الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائحة الشاف ما شاف

حسام علي

2022 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يقول البعض: اللي خلص حياته بخير من عنده لاتخاف، بس خوفك من اللي ما شايف و شاف.
مصطلح الشاف ما شاف، عادة ما يطلقه العراقيون على من فاز بشكل مفاجئ بمنصب إداري أو من إمتلك مالاً كثيراً بغض النظر عن مصدره، فتراه وقد تغيرت أشكال وصور تعاملاته مع الناس الآخرين بطريقة لا يعيها هو بالتحديد، ولا يدرك عواقبها أو مردوداتها، سواء عليه أو على الطرف المقابل، حين يصبح مهووساً مرتبكاً في مزاولة وضعه الجديد الذي لم يكن يوماً بالحسبان. ذلك أن همه الوحيد هو سلوك ما يؤمن له تعويض ما فات، مادياً ومعنوياً، فكلما كانت حالات الحرمان أيام الصبا شديدة، كلما كان الشاف ما شاف أشد هوساً وعبثاً.
هو بصراحة مصطلح يطلق على من ليس له جذور أو وجاهة في المجتمع، لا هو ولا عشيرته ولا أهله أقرب المقربين. بل تراه كان يعيش الحرمان والمعاناة والشعور بالنقص خاصة أيام الصبا، ما ولّد له في كثير من الاحيان عقد نفسية صَعُبَ حلها أو إيجاد وسيلة للتخفيف عنها، حتى لو بات للناس إماماً لهم، لذلك فأن معاناة الصبا صارت مرضاً نفسياً، أثرت بشكل وبآخر على انحراف الأخلاق والتفكير وزوال الوجدان، عند الكبر.
بكل بساطة، فأن طبقة الشاف ما شاف، طبقة منعزلة تماماً عن العالم المثقف، طبقة مهمشة اجتماعياً باستناد ثقافتها وافكارها وسلوكياتها المهمشة والمريضة هي الأخرى. وأن عقدة النفس للشاف ما شاف وتذكره أيام الصبا وأيام الحرمان التي مرّ بها، حين كان فقيراً مثلاً يقف بعيداً عن زملائه لا يشاركهم ما يمارسون، أو كان ضعيف الشخصية لا وجود له بين الاخرين خاصة ايام المراهقة والشباب، أو كان موضع سخرية من البعض لنقص فيه أو عيب، وما شابه من الامثلة التي اتصف بها، فهو في هكذا حال، من غير الممكن عليه، نسيانها أو التغافل عنها. لهذا، لو كان ممكناً القول: فأنه حين يحالف الحظ أو يساند الزمن أمثال هؤلاء المحرومين أو المقطوعين، فهو أي الزمن أو الحظ، يكون قد ارتكب جرماً مشهوداً لا يغتفر أبداً، عليه يتوجب محاسبته بأقصى العقوبات، بل عقوبة الاعدام لو جاز التعبير، للحظة الزمن تلك التي ساندت خلالها أمثال هؤلاء، ستكون هي أفضل وأنسب عقوبة، ويمكن أن نسميها بالعقوبة الانسانية، لأجل تخليص المجتمع من جائحة الشاف ما شاف المتحورة.
إن قانون الطبيعة البشرية الذي ابتكره كورماك كولينان قد أكد من خلاله ضروريات عدة تصب في مصلحة أن تتوافق سلوكيات الانسان بشكل تحافظ بها على سلامة المجتمع وتكون متفقة بأطر طبيعية تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية للكل. ولكن، حين يبرز على سطح الوقائع المجتمعية، فجأة، أشخاص مخالفون لقانون كورماك، ولم يمروا بمراحل التطور البشري الاجتماعي بشكل طبيعي، بل ولم يطرأ ببالهم يوماً من الايام أنهم سيتبوؤن مناصب إدارية أو سياسية في الدولة، فهذا ليس من أسوأ إنما من أحقر لحظات التاريخ.
وفي حياة أيٍ منا، الكثير من هؤلاء الشاف ما شاف، بدءاً من أيام المدرسة مروراً بالكلية، وحتى في أماكن العمل الرسمية وغير الرسمية. لكن أسوأها، هي التي تتمثل بأولئك الذين ينصبهم القدر مسؤولين ومدراء عامّين في دوائر الدولة التي يعمل فيها العديد من خريجين وخريجات، مثقفين ومثقفات، لهم أصول اجتماعية عريقة من أب وأم وأجداد، فيأتي ذاك المسؤول الشاف ما شاف، الذي قام حزب معين أو مليشيا معينة بترشيحه او تنصيبه، فيتفاجأ المسكين بوضعه الجديد، ويدوخ السبع دوخات. وتتمثل الطامة الكبرى حينما يتبوأ أمثال هؤلاء الشاف ما شاف، مسؤولية مؤسسات حساسة في الدولة أو وزارات أو أحياناً مؤسفة حين يتولى منهم، رئاسة حكومة أو برلمان، أنه لا يمكن لأي كائن بشري ألا يتوقع عدم قيام أمثال هؤلاء الشاف ما شاف، بالعبث بالمقدرات والإسهام بإحداث الفوضى وإشاعة الجهل والتشجيع على السرقة والنهب والسلب، وأحياناً أخرى تمويل جهات متعددة لارتكاب جرائم قتل وتعذيب وما شابه، وما أكثرهم في يومنا هذا. خصوصا بعدما جاءت الدبابة الامريكية اللعينة بنماذج من سفلة مأجورين مغمورين معاقين فكرياً وأخلاقياً، فتصدروا زعامة مؤسسات مختلفة ومتنوعة، هيمنت عن طريقها على معظم الأنشطة والمجالات المالية والاقتصادية في الدولة.
هيمنة، جاءت بعد احتواء مكامن القوة لمؤسسات الدولة التنفيذية، واعتماد بدعة الانتخابات وصناديقها التي استهوت العبيد !! بشعارات طنانة راجت وانتشرت بين أروقة البسطاء والسذج وانطلت عليهم بسحرها الذي فرضته سلطة الشاف ما شاف بعد تهميش دور العامة ووظفته لصالح منح الشرعية وجلوس الشاف ما شاف على كراسي الحكم.
ومذ ذاك، ساد الفساد وسادت اللاإنسانية واللاأخلاق وانعدمت وتلاشت القيم والأعراف الاجتماعية، وأصبحت البلاد تعيش دوامة المشاكل والأزمات المفتعلة، ما منح الكارت الاخضر للتدخلات والتجاوزات الخارجية أن تأخذ حصتها وتلعب دورها في نيل أهدافها دون حسيب شعبي أو رقيب حكومي. لأن الكل مشغول باستغلال الفرصة واستثمار لحظة الزمن التي فتحت ابوابها لهم، استغلال كثيف وسريع، تحسباً من أن تنتهي المدة المحددة وتنتهي معها فرصة تحقيق أكثر ما يمكن تحقيقه من شفط الاموال ونقلها الى بنوك العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد مصرع رئيسي.. هذه تحديات كبرى تواجه إيران ! | الأخبار


.. سر من أسرار محمود وبيسان.. كيف تطورت علاقتهم؟ ????




.. انتخابات مبكرة وإدارة انتقال مضطرب.. امتحان عسير ينتظر إيران


.. جنوب لبنان.. حزب الله ينعى 4 من عناصره ويهاجم مواقع إسرائيلي




.. إعصار الجنائية الدولية يعصف في إسرائيل | #التاسعة