الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انجمار بيرجمان والموسيقى

أياد حامد هويدي
مخرج/ممثل/باحث

(Ayad Hwady)

2022 / 7 / 28
الادب والفن


Charlotte Renaud
ترجمها بتصرف: د. أياد حامد ِAyad Hamid

تمر السنونَ ونحن نتسائل عن الموت، وهل هناك ما يتبعه او لا يتبعه؟.بكل بساطة لقد فهمتً ذلك بعض الشيء من خلال الموسيقى احياناً. كماعند باخ مثلاً.
هنريك في (سارا باند)

" لو كنتُ مجبراً على الإختيار بين فقدان حاسة النظر أو حاسة السمع، لأحتفظتُ بالأخيرة، اذ لا استطيع أن أتخيل شيئاً أسوء من أن تٌنتزع موسيقاي مني". تصريح بيرجمان الصادم هذا فيه الكثير من الغرابة كونه صادر من مخرج سينمائي معروف بجمال صوره المتفردة.

يتضح جلياً حب بريجمان للموسيقى في تفسيره لأوبرا موتسارت ( الناي السحري،(Magic Flute في عام 1975(للتلفزيون) وهو واحد من الأمثلة الجميلة الداله على هذا العشق اللامتناهي للموسيقى.
كما أن إصراره لأنتاج الأوبرا دليل آخر لهذا العشق كما هو الحال مع اوبرا ( طريق الداعر،The Rake´s progress) ل (ستراڤينسكي،Stravinsky) في دار الاوبرا الملكية/ ستوكهولم عام1961. أو(الباخوسيات،(The Bacchae ل )بورتز، (Börtz( دانيل بورتز، موسيقار سويدي ولد عام 1943، المترجم). بعد مرور ثلاثين عام من ذلك التاريخ... لكننا نرى علاقة بيرجمان القوية وعشقه للموسيقى يتجسد بوضوح على الشاشة البيضاء. فهو يضع الموسيقى موضع النواة (المركزية) في افلامه من خلال اقتباساته المنقطعة النظير من الموسيقى الكلاسيكية.

لقد أُصدرت الكثير من الكتب عن بريجمان وقد مرَّ بعض مؤلفيها بشكل عابرعلى هذا الشغف.
وذكر بريجمان ذلك بنفسه عدة مرات، (حتى أنه صرّح بعد ان تزوج من عازفة البيانو (كابي لاريتي, (Käbi Laritei، أنه سيتوقف ولمدة سنة عن العمل في المسرح والسينما كي يتفرغ لدراسة باخ، المترجم).

هذا المقال سيكون خصيصاً للدورالكبير الذي لعبته الموسيقى في أفلامه طوال حياته العملية ابتداء من فيلم
(أزمات، (Crisis حتى فيلمه التلفزيوني الأخير(ساراباند، Saraband).
لا يعتبر بريجمان المسرح أوالادب هما الاقرب الى نتاجه السينمائي، بل الموسيقى.
ماذا يمتلك هذان الاثنان ( الموسيقى والسينما) من شراكة؟.
أي دور تلعبه الموسيقى في أفلامه؟
كيف تؤثر الموسيقى على مصدر ابداعه؟
في البدء نرى هذ ا من خلال عناوين الافلام أو احداثها :
فيلم (موسيقى في الظلام،(Music in Darkness1948.
يتحدث عن قصة عازف بيانو شاب أصيب بالعمى بعد حادث تمرين للرماية.
فيلم (الطريق الى السعادة،(To Joyعام 1950
يحكي قصة عازف كمان تعرض لحادث مؤسف نتيجة سعيه المضني وراء تحقيق حلمه.
فيلم (لعبة صيفية،(Summer Interlude عام 1951
يصف يوميات راقصة بالية تعمل في دار الاوبرا الملكية.

نجد في جميع هذه الأفلام جمل موسيقية من (بيتهوڤن،Beethoven). (موتسارت،(Mozart و(مينديلسون،Mendelssohn).
من الجدير بالذكر ان ننوه الى أن العزف المباشر(الحي) اثناء التصوير كان مألوفاً في هذه الفترة.




يتغير الحال في فيلم ( عبرالمرآة،(Through a Glass Darkly أذ تختفي الموسيقى الحية بشكل مطلق.
وعوضاُ عن ذلك تزداد استعارات بريجمان من الموسيقى الكلاسيكية وتتصاعد وظيفتها تدريجياً حتى تصل الى اعلى مستوى من (الموسيقاتوية المطلقة ،(Musicality.

وظائف الموسيقى في افلام بريجمان.

وظيفة المحتوى والشكل:

• تساعد الجمل الموسيقية في عملية التركيز أوأن تنذر بقدوم لحظة مؤثرة. مثلاًعندما تلد مارثا في فيلم (انتظار النساء,Waitin Women) تكثف سعادتها من خلال سماعنا لموسيقى
(رقصة فوق الحقول المباركة، (Dance Over The Blessed Spirits ل (گلوك، (Gluck (مؤلف موسيقي الماني عاش من 1714 الى1787 ,المترجم).على العكس من ذلك نسمع موسيقى حزينة في فيلم ( موسيقى في الظلام،(Music inDarkness عندما يعزف الشاب الأعمى(بينكت) سوناتا (ضوءالقمر،Moonlight لبيتوهوفن) و (Nocturne، لشوبين(.اذ يعزفها بطريقة سودواية بحتة (حرفياً وصورياً). تصبح هذه الطريقة لدى بريجمان فيما بعد تقليد دائم.عندما يجعل من هنريك بعد خذلانه العاطفي يهرول الى لوحة المفاتيح ليعزف مقاطع سريعة مختارة بعناية من شوبين,Impromptu) رتجالية)، ليتزLiebestraum), حب الحلم) Aufschwung)، فقاعة) لشومان.
• استخدام الموسيقى في استحضار الماضي.كما هو الحال في فيلم (لعبة صيفية) عندما يتحدث العم ايرلاند عن وفاة (أم ماريا) تصاحبه معزوفة (الارتجالية) المذكوره أعلاه لشوبين.
• غالباً ماترافق مشاهد الحلم في أفلام بريجمان موسيقى لباخ او لشوبين.مثال على ذلك عندما يأتي (ياكوبي) ليحرر (فاني والكساندر) من سجن القس. يدعم المشهد موسيقياً بمقطوعةBrittens Cello n3) ) وتصاحب نفس المقطوعة عندما يزور( شبح اوسكار) أمه.
• تملك المقاطع الموسيقية في أفلام بريجمان وظيفة هيكلية، فمجموعة الأفلام التي تبدأ وتنتهي بنفس المقطوعة كثيرة:
1- فيلم (الطريق الى السعادة، (To Joy،(السمفونية التاسعة لبيتهوفن).
2- فيلم (كما في المرآة، Throu a Glass Darkly ) (انفرادية السللو رقم 2).
3- فيلم (همس وصراخ، (Cries and Whisper ، (مازوركا لشوبين )(رقصة بولندية، المترجم).
4- فيلم ( فاني والكساندر,(Fanny and Alexander (خماسي ،شومان)....الخ.

تتحول الموسيقى ومن خلال فكرها الخاص الى هدف قائم بحد ذاته.
عندما تتمرن فرقة (ستيغ، Stig) الاوركسترالية على سمفونية بيتهوڤن التاسعة، يصل الشخصية الرئيسة في الفيلم خبر وفاة زوجته خلال حادث سيارة. تكون هيكلية الفيلم على شكل فلاش باك (استرجاع للماضي) لذكرياته الطويلة مع زوجته أيام كانوا سوية. يعود في نهاية الفيلم الى الأوركستراعندما يصل الكورال الى انشاد جملة (An die Fruede، الطريق الى السعادة) يكون قد تغلب على حزنه. وهنا يشرح لنا قائد الأوركسترا من خلال شرحه للاوركسترا قبل أن يبدأوا في عزف المقطع السيمفوني الأخير: السؤال هنا هو عن معنى السعادة، ليس تلك السعادة التي يعبر عنها بالضحك، أو حينما ندعي" أننا سعداء" أنا أقصد تلك السعادة ذات المعنى الواسع والكبير، الخاص جداً، تلك السعادة التي تكون خارج نطاق الألم والضياع اللا محدود. هل فهمتم، أقصد السعادة التي تكون خارج نطاق العقل".




• كل تدخل موسيقي هو عبارة عن فصل افتراضي قائم بذاته ويجزء الى ثلاثة وحدات متساوية زمنياً. كما هو الحال في فيلم (فاني والكساندر) حيث نسمع مقطوعة شومان خماسية البيانو Pianokvinett)) عدة مرات موزعة في أماكن مختلفة.
• يكرربيرجمان احياناً جملة موسيقية معينة في عدة أفلام، كما حصل مع (پارتييتا، Partita) باخ (نوع موسيقي ظهر في العصر الباروكي، المترجم) في فيلم (ساعة الذئب) وتعاد نفس الموسيقى في فيلمي (العار) و(شغف). هذه الأفلام الثلاثة مٰثلت من قبل نفس الممثلين (ليڤ اولمان وماكس ڤون سيدوڤ) وقد سُميّت بثلاثية الندم، وهذا مايوضح تكرار ال(بارتيتا) في هذه الافلام الثلاثة.



• من الممكن ان يكون للفكرة الموسيقية وظيفة مسلية. كما هو الحال في فيلم (عين الشيطان) اذ يقتبس المخرج من ثلاث سوناتات ل Scarlatti))، ترافق كل سوناتا احد الشخصيات.
• يتلاعب المخرج مع الخط الموسيقي من خلال التفكيك واعادة البناء كما في لعبة المكعبات. ففي بداية الفيلم عندما يقوم (كونيليوس) بزيارة عازف الجيللو المشهور اثناء عزفه احد المقطوعات امام حشد من السيدات، يشوه الجو الرومانسي حين يرتطم الناقد بتمثال ( المايسترو) لينقلب التمثال. ويتحول العزف من موسيقى ال Air) ) الى موسيقى ال Ragtime)) الصاخبه (نوع موسيقي ظهر قبل الجاز في أمريكا، المترجم) فيتحول الجو الموسيقي الأرستقراطي راقي الى جو هزلي ساخر.

وظيفة مجازية
باستطاعتنا ان نقول ان هناك تحول قد حصل في طريقة استخدام بريجمان للجمل الموسيقية. يعود الفضل فيه الى ارتباطه في هذه المرحلة بزوجته عازفة البيانو كابي لاراتيه عام 1959. وقد اعترف بذلك بنفسه حين قال " تلاحظ ان هناك اخلاص في هذا الفيلم، هذا الإخلاص يعود فضله الى زوجتي ، بدأتٌ في هذا المرحلة أغوص في عالم الموسيقى بطريقة محترفة بشكل او بآخر، وبالتأكيد فأن فيلم (كما في المرآة)أصيب بهذه التطبع الذي كنت اعيشه يوميا حيث كنت اتقاسم العيش مع الموسيقى".
هذا الطبع بدا واضحا في كل أفلامه اللاحقة، وقد زاد بالتأكيد من قدرته السمعية.
الملفت للنظر ان الجمل الموسيقية المستخدمة في أفلام بريجمان تنتمي الى عوالم الفيلم بشكل مباشر. ويبدو ان المخرج يجد متعة في ان يصوغ أفلامه بناء على ترجمة عوالم شخصيات آتية من خلفية موسيقية،عازف البيانو في فيلم (موسيقى في الظلام)، عازف الكمان وفرقته في فيلم ( في طريق السعادة)؛ العم ايرلاند في ( لعبة صيفية)، سارة في (الفراولة البرية)، عازف البيانو في ( ساعة الذئب). وعندما لايظهر منفذ الموسيقى في صورة، نسمعه عبر المذياع
(الصمت، بيرسونا، العار.....) أو من خلال الگرامافون، (صيفية مع مونيكا، كل هذه النساء وساراباند). في جميع هذه الأفلام تكون الموسيقى مجسدة بمستويين، مستوى مباشر في احداث الفيلم ومستوى ايحائي.




.

يفسر بريجمان الجملة الموسيقية بحذافيرها ولا يشووها ابدا فقط يمنح لنفسه الحرية بأن يبسطها لضرورات العامل الزمني. مثال على ذلك عندما يدندن (جان) بفمه مقطع من (باراندبورغ كونسترت، لباخ) في فيلم (العار).
أو أن يختزل (سوناتا رقم 2 لباخ) المؤلفة لآلتين هما الناي والسيمبالو (بيانو كبير الحجم، المترجم) الى الة واحدة.
لكنه يقوم بعض الاحيان باقتباس مقطوعة كاملة، كما فعل في فيلم (الصمت)، عُزفت (Goldenberg vibratinos)
كاملة وعلى نفس آلة السيمبالو باقتراح من (كابي لارتيه)، على الرغم من خوفها انها لاتحيد العزف على هذه الالة كما تجيده على البيانو. عُزفت المقطوعة كما هي وبنفس المدة الزمنية ثلاثة دقائق و 16 ثانية. كل هذا من اجل أن يستمتع المشاهد بالاستماع وليس السمع فقط.
من اجل جلب تركيز الحالة السمعية لدى المشاهد للموسيقى المصاحبة يُظهرأحيانا لقطات قريبة للحاضرين في الصالة، لقطات كبيرة لوجوه المستمعين المحبوسة الانفاس كما هو الحال في الأفلام التالية:

• الأخوات في فيلم (الصمت).
• اليزابيث في فيلم (بيرسونا).
• الاشباح في فيلم (ساعة الذئب).

اعتباراً من فيلم (كما في المرآة) يصبح للموسيقى وظيفة جديدة، فلم يعد لها دوراً مسانداً من اجل تصعيد درامية الحدث او تكملة هيكلية بناءه، انها الان موجوده من اجل نفسها، فقد حررت نفسها من قيود الفيلم، ومنحت نفسها فعل سمعي منفرد. لا يكون لهذه الوظيفة علاقة بالشكل والمضمون، بل انها هناك من اجل وظيفة مجازية. قد نتسائل ماهو هذا الدور المجازي؟.:
ان الكره وسوء الفهم يطغي على فيلم (الصمت)، تدخل الموسيقى لتمنحنا لحظات من الارتياح النفسي عندما يبث المذياع مقطوعة(The Goldberg variations)، تتبادل (ايستر) بعض الكلمات مع (النادل).
"واحد من اجمل المشاهد التي صنعتها، هو ذاك اللقاء السريع بين النادل و(ايستر) حيث نسمع باخ عبر المذياع، حينما يدخل النادل وهو يردد اسم ( يوهان سبيستيان باخ)، وتجيبه ( ايستر) انها موسيقى رائعة"انها لحظة من التواصل المفاجيء، تواصل يمتاز بالنقاء الخالص.
في الخلف يغفو ( يوهان) القرفصاء في حضن امه،ثم تتحدث الاختان ، انها المرة الأولى التي تتحدث فيها الاختين الى بعض، تقف ( آننا) لتخبر اختها انها خارجة، بعد أن أغلقت (ايستر) المذياع، لقد ساهمت الموسيقى تعميق التواصل بينهما . نعيش دوماً في داخل سجننا، في عزلتنا المخيفة، محاطين بالرعب. الموسيقى تمنحتنا القدرة على الفهم بأن هناك واقع آخر مليء بالهارمونية اللامتناهية خارج نطاق كوكبنا المرئي".

يكون صوت الجلو وكأنه الصوت الذي يترجم ذلك الحوار الغير مسموع بين الأختين وهما يهمسا.واذا ما حللنا هذا المشهد كضربات ايقاعية ضربة بضربة ( في تراك الصوت) و لقطة بلقطة في ( تراك الصورة)، سنرى ان النوتة الأولى تعزف في لقطة تقبيل كارين لاختها، بعدها تتابع اللقطات بين وجهي الاختين بسينمائية عالية تحدد الموسيقى رتمها. وهكذا يطابق بريجمان الجملة الموسيقية المقتبسة للفيلم والفيلم للجملة المقتبسة. ليصبح المونتاج في هذا المشهد مونتاجاً موسيقياً.


.

لو كانت الموسيقى هي وسيلة للتواصل، أليس هذا من أجل ان تبعدنا عن اللغة المحكية؟ غالباً ما تكون اللغة مهانة أو محتالة في أفلام بريجمان، وفي أحسن الأحوال غير مفهومة كما هو الحال في فيلم (الصمت):" الكلمات وجدت كي تخفي الواقع، اليس كذلك؟ اما الموسيقى فهي وسيلة للتواصل الموثوق ". هكذا صرح بريجمان في احد لقائاته الصحفية. وهناك كثير من الأمثلة نجدها في افلامه تدل على هذا التصريح.
في الحقيقة أن الموسيقى تتجاوز كل الحدود، حتى الأموات، حسب تصريح (إيڤا) في فيلم (سوناتا الخريف). مات ابنها في عمر الأربع سنوات، لكنه في غزفة الأطفال مازال يلهو. تقول لامها:
"انه يعيش في عالمه، وباستطاعتنا ان نتصل ببعض متى نريد، لا توجد حدود بيننا، ولا يوجد جدار يفصلنا، لاتوجد حدود لا لافكارنا ولا لمشاعرنا، فعندما تعزفين بيتهوفن (Hammarklavier) تشعرين أنك تعيشين في عالمك الخاص خارج كل الحدود، في ديمومة لا تستطيعي مطلقاً ان تكتشفيها او ان تشاهديها.

" كنتُ دائماً افكر بأن الموسيقى تقربنا نحن الكائنات الأرضية الى عالم غير مفهوم، الى الله".
المخرج السينمائي توفي في 30 تموز(يوليو) 2007 . كان يأمل أن يلتقي بزوجته مرة أخرى.ربما لهذا السبب تمنى أن تعزف مقطوعة (ساراباند) في تشيعه عند مماته؟.
لو كان لوجود الموسيقى أمل في بث روح التواصل فإن غيابها علامةً على سوء الظن بالاخر.
في فيلم(العار) يحطم كمان (يان) إثرغارة حربية. بهذه الخسارة يبد ءالجزء الثاني من الفيلم، ونرى (يان) وقد تحول من ضحية الى قاتل.



الموسيقى كمصدر الهام.
طلب منه في احد اللقاءات عام 1982 ان يشرح علاقته بالموسيقى، أجاب بريجمان:"طوال حياتي كانت الموسيقى بالنسبة لي مصدر الهام مهم، بل ربما الأهم".
كانت الموسيقى ملهماً لفيلم (الصمت)، والتي انطلق منشأها من (بارتوكOrkesterkonsert) (بيلا بارتوك :موسيقار هنغاري 1881-، 1945، المترجم):

"كانت الفكرة بالأساس ان اعمل فيلماً يتبع القوانين الموسيقية وليست الدراماتورغية، فيلم يعمل بطريقة ترابط- ايقاعية وفي ثيمة رئيسية وثيمة فرعية.عند بدء تركيب وبناء الفيلم فكرت بشكل موسيقي أكثر من كل المرات السابقة. كل ما تقى في الحقيقة من (بارتوك) المقدمة فقط. فإنها تقترب من موسيقى بارتوك حيث تبدء بتونات منبسطةهادئة ثم تنفجر بشكل مفاجيء".
يبدء الفيلم في جو ضاغط في عربة قطار حيث الركاب يغطون في سبات. الإيقاع ثقيل وبطيء، ليتحول بعدها الى جو صاخب لمدينة لا تنام.
"لو لم املك الموهبة وأصبحت ما انا عليه الان، لكنت وبدون شك ماسيترو"
المخرج السينمائي بريجمان يشبه وظيفته كمخرج بعمل المايسترو الموسيقي. في الغالب يقارن بريجمان سيناريو أفلامه بالنوته الموسيقية، كما حصل في مقدمة فيلم (بيرسونا):



لم أنتج سيناريوسينمائي بالمعنى المتعارف عليه، الذي كتبته هو أشبه باللحن الموسيقى وبمساعدة زملائي قمنا بتوزيعه على الآلات الموسيقية ( الممثلين)عند بدء التصوير".
يقارن الممثل غالباً بالة موسيقية غالية الثمن: " نعم، كما تعرف بالنسبة لي تعاملت مع فريق من الممثلين الذين اشعر بسعادة مطلقة معهم، كما لو انك تعزف على الة من صنع (Sradivarius).(صانع اشهرالآلات الموسيقية وخاصة آلة الكمان ،ايطالي، المترجم).
ضربة، ديناميك، لفظ متقن، تنغيم، ايقاع وموسيقى، مفردات دائما ما تتردد بانسيابية في بروفات بريجمان.
(ماكس ڤون سيدوڤ) يصف العمل مع بريجمان أثناء تصوير فلم The touch)):
" انه يعطيك نسخة مموسقة من دورك: لحظات الصمت، التصاعد في الحدث، لحظة الثورة، لكنه لا يقل لك كيف عليك ان تفعلها. يذكرني بالعمل الموسيقي. بريجمان يملك قدرة عجيبة في معرفة الإيقاع وهو في المراحل الأولى من التمرين".
" اهم شيء هي الاذن، كثيرا ما اغمض عيني واستمع في حالة تحليلي لأي مشهد؛ اذا كان الذي اسمعه من الممثل صح حتماً سيكون اداءه الجسدي صحيح. ويكمل" دائماً ما يكون استماعك اكثر حساسية من ما تراه ويحرك مشاعرك بشكل أصح.
في احد المرات واثناء تصوير فيلم (سوناتا الخريف) حصل سوء فهم من قبل الممثلة (انجريد بيرجمان) اذ اتهمت المخرج بانه يهملها ولاينظر اليها اثناء التصوير.



" عندما بدأتُ أُدون ملاحظاتي لكتابة سيناريو فيلم ( سوناتا الخريف)، كان الفيلم عبارة عن حلم أم وبناتها الثلاث في ثلاث حالات ضوئية، ضوء المساء، ضوء الليل وضوء الفجر. كان هذا هو المطلب الوحيد. فقط ثلاثة حالات ضوئية، ، ثلاث مقاطع موسيقية كما في السوناتا.
الفيلم مركب ايضاً من ثلاث مقاطع: الأول بطيء ومتسامح(وصول شارلوت) الثاني عنيف ( اللقاء الليلي) الثالث بطيء وحزين (وداع شارلوت).



حسب بريجمان إن " الفيلم والموسيقى هما توأمان. كلاهما واسطة للتعبير والتواصل تتجاوز عقل الانسان لتلامس مركز مشاعره :". أليس هذه هي قدرة الموسيقى والسينما؟ قدرتهما على تخطي العقل؟.فكلاهما يحعلنا نقول ما لايمكن قوله؟.

في نهاية فيلم (ساراباند) تزور (ماريانا) ابنتها (مارتا) وهي مريضة. في هذه اللحظة بالذات، نسمع موسيقى باخ عندما تفتح (مارتا) عينيها لأول مرة كونها كانت مغلقة على نفسها لترى أمها امامها. في هذا المشهد يصل بريجمان الى ما يصفه هو بهدف الموسيقى والفيلم:" عندما تستمع الى احد سيمفونيات موتسارت الأخيرة، تشعر وكأن السقف قد انفتح الى فضاء أوسع من الكائنات الإنسانية".
أن تصنع فيلماً هو أن تفتح سقفاً كي تتنفس".
اذا كانت الموسيقى والفيلم نفس الشيء، عندها يكون اصطلاح " موسيقى الفيلم" خطأ. هذا هو المنطق يقول بريجمان، من غير الممكن ان تموسق الموسيقى. لذلك عندما تضع موسيقى للفيلم يجب ان تأخذ بعداً جديداً.
بدء يكتب سيناريوهاته كما يكتب الملحن السيمفوني نوطاته الموسيقية؛ ويقوم بقيادة ممثليه كما يقود المايسترو فرقته الاوركسترالية،كما أنه يسمي أفلامه بال (سوناتا) أو (الساراباند)، وللموسيقى الفضل في ضبط دوزان حياته الشخصية أيضاً . ربما استعمل بريجمان موسيقاه لكي يطرد اشباحه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقات المشاهد الخطيرة يطالبن بالتمثيل العادل بين الجنسين


.. محمد إمام ينتهى من مشاهد فيلم شمس الزناتى في الفيوم




.. محمد صلاح طلع على المسرح يرقص مع محمد هاني وحماقي


.. كل الزوايا - الشركة المتحدة تنعي الكاتب الكبير فاروق صبري رئ




.. حاجة تحزن والله.. الفنانة رانيا فريد شوقي تعبر عن انزعاجها م