الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار- العدد 66

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)

2022 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


جريدة "المسار"
تصدر عن الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)
العدد66، تموزيوليو2022

------------------------------------------------------------------------------------------

افتتاحية العدد:
موسكو ودمشق

منذ بطرس الأكبر (توفي 1725)، مؤسس الدولة الروسية الحديثة، كان الغرب هو المجال الرئيسي لتطلع روسيا حضارياً. وهذا التطلع، بالمعنى الثقافي ترافق مع توسع في السيطرة الجغرافية في الشرق والوسط الأوروبيين للقياصرة الروس، لكن التطلعات التوسعية الروسية لم تكن أوروبية فقط بل آسيوية أيضاً، في سكتين متوازيتين: آسيا الوسطى والقفقاس من جهة، ومنطقة المضايق: البوسفور والدردنيل. كانت «سايكس-بيكو» ثلاثية عملياً مع إضافة اسم سيرج سازانوف، وزير الخارجية الروسي، وكانت عين الروس على إسطنبول. فضح البلاشفة نصوص «سايكس -بيكو» بعد ثورة أكتوبر1917 وتبرأوا منها، لكن ستالين في الحرب العالمية الثانية استطاع إقناع تشرشل بأن الدفاع عن منطقة القفقاس أمام هتلر يتطلب وجود قوات سوفياتية في الشمال الغربي الإيراني، ولكن، عندما جرى تقاسم العالم بعد الحرب فإن زعيم الكرملين قايض إيران ببولندا، متخلياً عن جمهوريتي مهاباد وأذربيجان الإيرانيتين، اللتين أقامهما السوفيات هناك عام 1946.

دخل الروس إلى منطقة الشرق الأوسط عبر صفقة الأسلحة التشيكية لمصر عام 1955، وكان الدخول سورياً أيضاً عبر بدء تسليح الجيش السوري بأسلحة سوفياتية، وشهد عام 1957 صعود قوة الحزب الشيوعي السوري على وقع المساعدة السوفياتية للعرب في حرب السويس، وعملياً فإن صعود الشيوعيين السوريين كان عاملاً أساسياً في تراكض العروبيين نحو القاهرة لطلب الوحدة مع مصر خوفاً من وقوع دمشق تحت سيطرة خالد بكداش ورئيس الأركان عفيف البزري. بسبب دمشق، ثم بغداد ما بعد 14 تموز (يوليو) 1958، اصطدمت موسكو مع عبد الناصر الذي بدأ باعتقال الشيوعيين السوريين والمصريين منذ رأس عام 1959، وبدأ بتشجيع محاولات انقلاب العروبيين في العراق على حكم عبد الكريم قاسم المدعوم من الشيوعيين، وصولاً إلى محاولة انقلاب العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل في آذار (مارس) 1959.

تصالحت موسكو مع القاهرة عام 1964 حين ضمنت دمشق البعثية إلى جانبها ضد عبد الناصر، وحاولت مصالحتهما تحت جناحيها بعد انقلاب 23 شباط (فبراير) 1966 اليساري البعثي بقيادة اللواء صلاح جديد، ولكن، كان تفضيلها لدمشق اليسارية، بالقياس لعبد الناصر الحذر دائماً من الشيوعيين، قد فتح أبواب سورية أمام السوفيات عبر مشاريع اقتصادية عملاقة كان منها سد الفرات، إضافة إلى الأسلحة السوفياتية ووجود الخبراء السوفيات. في عهد الرئيس حافظ الأسد منذ 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، الذي انفتح على القاهرة والرياض ثم عام 1974 على واشنطن، لم تحدث قطيعة بين دمشق وموسكو، كما فعل الرئيس المصري أنور السادات الذي يمّم وجهه نحو واشنطن ثم تل أبيب. وعندما عارض السوفيات عام 1976 دخول القوات السورية إلى لبنان، اختار الرئيس السوري في ظرف الصدام مع موسكو واليسار اللبناني خيار المصالحة مع السادات (بعد خصام بدأ مع اتفاقية سيناء في أيلول - سبتمبر 1975) في مؤتمر الرياض السداسي في تشرين الأول (أكتوبر) 1976 الذي قام بتشريع عربي للوجود السوري العسكري في لبنان، ولكن، عندما زار الرئيس المصري القدس في 19 تشرين الثاني 1977 اختارت دمشق التقارب مع موسكو وصولاً إلى معاهدة 1980 السوفياتية - السورية ثم صفقات الأسلحة النوعية السوفياتية في عهد يوري أندروبوف (10 تشرين الثاني 1982- 10 شباط 1984). هنا، يقال في الوسط السياسي السوري أن الرئيس حافظ الأسد زار موسكو عام 1987 أساساً من أجل قراءة ميخائيل غورباتشوف والبيريسترويكا عبر رؤية عيانية، وعندما استخلص أن هناك اتجاهاً سوفياتياً نحو الاستقالة من وضعية الدولة العظمى عند حكّام الكرملين اختار من جديد الانفتاح على واشنطن بدءاً من لبنان 1988 (اتفاق مورفي- الأسد) ثم اتفاق الطائف الذي كان مثلّث الأبعاد: واشنطن - دمشق - الرياض، وصولاً إلى مشاركة دمشق في التحالف الدولي بقيادة واشنطن في حرب خليج 1991، وهو ما نتج منه أيضاً مشاركة سورية في مؤتمر مدريد الذي رعته واشنطن من أجل تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي.

منذ 1991 وتفكّك الاتحاد السوفياتي في أسبوعه الأخير وحتى 4 تشرين الأول 2011، كانت العلاقات مع موسكو ليست أولوية عند دمشق ما دامت روسيا في حال ضعف، وهو ما دفع دمشق إلى إعادة تشكيل مثلث (القاهرة - الرياض - دمشق) الذي أنتج حرب 1973 عبر التقارب من جديد مع قاهرة حسني مبارك في أوائل التسعينات، ومن ثم تقاربت دمشق مع بغداد صدام حسين في أواخر ذلك العقد، إضافة إلى تعزيزها العلاقة مع طهران، ولكن، عندما اختارت موسكو ممارسة الفيتو في شأن الأزمة السورية في مجلس الأمن الدولي في 4 تشرين الأول 2011 كان هذا أول إعلان روسي بأن الكرملين بدأ بالمصارعة لزحزحة وضعية «القطب الواحد للعالم» التي احتلتها واشنطن بعد انتصارها على السوفيات في الحرب الباردة، وهو ما كان معلناً قبل سنتين مع تشكيل «مجموعة دول البريكس» مع الصين والهند والبرازيل (ثم جنوب أفريقيا التي انضمت عام 2010(>

اختارت موسكو الباب الدمشقي لهزّ وضعية الأحادية الأميركية للعالم وأجبرت واشنطن على عدم الانفراد بالأزمات العالمية مثل الأزمة السورية بخلاف ما جرى في حرب كوسوفو (1999) وغزو العراق (2003) وحتى عندما بدأت واشنطن، بعد شهر عسل أميركي -إيراني في العراق المغزّو والمحتل، في مجابهة طهران إثر استئناف برنامجها في تخصيب اليورانيوم في آب (أغسطس) 2005، فإن موسكو كانت تجاري واشنطن في مجلس الأمن الدولي في قرارات فرض العقوبات على إيران، وهو ما استمر حتى القرار الدولي في نيويورك تجاه ليبيا في آذار (مارس) 2011. عملياً كانت الأزمة السورية ميداناً عند الروس لمحاولة كسر الأحادية الأميركية ولوفي أزمات محددة ، وهو ما ترجم في (بيان جنيف 1- 30 حزيران 2012) ثم في (اتفاق كيري - لافروف، 7 أيار 2013) تجاه الأزمة السورية، ثم تم تكريس الثنائية الأميركية – الروسية تجاه الأزمة السورية التي كثّفت الصراعات والاستقطابات الدولية والإقليمية، في اتفاق الكيماوي السوري في 14 أيلول 2013قبل أن ينهي نشوب الأزمة الأوكرانية في شباط2014الوفاق الروسي- الأميركي في جنيف2السوري بين السلطة والمعارضة البادىء بالشهر الأول من عام2014والذي كان أحد نتائج اتفاق الكيماوي السوري وهذا ما قاد على فشل (جنيف2).
كانت خطوة التدخل العسكري الروسي في سوريا بدءاً من يوم30أيلول 2015ناتجة عن اتفاق أميركي-روسي على منع مسلحي المعارضة السورية من إسقاط النظام السوري بعد أن تقدموا كثيراً بربيع وصيف2015في محافظة إدلب ومنطقة الغاب ثم قطعوا طريق دمشق-حمص بالنصف الأول من شهر أيلول وقد أعقبها بعد شهرين ونصف القرار الدول ي2254من أجل حل الأزمة السورية. لم يستمر الوفاق الأميركي- الروسي في العالم وفي سوريا وعلى الأرجح أن هذا هو الذي دفع الأمريكان للتواجد العسكري في شرق الفرات السوري لموازاة الوجود العسكري الروسي منذ عام2016أولاستخدام ورقة القيمة الاقتصادية لشرق الفرات حيث غالبية النفط والغاز والقمح السوريون من أجل الضغط على الروس وحليفتهم السلطة السورية من أجل أجندات أميركية تتجاوز الساحة السورية وهذا ما جعل المسألتين السورية والأوكرانية في ارتباط وثيق ،ويلاحظ هنا كيف أن هاتين الأزمتين تشتركان في خصيصة أن اللاعبين الكبيرين فيهما هما موسكو وواشنطن ويبدو أن أوكرانيا أهم للكرملين والبيت الأبيض من سوريا ولكن الطرفان يمكن أن يستخدما سوريا للضغط على بعضهما في أوكرانيا يمكن عبر وسائل عسكرية ولكن غير مباشرة بالساحة السورية ويمكن أن يستخدم الروس سوريا للضغط على الأمريكان عبر مبادرات منفردة لحل الأزمة السورية من دون أن يكون عليها إجماع دولي أواقليمي أوغطاء الأمم المتحدة.
من المتوقع أن يزداد لهيب الأزمة السورية بعد أن كانت خامدة لفترة طويلة من الزمن وأن يكون هذا الاشتعال بفعل التوتر الروسي- الأميركي بمرحلة ما بعد الحرب في أوكرانيا في 24شباط2022،وخاصة مع بدء ابتعاد الأتراك عن الروس في فترة ما بعد تلك الحرب ومع احتمال محاولة إبعاد الأمريكان للإيرانيين عن الروس عبر إحياء الاتفاق النووي الايراني،وهذا ما سيجعل الساحة السورية ميداناً ملائماً لواشنطن من أجل الضغط على الروس في سوريا لحسابات عند البيت الأبيض بأن الساحة السورية هي نقطة ضعف روسية يمكن الضغط من خلالها عليهم لحسابات تتعلق بأوكرانيا وغيرها.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المركز والأطراف
- يوسف الطويل -
لقد خرج الاستعمار التقليدي من البلاد العربية مفضلاً الاستعمار الاقتصادي مع القواعد العسكرية لحماية مصالحه الاستراتيجية، ويأتي في هذا السياق، ترسيخ علاقات كولونيالية تابعة في الأطراف بما يؤدي إلى استدامة الهيمنة الإمبريالية على دول الأطراف، موظفة هيئات ومؤسسات دولية تخدم استدامة هذه الهيمنة من خلال قوتها الاقتصادية لجعل دول الأطراف مكانا لفائض الإنتاج ونقل الأزمات البينية والمركزية لها ومصدراً للمواد الأولية.
فالمركز الإمبريالي من خلال سيطرته على الأنظمة التابعة لبلدان الأطراف إنما يعيد تجديد نفسه وإعادة إنتاج نفسه كمركز إمبريالي من جهة ومنظومة علاقات رأسمالية متطورة من جهة أخرى، من خلال إبقاء دول الأطراف على تبعيتها الدائمة والمستدامة للمركز الإمبريالي، وهذا الذي يساعد على إعادة انتتاج المركز الإمبريالي كمركز إمبريالي.
إن هذه العلاقة بين المركز الأطراف يطرح على القوى الاشتراكية والشيوعية واليسارية بشكل عام مهمة تعزيز التضامن الطبقي بين الطبقات العاملة في المراكز و الأطراف ، كون إعادة إنتاج المركز الإمبريالي كمركز إمبريالي ينتمي في جزء كبير منه إلى منظومة العلاقات الكولونيالية للأطرف كونها جزء من إعادة إنتاج المركز الإمبريالي لنفسه وذاته بشكل خاص ، فمهمة الثورة الاشتراكية في المراكز الإمبريالية لن تحقق ذاتها من غير دعم شعوب دول الأطراف وعلى رأسها الطبقة العاملة وحلفائها لهذه الثورة ، كون كما أشرت أعلاه إن إحدى المهام الرئيسية للبنيات الاجتماعية لدول الأطراف هي إعادة إنتاج المركز الإمبريالي كمركز إمبريالي توسعي مهيمن على نظام العلاقات الدولية بين المراكز والأطراف ، وبالتالي بما أن عملية إعادة إنتاج المركز الإمبريالي لذاته متعلقة بجزء كبير منه من خلال استدامة العلاقات الكولونيالية في الأطراف والإبقاء على البنية الكولونيالية لمجتمعات الأطراف ، فإن النضال الطبقي السياسي بين القوى الشيوعية في المراكز لا يمكن أن يحقق هدفه من غير دعم القوى الطبقية العمالية في الأطراف لها ، وهذا ما يطرح مدى إمكانية ترسيخ التضامن الطبقي بينهما وبلورة علاقة نضالية ناتجة عن العلاقة الموضوعية بين المركز والأطراف بينهما .
فهل ستعي القوى الشيوعية العالمية واليسارية والإنسانية لأهمية هذه العلاقة ولهذه العلاقة بالذات؟ وهل سيحدث تعاون نضالي بين هذه القوى في المستقبل القريب؟
لماذا هذا الإصرار الأميركي على عقد الاتفاق مع إيران؟
محمد سيد رصاص
"وكالة نورث برس"،1072022
عارض حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط أي إسرائيل والسعودية عملية اتجاه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نحو عقد الاتفاق النووي مع ايران في عام2015،وعندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق بعام2018كانت هناك حالة من الغبطة الاحتفالية في تل أبيب والرياض وأبوظبي،وعندما ظهرت بوادر على إمكانية فوز المرشح عن الحزب الديمقراطي جو بايدن،الذي أعلن صراحة بحملته الانتخابية نيته العودة للاتفاق في حال فوزه بالرئاسة في انتخابات الثلاثاء الأول من شهر تشرين الثاني2020،بدأ منذ شهر آب2020انطلاق قطار التطبيع مع إسرائيل ليشمل الإمارات والبحرين مع تشجيع خفي من الرياض ،من أجل تشكيل وضع سياسي- عسكري-أمني يكون بمثابة جدار يقي أويصد الرياح القادمة بمرحلة ما بعد عودة بايدن للاتفاق.
هنا،وخلال عام ونصف مضت حتى الآن على دخول جو بايدن للبيت الأبيض ، من الواضح الإصرار المنهجي منه على العودة للاتفاق الذي أبرمه أوباما والذي كان بايدن نائباً له،وفي المفاوضات في فيينا التي بدأت بنيسان2021من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي تخلت الولايات المتحدة بالتدريج عن الثالوث الذي طرحته مع بدء تلك المفاوضات أي اتفاق نووي مربوط مع اتفاق على الأسلحة الصاروخية الإيرانية ومع اتفاق مشترك حيال السياسة الإقليمية الايرانية،وقد وضح هذا التخلي أكثر في مرحلة ما بعد 24شباط2022مع بدء الحرب في أوكرانيا عندما بدأت إعادة النظر في واشنطن ولوأولياً في فكرة أن "الشرق الأوسط قد أصبح أقل أهمية "مع اكتشاف النفط الصخري ومع ركون الغرب الأميركي- الأوروبي لأن تكون موسكو المزود الرئيسي لأوروبا بالغاز والنفط ،وهو ما ترافق بعام2011عند إدارة أوباما مع اكتمال الانسحاب العسكري الأميركي من العراق ومع اتجاه واشنطن منذ ذلك العام ،وبعد حلول الصين محل اليابان عام2010في المرتبة الاقتصادية الثانية عالميا نحو التركيز على الشرق الأقصى لمجابهة التحدي الصيني .
فمنذ24شباط 2022هناك تفكير أميركي-أوروبي جديد في الاتجاه نحو إنهاء الاعتماد على الروس كمزود طاقة للقارة العجوز، ولايوجد بديل حقيقي لذلك سوى في منطقة الشرق الأوسط-شمال افريقيا، وإيران هي الثانية عالمياً في احتياطات الغاز عالمياً والرابعة عالمياً على صعيد النفط. ويلاحظ بهذا الصدد كيف أن الجولة اليتيمة في مفاوضات فيينا بمرحلة ما بعد الحرب في أوكرانيا ثم بتلك الجولة من المفاوضات في الدوحة التي أصبحت غير مباشرة بين واشنطن وطهران بوسيط قطري ،قد أصبح فيهما موقف ايران أكثر تصلباً فيما واشنطن لم تعد تطرح موضوعي الصواريخ والسياسة الإيرانية في الاقليم.وفي الوقت نفسه هناك قلق إقليمي يتصاعد من إصرار بايدن على العودة للاتفاق ، على الأرجح أن التعبير الأقوى عنه كانت مواقف "الحياد"،أوالأقرب للحياد،التي أخذتها تل أبيب والرياض وأبوظبي من الحرب في أوكرانيا ورفض السعودية الطلبات الأميركية بزيادة إنتاج النفط لتخفيض أسعار النفط التي أصبح ارتفاعها يلقي بثقل كبير على الأوضاع الاقتصادية- المعاشية في الغرب الأوروبي- الأميركي.
هذه اللوحة، وهي سعي أوباما والآن بايدن لاتفاق مع خصم هو في مجابهة عنيفة مع واشنطن منذ عام1979وعدم التفات الأمريكان لاحتجاجات ورفض وتمردات الحلفاء حيال ذلك يجب تحليلها ومحاولة فهم الدوافع التي تدفع صانع القرار الأميركي نحو هذا المسار من دون التفات جدي لمعالجة ذلك. أيضاً ولتكميل هذه اللوحة يجب وضع عملية التحالف الأميركي- الإيراني في غزو واحتلال العراق عام2003وكيف أن سياسة واشنطن في العراق المحتل قد قادت إلى تسليم العراق للنفوذ الإيراني عبر قوى عراقية محلية،ولايمكن هنا القبول وفق مسطرة الوقائع بالحديث عن أن الأميركي هو "محتل فاشل" لا يعرف "ما هو اليوم التالي لعمليته العسكرية الاحتلالية "،كما يجب إضافة أن واشنطن منذ اتفاق الدوحة في لبنان الذي هو انقلاب على اتفاق الطائف بفعل عملية 7أيار2008التي قام بها حزب الله في بيروت قد قبلت بهيمنة حزب الله على المشهد السياسي اللبناني وقد كانت عملية وصول ميشال عون للرئاسة في لبنان في 31تشرين الأول2016احدى نتائج الاتفاق النووي الإقليمية الموقع في فيينا بيوم14تموز2015،كماأنه يجب ملاحظة الطريقة التدليلية التي يقوم بها المبعوثون الدوليون من الأمم المتحدة في اليمن للحوثيين وسط تألم السعوديين وحلفائهم المحليين وهذا لا يمكن أن يتم من دون رضا واشنطن.
يمكن هنا مقاربة أسباب ودوافع هذا الاتجاه الأميركي.
أولا يمكن أن يكون هذا ،كمايقول معارضي الاتفاق النووي في طهران الذين لم يلتفت لهم السيد علي خامنئي عام2015ولكن على ما يبدو يعير لهم أذن صاغية الآن ناتجا عن اتجاه أميركي نحو احتواء ايران عبر الإرضاء في الاقتصاد من خلال رفع العقوبات ومن خلال إغماض العين الأميركية عن التمدد الإيراني في الاقليم،وذلك عبر مراهنة واشنطن على أن البحبوحة الاقتصادية الإيرانية ستخلق ميولاً اجتماعية نحو النمط الغربي وللتخلي عن "الميول الثورية "،كماجري بعد اتفاقات الوفاق الدولي بعام1972بين نيكسون وبريجنيف وفق رؤية هنري كيسنجر ،وكيف أن ذلك يمكن أن يترجم في طهران بعد الوفاة المتوقعة لخامنئي(مواليد1939)،الذي هو مثل بريجنيف كان قائداً لدولة قوية في السياسة الخارجية وضعيفة في الاقتصاد الداخلي،مثلما جرى في موسكو بعد وفاة بريجنيف عام1982عندما أتى ميخائيل غورباتشوف والبيريسترويكا عام1985التي كانت عنواناً لهزيمة السوفيات في الحرب الباردة عام1989ثم لتفكك الاتحاد السوفياتي عام1991.طبعاً،هذا الاتجاه الاحتوائي لإيران من قبل الأمريكان هو قراءة أميركية راهنة لموقع ايران الجغرا- سياسي في خريطة الشرق الأوسط تجاه جيرانها في الغرب العراقي- التركي وتجاه الشاطئ الآخر من الخليج وأيضاً منطقة القفقاس ووسط آسية حيث ايران هي المنافس مع تركية للنفوذ الروسي هناك ويبقى شيء ثالث وهو أن ايران هي السد الجغرافي إن تم الاحتواء الأميركي لها (وهي الممر إن لم يحصل هذا )أمام التمدد الصيني نحو الشرق الأوسط والقارة الأفريقية وهي المعبر الثاني مع روسيا للصين إلى أوروبا عبر تركية وفق الخط الأوراسي الذي هو واضح القوة في بكين وموسكو، والأمريكان يدركون أن تحالفاً صينياً- روسياً يمكن أن تضعفه ايران موالية لواشنطن وستقويه كثيراً وستجعله فعالاً وخطيراً ايران معادية.
ثانيا النفط والغاز الإيرانيين كبديل للنفط والغاز الروسيين إلى أوروبا من خلال أنابيب عبر العراق وسوريا ومن ثم لأوروبا من الساحل السوري. وربما كان هذا أحد الدوافع الرئيسية التي شجعت موسكو على الإتيان العسكري الروسي إلى سوريا بعد شهرين ونصف من الاتفاق النووي الإيراني عام2015من أجل منع هذا السيناريو إضافة لسيناريو خط الغاز القطري عبر سوريا وتركية إلى أوروبة والذي طرح في عام2009.
ثالثا هناك سبب ثالث يطرحه كثيرون كسبب لخطب الود الأميركي لايران، أولتدليلها وغض النظر عند واشنطن عن تمدد طهران الإقليمي والسكوت الأميركي عن نفوذ حلفائها هنا أوهناك أوعن ما فعلته في هذا البلد أوذاك من تدخلات عسكرية مباشرة أوغير مباشرة، وهو أن التمدد الإيراني بالمنطقة قد أشعل النار السنية-الشيعية، وهذا يناسب واشنطن حيث الاستثمار في الاستقرار الإقليمي هو أربح لها من الحالة المعاكسة.
كتكثيف: ستكون قمة الرياض في 15تموز2022بين دول الخليج الستة وبايدن، مع حضور مصر والعراق والأردن، مهجوسة بهذا الموضوع.وسيكون الرئيس الأميركي في تلك القمة بوضعية الزوج المتعدد الزوجات الذي تلومه زوجاته على نيته المعلنة بالزواج من زوجة جديدة يكرهونها بشدة بحكم معرفة قديمة.


مفاهيم ومقومات الحداثة عبر مراحل التطور التاريخي

حبيب حداد


دأب العديد من المفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع خلال نصف القرن الماضي، وبخاصة الغربيين منهم، على تعريف الحداثة بأنها تلك المرحلة في تطور الحضارة الإنسانية التي قادتها وأنجزتها المجتمعات الأوربية أساسًا منذ ثلاثة قرون، والتي يتواصل مسارها حتى وقتنا الحاضر. هذا دون أن نغفل في هذا المجال ذكر مواقف العديد من الفلاسفة الذين أصبحوا يتحدثون طوال العقود الأخيرة عن مرحلة ما بعد الحداثة وعن القيم الجديدة التي تحملها معها والتي تتجاوز أو تتعارض أو تتناقض في قليل أو كثير مع القيم والمفاهيم والمعطيات التي أنجزتها الحداثة نفسها.

وفي مجتمعاتنا العربية وفي سياق الكفاح الذي ما برحت تخوضه حركاتها السياسية ونخبها الفكرية منذ منتصف القرن الماضي، أي منذ أن أحرز معظمها استقلاله الوطني وتخلص من السيطرة الاستعمارية المباشرة، ظلت شعارات وأهداف التقدم والنهضة والحداثة والوحدة وتحرير فلسطين هي الحافز والموجه لتطلعات شعوبنا على طريق بناء مستقبلها المأمول، طريق التقدم والتحرر والحداثة ومواكبة مسار العصر. لكن معارك البناء والتنمية التي عرفتها بلداننا العربية لم يكتب لها أن تتواصل وان تظفر بتحقق أهدافها ٠ فقد عرفت انتكاسات وتراجعات وهزائم على مختلف الصعد بفعل عوامل ذاتية وخارجية وكانت الحصيلة فشل مجتمعاتنا حتى الآن في بناء دول حديثة في مستوى العصر، الأمر الذي قاد معظم هذه المجتمعات والدول إلى الواقع الراهن حيث مصائرها وكياناتها تتعرض لأخطر التحديات ٠

لقد عرفت المرحلة الوجيزة التي أعقبت، كما أسلفنا، منتصف القرن الماضي نهوضًا عامًا لحركة التحرر العربية في مختلف الساحات وفي مواحهة كل التحديات ٠ وأعقب ذلك وحتى وقتنا الراهن تراجع وتدهور متواصلين على كافة الصعد التحررية والمجتمعية بحيث تعمقت الهوة التي تفصل بلداننا عن مستوى العصر الحضاري. وليس المجال هنا للخوض في الحديث عما فعلته وقادت أليه تلك التحديات والأسباب الخارجية والذاتية ولكن كان هدفنا من هذه المقدمة أن نرسم الإطار الأوسع والأشمل الذي نعتقد أن من خلاله ينبغي أن نتناول الحديث عن حال الحداثة في سياق مشروعنا النهضوي لبناء المستقبل الذي يجسد إرادة شعوبنا.

أسئلة ما تزال تطرح نفسها على جميع النخب السياسية والفكرية العربية منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم: مثل ماهي الحداثة؟ وماهي مقوماتها وشروطها ومنجزاتها الفكرية والتقنية والميتافيزيقية؟ وهل الحداثة مرتبطة بمرحلة تاريخية معينة أي أنها أنجزت مهامها وانتهى أمرها؟ وهل أن الحداثة اقتصرت على شعوب أو مناطق جغرافية معينة. كالقول مثلًا إنها كانت٫ حصيلة فاعلية وتطور المجتمعات الأوربية على مدار القرون الخمسة الماضية؟ وهل يصح أن نعطي هوية أو صفة مميزة للحداثة كقولنا مثلًا: الحداثة الغربية أو الشرقية أو الأوربية أو الأمريكية أو اليابانية أو الصينية وغير ذلك؟ وهناك أسئلة أخرى مرتبطة بهذا الموضوع، أسئلة كانت وما تزال تمثل إشكاليات مربكة للفكر السياسي العربي المعاصر مثل: الحداثة والأصالة، والاستعمار والحداثة والاستشراق والحداثة والعولمة والحداثة ٠

صحيح أن الحداثة المعاصرة، هي منذ خمسة قرون، حداثة أوربية المهد والمسار ٠ ولكن هذه الحداثة لم تتأسس من الفراغ أو من بداية مستحدثة منقطعة الجذور. لكنها في حقيقتها جاءت استمرارًا وتطورا نوعيًا وتجاوزا لكل الحضارات التي سبقتها وانطلقت من استيعابها تراثها الروحي والمادي والميتافيزيقي والفلسفي. وما يهمنا في هذا المجال أن نحاول توضيح ماهية بعض المصطلحات التي تتصل بموضوع الحداثة والتي ما تزال تتسم بقدر من التشابك وعدم الوضوح الكافي في سياق الفكر السياسي العربي الراهن ٠ فنحن مازلنا نستخدم مصطلحات مثل الحداثة والنهضة والحضارة والتقدم و الرقي والتطور والتقدم كمترادفات دون توضيح ماهية كل منها وما يميزها عن غيرها ٠ ولذا فإنني أعتقد أن التمييز بين هذه المصطلحات هو أمر ضروري وليس ذلك استجابة لعلم المورفولوجيا وإنما وقبل كل شيء لتوضيح رؤيتنا وعقلنة وعينا في معاركنا التي نخوضها لمواكبة مسار العصر ٠
فإذا كانت النهضة renaissance لأي مجتمع وفي أي زمن أو ومرحلة هي حصيلة ما أنجزه هذا المجتمع في كل مجالات التنمية الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية أي المادية والروحية فإن صفة أو هوية الحضارة civilisation تعبر عن المستوى العام الذي أصبح يتميز به هذا الشعب في إطار وقيم الحضارة الإنسانية الواحدة ٠ والحداثة modernism أو ^modernity عندها تعبر عن حركية وفاعلية عملية التطور في أي مجتمع ، أي إذا كانت النهضة هي هوية هذا المجتمع فإن الحداثة هي المسير الفعال والدينامو المحرك لاستمرار وتجدد هذه النهضة ، ومن وجهة نظرنا تظل ،أية مرحلة تقدم وتطور ،ينجزها أي شعب وفي أية مرحلة زمنية أو تاريخية هي مرحلة حداثية في حياة هذا الشعب ٠

إن مجتمعاتنا العربية ما تزال حتى وقتنا الحاضر تعيش مرحلة ما قبل الحداثة أي أنها تراوح في أوضاع هي أقرب ما تكون إلى أوضاع القرون الوسطى ٠ فما تزال حقوق وحريات الإنسان الطبيعية والسياسية والاجتماعية منتهكة ومغيبة بصورة عامة ٠ ونتيجة لاستمرار هذا الواقع ، واقع الاستبداد والتخلف والإرهاب فلم ينجح أي بلد حتى الأن في بناء كيان الدولة -الأمة ، أما أهداف التحرير والوحدة والديمقراطية فقد أضحت بعيدة المنال في ظل استمرار الأوضاع الراهنة أي في مواجهة تحديات الحروب الأهلية وانفجار وتمزق الوحدات الوطنية التي تضاعفت مخاطرها في سياق ما سمي بانتفاضات الربيع العربي٠ إذن مجتمعاتنا العربية لم تدخل مرحلة الحداثة بعد ومازالت أوضاعها مفوتة وراكدة ٠ فهذه المجتمعات لا يمكن لها أن تتجاوز تخلفها وتعيش حياة العصر باستهلاك منجزات الحضارة العالمية المعاصرة التكنولوجية والعلمية والمادية ٠ فهذه العملية أي استهلاك منتجات الحضارة الإنسانية وتحديث modernisation بعض قطاعات مجتمعاتنا لا يمكن لها أن تمكننا من كسب معركة الحداثة والتقدم ٠ فان لم نغرس في مجتمعاتنا وأساسًا في مناهج وبرامج التربية والثقافة والتعليم و اذا لم يتسلح مواطنونا ومجتمعاتنا بالوعي العلمي والعقلاني فلن نستطيع أن نزرع بذور وقيم الحداثة في تربة هذه المجتمعات ٠ ذلك أن تركة التخلف التي تعيشها مجتمعاتنا قد امتدت وتشعبت جذورها ، تلك الحقبة التي يمكن إرجاع بداياتها إلى سقوط بغداد بقيادة هولاكو عام 1258 م والاحتلال العثماني لمصر والشام على يد سليم الأول عام 1917 م ٠ وعلى امتداد هذه الحقبة الزمنية الطويلة دخل الفكر الفلسفي العربي التنويري أي، فكر المعتزلة ، والكندي وابن سينا والفارابي في المشرق وفكر ابن طفيل وابن رشد وابن خلدون في المغرب في حالة تغييب وتكفير وزندقة وساد بديلًا عنه الفكر السلفي المغرق في القدامة والغيبية والتخلف : فكر أبو حامد الغزالي وابن تيمية وابن عبد الوهاب التميمي وسيد قطب وغيرهم…… ومع الأسف ما يزال هذا الفكر السلفي الغيبي يشكل المقوم الرئيس لفكر مواطنينا ومجتمعاتنا ٠ ولم تتنبه وتستيقظ مجتمعاتنا ،من سباتها على مخاطر وتحديات استمرار هذا الوضع إلا على أصوات مدافع حملة نابليون في غزوها لمصر ٠ ومع تقييمنا للدور الكبير الذي اضطلعت به كل مكونات وهيئات النهضة العربية الفكرية والسياسية والمجتمعية منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى مطالع القرن العشرين فان مقومات هذه النهضة ونتائجها لم تتواصل حتى تحقق أقطار هذه الأمة أهدافها في التحرر والتقدم والحداثة لأسباب خارجية وذاتية كما أسفنا في بداية حديثنا ٠ ولاشك أن في مقدمة تلك الأسباب والعوامل الذاتية التي أعاقت وأجهضت عملية تقدم مجتمعاتنا ودخولها حياة العصر هي استمرار هيمنة الفكر السلفي الغيبي على حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية وحتى الدينية ،٠ وكان طه حسين منذ منتصف عشرينات القرن الماضي قد أعلن رأيه بكل وضوح وجلاء في العلاقة بين العلم والدين بقوله : لا خصومة ولا مصالحة بين العلم والدين لان لكل منهما وسيلته وطريقه وغايته : فوسيلة الدين هي القلب وطريقه الإيمان وغايته مرضاة الله والضمير ، أما العلم فوسيلته التجربة وطريقه البرهان وغايته معرفة الحقيقة ٠ وقبل هذا كان المفكر المصري المعروف سلامة موسى قد رأى أن مصر لا بد أن تحقق استقلالها في المستقبل القريب وستتمكن بعد ذلك من بناء المصانع وتنظيم المزارع وإنشاء المدارس والجامعات والمعاهد وأضاف :لكننا لن ننتصر في معركة الحداثة وندخل حياة العصر إلا اذا نزعنا من رؤوسنا ذهنية وفكر القرون الوسطى .

إن حديثنا عن الحداثة وعن علاقتها بواقع مجتمعاتنا العربية المعاش لا بد أن يحملنا ولو بإيجاز مهمة الحديث عن موضوع آخر يتصل بها اتصالا وثيقًا ونعني به موضوع أو فلسفة ما بعد الحداثة ٠ وما يستوجب منا التطرق إلى هذا الموضوع هو ما لاحظناه في العقود الأخيرة كيف أن الكثيرين من الفاعلين في الحياة السياسية في مجتمعاتنا العربية ، الكثيرين من العلمانيين واليساريين والماركسيين قد غادروا مواقعهم الفكرية والسياسية السابقة واصبحوا من دعاة الليبرالية الطفيلية والرأسمالية المتوحشة والعولمة الحالية بكل جوانبها الإيجابية والسلبية ولم يمنعهم كل ذلك من التحالف مع القوى الأجنبية سبيلا لابد منه لتحرير بلادهم من انظمةالتخلف والاضطهاد والاستبداد ٠لانهم ،كما يبررون دوافع حالة الارتداد هذه ،اصبحوا أكثر وعيًا والتزاما بقيم الحداثة بل وتجاوزوا ذلك إلى الإيمان والدعوة إلى تبني عديد من قيم ما بعد الحداثة !!!

نشأت فلسفة ما بعد الحداثة كما هو معروف بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أي في النصف الثاني من القرن العشرين وركزت على نقد ومراجعة وحتى الشك في أفكار وقيم الحداثة وبخاصة المتعلقة منها بالثقافة أو الهوية أو الأيديولوجيات والعقائد التي جاءت في عصر التنوير في القرن الثامن عشر. وينطلق العديد من مفكري وفلاسفة مرحلة ما بعد الحداثة من إنكار وجود واقع موضوعي ومن إنكار وجود قيم أخلاقية إنسانية موضوعية وبالتالي إنكار وجود حقائق مطلقة لان صحة هذه الحقائق تظل دائما مشروطة بالسياق التاريخي والاجتماعي عوضًا عن كونها أساسًا حقائق مكتملة ويقينية
بإيجاز فان اتجاه ماعد الحداثة من وجهة نظرنا يمثل فرعًا جانبيًا في مجرى الحداثة العام وهو كما اسلفنا ينطلق من موقف متشكك ومراجع للأفكار والسرديات التي كانت نتاج مرحلة الحداثة ٠ فقد رأى العديد من الفلاسفة ومعظمهم فرنسيون مثل : جان فرانسوا ليوتار وجاك ديريدا وميشيل فوكو وغيرهم أن السرديات والمرجعيات الكبرى تشهد أزمة في عصرنا إذ أصبحت مشرعة للتفسير والمراجعة والمقصود بالسرديات الكبرى بصورة رئيسية: المفاهيم والمدارس الفلسفية مثل : الكانتية والهيكلية والماركسية والوجودية وغيرها ٠ ويرى هؤلاء الفلاسفة أن هذه التيارات فقدت مصداقيتها ، وفي الوقت نفسه يرى الفيلسوف الألماني يورغن هاب رماس إن مشروع الحداثة لم ينته ابدأ بعد ومازال هذا المشروع يواصل سعيه لتحقيق قيمه وأهدافه وبخاصة في المجتمعات التي تسير في طريق التنمية والتحضر : قيم وأهداف قيم التنوير والحرية والعدالة والأخوة الإنسانية ٠

ولا يفوتنا هنا إلاأن نستعرض بعضًا من العيوب الخطيرة لما بعد الحداثة وفي مقدمها أنها نظرية عبثية وفوضوية وعدمية تساهم في تثبيت أنظمة الاستبداد والقمع والتجهيل وتجعل من المواطن -الإنسان كائنا عبثيا فوضويًا لا قيمة له في هذا الكون المغيب يعيش حياة الغرابة والشذوذ والاستلاب
آفاق الليبرالية المنشودة في سوريا

(القسم التاسع من وثيقة "مشروع رؤية من أجل مؤتمر الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)" المنشورة في موقع الحوار المتمدن بيوم25تموز2006)
لیست اللیبرالیة في سوریا هي المخرج الوحید لحل أزماتها ، ولیس من المنطق بمكان أن تتبنى بعض
التیارات السیاسیة والفكریة هذا النهج، واعتباره ً نهجا وحیدأ منفرداً للخلاص بالمجتمع السوري من
الانتكاسات التي عاناها خلال الأربعین ً عاما من حكم حزب البعث، یترافق ذلك مع إلغاء شامل وكلّي لكل
التیارات والطروحات المغایرة الأخرى التي تنادي بعكس ذلك، تحت ذریعة أنها لا تبتعد برؤیتها وآلیات
حكمها عن الحالة الشمولیة الدیكتاتوریة التي عانى الشعب السوري من إرهاصاتها الكثیر حیث یوقعنا ذلك
في انتكاسات تنعكس سلباً على المجتمع، من حیث فقدان الرؤیة الموضوعیة والتحلیلیة للواقع السوري
المعاش، فعملیة نمذجة المجتمعات على الطریقة التي یطالب فیها البعض، هي عملیة تفتقد الكثیر من الدقة
والمشروعیة في المستویین النظري والتطبیقي، ویترافق ذلك في الغالب مع غیاب أعمى للشرط الموضوعي
الاجتماعي والسیاسي والاقتصادي الذي یمیز بلداً عن آخر، والخطر الأكبر في ذلك یتجلّى في المفاهیم التي
’تطرح لتشكل الحامل الفكري لتبني هذه المقولة ، فاللیبرالیة ) مثلا ( ، هي الفردوس الموعود الذي یبشرون
به لحل أزمات البشر ، منطلقین من رؤیة كونیة معاصرة ، ترى الكون والإنسان ، والاقتصاد والسیاسة ،
ومجتمعاتهم ، من وجهة النظر الفكریة التي بدأت ّ تحول هذا العالم لدخول النفق اللیبرالي الأمریكي ، بكل
إرهاصاته وتجلیاته ، دون التأكد حتى إذا كان هذا النفق یتسع لهم، أو ً واسعا ً كثیرا على طروحاتهم ، بحیث
أنه من الممكن أن یضیعوا في قنوات الصرف الموجودة فیه .؟! وهم ً غالبا ما یقعون في ّ تبنیهم لهذه
الطروحات نفسها " الدیمقراطیة اللیبرالیة ، الاقتصاد اللیبرالي ، الانفتاح على العالم ، نهایة الیسار
الاشتراكي ، موت الماركسیة ، انتفاء مبررات الإنتماء الوطني والقومي ، انتفاء مفهوم الطبقات ... التماهي
مع مفاهیم العولمة ومنظوماتها ، ....الخ " وفي هذا الصدد یقدمون ً أفكارا لا تتوافق مع تطلعات مجتمعاتهم
ولا تركیبتها ، لا ً سیاسیا ، ولا ً اقتصادیا ، ولا ً ثقافیأ!..
لم تأتِ اللیبرالیة في أوروبا نتیجة انقلاب لنظام شمولي ، أو انزیاح نظام عسكري دیكتاتوري لیتحول هذا
المجتمع أو ذاك إلى نظام لیبرالي بین عشیة وضحاها ، بل جاءت كنتیجة لعملیة التبادل الاقتصادي وعلاقات
الإنتاج في أوروبا مع بدایة الثورة الصناعیة فیها ، مع ما رافقه من قیم فكریة طرحها مفكروا عصر النهضة
الأوروبي ، والتي تقوم بجوهرها على إطلاق مفهوم الحریات الفردیة في المستوى الاجتماعي ، وتحقیق
الحریات السیاسیة والاقتصادیة، المبنیة بالمطلق على الحق الطبیعي المرتبط بمكنونات العقل البشري "
الفرد" ، في تحریره من ارتباطاته المجتمعیة الواسعة ، لیبني على طاقاته الخاصة ، وملكوته الفردیة ،
مشروعه الخاص ، في المستویات كافة ، ولیؤطر ذلك كله دستور یمثل ً نموذجا لعقد اجتماعي بین السلطة
السیاسیة التي تحمي هذه ّ الحریات وبین الفرد " الذات ّ الحرة المستقلّة " . ترافقت تلك القیم مع تراجع
وانحسار كبیر في دور الكنیسة ، والانتماء الدیني ، والنظر إلى مفهوم الوجود الإنساني من منطق الحق
الطبیعي ً بدلا من الحق الإلهي، ً وبعیدا عن وعود الكتاب المقدس ، وتعالیم الدین في العدالة والمساواة في
السماء ، وساعد ذلك تطور الثورة الصناعیة ، مع ما یحمله هذا التطور من تغیرات ترافق البنى الفكریة
والعقلیة للطبیعة البشریة ، الذین انتقلوا من نظم الإنتاج ، وعلاقات الإنتاج الإقطاعیة إلى نظم وعلاقات
الإنتاج الصناعیة، التي تفرض ً تطورا ً وتغیرا في آلیات التفكیر ، وروابط الاجتماع الإنساني ، مع ما رافق
ذلك من التأسیس لطبقات اجتماعیة جدیدة ً كلیا، شكلت قطیعة كبرى مع التاریخ القدیم الزراعي الإقطاعي ،
والكنسي لأوروبا ، وأهم هذه الطبقات ، الطبقة الرأسمالیة والطبقة العاملة ، فالمجتمع الرأسمالي هو شرط
أساسي من شروط النظام اللیبرالي ، وهذا یعني بأن اللیبرالیة في أوروبا قد أوجدت حاملها الاجتماعي ، قبل
أن تجد طریقها إلى النظریة والتطبیق ، وتثبت وجودها كمنهج ونظام سیاسي واقتصادي ، وخاصة بعد أن
تزاوجت مع طروحات الثورة الفرنسیة في الحریات وحقوق الإنسان ، ثم انتقلت إلى وضع جذور مجتمعیة
لها بعید ظهور وانتشار الفكر الاشتراكي في القرن التاسع عشر ، ما حدا بها إلى مواجهة هذا ّ المد الخطیر
من خلال تطویر نظریتها وإیجاد مخارج لأزماتها التي بدأت تظهر مع اشتداد التناقضات والثغرات التي
كانت تواجهها في الممارسة والتطبیق .
تشیر الدراسات الفكریة إلى أن بذور اللیبرالیة تعود إلى نهایات القرن السابع عشر ، ومنذ ذلك الحین تعیش
الرأسمالیة أزمات وتناقضات تسیر بین ّ مد وجذر ، على جمیع المستویات ، ً اقتصادیا ، ً واجتماعیا ، ً وسیاسیا
، وكانت ً دائما تنجح بفضل دینامیتها التي لا ’تنكر بالخروج من هذه الأزمات ، على رغم الویلات الهائلة
التي جلبتها للبشریة ، من حروب واستعمار وقتل ودمار وغیرها ، وهذه كلها من إرهاصات الرأسمالیة
العالمیة ، ولكن اللیبرالیة كانت المنهج الفكري لهذه الرأسمالیة، والتي بنت علیها مراحل تطورها ً وصولا إلى
العولمة التي تشهدها البشریة في أیامنا هذه . فمنطق الخلاص الفردي هو الجوهر الذي تقوم علیه فلسفة
اللیبرالیة ، ً مضافا إلیه ، منطق التزاحم والتنافس والتحكم بعملیة الإنتاج الاقتصادي في السوق ، فتخضع كل
شيء إلى قانون العرض والطلب ، وقد طال ذلك القانون حتى أنماط النظم السیاسیة اللیبرالیة ، وأصبحت
اللعبة السیاسیة خاضعة لهذا المعیار التنافسي في الاقتصاد العالمي ، والسیطرة العسكریة والسیاسیة على
القرار العالمي ، فالانتخابات الرئاسیة في أوروبا وأمریكا أصبحت تحدد من خلال سیاسة هذه الدول
الخارجیة ومنظورها لجهة الاقتصاد العالمي وتفاعلاته ، بالإضافة إلى مصادر الطاقة ، أكثر مما هي لعبة
تنافسیة في تحقیق الخیر والازدهار لبلدان ومجتمعات هؤلاء الرؤساء .
تنتمي سوریا إلى بلدان العالم الثالث ، وتواجه الكثیر من الأزمات في شتى مجالات الحیاة ، وقد تكون هذه
الأزمات أكبر مما تبدو علیه، وأكثر ً عمقا من أزمات بلدان كثیرة تتشابه مع سوریا، ویتحمل نظام الحكم
مسؤولیة كبیرة في تولید هذه الأزمات وتعمیقها ، لتتحول إلى أزمات بنیویة تشكل ً عائقا أمام أي مشروع
خلاص أو تغییر في البنى السیاسیة والاقتصادیة والمجتمعیة السوریة ، وتتمیز سوریا بأنها تحوي ً نسیجاً
اجتماعیا ً بشریا ، تحكمه منظومة قیم هي في الغالب ما قبل وطنیة، تتجسد فیها روح الطائفة والجماعة
والعشیرة والعائلة ، وقد ساعد النظام خلال سنوات حكمه الطویلة في تكریس هذه البنى، حیث قام بتوظیفها
في عملیة توازن سیاسي لصالح السلطة واستمراریتها ، ساعیة لاكتساب مباركة جمیع الفئات الاجتماعیة
والعشائریة في البلد لحمایة نفسها من تبعات التشكیلة السلطویة الأقلویة للنظام ، مع ما یشكل هذا الإنتماء من
قوانین حمایة وصراع وجود وبقاء في كنف الإنتماءات السالفة الذكر ، ً بعیدا عن منطق الدولة ودورها في
الرعایة والحمایة، وعجزهم عن التماهي مع مفهوم المواطنة والإنتماء الوطني الذي أفتقد ً طویلا في سوریا ،
وكذلك الإنتماء الدیني الذي یصل إلى حالة التطرف لدى الكثیر من الجماعات والشرائح السوریة والذین
یجدون الخلاص عبره ،’یضاف إلى ذلك منظومة العلاقات التي تنتمي بطبیعتها إلى علاقات المجتمع
الزراعي الریفي، مع ما یجسد هذا لطبیعة علاقات الإنتاج وعلاقات الاجتماع الإنساني التي تحكم هذه
الطبیعة من البشر وما یعزز هذا النوع من العلاقات من تناقضات تساهم في تكریس حالة رجعیة متخلفة أكثر
من أن تساهم في التأسیس لحالة مجتمعیة مدنیة تنتمي إلى مفاهیم عصر الحداثة، في بلد مازال ً بعیدا ً جدا عن
الإنتماء إلى شروط وتوصیف المجتمع الصناعي ونمط إنتاجه وعلاقاته .
سوریا مازالت ً بلدا في مرحلة التطور ما قبل الرأسمالي والصناعي ، ویعیش فیه المجتمع نمط العلاقات
الأقرب إلى القبلیة والدینیة والطائفیة ، مع ما یحتوي هذا البلد من أزمات تتجاوز بحجمها وضخامتها
إمكانیاته المتواضعة ، ضمن هذه الشروط یمكن أن یكون مشروع اللیبرالیة ،من حاملیه والذي ینتمي إلى
شروط وتوصیف النموذج الأمیركي الذي یجسد لیبرالیة العولمة في جانبها الاقتصادي المتوحش، ً مشروعاً
یتجه بالبلاد إلى المزید من الخراب والأزمات ، ً وانقلابا على مفهوم الحریة والدیمقراطیة نفسه .
تنتفي في المجتمع السوري شروط التوجه اللیبرالي " النموذج الأمریكي " و " الاستلاب العولمي " في
الهویة الوطنیة والتبعیة السیاسیة والاقتصادیة، على الصعیدین المجتمعي والسیاسي، مع مقاربة متواضعة
في الاقتصاد، وأمر تجاوز هذا الاقتصاد لتحدیات المرحلة القادمة تحتمها طبیعة التكتلات الاقتصادیة العربیة
والأوروبیة، والتي تجاوزت مراحل سریعة وكبیرة في هذا الصدد .
ففي نمط العلاقات القبلیة والطائفیة التي تحكم المجتمع السوري ، تفتقد روح الفكرة اللیبرالیة القائمة على
تقدیس حریة الفرد جوهرها، وتواجه صعوبة كبیرة في إیجاد جذور اجتماعیة لها، فالإرتداد الذي حصل في
المجتمع السوري لجهة التقوقع ضمن مجموعات یؤطرها الإنتماء العائلي والریفي خلال السنوات الطویلة
من حكم البعث، أدى إلى انتكاسة حقیقیة لجهة غیاب مفاهیم كثیرة تؤسس لبناء مجتمع مدني وحدیث، أو
لنظام الدولة الحدیثة التي من المفترض أنها المعبر الرئیس لقیام النظام اللیبرالي المعاصر بكل تجلیاته،
فالكثیر من السوریین الیوم لا یعرفون معنى الدستور" مثلا "، ویحتم علاقتهم بالدستور، بمباركته أو عدمها
مثلا، علاقتهم بشیخ العشیرة، أو رمز من رموز الطائفة، أو بمرجعیة اقتصادیة تكون هي الممول لحیاة
هؤلاء الناس، فالدستور من المفروض أنه هو الذي ّ یجسد ویشرعن علاقتهم مع السلطة السیاسیة " المتمثلة
بالدولة " ، ولكن ما یحصل هنا أن الشریحة الأكبر من البشر تنتمي بعلاقاتها إلى المنظومة العائلیة
والعشائریة، ویبقى مفهوم الدولة لدى الغالبیة منهم، محصوراً في تمثیلهم فیها من خلال قریب، أو صدیق، أو
أحد أفراد العائلة، ومن لا یملك هذا الامتیاز، ً غالبا ما یكون خارج معنى الإنتماء لهذه القوة، ویتجه إلى
مشروع الخلاص الفردي " الذاتي، الأناني" والذي ّ یمد جسوره الاجتماعیة مع الروابط التقلیدیة الأولى في
العائلة، أو العشیرة أو الطائفة ! سعیاً وراء تحقیق شروط الاستمراریة، وتأمین لقمة العیش، والتأمین على
المستقبل، والعمل والسكن، وصراع البقاء، ً وأخیرا الحمایة الاجتماعیة والاقتصادیة له ولجماعته التي یمثلها
؟ یؤدي هذا الإرتداد إلى اغتراب كبیر یصل حد التأصل بین هذا النوع من العلاقات، وبین المفاهیم
المجتمعیة الأخرى التي یجب أن ترعاها الدولة وتحققها لكل مواطنیها، كحق المواطنة، ّ والحریات الفردیة،
وتكافؤ الفرص، والتوزیع العادل للثروة الوطنیة والدخل القومي، مع ما یواكب ذلك من ضمان اجتماعي،
وحمایة وطنیة، وتأمین صحي، والحق في العمل والتعبیر والحركة والاجتماع وغیر ذلك من شروط بناء
الدولة الحدیثة بالمعنى المعرفي والمنهجي لبنیان الدولة، حتى یصل هذا المواطن إلى التماهي والانصهار
التام في منظومة الدولة ومؤسساتها المدنیة . وهذه الشروط لا یمكن أن تقدمها النظم اللیبرالیة الأمیركیة، بل
هي منوطة بدور ّ بناء وغالب للدولة نفسها التي تتفاعل فیها وتشترك في إدارتها كافة القوى السیاسیة
والمجتمعیة لتحقیق التوازن المطلوب للخروج من أزمات مجتمعیة عمیقة، دون الالتحاق بالوصایة الأمریكیة
أو غیرها، مع الحفاظ على شيء من الإنتماء والخصوصیة لهویة حضاریة، أقل ما یمكن أن یقال فیها بأنها
كانت ً مهدا للحضارات، وما زالت قادرة على بناء ذاتها ّ بمقدراتها الخاصة .
نستنتج مما سبق أن النظام اللیبرالي المنشود في سوریا، لم ِ یستوف بعد شرطه المجتمعي والاقتصادي، وهو
یشكل مناخاً خطیراً في حال تبنیه، أو اعتماده كنظام اقتصادي للدولة، فالحوامل الاقتصادیة، من برجوازیة
وطنیة، وطبقة وسطى، وصغار كسبة ونخبة سیاسیة وطنیة، تكون هي الحامل والضامن لنظام لیبرالي
وطني، هي غیر متوفرة ولیست موجودة في سوریا، والبدیل هو تلك الفئة الهجینة التي تشكلت من استغلال نفوذ
السلطة، ونهب البلاد بدون ضوابط أو حدود، وبالتالي فإن الغیاب الواضح للمفاهیم الفكریة والثقافیة الوطنیة،
یجعل هذه الفئات التي أفرزتها السلطة على هیئة برجوازیة طفیلیة تعتمد على اقتصاد الظل في تنمیة ثرواتها
ورأسمالها غیر الوطني، والتي ستكون أي هذه الفئات بالضرورة هي الحامل" المشوه" للیبرالیة المعاصرة،
وأشبه ما تكون بمولود هجین لا ینتمي إلى أي نظام اقتصادي یحقق الأغراض المرجوة منه في بناء دولة
حدیثة، ونظام دیمقراطي، وتأمین بعض أخلاقیات البرجوازیة الأوروبیة التي بنت أوطانها في السیاق
التاریخي لبناء النظام اللیبرالي .
بناء علیه، لا یمكن أن یكون هناك في سوریا نظام لیبرالي حقیقي الآن وفي المرحلة المنظورة ، بل سیكون
هناك نظام اقتصادي یتبع أخلاقیات العولمة الاقتصادیة المتوحشة، القائمة بمبادئها على نهب الآخر وتدمیره
في سبیل مصالحها، من هنا تأتي أهمیة الحضور الفكري والسیاسي والمجتمعي للتیارات الیساریة، وخاصة
الماركسیة منها ، لتحقیق التوازن السیاسي والاقتصادي في المحافظة على مكتسبات الناس الاقتصادیة،
وحمایة حقوقهم في التعلیم، والصحة، والرعایة والتوظیف وتأمین الخدمات الأساسیة وغیرها من متطلبات
الحیاة العصریة، وعدم ترك الناس لمصیر مجهول یقع بین سندان طبقة برجوازیة مشوهة، وبین مطرقة
سلطة سیاسیة انتقلت من شرعیة البوط العسكري ،في وجودها، إلى شرعیة رأس المال المنهوب من الشعب
على مدى السنوات الطویلة التي حكم فیها ، وفي ظل قطب واحد للعالم احتل بلداً ً رئیسیا في المنطقة العربیة
، ویتهیأ للهیمنة أو للإنقضاض على الباقي
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
شخصيات شيوعية سورية:
المهندس مراد القوتلي
من أجواء الفكر الديني المتسامح إلى الماركسية
بقلم الدكتور عبدالله حنا

ثمة ظاهرة شبيهة بظاهرة إحسان بهاء الجابري في اعتناق أحد أبناء الأعيان في دمشق الماركسية. فالمهندس مراد القوتلي أصبح في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين علماً شيوعياً معروفاً. ولهذا رأينا أن ننقل ما أفادنا به القوتلي وعائلته من أعيان دمشق .
ولد مراد القوتلي في دمشق 1923 وتعلم في الكلية العلمية الوطنية ونال البكالوريا 1940. كان والده رجل دين من تلاميذ المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني .ووالدته هي حفيدة قائد الثورة الجزائرية عبدالقادر الجزائري. لم يكن والده متزمتا ولم يفرض رأيه على ابنه مراد . وكان الأب يردد على مسامع ابنه اترك السياسة حتى تنهي دراستك . وكانت جريدة " صوت الشعب " الشيوعية " تدخل البيت " حسب تعبير مراد في إشارة منه إلى الجو المتسامح المنفتح في بيت والد مراد . وقد دفعت أجواء الفكر الإسلامي الصوفي المتسامح مراد القوتلي للاتجاه نحو الماركسية, التي كانت تشق لها طريقاً بين بعض الشباب المتنور في دمشق .
كانت أول علاقة لمراد بالحزب الشيوعي في صيف 1941 عن طريق نجاة قصاب حسن, الذي كان والده تلميذاً عند والد مراد . انتسب مراد للحزب الشيوعي أثناء دراسته في معهد الهندسة في الكلية اليسوعية في بيروت . وكان مسؤولاً عن الطلاب الشيوعيين في المعهد ونشيطاً في بيع جريدة " صوت الشعب " .
أكمل مراد القوتلي دراسة الهندسة في باريس بين عامي 1947 و1952 وانتسب هناك إلى الحزب الشيوعي الفرنسي, وفي الوقت نفسه كان عضواً في منظمة الشيوعيين السوريين التي كان لها تنظيمها الخاص بها . وقد شكّل الشيوعيون مع أصدقائهم رابطة للطلاب السوريين وأصدروا في عامي 1951 و1952 نشرة باللغة العربية كانت تطبع سراً . ومن الدراسات التي نشروها دراسة عن الغاب, كما شاركوا في مهرجانات الشباب في براغ وبرلين .

بعد عودة المهندس مراد القوتلي إلى دمشق عام 1952, افتتح مكتباً للهندسة الذي كان في الوقت نفسه مركزاً لأنصار السلام ولتحضير المهرجانات العالمية . وعندما ترشّح مراد القوتلي بتوجيه من الحزب في انتخابات المجلس النيابي لعام 1954 نال في غوطة دمشق أصواتاً أكثر مما كان يتوقع, حسب تعبيره .
عندما شنت المباحث حملتها ضد الحزب الشيوعي وبالتالي لمحو المجتمع المدني في سورية كان نصيب المهندس مراد القوتلي الاعتقال بين أوائل عام 1959 وحتى نهاية 1961. وكان صمود مراد القوتلي في وجه جلاديه بطولياً . وبعد خروجه من السجن أصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ثمّ أوفده الحزب للدراسة الحزبية في موسكو . وبعدها اختاره الحزب الشيوعي السوري ممثلاً له في مجلة " قضايا السلم والاشتراكية ", التي كانت تصدر في براغ . عاد إلى الوطن عام1965 مستأنفاً نشاطه في الميدان السياسي وفاتحاً بيته ومكتبه للاجتماعات الحزبية إلى أن أدركته المنية .
(المعلومات الواردة أعلاه مأخوذة من لقاء أجريته مع مراد القوتلي في بيته بدمشق)
تقرير لجنة التحقيق الخاصة
أمام الدورة ال50 لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة
2962022
السيد رئيس مجلس حقوق الإنسان ، صاحب السعادة,
على الرغم من تراجع الاهتمام ، هناك حرب مستعرة في سوريا. عندما خاطبتكم في آذار / مارس أبلغت عن " مستويات كبيرة من العنف "على مدى الأشهر الستة الماضية وقلت لكم إن"الاقتصاد السوري في حالة انهيار حر". الوضع أسوأ ، ولا يساعده تأثير الحرب في أوكرانيا ولن يساعده المناقشات التي تفكر في إغلاق آخر معبر حدودي متبقي للمساعدات الإنسانية الأسبوع المقبل. ومما زاد الطين بلة ، في مايو / أيار ، دقت منظمات الإغاثة الإنسانية ناقوس الخطر في مؤتمر بروكسل السادس حول سوريا الذي استضافه الاتحاد الأوروبي بأن الأموال المتعهد بها للمساعدات الإنسانية "ليست كافية ببساطة لتلبية الاحتياجات.”
ببساطة ، الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا هي في أعلى مستوياتها على الإطلاق ، حيث تقدر الأمم المتحدة أن 14.6 مليون سوري يعتمدون الآن على المساعدات الإنسانية. في جميع أنحاء سوريا ، يواجه 12 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد ، ويعيش 90 في المائة منهم في فقر.
وبالنظر إلى هذا الواقع المزعج ، من غير المعقول أن تركز المناقشات في مجلس الأمن على ما إذا كان ينبغي إغلاق المعبر الحدودي الوحيد المأذون به للحصول على المعونة ، بدلا من كيفية توسيع نطاق الحصول على المعونة المنقذة للحياة في جميع أنحاء البلد وعبر كل الطرق المناسبة.
لقد أخفقت أطراف النزاع نفسها باستمرار في الوفاء بالتزاماتها بالسماح بمرور الإغاثة الإنسانية بسرعة ودون عوائق للمدنيين المحتاجين في جميع أنحاء سوريا وتسهيلها. ولا بد من إزالة هذه العقبات وجميع العقبات الأخرى أمام المساعدات الإنسانية – بما في ذلك تلك الناجمة عن العقوبات الأحادية الجانب ، حتى وإن كانت غير مقصودة.

السيد الرئيس,
التميز,
يتعرض ملايين اللاجئين الذين فروا من البلاد الآن لضغوط متزايدة للعودة. عندما استطلعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مؤخرا آراء اللاجئين ، قال ما يقرب من 93 ٪ إنهم لا يعتزمون العودة في العام المقبل ، مع كون وضع السلامة والأمن المتردي داخل سوريا هو السبب الأكثر ذكرا. وبينما تستمر الحرب ، لا تزال جميع أطراف النزاع تتجاهل الامتثال للقانون الإنساني الدولي في سير الأعمال العدائية. بالأمس ، نشرت المفوضة السامية باشيليت تقريرا مهما للغاية وواقعيا يقدر أن أكثر من 300,000 مدني قتلوا في هذه الحرب. كما أصدرنا أمس ورقة سياسة ، في محاولة لتحديد طريقة للمضي قدما نحو منع المزيد من الأضرار المدنية في سوريا.
في محافظة إدلب ، حيث تسيطر جماعة هيئة تحرير الشام الإرهابية المصنفة من قبل الأمم المتحدة على الجزء الأكبر من السكان المدنيين ، تسبب القصف والهجمات الجوية من قبل القوات الموالية للحكومة في سقوط العديد من الضحايا. ومع تدهور الظروف المعيشية في مخيمات النازحين ، أجبر العديد منهم على العودة إلى منازلهم الواقعة في مناطق المواجهة ، وتعرضوا لهجمات متكررة ، مثل تلك التي وقعت في أبريل / نيسان حيث تم استهداف أربعة صبية وقتلهم وهم في طريقهم إلى المدرسة. وألحقت هجمات أخرى أضرارا بالمخيمات المؤقتة للمشردين أو دمرتها ، وأصابت أشياء لا غنى عنها لاستمرار معيشة السكان المدنيين ، بما في ذلك الموارد الغذائية والمائية.
إلى الشرق ، استمرت الأعمال العدائية بين القوات الموالية للحكومة والجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية ، على حساب عدد لا يحصى من المدنيين ، الذين غالبا ما ينتمون إلى نفس العائلات ، والذين فقدوا أرواحهم أو أطرافهم ، أو الذين تضررت منازلهم. وفي واحدة من أكثر الحوادث فتكا هذا العام ، أدى هجوم صاروخي على سوق في بلدة الباب في فبراير / شباط إلى مقتل ثمانية مدنيين على الأقل وإصابة 24 آخرين ، بينهم نساء وأطفال. وتقوم اللجنة حاليا بالتحقيق في عدة حوادث مماثلة.

السيد الرئيس,
التميز,
في جنوب سوريا ، لا يزال انعدام الأمن واسع النطاق في المناطق المحاصرة سابقا ، حيث يشهد عمليات قتل متكررة من قبل مجهولين لقادة المجتمع ، بما في ذلك أولئك الذين شاركوا في عمليات "المصالحة".
في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ، يعيش الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم لا يدعمون الحكومة- بمن فيهم اللاجئون العائدون – في خوف دائم من التحدث علنا ، ويدركون جيدا مخاطر الاحتجاز التعسفي أو التعذيب أو الاختفاء القسري.
في جميع أنحاء هذه المناطق ، يتطلب شراء أو استئجار منازل أو شقق "تصريح أمني" من أجهزة المخابرات. غالبا ما يتم حجب هذا عن أي شخص ينظر إليه على أنه ينتقد الحكومة ، وعن عائلاتهم بأكملها. لا يزال الجنود أو الميليشيات يحتلون العديد من المنازل ، حتى في المناطق البعيدة الآن عن الخطوط الأمامية الحالية. وشهدت عائلات أخرى مصادرة الحكومة لممتلكاتها بموجب مواد غامضة التعريف من قانون مكافحة الإرهاب. إن محاولة المطالبة بممتلكاتهم من خلال الإجراءات القانونية مكلفة للغاية ، خاصة بالنسبة للنساء، مما يثبط معظم الناس عن المحاولة.
وبالنسبة للكثيرين ، فإن عدم وجود هذا يعوق أيضا حريتهم في التنقل حيث لا تزال نقاط التفتيش منتشرة في كل مكان ، حتى بعيدا عن الخطوط الأمامية.
التميز,
وقد وثقت اللجنة حالات لسوريين اعتقلوا تعسفيا أو اختفوا أو ابتزوا عند عودتهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ، مما أجبر البعض على العودة إلى طريق المنفى. كما يشكل الخوف من التجنيد القسري عقبة رئيسية أمام عودتهم ، فضلا عن عدم اليقين الذي يكتنف نظام "التصريح الأمني".
التميز,
في 30 أبريل / نيسان ، أصدر الرئيس الأسد المرسوم التشريعي رقم 7 الذي يمنح عفوا عاما عن جرائم الإرهاب ، على الرغم من أن أجزاء من قانون مكافحة الإرهاب قد تم العفو عنها في مراسيم سابقة. بعد الإعلان ، تجمعت العائلات في شوارع دمشق والبلدات والمدن السورية الأخرى على أمل الحصول على معلومات حول الأقارب المحتجزين ، ولكن دون جدوى. ولم يتضح بعد كم من عشرات الآلاف من السوريين الذين يقبعون رهن الاحتجاز سيستفيدون من هذا العفو الجديد ، وتدعو اللجنة الحكومة إلى ضمان تنفيذ مرسوم العفو على أوسع نطاق ممكن وتوسيع نطاقه ليشمل الجرائم الأمنية والسياسية.
لقد أبلغناكم مرارا وتكرارا أن السوريين يتوقون إلى الحقيقة حول مصير ومكان وجود أحبائهم المفقودين. لديهم الحق في معرفة الحقيقة. ومع ذلك ، كان بحثهم محفوفا بمخاطر الابتزاز وسوء المعاملة ، في حين أن الحكومة والأطراف الأخرى تعمدت إطالة أمد معاناتهم من خلال حجب المعلومات عن مصير المفقودين.
يجب ألا يكون هذا سببا للاستقالة بل دعوة للعمل. في غضون أيام قليلة ، سينشر الأمين العام للأمم المتحدة دراسة ، طلبت في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 76/228 ، حول كيفية تعزيز الجهود المبذولة لتوضيح مصير ومكان وجود المفقودين في سوريا. ونحن واثقون من أنه سيؤدي إلى عمل ملموس: لقد انتظرت الأسر بالفعل وقتا طويلا. تظهر التجربة عالميا أنه كلما طال الانتظار ، كلما كانت المهمة أصعب. لقد طالبنا منذ وقت طويل بإنشاء هيئة لتوحيد المطالبات المقدمة إلى مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية من أجل تعقب وتحديد المفقودين والمختفين بكفاءة وفعالية ومساعدة أسرهم في جهودها. وكما حددنا في ورقة سياسات صدرت قبل أسبوعين ، يمكن لهذه الآلية أيضا أن تنسق المبادرات المقدمة إلى أطراف الصراع لتقديم المساعدة والمشورة التقنيتين.

السيد الرئيس ، صاحب السعادة,
قبل الإغلاق ، نحتاج إلى تذكير هذه الهيئة بأن 40,000 طفل ما زالوا محتجزين في ظروف مروعة في مخيمي الهول والروج في شمال شرق سوريا ، إلى جانب 20,000 بالغ ، معظمهم من النساء. لا يزال انعدام الأمن في الهول منتشرا ، حيث تم الإبلاغ عن 24 جريمة قتل على الأقل هذا العام. وحتى العاملين في المجال الإنساني استهدفوا: فقد قتلت ممرضة تابعة للهلال الأحمر وطعنت طبيبة تابعة للجنة الدولية. ونرحب بتسهيل العودة من قبل العديد من البلدان لمواطنيها من مخيمي الهول والروج على مدى الأشهر القليلة الماضية ، ونشجع الآخرين على أن يحذوا حذوها ، مع إعطاء الأولوية لجلب الأطفال إلى الوطن قدر الإمكان مع أمهاتهم وأولئك الذين يعانون من أمراض خطيرة.
تنتهك الحقوق بشكل روتيني في هذه المخيمات ، وكذلك في السجون التي يحتجز فيها ما لا يقل عن 10000 رجل وصبي يزعم أنهم مرتبطون بداعش في ظروف ترقى إلى سوء المعاملة. على هذا النحو ، فإنها تشكل أيضا تهديدات أمنية. الحفاظ على الوضع الراهن هو ببساطة لم يعد خيارا.
شكراً.


معلومات أساسية:
672022
معهد رالف بانش للدراسات الدولية
نيويورك
منذ بدء النزاع المسلح بين الحكومة وجماعات المعارضة في سوريا في عام 2011 ، قتل ما لا يقل عن 580000 شخص. أبلغت لجنة التحقيق المعنية بسوريا التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن أكثر من 130,000 حالة احتجاز تعسفي أو اختطاف أو اختفاء منذ عام 2011 ، تعزى غالبيتها إلى الحكومة السورية. ونزح ما يقرب من 13 مليون شخص ، من بينهم 6.7 مليون لاجئ سوري هم خارج الأراضي السورية. ولا يزال ما يقدر بنحو 13.4 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
وفي حين تواصل مختلف أطراف النزاع ارتكاب انتهاكات وتجاوزات خطيرة للقانون الدولي ، فقد تحول النزاع خلال العامين الماضيين من الأعمال العدائية العسكرية الواسعة النطاق على طول الخطوط الأمامية الرئيسية إلى الاشتباكات المحلية بين الجماعات المسلحة والقوات الحكومية.
في جنوب سوريا ، وخاصة في محافظة درعا ، استمرت الاشتباكات منذ يوليو / تموز 2021 بين القوات الحكومية وجماعات المعارضة المسلحة. تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في 1 سبتمبر ، ولكن سرعان ما انهار مع استمرار قوات الحكومة السورية في شن غارات جوية وهجمات صاروخية. أسفرت الاشتباكات العنيفة عن مقتل العشرات من المدنيين في يناير 2022 وحده. كما حاصرت الحكومة البلدات وفرضت قيودا شديدة على المدنيين الذين يحاولون الفرار وعلى إيصال المساعدات الإنسانية. وقد نزح أكثر من 35,000 مدني منذ أواخر يوليو / تموز.
على الرغم من وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا ، الذي تم التوصل إليه في مارس 2020 بين روسيا وتركيا ، استمرت الأعمال العدائية والانتهاكات في محافظة إدلب. ألحق القتال البري والقصف والغارات الجوية - التي نفذتها القوات الموالية للحكومة السورية - أضرارا بالمرافق الطبية والأسواق والمدارس ومخيمات النازحين. ووفقا للجنة التحقيق الدولية ، تسببت الهجمات في مقتل العشرات من المدنيين وقلصت إلى حد كبير فرص الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية والسكن الجيد. كما تواصل جماعة هيئة تحرير الشام المسلحة المتطرفة ارتكاب الانتهاكات ، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي للنشطاء والصحفيين.
في أماكن أخرى في شمال سوريا ، ارتكب الجيش الوطني السوري وغيره من الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا التعذيب والعنف الجنسي والنهب المنهجي والاحتجاز التعسفي. وكثيرا ما يتم تفجير الأجهزة المتفجرة المرتجلة في المناطق المزدحمة ، مما أسفر عن مقتل وإصابة مئات المدنيين خلال العام الماضي. وفي الوقت نفسه ، أصاب القصف العشوائي والغارات الجوية الحكومية أهدافا مدنية وتسبب في سقوط عشرات الضحايا في الأشهر الأخيرة.
أكد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الأطفال والنزاع المسلح أكثر من 4724 انتهاكا خطيرا في جميع أنحاء سوريا في عام 2020 ، بما في ذلك القتل والتشويه وتجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية. بالإضافة إلى ذلك ، لا يزال ما لا يقل عن 40,000 طفل من مقاتلي داعش المزعومين من 57 دولة محاصرين في معسكرات اعتقال قذرة تديرها قوات الدفاع السورية المدعومة من الأكراد.
كما تفرض الحكومة قيودا تعسفية على حرية التنقل وتحرم الأفراد من ممتلكاتهم في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقا ، والتي تزعم لجنة التحقيق أنها قد ترقى إلى جريمة الحرب المتمثلة في العقاب الجماعي. وبحسب ما ورد أخضعت القوات الحكومية المدنيين العائدين إلى سوريا للاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء والتعذيب.

التحليل:
على مدى أكثر من عقد من الزمان ، ارتكبت الحكومة السورية وحلفاؤها وجماعات المعارضة المسلحة جميعا هجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية ، متجاهلة بشكل صارخ القانون الدولي. كما وثقت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الاستخدام غير القانوني للأسلحة الكيميائية من قبل الحكومة السورية وبعض الجماعات المسلحة منذ عام 2013. وقد ارتكبت جميع أطراف الصراع أعمالا قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
في الوقت الذي تحاول فيه الجماعات المسلحة المختلفة تعزيز سيطرتها على الأراضي في سوريا المجزأة ، يواجه المدنيون انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان. تواصل الحكومة السورية وأطراف النزاع الأخرى ارتكاب الاعتقال و عمليات الخطف كاستراتيجية للسيطرة على المدنيين وترهيبهم. كما تزيد الانتهاكات المستمرة لمختلف اتفاقات وقف إطلاق النار الى حد كبير من خطر تكرار نشوب صراع واسع النطاق.
ويعزى الوضع الخطير في جميع أنحاء سوريا جزئيا إلى عدم قدرة مجلس الأمن الدولي على محاسبة الجناة. انتهكت الحكومة السورية بشكل مباشر العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي ، وحمت روسيا سوريا بشكل منهجي من إجراءات المساءلة الدولية.
لقد أخفقت الحكومة السورية بشكل واضح في الوفاء بمسؤوليتها عن الحماية ، وهي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن استمرار ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

الاستجابة الدولية:
بعد اندلاع أعمال العنف في آذار / مارس 2011 ، انتقد المجتمع الدولي الحكومة السورية لانتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان. كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة مرارا وتكرارا إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
على الرغم من ذلك ، فشل مجلس الأمن في الاستجابة بفعالية للوضع.منذ عام 2013 ، أصدر المجلس 27 قرارا بشأن وصول المساعدات الإنسانية ومحادثات السلام والأسلحة الكيميائية في سوريا. ويشير العديد منها إلى مسؤولية الحكومة عن حماية السكان ، ولكن لم ينفذ أي منها تنفيذا كاملا. وقد استخدمت روسيا والصين معا حق النقض ضد عشرة مشاريع قرارات ، كما استخدمت روسيا بشكل مستقل حق النقض ضد ستة مشاريع قرارات أخرى. في 11 يناير / كانون الثاني 2022 ، مدد مجلس الأمن الإذن بتقديم المساعدات عبر الحدود عبر معبر واحد حتى يوليو / تموز2022.
في 21 كانون الأول / ديسمبر 2016 ، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء آلية دولية محايدة ومستقلة للمساعدة في التحقيق مع مرتكبي الفظائع في سوريا ومحاكمتهم. كما بدأ عدد من البلدان إجراءات قانونية محلية ضد الجناة السوريين المشتبه بهم الخاضعين للولاية القضائية العالمية. في 24 فبراير / شباط 2021 ، أصدرت محكمة ألمانية أول إدانة لعضو في أجهزة المخابرات السورية ، إياد أ. ، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية. بعد ما يقرب من عام ، في 13 يناير 2022 ، أدانت المحكمة نفسها أنور ر. ، مسؤول حكومي سوري سابق رفيع المستوى ، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. في 19 يناير / كانون الثاني ، فتحت محكمة ألمانية أخرى محاكمة تتعلق بادعاءات التعذيب والقتل على يد عميل حكومي سوري.
في 18 سبتمبر 2020 ، طلبت حكومة هولندا رسميا إجراء مفاوضات مع الحكومة السورية كخطوة أولى نحو محاسبة سوريا على انتهاكات اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. أصدرت حكومة كندا طلبا مماثلا في 4 مارس 2021.
في 21 أبريل 2021 ، صوتت غالبية الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة الكيميائية على تعليق حقوق وامتيازات سوريا بموجب المعاهدة.

الإجراءات اللازمة:
يجب على جميع أطراف النزاع الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان ، بما في ذلك إنهاء الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية ، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المدنيين المحاصرين أو المشردين بسبب القتال. وينبغي وضع جدول زمني للإفراج عن جميع المحتجزين والمختطفين.
يجب على جميع الأطراف أيضا التمسك باتفاقات وقف إطلاق النار في الشمال الغربي والشمال الشرقي والجنوب.
يجب أن تتم جميع عمليات عودة اللاجئين وغيرهم من النازحين السوريين وفقا لمبدأ عدم الإعادة القسرية. يجب على السلطات السورية ضمان حماية جميع العائدين.
يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مواصلة مساءلة مرتكبي الفظائع المزعومين بموجب الولاية القضائية العالمية. يجب على مجلس الأمن الدولي العمل على إنشاء آلية دولية مستقلة لتوضيح مصير ومكان المفقودين والمختفين في سوريا.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------
ذكرى استشهاد الرفيق عبدالخالق محجوب
28تموز /يوليو1971
1- لدىَّ إعجاب خاص بشخصية الشهيد عبدالخالق محجوب، السكرتير السياسىِّ الأسبق للحزب الشيوعى السودانى، ليس لعبقريته ونبوغه، وإن شهد له زملاؤه ؛ بقدرته أن يصير بروفيسورا فى أى مجال يختاره، غض النظر عن ذلك المجال، ولا لأن الدرجة التى تحصل عليها عند خوضه الامتحانات المؤهلة للمرحلة الجامعية لم ينلها قبله أو بعده أى شخص حتى هذهِ اللحظة، حتى تضاءلت أمام ملكات ذهنه كلية الخرطوم الجامعية ( جامعة الخرطوم لاحقا)ً ثمّ جامعة القاهرة الأم التى ارتحل إليها خلسة من المستعمر ، ولا لكون الأستاذ المربى المرحوم / محمد أحمد سليمان، والد الأستاذين / بدر الدين سليمان والمرحوم / غازى سليمان، ظل يحتفظ بكراسة تخصه، مقراً فى وقت لاحق لابنه غازى، أن هذه الكراسة تخص أنبه طالب قام بتدريسه طيلة مسيرته التعليمية، وليس لكونه قد تسنم قيادة الحزب الشيوعى السودانى والحركة اليسارية وهو فى بواكير العشرينيات من عمره ..إنما لموقف مبدئى قد اتخذه منذ بواكير الصبا ونعومة الأظافر، أن يركل كل ماهو موعود به ويقذف به خلف ظهره ، من جاه ومكانة علمية وأكاديمية وبشريات ثراء مالى، تجعله حديث الدنيا، وترضى فيه كل الرغبات البشرية، دون ملامة أو نقد ، وذلك ابتغاء طريق وعر وشائك ، اختاره لمسيره، بقناعة تامة وضمير راض، نحو هدف أسمى من الرغائب الخاصة.

2- عندما قرر جعفر نميرى انهاء حياته القصيرة عمراً والعظيمة عملاً وأثراً ، والتى لم تتجاوز فى مجملها العام الرابع بعد الأربعين، كان قد سأله بصلف واستهزاء (قبل تلك المحاكمة التى جسدت المعنى الحقيقى والحرفى للكوميديا السوداء) عن ما قدمه للشعب السودانى. خرجت الإجابة من فم محجوب مختصرة - منذ صرخة الميلاد حتى صرير المقصلة- كل الأيام والشهور والسنوات ولحظات الفرح والألم وحلاوة النصر ومرارة الهزيمة ، موضحاً سبب خلقه وبعثه : " الوعى. .الوعى بقدر ما استطعت " .

3- ما أن أفرج الغرب قبل سنوات عن لقطات تلفازية للمحاكمة الهزلية لعبدالخالق ( كانت محاكمة عسكرية لمواطن لا ينتمى لقوة نظامية ! ) والتى جرت وقائعها فى أواخر يوليو 1971 ، ورأيته يدخل للقاعة، ليس كمتهم، بل كرئيس محكمة، وسمعته وشاهدته يخاطب تلك المحكمة البائسة بثبات ولسان لم يتلجلج، أيضاً ليس كمتهم، بل كرئيس هيئة دفاع عن المتهم، وبعينين لهما برق وجمال، وشفتين تنفرجان مابين البرهة والأخرى، بابتسامة ساخرة، عاكسة ما بالنفس من ثقة، حتى توهط يقينى فجلس القرفصاء، ثمّ مدد أرجله ( الافتراضية ) كما فعل أبو حنيفة، مؤكداً على صدق حدسى ودوافعى للإعجاب ..فليس بالضرورة البتة أن نكون قد التقينا فى حياتنا بمن جبلنا على تقديرهم واحترامهم، يكفينا فقط ماتواتر عنهم من الثقاة، أولئك الذين لاتعترى شهادتهم قوادح. ..فما بالك إن أكرمك الزمان بمشاهدة من توقر وتبجل ( صوت وصورة وبالألوان) دون أن تلتقيه من قبل، وفى يوم عرسه، الذى ظنه البعض يوم تعسه !. . ياسلااام!

4- عندما توجه عبدالخالق (واثق الخطوة يمشى ملكا) نحو المشنقة، صدح فى ممرات سجن كوبر( تلك التى تفصل بين منتظرى الموت ومترقبى عودة الحرية) بكفاح الشعب السودانى، وعندما وقف داخل غرفة الإعدام؛ غابت عن مشاهد السينما العالمية والحياة الإنسانية أهم لقطتين، وهى ما شهد بها بعض الحضور يومئذٍ. .اللقطة الأولى : حين سلم محجوب ساعة يده لأحد الجنود بصحبة عبارة ساخرة، أنه أولى بها من أولئك اللصوص. ..وقبل كلمة النهاية؛ سأل بطلنا شناقه - معلقاً على شفتيه ذات الإبتسامة التى وقع ومهر بها مرافعة الدفاع - عن متانة وجودة حبله، وإن كان بمقدوره تحمل وطأة جسده ، لم يدرك الشناق ولا المحكمة التى قررت ازهاق روحه ولا حتى جعفر نميرى؛ أن محجوب ذكر البدن وأراد العقل! كان هذا هو الماستر سين Master Seen.
غاب الجميع. ..وبقى الفطن الوسيم، فعلاً وإسماً وذكرى.

عبد الخالق محجوب
( الفطن الوسيم)
محمود دفع الله الشيخ المحامى
1927- 1971
-------------------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة