطار لا يؤتمن
، يا عبد المنعم .
عبد المنعم : " يضحك " ....

يخرج عبد المنعم ،
الأم وسالم وحدهما

الأم : " تحدق فيه متأثرة " سالم ..
سالم : لا تقلقي ، يا أم سالمة .
الأم : هذا يقلقني أكثر .
سالم : يبدو أنني جئتُ إلى الموصل في وقتٍ
غير ملائم .
الأم : ومتى كان الوقت ملائماً في الموصل ؟
إنها الجحيم منذ عقود .
سالم : ستأتي سيارة ، هيأها لي عبد المنعم ،
وستأخذني إلى أربيل .
الأم : " بصوت دامع " سالم .. أخي .. ابن
أمي وأبي ..
سالم : جئت على أمل أن أقضي بعض الوقت
معكم ، و .. " يهز رأسه " لكن كما ترين
، إن الظروف قاتلة .
الأم : " تمدّ يديها وتعانقه " قد لا أراك ثانية ،
أنت لا تغيب عني .
سالم : أنتم دائماً معي ، أنتِ .. وسالمة ..
وخالتي و .. لنأمل خيراً ..
الأم : " تجهش باكية " سالم .. سالم ..
سالمة : " تدخل وتقف دامعة العينين " ماما ..
سالم : " يحاول أن يتملص منها " كفى يا أم
سالمة " لسالمة " أمي الثانية ، هكذا
كانت ، عيناها تمطران لأدنى سبب " للأم
" كفى يا عزيزتي ، كفى .
الأم : " تكفكف دموعها " سالم ..
سالم : بخصوص البيت ..
الأم : أي بيت ؟
سالم : هذا البيت .
الأم : هذا البيت ، وما فيه ، فداء لك .
سالم : سأكلف عبد المنعم ، ليحول البيت كله
باسمك ..
الأم : سالم ..
سالم : وإذا احتجتِ إلى أي شيء ، مهما كان ،
اتصلي بي في بلغاريا .

يدق جرس التلفون ،
سالمة تسرع إليه

سالمة : " ترفع السماعة " ألو ، من ؟ صباح !
" تنظر إلى سالم " ..
سالم : " يهمس لها " قولي لها غير موجود ،
وسيتصل بكِ قريباً .
الأم : " تنظر إليه متأثرة " سالم ..
سالم : " لا يردّ عليها " ....
سالمة : " في التلفون " صباح ، عزيزتي ،
خالي غير موجود الآن ، سيتصل بك
قريباً ، مع السلامة " تضع سماعة التلفون
حزينة " .

صوت منبه السيارة ،
يأتي من قرب الباب

الأم : سالم ، السيارة .
سالم : نعم ، لابدّ أنها هي .
الأم : " تعانقه باكية " سالم .. سالم ..
سالم : آه يا أم سلمى ، يا حبيبتي ، ليتكِ
تودعيني بدون دموع .
الأم : " وهي تبكي " قد لا أراك مرة ثانية ..
سالم : سأكون على اتصال بكم دائماً " يمازحها
" صورة وصوت ، وأيضاً سأرى
دموعكِ .
سالمة : " بصوت دامع " خالي ..
سالم : " يمدّ يديه نحوها " عانقيني بدون دموع
، هيا لا دموع .
سالمة : " تعانقه " أراك سالماً على الدوام ""
يرتفع منبه السيارة ثانية " .
سالم : " يتملص من بين يدي سالمة " السيارة
، يجب أن أذهب .
الأم : مع السلامة ، يا أخي ، مع السلامة .
سالمة : رافقتك السلامة ، يا خالي ، رافقتك
السلامة .
سالم : " يتجه نحو الخارج " تحياتي لأبي
سالمة ، وداعاً " يتوقف عند الباب " أم
سالمة ..
الأم : عيون أم سالمة .
سالم : صباح ، ابنة خالتي ، ابنتك الثانية ،
أريدها أن تكوني معك دائماً ، وإذا
احتاجت إلى أي شيء ، اتصلي بي .
الأم : " تهز رأسها ، ودموعها تسيل على
خديها " ....

سالم يخرج ، تبقى
الأم وسالمة وحدهما

إظلام

ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في