الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية عمل الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل (4)

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2022 / 7 / 29
القضية الفلسطينية


ترجمة: محمود الصباغ
الفصل الرابع: السرد وراء استعادة أرض إسرائيل
"نحن لا نعيش في زمن ما بعد الكتاب المقدس، بل نعيش في زمنه الفعلي" (44). القس مالكولم هيدينغ، المتحدث السمي باسم السفارة (2006b, 29).
لم يكن تأسيس إسرائيل كدولة قومية في العام 1948، بالنسبة للسفارة، نتاجاً للقوى السياسية أو العلمانية. بل بسبب إرادة الرب. فالرب هو من أخرجهم، في نهاية المطاف، من بعد نفيهم من فلسطين الذي استمر قرابة ألفي عام. ويمثل هذا العمل بالتأكيد، بالنسبة للصهاينة المسيحيين، علامة إلهية ودليلاً على صدق كلمة الرب. وكما رأينا في القسم الثاني2.4. شهد عقد الثمانينيات تحولاً في الطريقة التي تناقل فيها المسيحين الألفيين القصص المنسوجة عن دور الرب في تشكيل التاريخ الكوني، والتي مكنت بالتالي من قدرة أشكالاً جديدةً من الأعمال الإنسانية في التأثير على السياسيين وعلى طرق العيش الأمثل وفقاً للكتاب المقدس(Harding 1994, 58)، وتبني السفارة روايتها بناء على فهمها للفقرات الكتابية باعتبارها أوامر للمسيحيين تحثهم على القيام بدورهم في استعادة إسرائيل، وبالتالي فهم يتلقون جزءً مركزياً من الأحداث العالمية، بينما يؤمنون في ذات الوقت بأن الرب يسيطر بصورة مطلقة على مسار تاريخ العالم.
سوف أحلل، في هذا الفصل، كيف تروي السفارة قصة الخطط الإلهية للعالم، وكيف، بالتالي، تخلق السفارة سردية لصالح أولئك "الأغيار" الذين سوف يساهمون في خطة الرب الخلاصية. وبالنظر إلى تبني السفارة للمزيد من المفاهيم اللاهوتية، فسوف أقوم بالإجابة عن سؤال البحث الأول: كيف تقدم السفارة سردية الكتاب المقدس لجهة عودة اليهود إلى إسرائيل، والحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية، كجزء من مخطط نمطي اجتماعي؟.
يقول العالم الاجتماعي ألفريد شوتز: "من المستحيل فهم السلوك البشري بتجاهل نواياه، ومن المستحيل فهم نوايا الإنسان بتجاهل الأوضاع التي تكون منطقية فيها" (مقتبس في Czarniawska 1998, 4)، بعبارة أخرى، سوف يكون الكتاب المقدس في سياق سردية السفارة، كتاباً معصوماً، وبالتالي سوف يكون ضرورياً فهم كيف تبني السفارة سرداً يكون مطلوباً فيه القيام بخطوات بشرية إجرائية تنفيذية. سوف أركز بشكل أساسي على أربعة كتيبات نشرتها السفارة كمواد تعليمية، تهدف، من خلالها، إلى إيصال المعلومات الجاليات المسيحية عن الصهيونية المسيحية. وتم اختيار هذه الكتيبات، لسهولة الوصول إليها ولأهميتها، في المواد التعليمية للسفارة. وتتضمن السلسلة ما يلي: "أساس الدعم المسيحي لإسرائيل Basis of Christian Support for Israel"، و"قلب الصهيونية التوراتية The Heart of Biblical Zionism"، و"العهود الكبرى في الكتاب المقدس The Great Covenants of the Bible" و"العهد الجديد وإسرائيل The New Testament and Israel". وسوف نستخدم المقابلات والملاحظات من العمل الميداني التي أجريت فيما يتعلق بهذه الأطروحة كمكمل في فهم دوافع المشاركة النشطة للسفارة. وسوف أتفحص، في نهاية الفصل، التصريحات التي أصدرتها السفارة في المؤتمرات الصهيونية المسيحية الدولية الأربعة، وكيف شجعت العالم المسيحي على الوقوف بجانب إسرائيل ومساعدة اليهود على الهجرة. ويمكننا أن نرى، من خلال النظر إلى هذه الإعلانات، كيف استخدمت السفارة روايتها لدعوة المسيحيين إلى اتخاذ مثل تلك الخطوات المطلوبة . وسوف يبدأ الفصل، ببعض وجهات النظر حول كيفية قراءة السفارة للكتاب المقدس.
4.1 تصور السفارة للكتاب المقدس
عندما كتب كازانوفا أن القراءة الألفية التدبيرية للكتاب المقدس كانت "جديدة وباطنية"، لم يكن يقصد بالباطنية المعنى الدقيق لدلالات الكلمة الخاصة بالحصرية، والداخلية، و"نظام الغموض"، أو السرية، أو شيء يمكن فقط لمجموعة معينة من الأشخاص المبادرين الوصول إليه، بل أنه استخدمها كأداة تحليلية لوصف الطريقة الجديدة في كشف معاني الكتاب المقدس الخفية للحقائق التاريخية والعلمية، وحسابات دعاة التدبير الإلهي عن موعد نهاية العالم (Casanova 1994, 141 see also chapter 2). ويواصل رجال الدين في السفارة هذا الإرث من خلال تفسير الكتاب المقدس حرفياً ومستقبلياً. وعلى الرغم من أن السفارة تفسره بطريقة حرفية، إلا أن هناك أيضاً رموزاً مخفية تحتاج إلى تفسير مقصور على فئة معينة، ولا يمكن قراءتها حرفياً. فعلى سبيل المثال، رغم أن أحداث سفر الرؤيا تُقرأ حرفياً، إلا أن هناك أيضاً رموزاً تحتاج إلى مزيد من التفسير. فالآيات الأولى من الإصحاح 12 من سفر الرؤيا تقول:" 1 وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا،2 وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ". وفقاً للمتحدث باسم السفارة، السيد مالكولم هيدنغ، المرأة الحامل في الآية هي إسرائيل اليوم. ويجادل هيدنغ في الأمر عند مقارنته مع النجوم والقمر والشمس المأخوذة من الإصحاح 37 في سفر التكوين حيث يخبر يوسف عائلته عن حلمه: "9 ثُمَّ حَلُمَ أَيْضًا حُلْمًا آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي»(45). ويرى هيدنغ أن هذه صورة لإسرائيل الحديثة والقبائل الإثني عشر لإسرائيل، التي تعود هذه الأيام (Hedding 2006a, 25-6). لذلك هناك عدة أسباب للافتراض يوجود بعض المعاني الخفية في الكتاب المقدس التي يجب الكشف عنها. ووفقاً لستيفن سايزر، تسمى طريقة السفارة في تفسير الكتاب المقدس "بيشر"، بمعنى التأويل وهي كلمة آرامية تعني "تفسير"، وقد ميزت نفسها عن التفسير البروتستانتي الأكثر تقليدية، الذي أخذ، رغم حرفتيه، السياق التاريخي والثقافي والنحوي واللاهوتي بعين الاعتبار. إن التأويل "بيشر" فائق الحرفية حيث تعتبر الأجزاء النبوية "تاريخاً مكتوباً مسبقاً؛ وتكتمل الإسخاتولوجيا في جيل المترجمين"(Sizer 2004a, 108). وسبق للكتاب المقدس أن تنبأ بسير التاريخ الذي يحدث اليوم. ويمثل هذا الاعتقاد التدبيري، وفقاً لمنظور هاردينغ، السبيل لمعرفة التاريخ وهو أمر أساسي هنا، حيث يُنظر إلى الأحداث المعاصرة التي تحدث في عالم اليوم كدليل على صدق كلمة الرب، ووفقاً لديفيد بارسونز(46). تعرف السفارة ما سيحدث في المستقبل وسبب وقوع الأحداث في وقتنا الحاضر -مثل عودة اليهود إلى إسرائيل. ويعني هذا أن كل شيء في العالم محدد سلفاً. ويبدو أن هذا ليس هو الحال مع السفارة، إذ لم تذكر معرفتها بالمسار التاريخي الدقيق، فعلى سبيل المثال، هناك احتمال أن تخسر إسرائيل بعض الأراضي، وهذه النقطة سوف نتعرض لها في هذا الفصل في القسم 4.2.4. و لاحظ المؤرخ بول بوير أن المؤمنين بالتنبؤ يمكنهم الالتفاف على مثل هذه المشكلة من خلال فهمهم لتحديد المسار العام للتاريخ، رغم وجود "عالم من الحرية" ضمن النظام المحدد سلفاً (1998 ، 454). ويبدو أن السفارة قد اتخذت هذا الموقف في صلب سرديتها. وعلى الرغم من حقيقة أن معظم العلماء سوف يجادلون بأن السفارة لها جذور داخل العقيدة التدبيرية (انظر الفصل 3)، ورغم أن الكثيرين سوف يدعون أن أفعالها مدفوعة بنبوءات (أخروية)، فإن السفارة نفسها كثيراً ما ترفض هذه المزاعم (انظر على سبيل المثال Sizer 2004a، Wagner 1995، Spector 2009). إن فهم السفارة (الذاتي) للنص التوراتي يقوم على أنه من واجب المسيحيين دعم إسرائيل لأسباب أعمق بكثير من مجرد دور إسرائيل في الإيسخاتولوجيا المسيحية الصهيونية. يؤكد هيدنغ أن السبب الرئيسي للدعم المسيحي يكمن في العهود التي قطعها الرب مع شعب إسرائيل. ومع ذلك يلعب أنبياء الكتاب المقدس، وفقاً لهيدينغ، دوراً حاسماً في هذا الصدد، لأن هذه النصوص تؤكد العهود بين الرب والشعب الإسرائيلي، لكن هذا ليس مصدر أساس الدعم في حد ذاته (Hedding 2006a, 5). لدى السفارة عقيدة متطورة تحدد أسس نشاطها العملي. وقد صرحت السفارة أن مهمتها آتية من السماء، من خلال قراءة الكتاب المقدس (Buehler 2012). لذلك يمكننا أن نرى كيف يخلق مفهوم السفارة للكتاب المقدس، سرداً يحكمه تفويض لها لتكون فاعلاً نشطاً في التاريخ. وسوف أجادل أيضاً أن السفارة تعتمد على عناصر كاريزمية في تفسيرها للكتاب المقدس، تأتي من تأثيرها الكبير على العقيدة الخمسينية. يمكننا أن نرى ذلك، على سبيل المثال، بإعلان مدريها النرويجي يويفيند يوليوسن، بأن الكتاب المقدس هو كتاب "مغلق" – وسوف يبقى كذلك إلى أن يفتحه الرب بالروح القدس (TVVisjon 2014). تتضح الأمثلة الأخرى للتأثير الكارزمي في مقدار التركيز على الشهادات الشخصية. ومثال ذلك هنا هوارد فلاور، الذي دُعي للعمل على هجرة يهود روسيا من خلال رؤيا إلهية وقعت له (Flower 2011c). ويمكن أن تساهم مثل هذه الشهادات الشخصية كعوامل محفزة في جهود العمل من أجل استعادة أرض إسرائيل.
4.2 استعادة أرض إسرائيل - مسألة إنقاذ العالم
"إسرائيل" هي الكلمة الأكثر ظهوراً في الكتاب المقدس [نحو 2465 مرّة] بعد "الإله" و "الرب"، وفقاً لـ داغ يويفيند يوليوسن (TVVisjon 2014). وتشير المكانة المركزية التي تحتلها إسرائيل في الكتاب المقدس إلى الموقع الهام لإسرائيل في العالم، لأن الكتاب المقدس يُفهم على أنه كلمة الرب الحقيقية من خلال الروح القدس، وبالتالي يُنظر إليه على أنه وثيقة يهودية يُذكر فيها حق إسرائيل الإلهي في الأرض (Hedding 2006a, 23). لذلك من المهم أن تنقل السفارة الدور الإلهي لإسرائيل في مخطط الرب الخلاصي. لن أخوض في دراسة تفصيلية لكيفية تفسير السفارة لآيات معينة من الكتاب المقدس وكيف تنظر إلى الأحداث العالمية على ضوء الكتاب المقدس، بسبب نقص المساحة. ومع ذلك، سيتم تقديم لمحة موجزة عن الموضوعات المركزية التي تعتبرها السفارة حججاً مهمة حول سبب حاجة المسيحيين إلى دعم إسرائيل وضرورة أن يكونوا وكلاء فاعلين في استعادة أرض إسرائيل.
4.2.1 العهود
يكمن أساس استعادة إسرائيل في العهود التي قطعها الرب مع الشعب اليهودي (والتي تشمل أيضاً بقية العالم). وتدعي السفارة، أن الرب قطع أربعة عهود مع الشعب اليهودي، الذي أوكلت إليه مهمة إدارة هذه العهود ونقلها إلى بقية الأمم (Hedding 2006b, 5). وهذه العهود هي: العهد مع إبراهيم. العهد الموسوي. العهد الجديد وعهد داود. ولنبدأ بالعهد الإبراهيمي المأخوذ من الإصحاح 12 من سفر التكوين:" 1 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2 فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». 4 فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ. 5 فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ امْرَأَتَهُ، وَلُوطًا ابْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. 6 وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ. 7 وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ." ,هذه العهد هو الأهم لأن الرب قرر، من خلاله أن ينقذ العالم عبر نسل إبراهيم - وهم اليهود. وهكذا ينال اليهود مكانة شعب الرب المختار الذين يُمنحون ملكية أرض كنعان. وبهذا يُنظر إلى العهد الإبراهيمي بصفته وعد الرب لإنقاذ العالم -وهو الوعد الذي تدعي السفارة أنه لا يمكن نقضه(47) (Hedding 2006b, 8-10, 2006c, 17-23). ثم هناك ميثاق تنفيذي، وهو العهد الذي قطعه الرب مع موسى، في سفر الخروج 19: " 5 فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. 6 وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ». ومن هذا المنطلق، تعتقد السفارة أنه لا يمكن للمرء أن يتبع يسوع دون اتباع "القانون" أو "الناموس" الذي لا ينبغي أن يُفهم على أنه الهالاخاه- القانون التشريعي اليهودي، بل هو الوصايا العشر. ومن ثم، فإن العهد الموسوي هو الوصايا التي ستقود الخطاة إلى يسوع، كما هو مذكور في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3 (Hedding 2006b, 11-7). يؤدي هذا مرة أخرى إلى العهد الجديد، حيث أُدرجت الأمم في العهد مع إبراهيم، كما تنبأ به إرميا 31. وفقاً لهيدينغ، جاء يسوع إلى العالم كخادم لليهود، وأكد وعود الرب لإسرائيل وهذا ما تم شرحه في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3. يسوع هو الشفاء من كل الذنوب، وكل من هم مع المسيح يصبحون أبناء إبراهيم. هذا لا يعني أن اليهود فقدوا مكانتهم المركزية كوسيلة فداء، لأن الرب لا ينقض وعوده، ولا يوجد دليل في العهد الجديد على أن الرب قد نقض وعده مع اليهود. على العكس من ذلك، يجادل هيدنغ بأن الرسالة إلى أهل رومية 9 تؤكد أن وعود الرب تخص الشعب اليهودي (Hedding 2006b, 17-21) (48).
سيحدث الإتمام النهائي من خلال عهد داود، عندما وعد الرب الملك داود بأن عرشه سيحكم إلى الأبد، كما هو مكتوب في سفر أخبار الأيام 17 " 11 وَيَكُونُ مَتَى كَمَلَتْ أَيَّامُكَ لِتَذْهَبَ مَعَ آبَائِكَ، أَنِّي أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَنِيكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. 12 هُوَ يَبْنِي لِي بَيْتًا وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّهُ إِلَى الأَبَدِ. 13 أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا، وَلاَ أَنْزِعُ رَحْمَتِي عَنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا عَنِ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ. 14 وَأُقِيمُهُ فِي بَيْتِي وَمَلَكُوتِي إِلَى الأَبَدِ، وَيَكُونُ كُرْسِيُّهُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ».. يُنظر إلى هذا على أنه نبوءة عن المجيء الثاني للمسيح، عندما يعود إلى الأرض. وإنشاء المملكة الألفية. والدليل على ذلك هو حقيقة أن اليهود يعودون الآن إلى إسرائيل لإيصال العهد الأخير للعالم، والذي يقول هيدنغ إنه يظهر في سفر حزقيال 37: " 24 وَدَاوُدُ عَبْدِي يَكُونُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ رَاعٍ وَاحِدٌ، فَيَسْلُكُونَ فِي أَحْكَامِي وَيَحْفَظُونَ فَرَائِضِي وَيَعْمَلُونَ بِهَا. 25 وَيَسْكُنُونَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ عَبْدِي يَعْقُوبَ إِيَّاهَا، الَّتِي سَكَنَهَا آبَاؤُكُمْ، وَيَسْكُنُونَ فِيهَا هُمْ وَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ إِلَى الأَبَدِ، وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسٌ عَلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ. 26 وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلاَمٍ، فَيَكُونُ مَعَهُمْ عَهْدًا مُؤَبَّدًا، وَأُقِرُّهُمْ وَأُكَثِّرُهُمْ وَأَجْعَلُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ. 27 وَيَكُونُ مَسْكَنِي فَوْقَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 28 فَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُ إِسْرَائِيلَ، إِذْ يَكُونُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ». يُفهم يعقوب على أنه إسرائيل(49)، والتي أعيد تأسيسها اليوم من خلال عودة الشعب اليهودي، وهي علامة على أن الإنجاز قريب (Hedding 2006b, 26-29). وهكذا فإن العهد الأخير هو العهد المروع، مع ابن داود -المسيح آتٍ، الذي سيدين البشرية ويحكم المملكة الألفية، كما هو مكتوب في سفر الرؤيا(Hedding 2006b, 26-30). ومع ذلك، لن يعود المسيح قبل أن يدعوه إسرائيل مرة أخرى، كما هو مكتوب في أعمال الرسل 3. يجادل هيدنغ، أنه يجب أن تكون جميع الأمم قد سمعت الإنجيل أولاً، ثم سيكون اليهود هم البقية التي ستعيد الملك تماماً كما كان يهوذا آخر من أحضر الطفل داود، كما رأينا في سفر صموئيل الثاني (Hedding 2006b, 34-5). بعبارة أخرى، يجادل هيدنغ بأن يسوع، بصفته ملك اليهود، يجب أن يُدعى مرة أخرى من قبل شعبه قبل أن يعود، تماماً كما فعل الملك داود. يمكننا أن نرى هنا كيف تضع السفارة اليهود وإسرائيل في مركز خطة الرب. ترتبط العهود الأربعة هنا ببعضها البعض ارتباطاً وثيقاً وبالتالي لا يمكن فصلها، كما هو الحال في الكنائس السائدة التي تعترف بعلم اللاهوت السائد.
4.2.2 وضع إسرائيل في الكتاب المقدس
كما رأينا أعلاه، خلقت العهود مساحة لإسرائيل لتكون وسيلة الرب لفداء العالم. وكما يجادل هيدينغ (2006a, 13) لم يتم الرد على سبب اختيار الرب لإسرائيل كوسيلة تعويضية، "لقد فعل ذلك فقط لأنه يحبها"، وليس هذا لأن إسرائيل لديها أي قدرات خاصة أو قوة(50). فالوضع المركزي الخاص لإسرائيل هو ما يشير إليه هيدينغ باسم "دعوة إسرائيل الثلاثية". وهذا يؤكد أن إسرائيل ليست مجرد منطقة جغرافية عشوائية في الشرق الأوسط، بل هي أداة حيوية في مخطط الرب الخلاصي. وفقا لدعوات هيدينغ تكون نداءات إسرائيل الثلاث هي: نداء الولادة، ونداء المعاناة، والنداء الكهنوتي. ويجادل هيدينغ أن إسرائيل سوف "تلد"، من خلال هذه النداءات، "منتجات" خلاصية، ستصل إلى جميع البشر، على سبيل المثال يسوع. ومع ذلك، سوف تعاني إسرائيل لإيصال كلمة الرب، لأن الشيطان يعمل ما في وسعه لمنع تحقيق خطة الرب للعالم. ومع ذلك، فإن خطة الرب لن تضيع بسبب الشر، لأنه سبق أن قرر أن الشعب اليهودي سيعطي موت يسوع للعالم، والذي يدوره، أي موت يسوع، سيمنح الخلاص للأمم. على الرغم من أن هيدينغ واضح بشأن حقيقة أن اليهود كانوا مسؤولين عن صلب يسوع، إلا أنه لا يزال يجادل بأنه لا يمكن تحميل اليهود المسؤولية عن هذا العمل لأن اليهود لم يكونوا يعرفوا ما يقومون به (Hedding 2006a, 24-38). وعلى الرغم من حقيقة أن إسرائيل تحظى بمكانة مركزية مع الرب في سردية السفارة، فإن هذا لا يعني أن الرب، وفقاُ لهيدينغ، يحب إسرائيل أكثر من الأمم الأخرى في العالم. ولتوضيح ذلك، يستخدم هيدينغ تشبيهاً لامرأة حامل تحظى باهتمام ورعاية من عائلتها أكثر من أفراد الأسرة الآخرين لأن لها دوراً خاصاً في الأسرة، لكن هذا لا يعني أن بقية أفراد الأسرة يحظون بدرجة حب أقل من الأسرة. وبالتالي، يحق لإسرائيل أن تحظى بمزيد من الاهتمام والرعاية من قبل الأمم التي حولها، لأنها هي التي ولدت المسيح Messiah، وفي داخلها سيعود يسوع المسيح ويخلق المملكة الألفية. وعليه، فإن الهدف الكامل لوجود إسرائيل هو مجيء المسيح Messiah، الذي سيمنح الفداء للجنس البشري (Hedding 2006a, 9-10). يتمثل أحد الجوانب المركزية في سردية السفارة في إنكار الكنيسة "المرأة الحامل" عبر التاريخ، وهي سياسة اعتبرتها السفارة مخزية (Hedding 2006a, 31). وكما سوف نرى، فإن إسرائيل هي عنصر أساسي في خطة الرب. وبما أن الشعب اليهودي يشكل أمة إسرائيل، فما مدى أهمية وضع إسرائيل في أرض كنعان التوراتية وليس في أي موقع جغرافي آخر؟ يصبح الموقع الجغرافي ضرورياً، في سردية السفارة، لأن إسرائيل كانت الأرض التي وعد الرب فيها إبراهيم، بأن نسله سوف يحتفظون بها إلى الأبد، وهي ذاتها الأرض التي نُفي منها إسرائيل ووعد بالعودة. في هذا الموقع من الأرض، يُتنبأ أيضاً أنه عندما يعود المسيح إليها ، فإن ذلك سوف يحدث على جبل الزيتون. لذلك من المهم أن تحتفظ إسرائيل بهذا الموقع تحديداً.
4.2.3 خلاص اليهود
وفّر موت يسوع الخلاص للأمم، لكنه لم يخلص اليهود بعد، بحسب هيدينغ. وحقيقة أن اليهود يعتبرون شعب الرب المختار، فهذا لا يغير الحقيقة الأخرى وهي أن اليهود بحاجة إلى قبول المسيح كمنقذ لهم لكي ينالوا الخلاص. لكن هذا سيحدث، وفقاً لهيدينغ، تلقائياً عندما يعود اليهود من المنفى إلى إسرائيل. ووفقاً للسفارة، يعظنا سفر إشعياء بأنه سيكون هناك منفيان وعودتان للشعب اليهودي؛ الأول هو المنفى البابلي 586 ق.م، والثاني نفي ما بعد تدمير الهيكل الثاني 70 م، والذي استمر حتى الآن. علاوة على ذلك، تفسر السفارة سفر حزقيال 36 بأن عودة اليهود إلى الوطن ستحدث على مرحلتين؛ الأولى هي المرحلة الفيزيقية المادية، والثانية هي المرحلة الروحية. بعبارة أخرى، تؤمن السفارة بقيامة روحية يهودية، من خلال هجرتهم إلى إسرائيل، حيث سيعانقهم نشر محبة الرب والروح القدس (Hedding 2006a, 40-1).ويعد هذا تفصيلاً هاماً للغاية في سردية السفارة بحيث يعفيها من التبشير بين اليهود من أجل الحصول على الخلاص. إن مفهوم العودة إلى الوطن، أحدهما جسدي والآخر روحي، يجعل عمل السفارة بين اليهود أسهل بكثير، والذي سيتم التطرق إليه بمزيد من التفصيل في القسم 5.3.1.
4.2.4 الشر في هذا العالم
لدى السفارة رؤية ثنائية للعالم ينقسم فيها إلى خير وشر، وهنا لا يمكن وجود ممثلين محايدين، فالذين ليسوا مع الرب يقعون فريسة لسيطرة الشيطان (انظر أيضاً Widnes 2007, 79). وهكذا تستخدم السفارة صورة بابل وكنعان الواردة في سفر الرؤيا لوصف الانقسام بين المنقذين وغير المنقذين. ولا تعتبر بابل مكانًا روحياً بحتاً، بل يُنظر إليها أيضاً على أنها مكان مادي حيث يعلو الشر، لأنها كانت في جنة عدن التي سقط فيها الإنسان من النعمة، ومن هناك أمر الرب إبراهيم بمغادرة أور والارتحال إلى أرض كنعان الموعودة (Hedding in Widnes 2007, 90-1). وعلى الرغم من حقيقة أن السفارة تؤمن بأن الرب له السلطة المطلقة في العالم، فإن الشر هو الذي يسود. ومن أجل تجنب المفارقة الدينية حول سبب حدوث الشيء السيئ لإسرائيل اليوم، يتم شرح ذلك من خلال نداء معاناة إسرائيل. يقول سفر التكوين 15، أنه عندما قبل إبراهيم العهد من الرب، هاجمت النسور الشريرة العهد، الذي يرمز بالتالي إلى عالم ساقط يسيطر عليه الشر، وفقاً لهيدينغ (2006a, 28-9). ومع القيامة الجسدية والروحية لليهود، عندما يتم استعادة إسرائيل، يتبع سقوط الشر والتأثير الشيطاني على العالم. في هذا الوقت "سوف يأتي الملك" إلى جبل الزيتون، وسوف يؤسس المملكة الألفية ويملك "بقضيب من حديد"، كما هو مكتوب في سفر الرؤيا(Hedding 2006a, 42). ومع ذلك، فإن الشر يعمل ما في وسعه لمنع حدوث ذلك، وبهذه الطريقة، تشرح السفارة الصراع في الشرق الأوسط، فتفسر معاملة المجتمع الدولي غير العادلة لإسرائيل، وتشويه الصراع مع فلسطين، على أنهما "الأرواح النجسة" المذكورة في سفر الرؤيا 16 والتي خرجت من فم التنين كالضفادع وذهبت إلى أربع أركان من العالم لإغواء الملوك والسياسيين:" 13 وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الْكَذَّابِ، ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ،14 فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ الْعَالَمِ وَكُلِّ الْمَسْكُونَةِ، لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.15 «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ! طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ». 16 فَجَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ»." (انظر كذلكHedding 2006 a 3 -40) (51). ويجب، وفقاً لرواية السفارة، عدم اختزال الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع علماني أو إنساني، لأن الغرض من الصراع هو التدمير الكامل للدولة اليهودية، وفقاً لهيدينغ (2006a, 42). ستحاول الأمم المتحدة، التي يغريها الشر، تدمير إسرائيل والشعب اليهودي، تماماً مثلما يحاول ماجوج وياجوج في سفر حزقيال 38. وعلى مر التاريخ، كانت هناك العديد من الأمثلة على مثل هذه الأفعال (Hedding 2006 c 7 -28 ) (52) .وبينما يحاول شر الأعداء الأجانب تهديد وجود إسرائيل، فإن واجب اليهود الخاص يقضي في ضمان استمرار وجود إسرائيل. وعلى الرغم من عودة اليهود الآن من المنفى الأخير، فلا توجد ضمانات بأن إسرائيل لن تخسر أرضاً أو أن اليهود لن يُطردوا مرة ثالثة. ويمكن اعتبار حقيقة أن السفارة تفتح الباب أمام إمكانية نفي ثالث، أمراً متناقضاً، ومع ذلك فإن هذا أمر غير محتمل، وفقاً لهيدينغ، لأن الكتاب المقدس يذكر منفيين اثنين فقط (Hedding 2006c, 13-4). ووفقاً لهيدينغ-مرة أخرى-، يجب أن يعيش اليهود في مصالحة مع الرب، ما لم يؤدبهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى خسارة الممتلكات- كما أظهر التاريخ (Hedding 2006c, 27-37). يستخدم الرب الأمم التي يغويها الشيطان كأداة لتأديب إسرائيل. إن نية الأغيار شريرة وبالتالي يجب عليهم أيضاً أن يستعدوا للدمار على يد الرب. يدعي هيدينغ أنه لم تنج أي مملكة عارضت إسرائيل واليهود عبر التاريخ، وبالتالي، من المهم أن تدعم السفارة إسرائيل. بعبارة أخرى، سيطر الرب، حسب سردية السفارة، على سقوط الإمبراطوريات والممالك التي كانت في صراع مع إسرائيل والشعب اليهودي. ويرى هيدينغ، أن للرب سلطان كامل على إسرائيل، حين يقول، أي هيدينغ، إن إسرائيل أمة صغيرة وضعيفة، وبالتالي اختار الرب إسرائيل لتكون أداة الفداء يمكنه، من خلالها، أن يظهر قوته (Hedding 2006c, 13). ومن الواضح أن لإسرائيل، من وجهة نظر هيدينغ، مكانة خاصة في الكتاب المقدس، وبالتالي تصبح أكثر بكثير من مجرد منطقة جغرافية أو أمة للشعب اليهودي. وعندما يعتمد خلاص العالم على الوجود المستقبلي لإسرائيل، فمن المهم أن تدعم السفارة إسرائيل من خلال دعم الهجرة اليهودية، والدفاع عن إسرائيل في النقاش العام وإدراج إسرائيل في الصلاة والبركات.
4.2.5 صراع الشرق الأوسط في سياق لاهوتي
كما ذكرت أعلاه، جادل هيدينغ بضرورة رؤية الصراع في الشرق الأوسط في سياق ديني وليس بوصفه نزاع علماني على الأرض، ويكتب: أن السكان العرب "لم يتلقوا بعد تجلي سماوي هام" (53) (Hedding 2006c, 42). ويمكن للمرء أن يفهم أن هذا يعني عدم خضوع الناس هناك إلى تبشير على نطاق واسع نظراً لأن الإسلام يحتل موقعاً قوياً في الشرق الأوسط(54). وقد صرحت السفارة، في المؤتمر الصهيوني المسيحي الدولي الثالث، بأن مصطلح المسلمين "الله" -من وجهة نظر كتابية- هو تحريف معادٍ لليهود ومعادٍ للمسيحيين لكيفية إعلان الرب عن نفسه أمام آباء وملوك وأنبياء الكتاب المقدس في اسرائيل. علاوة على ذلك، ذكرت السفارة أن العناصر في العقيدة الإسلامية، والتي تروج للكراهية تجاه إسرائيل والشعب اليهودي، ستؤدي إلى الشر والاضطراب والقيود الروحية التي ستؤثر على الأفراد وأحفادهم وأممهم. كما تجادل، أيضاً، خلوّ القرآن أو العقيدة الإسلامية من ما يؤكد صحة ادعائها بشأن جبل الهيكل، على أنه تناقض مباشر مع الادعاء التوراتي والتاريخي بالموقع(IKAJ) (55). فالصراع في الشرق الأوسط، يجب أن يرى من منظور ديني، وفقاً للسفارة، لأن الإسلام يحاول كسب أرض في الشرق الأوسط، لكن إسرائيل تقف في طريقه. إن العقيدة الإسلامية الراديكالية ورغبتها في إعادة المنطقة إلى دار الإسلام هي القضية الجوهرية التي لا يعترف بها سوى قلة قليلة من الناس. على الرغم من وجود مجموعات مثل حماس ترتكز على مبادئ لاهوتية إسلامية واضحة للغاية، فإن العالم يرتكب الخطأ المستمر في تجنب الطبيعة اللاهوتية للصراع. بدلاً من محاولة التعامل معه في سياق سياسي إنساني علماني، ولا يمكنهم، على ضوء إصرارهم هذا، حله قط، لأنهم لن يمتلكوا الحقيقة التي تقول بأننا نتعامل مع صراع مع الإسلام. وإذا لم تبدأ من الأساس اللاهوتي، (...) فلا يمكنك أبداً معالجة هذا الشيء بصدق. (...) فمصدر الصراع هو حاجة إسلامية راديكالية للتحقق من الوحي بتفكيك الدولة اليهودية (مالكولم هيدينغ في مقابلة مع جيروزاليم بوست، كانون الثاني-يناير 2007 ، Gilbert 2007). يقول هيدينغ في الاقتباس إن الإسلام الراديكالي يسعى جاهداً لتحويل منطقة الشرق الأوسط بأكملها إلى دار الإسلام. وتقف إسرائيل في طريق ذلك، وبالتالي فإن الصراع في الشرق الأوسط يصبح صراعاً بين الخير والشر، وفقاً لرواية السفارة. ويُوصف العرب في الكتاب المقدس بأن معظمهم سوف يكون موضوعاً للخلاص، لأن الرب يشاركهم المحبة، كما يفعل مع جميع الناس، ولكن يجب على الدول العربية المحيطة أن تلعب، أولاً، دورها في مخطط الرب الخلاصي. هذا الجزء تفهمه السفارة على أنه الأمم المحيطة، التي يستخدمها الرب كعقوبة عند إدانة إسرائيل لعصيانها، ولكن في الجولة الثانية، سيتم إدانة هذه الدول نفسها. لأول مرة عندما يتم فداء إسرائيل، ستنال مصر وآشور (سوريا اليوم) الخلاص، عندما يكشف الرب عن نفسه لهما في العصر المسياني (Hedding 2006c, 42-3, 2006a, 42, see also Isaiah 19:18-25)، راجع أيضاً إشعياء 19: 18-25:" 18 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ». 19 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا. 20 فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ. 21 فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ. 22 وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ. 23 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ. 24 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، 25 بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ»). وهذا لا يعني أن مصر وسوريا وحدهما هما اللذان سيخضعان للخلاص: تذكر السفارة أن الكنيسة تنمو وتنشط في العديد من الأماكن في الشرق الأوسط (Bühler 2013).
4.2.6 انقسام الأغيار وإسرائيل
في القسم 2.2، تم توضيح أن العقيدة التدبيرية تميز بين اليهود والأمم، حيث يُختطف المؤمنون الحقيقيون في الكنيسة قبل المحنة. وسبق الذكر أيضاً أن السفارة تعتقد أن الأغيار سيواجهون المحنة مع اليهود، وأنه لن يكون هناك أي اختطاف، وأن اليهود، مثلهم مثل غير اليهود، يمكنهم فقط الحصول على الخلاص من خلال المسيح. وكما يذكر ويدنيز أيضاً، يبدو الأمر كما لو أن السفارة تحاول تخفيف حدة الانقسام بين اليهود وغير اليهود (2007، 77).على الرغم من أن السفارة تحاول التخلص من الخط الفاصل بين اليهود والأغيار، إلا أن هيدينغ يشير إلى اليهود كأغيار أقاموا علاقة خاصة مع الرب لصالخ خلاص وإنقاذ العالم (Hedding 2006a, 20, Widnes 2007, 78). اقترح ويدنز أن الطريقة التي حاولت بها السفارة محو الانقسام بين اليهود والأغيار، هي طريقة لإسقاط معركتهم ومعاناتهم في المعركة والمعاناة اليهودية، لتحقيق النصر في النهاية(Widnes 2007, 78). لا أجد أي إشارة واضحة داخل السفارة إلى أنها تحاول أن تكون جزءً من معارك اليهود ومعاناتهم. على العكس من ذلك، كما سأناقش أدناه، من الواضح، من سردية السفارة، وجود أدوار منفصلة لليهود والأغيار في خطة العناية الإلهية.
4.3 "انظر. سوف أعود إلى الوثنيين "
في تصريحات موقف السفارة، كتب هيدينغ: "يوضح [الرسول] بولس، مراراً وتكراراً، أن اللاهوت يجب أن يكون له فعل عملي" (Hedding). كان البيان موجهاً إلى الكنائس المسيحية السائدة، والتي انتقدتها السفارة لكونها أكثر انشغالاً بمناقشة موقفها اللاهوتي بدلاً من العمل عليه. ومع ذلك، فقد أنشأت السفارة سرداً منفتحاً على الوكالة التي يتلقى فيها غير اليهود الدور الخاص في خطة العناية الإلهية. لذا فإن إشراك الأغيار هو بمثابة تحذير للدول من تدميرها المؤكد، إذا لم تتجه لدعم دولة إسرائيل. إن أكثر آيات الكتاب المقدس التي تستخدمها السفارة هي الآية الأولى من الإصحاح 40 من سفر إشعياء: " 1 عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ". وتصرح السفارة بأن هذه الآية هي "تفويضه من السماء". وبعدها تأتي الآية الثانية التي تقول: " 2 طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمُلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا". على مدار الثلاثين عاماً، عملت السفارة على أساس هذه الآية من الكتاب المقدس ونشطت في إرضاء ودعم المجتمع الإسرائيلي بطرق مختلفة، كما أشرنا في الفصل السابق. ينص الجزء الأخير في الاقتباس الأخير على أن الحرب الإسرائيلية قد انتهت، والتي يتم تفسيرها على أنها نبوءة انتهاء الحرب والصراع الذي تشارك فيه إسرائيل، وبانتهاء الحرب، سيكون العالم كله مندهشاً: قبل كل شيء، سيحصل الرب وحده على المجد لأنه سيحل مشكلة كانت أكبر من أن يتعامل معها العالم. حتى الكنيسة لم تكن قادرة على التعامل معها! في الواقع، لا يرى الكثير من الكنيسة اليوم أي أهمية كتابية في استعادة إسرائيل. يعتقدون أنه مجرد حادث سياسي حاكته ودبرته الأمم المتحدة (Buehler 2012). وهكذا، سيأتي يوم يكشف فيه الرب عن قصده لإسرائيل، وسيكشف الرب أن جميع الإجراءات السياسية والتاريخية، والأحداث المتعلقة بإسرائيل قد حدثت من خلال إرادته، وليس من قبيل المصادفة. إسرائيل هي أداة خلاص العالم، ولكن على الرغم من أن دول العالم قد تتصرف بالشر تجاه إسرائيل اليوم، سيأتي "يوم" يعرف كل العالم أن إسرائيل موجودة لمباركتهم وليس لشتمهم"، وحتى يأتي هذا اليوم، فإن السفارة "ستواصل السير على هذا المسار معها" (Buehler 2012). الدافع الآخر لدعم السفارة لليهود هو البركات التي يعطيها الرب لمن يدعمون اليهود. في سفر التكوين 12: 1-3 قال الرب لإبراهيم أن يترك وطنه القديم ويذهب إلى أرض كنعان حيث يجعله أمة عظيمة. 1 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ.2 فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً.3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». "أبارك مباركيك، وألعن من لاعنك. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (Hedding 2006a, 20). وتذكر الآية 22 من الإصحاح 49 من سفر إشعيا:" 22 هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى الأُمَمِ يَدِي وَإِلَى الشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي، فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ فِي الأَحْضَانِ، وَبَنَاتُكِ عَلَى الأَكْتَافِ يُحْمَلْنَ. هذا الاقتباس هو أهم حجة تستخدمها السفارة لإضفاء الشرعية على عمل الهجرة المساعد. في هذه الآية من الكتاب المقدس، يدعو الرب الأمم (في العصر الحديث، الصهاينة المسيحيون) لمساعدة اليهود على العودة إلى إسرائيل. ومع ذلك، لن يكون هناك سوى عدد قليل من الأمم [الأغيار] الذين سيستجيبون لكلمة الرب ويعملون وفقاً لمشيئته، وستفشل بقية الأمم في هذا الأمر ويضللهم الشر، كما رأينا في الفصل الفرعي السابق (Widnes 2007, 80). يُشار إلى هؤلاء الأمم الذين يطيعون الرب على أنهم "ملء الأمم" في الرسالة إلى أهل رومية 11:25: "25 فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ: أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ،"
4.3.1 الصيادون والقانصون
تعتبر مرافقة اليهود من الشتات اليوم إلى إسرائيل مهمة مركزية في سردية السفارة. قامت السفارة ببناء روايتها لتزويد غير اليهود بدور مركزي في تجمع الشعب اليهودي، حيث تعتبر العودة اليهودية للوطن، كما هو موضح أعلاه، ضرورية لتحقيق خطة العناية الإلهية. هنا تستخدم السفارة سفر إرميا 16:16 لإضفاء الشرعية على مساهمتها في جلب اليهود إلى إسرائيل. تقول هذه الآية من الكتاب المقدس: " 16 «هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَى جَزَّافِينَ كَثِيرِينَ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَيَصْطَادُونَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ أُرْسِلُ إِلَى كَثِيرِينَ مِنَ الْقَانِصِينَ فَيَقْتَنِصُونَهُمْ عَنْ كُلِّ جَبَل وَعَنْ كُلِّ أَكَمَةٍ وَمِنْ شُقُوقِ الصُّخُورِ.". وبالتالي، يمكن للسفارة أن تقوم بدور الصيادين في سرديتها. وهذه الصورة من إرميا تستخدمها السفارة في عملها التطبيقي، كما هو الحال في الطريقة التي تسميها السفارة في بحثها عن اليهود في الشتات "الصيد عبر الإنترنت" وفي مقال بقلم هوارد فلاور، مدير الهجرة في السفارة، يشرح كيف أن السفارة "تصطاد" اليهود في الشتات(56). وليس من الواضح كيف تفهم السفارة كلمة "الصيادين" الواردة في سفر إرميا 16:16، المذكورة أعلاه. في الآية، سيطارد الصيادون اليهود من كل جبل وتل وحفرة في الصخور. ومع ذلك، يجادل سايزر بأنه يشير إلى معاداة السامية العامة، لأن القائد الأول للسفارة، يان فيلهم فان دير هوفين، أكد أنه حتى اليهود الذين يعيشون في الولايات المتحدة سوف يهاجرون يوماً ما إلى إسرائيل، وأن الرب سيستخدم معاداة السامية. من أجل تحقيق ذلك (Sizer 2004a, 223). فإذا كان صحيحاً أن السفارة تفهم الصيادين على أنهم معادون للسامية، فإنها تنفتح إلى حد ما على مفارقة في هذا الشأن، لأن السفارة تعتمد على معاداة السامية لطرد اليهود من الشتات، بينما تشدد، في ذات الوقت، على أن الأغيار يجب أن يدعموا إسرائيل من أجل تجنب هلاك الرب. ومع ذلك، فإن تركيز السفارة على دورها كـ "صيادين" يصبح التركيز الأكثر شيوعاً في روايتها لمساعدة اليهود في إسرائيل.
4.3.2 دوافع شخصية
بصرف النظر عن المقاطع الكتابية المتشابكة لدور غير اليهود في سرديتها، تركز السفارة أيضاً على المزيد من الدوافع الشخصية حيث تحاول التعويض عن المعاملة السيئة التي تلقاها اليهود من الكنيسة على مر القرون. ومع ذلك، يبدو أن الدافع الأكثر أهمية هو أنه إذا كان الرب صادقاً في وعوده لليهود، فإنه سيحافظ أيضاً على وعوده تجاه الأغيار. يمكن رؤية الجانب الأخير في رد مدير العلاقات العامة ديفيد بارسونز عندما أجاب على سؤال حول ما يحفز المسيحيين على مساعدة الشعب اليهودي: إنه بسبب أمانة الرب، يظهر طبيعته وشخصيته كإله أمين وعد به؛ لقد شتت اليهود، ولكن بغض النظر عن المكان الذي شتتهم فيه، فسوف يعيدهم دائماً كما هو في عهده مع إبراهيم والعهد الموسوي الذي كتبه موسى. نحن ننظر إلى هذا كما نرى الهجرة كدليل على وجود إله أمين لوعوده. (...) يفي بوعوده، وإذا أوفى بوعوده للشعب اليهودي، فسوف يفي بوعوده لنا أيضاً(57). بعبارة أخرى، الدافع وراء السفارة هو أنها ترى عودة اليهود واستعادة إسرائيل، كدليل على تمسك الرب بوعده لليهود، وفي الوقت نفسه يتمسك بوعده للأمم. إن حقيقة عودة اليهود الآن إلى إسرائيل من الشتات دليل واضح من الرب. وقد أعطى هوارد فلاور الإجابة ذاتها إلى حد ما عندما سئل عن الدوافع المسيحية لدعم اليهود: قال معلمي ومرشدي: في الكتاب المقدس يتحدث الرب كثيراً عن الشعب اليهودي وإسرائيل، وعلى غير اليهود أن يساعدوا الشعب اليهودي. هذا هو الجزء الأكثر أهمية. في العديد من الأماكن [في الكتاب المقدس] يمكنك أن ترى: "سأرفع رايات الأمم (...). لماذا أعاد الرب هؤلاء الناس إلى الوطن؟ وهو يقوم ذلك كعلامة لغير المخلصين(58).وبالتالي، فإن عودة اليهود إلى الوطن اليوم هي علامة واقعية على أن الرب في قوة كاملة وأن "غير المُخلَّص" يجب أن يتصرف وفقاً لهذه العلامة الواضحة.
ذكر كل من ديفيد بارسونز وهاورد فلاور أن الدوافع المسيحية لمساعدة اليهود كانت أعمق من مجرد قناعة كتابية. وذكر كلاهما أن معاملة اليهود عبر التاريخ كان دافعًا لمشاركتهم، وعند تحليل ما نشرته السفارة على مواقع الويب الخاصة بها وفي مجلتهم Word From Jerusalem، من الواضح أن العامل المحفز هو التعاطف العميق مع معاناة اليهود. لقد شرح ديفيد بارسونز دوافعه الشخصية لمساعدة اليهود: لأنك علمت أنهم أتوا من خلفيات سيئة، وظروف صعبة لذلك تفضلهم على متطلباتك الذاتية، وعندما سمعنا بما مر به اليهود، ومعاناتهم، فهناك الكثير من الحب الذي يظهر، فأنت أب بديل، وليس بالضرورة أب ناتج عن علاقة دم طبيعية، لكن تحصل على علاقة خاصة حيث تعاملهم على أنهم ملكك، وستقدم لهم تضحيتك لأنك تعلم، تتمنى لهم أفضل مما كنت تمتلكه، لذا يمكنني حقاً تحديد هذا كعامل دافع حقيقي من الروح القدس، حيث تريد الأفضل، أنت تعلم أن أسلافهم مروا بقرون من المعاناة(59).
إن استخدام تعبير "الأب البديل" كاستعارة لوصف الدوافع لمساعدة اليهود، هو أداة بلاغية قوية جداً لشرح مدى عمق حبهم لليهود. وباستخدام مثل هذه الاستعارة، فقد تبدو أيضاً كأنها محاولة لإظهار أن المسيحيين لا يدعمون اليهود فقط لأن "الكتاب المقدس يقول ذلك" بل لأن حبهم لليهود عميق وصادق. ومع ذلك، أدى هذا الدافع إلى انخراطهم لصالح الشعب اليهودي، الأمر الذي أصبح انخراطاً سياسياً شديداً.
4.4 المشاركة السياسية اللاهوتية
كما رأينا حتى الآن، استخدمت السفارة مقاطع توراتية لإنشاء سردية تلقى فيها السفارة دوراً نشطاً في مسار التاريخ بمهمة دعم إسرائيل ومساعدة اليهود على العودة من الشتات. ومن المفهوم أن جانب العمل يتمتع بأهمية خاصة من قبل السفارة. ويمكن ملاحظة ذلك أيضاً في حجة هيدينغ، عندما صرح بأن "مناقشة علم اللاهوت أمر جيد، ولكن لا يمكنه أن يكون هو " الهدف في حد ذاته "- وهو نقد واضح لقادة الكنيسة السائدة، وهي ملاحظة تعبر عن نقد موقفهم السلبي من الصراع (Hedding). كما لوحظ في الفصل السابق، عقدت السفارة أربعة مؤتمرات صهيونية مسيحية دولية، كان الهدف منها دعوة مسيحيي العالم إلى اتخاذ إجراءات في خطط الرب الخلاصية من خلال مساعدة اليهود على الهجرة ودعم إسرائيل، ولكنها شجعت أيضاً اليهود للنظر في إقدامهم على الهجرة: ندعو اليهود في جميع أنحاء العالم إلى التفكير في هجرة إلى إسرائيل، وندعو كل مسيحي إلى تشجيع ودعم أصدقائه اليهود في هذه الخطوة التي يتم اتخاذها بحرية، ولكن بوحي من الرب (مقتبس في Merkley 2002, 175 ). تكرر هذا النداء في المؤتمر الصهيوني المسيحي الثاني في العام 1988، حيث لم تشجع السفارة الهجرة من إسرائيل. وفي الوقت نفسه، ناشدت اليهود "وقف الإجهاض" من أجل تحفيز النمو السكاني. وبحسب ويدنيز، فقد جاء هذا البيان من أجل زيادة تشجيع السكان الإسرائيليين على الاستيطان في الأراضي المحتلة، لأنه من الصعب المطالبة بالحق في الأرض دون أن يكون هناك سكان يستوطنون هناك (2007). في العام 1996، عقد المؤتمر الثالث في القدس. أكد الإعلان هنا كذلك على حاجة المسيحيين لمواصلة عملهم في الهجرة. في الفقرة السادسة من الإعلان، أعلنت السفارة أن التجمع الحديث للشعب اليهودي في أرض إسرائيل وولادة إسرائيل من جديد هو تحقيق لنبوءات كتابية في كل من العهدين القديم والجديد. وأعلن البيان التالي أن الكتاب المقدس يوجه المسيحيين إلى الاعتراف بالجذور العبرية لإيمانهم والمساعدة بنشاط والمشاركة في مخطط الرب لجمع الشعب اليهودي واستعادة أمة إسرائيل. وأوردت السفارة، في الإعلان ذاته، أهمية قرارات المؤتمر فيما يخص الفقرة الثامنة المتعلقة بالهجرة اليهودية إلى إسرائيل.
لدى السفارة قلق دائم على مصير الشعب اليهودي، الذين هم في خطر في عدة مواقع، ولذلك يجب على المسيحيين أن يسعوا لتشجيعهم ومساعدتهم في العملية الجارية لإحضار المنفيين إلى إسرائيل. يشار إلى الخطر هنا على أنه معاداة السامية، والتي ترتبط بشكل خاص بتزايد عدد السكان المسلمين في أوروبا. ويمكن أن يكون هذا تهديداً له نتيجتين؛ فقد يلعب هذا التهديد دور "الصيادين" الذين سيطردون اليهود من الشتات، أو قد يؤدي إلى أن يفقد اليهود هويتهم اليهودية ويبقون في الشتات(60). وفي العموم، تعتقد السفارة أن معاداة السامية هي عامل مهم في سبب اختيار اليهود للهجرة. كما نص الإعلان على أن السفارة ملتزمة بالعمل مع إسرائيل وتشجيع يهود الشتات على تحقيق الرؤية والهدف المتمثل في تجميع الغالبية العظمى من الشعب اليهودي في إسرائيل (IKAJ). كما شكل الإعلان تسع نقاط حول سبب وجوب دعم المسيحيين لإسرائيل وجادل بأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها متجذر في الوعود التوراتية لإسرائيل بالاحتفاظ بالمناطق.
عقدت السفارة مؤتمرها الرابع والأخير في القدس في العام 2001، حيث لم يضف الإعلان شيئاً جديداً على التصريحات السابقة بشأن الهجرة. لكنه زاد من أهمية استمرار المسيحيين في دعمهم لإسرائيل وعودة الشعب اليهودي إلى جميع أنحاء أرض إسرائيل (IKAJ). ويتضح من هذه التصريحات كيف تستخدم السفارة الكتاب المقدس في الانخراط السياسي لدعم واستعادة أرض إسرائيل. لطالما كان للسفارة مشاركة قوية في المجال السياسي. في العام 1996، فقد صرحت أولّا يارفيليتو باستحالة غض النظر عن أفعال الرب السياسية من أجل إسرائيل، - إذا أخذ المرء الكتاب المقدس بجدية، فإن دعم إسرائيل والهجرة اليهودية هو أمر يتعلق بالسياسة، وبالتالي لا يمكن أن تكون السفارة محايدةً(Järvilehto in Widnes 2007, 102). ومن ثم، فإن الفهم الكتابي لهدف الرب لإسرائيل يجب أن يصبح فهماً سياسياً من خلال ما يليه من التزام. فقط من خلال المجتمع السياسي يمكن للسفارة أن تنجح في خطط الاستعادة. وكان يان فيلهم فان دير هوفن قد صرح، قبل المؤتمر الصهيوني المسيحي الثالث في العام 1996، بأن: المسيحي الصهيوني هو شخص لا يؤمن بمستقبل شعب إسرائيل فحسب، بل أيضاً باستعداده لأن يكون أداة فاعلة لتحقيقه. بعبارة أخرى، لا تكمن السمة المميزة للصهيونية المسيحية تكمن في التمسك بموقف أخروي معين تجاه الشعب اليهودي فقط، بل يجدر بها أن تعبر عن التزام جاد بتحقيق رؤيتها (مقتبس في Widnes 2007, 100). وبعبارة أخرى، فإن المسيحيين الصهاينة في السفارة يعتبرون أنفسهم أداة ضرورية لاستعادة إسرائيل. إن الانخراط النشط في الدفاع عن إسرائيل ودعمها في النقاش العام هو سبب وضع سايزر السفارة في فئة العقيدة التدبيرية السياسية. ومن خلال هذا، يجادل سايزر بأن السفارة لديها إيسخاتولوجيا أكثر تفاؤلاً من المنظمات التدبيرية الأخرى، مما يعني أن اللاهوت يفتقر إلى الجانب الذي سيموت فيه ثلثا اليهود في هرمجدون، والباقي سوف يتحولون إلى المسيحية(61). علاوة على ذلك، وصفهم سايزر بالتدبيريين السياسيين لأنهم يعتقدون أن هدف الكنيسة هو مباركة إسرائيل، بسبب فهمهم لاختيار الرب للشعب اليهودي كأداة فداء (Sizer 2004a, 302-3).
بعد الاطلاع في هذا الفصل على كيفية فهم السفارة لدور إسرائيل، وضرورة أن يعيش اليهود داخل إسرائيل من أجل الوصول إلى المرحلة التالية في خطة العناية الإلهية، يصبح من الواضح رؤية كيف تروي السفارة نفسها في هذه الخطة. الأمر الذي يسمح لها، بالتالي، العمل كمتبرع لإسرائيل. يكون العالم، في سردية السفارة، على المحك، والعمل السياسي مطلوب من أجل تجنب حكم الرب على الأمم. تحتاج إسرائيل إلى البركات والدعم والراحة من أجل البقاء، ويحتاج اليهود إلى العودة إلى ديارهم.
....
هوامش
44- في الأصل: Vi lever ikke i en post-bibelsk tid, men vi lever i bibelsk tid
45- يوسف هو السبط الثاني عشر.
46- في مقابلة في المقر الرئيسي للسفارة في القدس، 9 تشرين أول-أكتوبر 2013.
47- هنا تختلف الصهيونية المسيحية عن المسيحية السائدة، لأن المسيحية السائدة تدعي أن هذا قد تحقق في يسوع المسيح.
48- يظل دور اليهود والأغيار منفصلين بشكل واضح حتى من خلال الأخير، من خلال اختيار الطريق مع يسوع، الذي أصبح أيضاً مشمولاً في وعد إبراهيم.
49- في الكتاب المقدس، غيّر يعقوب اسمه إلى إسرائيل بعد لقائه مع الرب كما هو مذكور في سفر التكوين35:10. [10 وَقَالَ لَهُ اللهُ: «اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا اسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ».] ثم أنجب ما أصبح يُعرف باسم أسباط إسرائيل الاثني عشر.
50- تشير السفارة دائماً إلى إسرائيل على أنها أنثى، مثل العهد القديم. وهذا من شأنه أن يقوي العلاقة المباشرة بين إسرائيل اليوم وإسرائيل العهد القديم.
51- كما لوحظ في الفصل السابق، لدى السفارة مفهوم عن المسيح الدجال الذي سيحاول خداع الأمم من أتباع الرب من خلال تقديم السلام وإنكار الحقيقة. تعتقد السفارة أنه كان هناك العديد من المناهضين للمسيح الصغار، وفقاً لوينديز (2007 ، 85-8). أرسله الرب لاختبار البشرية من أجل معرفة ما إذا كان الناس على "الجانب الصحيح في المعركة الروحية". مثال عن المسيح الدجال هو ياسر عرفات (2007 ، 89).
52- يُفهم الرايخ الثالث على أنه المحاولة الأخيرة لتدمير إسرائيل
53- الترجمة عن الأصل النرويجي: Vet dere kjære venner, at dette er den siste folkegruppen på jordens overflate som enda ikke har opplevd en betydelig visitasjon fra himmelen? (Hedding 2006c, 42)
54-نظراً لأن بابل الجغرافية (العراق حالياً) تُفهم على أنها مقر الشر، تشير السفارة إلى أن هذا قد يكون السبب في فشل الكنيسة في التبشير بالمنطقة لما يقرب من 2000 عام (مقتبس من 91، Widnes 2007).
55- تفصل السفارة إلى حد ما بين الإسلام الراديكالي والمعتدل، ولكن من الصعب فهم إلى أي مدى يشمل هذا الفصل.
56- هناك أيضاً إشارة إلى الصيادين في إنجيل متّى 4:19 حيث قال يسوع لتلاميذه: "(...)" هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النّاسِ". يمكن أيضاً تفسير الآية الأخيرة، وفقاً لوينديز، لتقوية آية إرميا وبالتالي زيادة شرعية المسيحيين الصهاينة لاتباع يسوع ( 113، Widnes 2007 ).
57- مقابلة في مقر السفارة, 9 تشرين أول- أكتوبر 2013
58- مقابلة أجريت في السفارة في القدس، 22 أيلول- سبتمبر 2013.
59- مقابلة في مقر السفارة, 9 تشرين أول- أكتوبر 201
60- قال المتحدث باسم الوكالة اليهودية، ناتان شارانسكي، "إلى أولئك الذين يقولون إن معاداة السامية في فرنسا مفيدة للصهيونية، أقول إنهم مخطئون. مقابل كل 10 ممن يعانون من معاداة السامية، ينأى تسعة بأنفسهم عن الحياة اليهودية، وواحد فقط سيصل إلى إسرائيل "، وهو ما صرح به لصحيفة واشنطن بوست (2014)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو