الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجاء الإيديولوجيا ...

حازم العظمة

2006 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



حين يقال لنا أن الفكر في هذا القرن الواحد و العشرون يبرء من عصور الإيديولوجيا نصدق.. ، أقول ، من كثرة ما يكررون هذا ، نكاد نصدق

و الحال هو أنه لدى إعلان "نهاية التاريخ " ، بتوقيع فوكوياما ، أُعلن أيضاً "موت الإيديولوجيا" ... ، من ضمن ميتات عديدة منها موت المؤلف و موت النص و موت الأدب ، و موت الفن...

، و كأن ثمة رغبة ٌ في تأبيد هذه اللحظة من التاريخ ، نهاية القرن العشرين ، التي بدت لحظة ذهبية لإعلان كهذا ، اللحظة التي بدا فيها أن المسرح صار جاهزاً لـ " ا لنصر الإمبراطوري النهائي " .. كأن العالم كان يدخل في عصر جديد غير مسبوق و أن على هذه اللحظة أن تستمر إلى الأبد

، و أنه من أجل تأبيد إنتصار الرأسمالية كان على التاريخ أن يتوقف هنا و على الإيديولوجيا و السياسة أن تتوقف هنا لإفساح المجال على اتساعه لحاملات الطائرات و القاذفات الإستراتيجية و لـ "السوق " خاصة... أي لتوسيع "السوق" حتى يصل إلى أقصى زوايا الأرض ( حاملات الطائرات و القاذفات الإستراتيجية و الأباتشي و القنابل الذكية لا أيديولوجية لها ... )

الأحلام الإمبراطورية معظمها تحقق ، بدا العالم و كأنه يعود إلى ما قبل حرب النصر الفييتنامي و قبل ثورة أوكتوبر و قبل أيار68 الباريسي و قبل الكومونة ... و قبل الثورة الجزائرية ، و عاد إلى ما قبل الأدب .. ، ما قبل هيمنغواي و بيكيت و ماركس
، حتى داروين تجري مكافحته منهجياً لصالح نظرية "الإبداع الالهي الحكيم " .. ، في المدارس الأمريكية على الأقل

كانت ثمة رغبة في إعلان إنتصار النظام الرأسمالي نهائيا , ثمة رغبة في " تثبيت" هذه اللحظة من التاريخ على أنها الشكل النهائي و الأخير للنظام الكوني ، ومن ثم إعادة صياغة العالم حسب المواصفات الجديدة : لا حاجة للإيديولوجيا ، القاذفات الإستراتيجية تكفي ، لا حاجة للفن : الفن غالباً ما يعيق قيم السوق... لا حاجة للشعر : الشعر يؤلف أحلاماً لا تفيد التجارة الإمبراطورية في شيء ..

"الإيديولوجيا" هي المنظومة الفكرية ، هي مجموع الأفكار و التصورات عن العالم التي يكونها فرد ، أو مجموعة أفراد في (نظام ) ، في ( منهج) مترابط و متسق ، و على الأغلب تتكون في مجموعات بشرية و في مرحلة تاريخية بعينها ، و هذا يبعدها عن الأديان مثلاً التي تكون في أفكار ثابتة ، المنظومة الفكرية هذه " الإيديولوجيا" تتكون و تتطور غالباً في طبقات و شرائح إجتماعية ، هي الموقف ( الفكري) من العالم ، بمعنى عام ، و الموقف من كيف سيكون العالم ، موقف من التاريخ و موقف من الحاضر و المستقبل في آن معاً
بمعنى ما هي صيغة وجود النوع البشري في " جماعة" و العنصر الحاسم في تكوين هذه "الجماعة" و سلوكها ، إبتداء من " القبيلة " حتى لحظة إدراك الإنسانية أن العالم كله هو هذه " الجماعة"

و لكن لماذا لا تكون للرأسمالية أيديولوجيا معلنة ، هنالك بالتأكيد للرأسمالية أيديولوجيا، هي في الأكاديميات و الكتب الإختصاصية ، و لا تصل للجمهور ، هي ما يجري تداوله في اجتماعات مغلقة من مثل مجلس الأمن القومي الأمريكي ، أو مؤتمرات " التجارة الحرة " أو حتى في منتديات عالمية كـ " منتدى دافوس" تضم بالإضافة إلى " الثمانية الكبار " بعض المريدين من (العالم العاشر ) ممن هم " طلائع" نظام التجارة الحرة كمبارك ( الأب و الإبن ) و عائلات و حاشية العائلات المالكة ( الجمهورية منها و الملكية ) و أنسبائهم و عمومهم و خالاتهم و زوجاتهم ، بالإضافة إلى كبار الرأسماليين ( بمقياس العالم العاشر ) بطبيعة الحال .. و هكذا ..

الإيديولوجيا الحقيقية للرأسمالية هي هكذا :
( و لا يجري شرحها في منتدى دافوس ... مثلاً )
- البقاء للأصلح ، على العامة أن يخضعوا لنظام رأس المال
- " الداوروينية الإجتماعية " جزء من التكوين الفكري للنظرية الرأسمالية ، الفقراء هم هكذا فقراء لأنهم أقل "ذكاء" و أقل " كفاءة" و عليهم أن يبقوا كذلك
- " الذكاء" - للعامة- ينبغي أن تجري إعادة "تعريفه " و " تكوينه" بحيث يبحث في " التفاصيل" و لا يتناول موضوعات تتعلق بمصير الإنسان أو موقفه من العالم ، الذكاء هو في صنع المنتجات و إستهلاكها
- "الديموقراطية"- نسختها الرأسمالية بطبيعة الحال- و الحريات هي الواجهة لحرية " رأس المال " ، و حين لا تتحقق هذه " الديموقراطية " و هذه " الحريات" ، بالأحرى حرية رأس المال ، ينبغي فرضها بالقوة
- الرأسمال الأكبر يبتلع الرأسمال الأصغر منه ، " الأنظمة " الكبرى تبتلع " الأنظمة " الصغرى ، حسب " قوانين السوق " التي هي قوانين " طبيعية" ...
- هناك تقسيم عمل للجموع البشرية : " العامة" عليهم أن يعملوا بكد ، " السادة "عليهم أن يجنوا نتائج العمل و أن يستهلكوه
- تقسيم العمل هذا ليس محلياً فحسب هو أيضاً " عالمي " ..
- الأفراد غير متساوين و كذلك الشعوب ، ثمة شعوب " همجية" و " فاشلة" عليها أن تخضع ، أن تعمل و تستهلك ،في الحد الأدنى الذي يبقيها تعمل
- و إن لم تعمل أو تستهلك ، إن بدت كـ "فائض" فمن الأفضل أن " تذهب" ، أن " تختفي" .. في مذابح مثلاً ، كتلك التي يمتلىء بها تاريخ الرأسمالية إبتداء من "إكتشاف" أمريكا و صولاً إلى المذابح في العراق ، و التي سببها الأساسي النفط .. ، وجوده صدفة ً هناك ..

الردح الحالي للإيديولوجيا المقصود به الماركسية أساساً و طالما أن لا "إيديولوجية" للرأسمالية ( رسمياً على الأقل ) أو ما من إيديولوجيا معلنة

ثمة أجزاء من الفكر الرأسمالي معروضة علناً ، " الليبرالية" مثلاً ، و لكن الليبرالية ليست خاصة بالرأسمالية تماماً ، رغم أن ثمة جهود حثيثة لتبديل معنى الليبرالية لكي تعني " نظام التجارة الحرة " و "نظام الهيمنة الإمبراطورية" ، الذي هو في حقيقة الأمر نقيض الفكر" الليبرالي"

... و مراتٍ تستعير الأيديولوجيا الرأسمالية مفكرين و فلاسفة من الماضي ، طالما الأموات لا يعترضون و لا يحتجون .. ، " نيتشة " مثلاً ، الذي يجري الترويج له حالياً ، و خاصة الجزء من كتاباته الذي يعنى بـ "الإنسان الفائق " super man و كذلك الجزء من تفكيره ذو النبرة العنصرية ... ، و لا أدري إلى أي حد يمكن أن يكون نيتشة نفسه مسؤولاً عن هذا " الإقتباس " أو ربما الإختلاس ...


و الحال أيضاً أن الايديولوجيا مثلها مثل الأدب و الفن ، على الأغلب ، كانت خصماً للراأسمالية ، و أن ثمة تاريخ طويل من انحياز الفكر الإنساني و كذلك الأدب و الفن لليسار و للثورة ، أي الإنحياز لكل ما هو تقدمي و يبحث في تصفية تركة الحروب و الهيمنة و الإستبداد و الإستغلال و العبودية

الترويج لنمط تفكير السوق هو البديل المقترح ، من "أكاديميي" النظام الإمبراطوري ، بعيداً عن "الإيديولوجيا" .. ، و الإقتراح و المقترحون يقولون لنا أن " السوق" ليس "أيديولوجيا " بل من " طبيعة الأمور "

"موت الفن " لأن الفن لا شيء ، تشييىء الفن و تسليع الفن هو الإتجاه في هذه المسألة ... ، السوق هو البديل عن الفن ، و البضاعة هي نفسها الفن ، بل و أفضل ، و هذا تجده بكثافة في إتجاهات ، بعض اتجاهات ، ما سمي " بعد الحداثة "

هكذا تظهر ، بصفتها " أيقونات ما بعد حداثية " Postmodernist أعمال مثل تلك التي لـ "جيف كونز " أو حتى " دو شامب"
الأول عرض "عملاً تركيبياً "Instlation بعنوان " ماكنة هوفرالجديدة القابلة للتحوير " 1980 و هذا العمل عبارة عن مكنسة كهربائية في صندوق زجاجي ... دو شامب عرض بدوره مَبولة ، مبولة حقيقية أتى بها من بائع خرداوات ، أو من المستشفى ...

الرأسمالية هكذا تجهد في مسح الوعي البشري ، لتعيد تكوينه ، تجهد في تدمير الجهة المبدعة في الوعي البشري لصالح السوق ..

تحاول و ستفشل ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع