الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مع افتتاح الدورة ال 61 للجمعية العمومية: هل من جديد يَختمر داخل أروقة هيئة الشرعية الدولية؟!
احمد سعد
2006 / 9 / 23مواضيع وابحاث سياسية
اُفتتحت في نيويورك يوم الثلاثاء الماضي، التاسع عشر من شهر ايلول/ سبتمبر الجاري، الدورة السنوية الـ 61 للجمعية العمومية للامم المتحدة بمشاركة ممثلي 192 دولة اعضاء هذه المنظمة. ويشارك في اعمال هذه الدورة التي تستمر اعمالها اسبوعين، رؤساء الدول والحكومات او من ينوب عنهم من المسؤولين الرسميين الكبار.
والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه مع بدء كل دورة سنوية لهذه الجمعية، هل من جديد على اجندة هذه الجمعية يبعث على تفاؤل اوتشاؤم البشرية؟ فالحقيقة التي لا يستطيع أي احد انكار معطياتها بان دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة تعقد هذه السنة أيضا في ظل التناقض الصارخ بين المهام والاهداف التي من اجلها اقيمت الامم المتحدة ومختلف مؤسساتها وهيئاتها الشرعية، التي في مركزها صيانة الامن والسلام الدوليين وضمان امن واستقرار وحرية واستقلال جميع الشعوب والبلدان، وبغض النظر عن كبر او صغر او لون بَشرة هذا الشعب والبلد او ذاك، وبين العجز في تجسيد هذه المهام والاهداف ونسف قواعد الامن و الاستقرار والسلام العالميين بسبب عقم وخلل في آلية اتخاذ القرارات الحاسمة والملزمة للتنفيذ تستغلها قوى الطغيان الامبريالي، وخاصة الامريكي، لعرقلة قيام هيئة الشرعية الدولية بدورها الاساسي، وتدجين المنظمة الدولية في خدمة المصالح الاستراتيجية الامبريالية الامريكية المتناقضة مع المصالح الحقيقية للشعوب وبلدانها. لقد اصبح وضع الامم المتحدة من حيث المدلول السياسي اشبه بمدلول المثل الشائع "من بره رخام ومن جُوّه سخام"، من بره وثائق للدفاع عن قضايا امن واستقرار الشعوب، ومن جُوّه يكفي لجوء المندوب الامريكي الى استخدام حق النقض ( الفيتو) لحرمان هذه الشعوب من الامن والاستقرار وابقائها ضحية في مواجهة انياب ذئاب العدوان. ولهذا فان احدى القضايا المركزية المطروحة على اجندة الجمعية العمومية الحالية هي اجراء اصلاح في بنية واداء الامم المتحدة ومؤسساتها من الجمعية العمومية الى مجلس الامن الدولي الذي يضع مصير البشرية في ايدي خمس من الدول العظمى يحتكرون العصمة في بلورة طابع القرار.
لقد لفت انتباهي الخطاب الوداعي للامين العام للامم المتحدة، كوفي انان، في افتتاح الدورة الحالية للجمعية العمومية للامم المتحدة. فكوفي انان الذي ينهي ولايته كأمين عام ينطبق عليه المثل الدارج "يا رايح كثّر من الملايح"، فقد تضمن خطابه الوداعي ادانة صارخة للتناقض الصارخ الذي اشرت اليه سابقا، بين مهام الامم المتحدة وبين عجزها عن القيام بهذه المهام، وقد انعكس ذلك فيما انعكس بالادانة الصارخة للعدوانية الاسرائيلية، ولجرائمها ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وادانة مبطنة للدعم الامريكي المنحاز الى جانب العدوانية الاسرائيلية، وعجز هيئة الشرعية الدولية عن رفع هذا الغبن وحل قضية الصراع حلا عادلا بسبب الموقف الامريكي المساند للعدوان. ففي خطابه الوداعي اكد انان ان القضية الفلسطينية، قضية النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني، هي القضية المحورية الاساسية للصراع المستمر في الشرق الاوسط والتي تعكس آثارها عالميا، فما قاله انان حرفيا " ان النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني يمثل واحدا من اهم التحديات الامنية التي تواجه المجتمع الدولي.... وان الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني يؤثر، اكثر من أي صراع آخر في العالم على مناطق كبيرة في العالم، وان جهود الامم المتحدة لحل مشاكل اخرى في العالم تتعطّل بسبب هذا الصراع". وعن جرائم المحتلين الاسرائيليين ومجازرهم قال انان:" ان العالم قد فوجئ بحجم القوة والعنف الذي تمارسه اسرائيل ضد الفلسطينيين، وتحاسب اسرائيل بمعايير لا تسري على الآخرين، وعدم تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي الذي يطالب بانهاء الاحتلال يشكل مسّا متواصلا بمكانة مجلس الامن. لا يوجد نزاع آخر يحمل هذا القدر من البعد الرمزي والعاطفي بين شعوب بعيدة عن ساحة المعركة مثل هذا النزاع". ويختتم انان اقواله في هذا السياق بتأكيده:" ان مجلس الامن الدولي طالما وقف عاجزا عن انهاء الصراع في الشرق الاوسط سيجعل احترام الامم المتحدة في طريقه للأفول وسيشكك بنزاهة المنظمة الدولية"! وواضح من مدلول كلام انان هذا ان العقبة الرئيسية في طريق حل وتسوية الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، تكمن في الرفض العدواني الاسرائيلي وفي الدعم الامريكي والتغطية له دبلوماسيا وسياسيا و امتشاق سلاح الفيتو الامريكي في مجلس الامن لحماية اسرائيل العدوان من أي تنديد او عقوبة و"تحريرها" من تنفيذ أي التزام دولي. وكأني بكوفي انان بخطابه الوداعي ينقل رسالة لمن سيجيء بعده مدلولها انه لا مفر من اصلاح الوضع في المنظمة الدولية، اصلاح بنيتها وآلية اتخاذ القرار في هيئاتها لتخليصها من براثن الهيمنة الامبريالية الامريكية حتى تستطيع القيام بدورها، وفقا لميثاقها، بصيانة حق الشعوب وبلدانها في الحرية والامن والاستقرار والسلام وكبح قوى العدوان على هذه الحقوق.
أشرنا في معالجة سابقة نشرت يوم الثلاثاء، من هذا الاسبوع حول نتائج مؤتمر قمة حركة دول عدم الانحياز، الذي انعقد في العاصمة الكوبية هافانا، ان الطابع الاساسي الذي رافق المؤتمر وتجسد في وثائقه ومقرراته هو رفض الهيمنة الامريكية واستراتيجيتها العدوانية كونيا اعتمادا على منطق القوة والبلطجة العربيدة، والمطالبة باجراء اصلاحات في بنية وآليات اتخاذ القرارات في المنظمة الدولية لتحريرها من طغيان وهيمنة القطب الامريكي الواحد. وقد جاء افتتاح الجمعية العمومية للامم المتحدة بعد ثلاثة ايام فقط من اختتام اعمال مؤتمر قمة حركة دول عدم الانحياز في هافانا. وكان اول المتحدثين بعد انان الامين العام للامم المتحدة، هو الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش، بصفته البلد المضيف الذي تعقد دورة الجمعية في دياره، وبشكل غير مباشر حاول بوش الرد على ما تمخض عنه مؤتمر قمة هافانا، الدفاع عن استراتيجية الهيمنة الامريكية كونيا تحت ستار "نشر الدمقرطية عالميا"، بواسطة القوة والبلطجة العدوانية الامريكية. فبشكل ديماغوغي وجّه بوش خطابه للشعوب، وكأن قلبه مقطوع حبا على مصالح هذه الشعوب. فمن ضمن من توجه اليهم في خطابه كان الشعب الايراني. فقضية الملف النووي الايراني من القضايا المركزية الاساسية المطروحة على اجندة الدورة الحالية للجمعية العمومية. وقمة حركة دول عدم الانحياز في هافانا اقرت حق ايران في الحصول على التكنولوجيا النووية واستخدامها للاغراض السلمية، وتبلور تحالف من كوبا وفنزويلا وايران وكوريا الشمالية يدعم حق أيران في تطوير برنامجها النووي للاغراض السلمية ورفض الاملاءات الامريكية لوقف هذا البرنامج.
ففي خطابه الديماغوغي وجه بوش كلامه الى الشعب الايراني مناشدا اياه قائلا " العقبة الكبرى امام هذا المستقبل هي ان حكامكم اختاروا ان يحرموكم من الحرية وان يستخدموا موارد امتكم في تمويل الارهاب وتأجيج التطرف والسعي لصنع اسلحة نووية"!! ان بوش يموّه ويكذب عينك عينك. فالحرية التي يريدها بوش للايرانيين يرفضها الشعب الايراني لانه يرى بأم عينيه مآسيها في العراق وافغانستان. فحرية الفوضى المخضّبة بدماء العراقيين ضحايا الوجود الاحتلالي الانجلوامريكي للعراق هي ما يوفره نمط الحرية الامريكية الاستعمارية. والقذائف هائلة قوة التدمير والقتل التي زودتها امريكا لاسرائيل في حربها العدوانية على لبنان احدى وسائل الحرية الامريكية لتحرير شعب لبنان من هويته الوطنية السيادية. فمن يمول الارهاب يا رئيس ادارة عولمة ارهاب الدولة المنظم، من يمول ارهاب الدولة الاسرائيلية المنظم الممارس بجرائمه ومجازره ضد الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة!
ثم ان المسؤولين الايرانيين، من الرئيس محمود احمدي نجاد وغيره قد اعلنوا مرارا ان برنامجهم النووي بما في ذلك عملية تخصيب اليورانيوم للاهداف السلمية خدمة لتنمية الاقتصاد الوطني، وانهم ضد تطوير سلاح نووي للاهداف العسكرية وان منشآتهم تحت اعين المراقبة الدولية. ولكن الادارة الامريكية تعمل على ان تبقى التكنولوجيا النووية حكرا على الدول الصناعية الكبرى المتطورة حتى تبقى احدى وسائل استغلال البلدان النامية. ولهذا تسعى الادارة الامريكية للتهديد بعضلات القوة لمنع ايران من تطوير برنامجها النووي، فيما تغض البصر عن اسرائيل، حليفها العدواني الاستراتيجي الذي يملك ترسانة نووية يرفض خضوعها للجنة مراقبة الطاقة النووية الدولية. وتسعى الادارة الامريكية بمختلف الوسائل لفرض املاءاتها على ايران لوقف تطوير برنامجها النووي. تهدد بفرض عقوبات على ايران من خلال مجلس الامن الدولي، ولكنها تلقى معارضة من روسيا والصين وحتى فرنسا، الذين يفضلون الخيار التفاوضي وعدم اقتناعهم بان ايران تستهدف انتاج قنابل ذرية. ومع اهتزاز الدعم الدولي لتطبيق اجراءات عقابية ضد ايران حاول بوش في خطابه امام الجمعية العمومية الادعاء بأن واشنطن تفضل حل النزاع مع ايران بالوسائل الدبلوماسية ما يسمح للاتحاد الاوروبي بمزيد من الوقت للسعي من اجل ايجاد صيغة لبدء المفاوضات! كما تحاول واشنطن بالتنسيق مع خادمها الاستراتيجي طوني بلير رئيس الحكومة البريطانية اقامة ائتلاف دولي خارج مجلس الامن يمارس الضغوطات على ايران بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها في حالة لم توقف تطوير برنامجها النووي. ويدخل في هذا السياق العمل لضم انظمة عربية واسلامية الى الائتلاف المعادي لايران. وانه لضم هذه الانظمة لا مفر من "ارضائها" لتسهيل عملية تبرير انضمامها امام شعوبها. وان تكون الترضية اعلان ادارة بوش عن إحياء خطة "خارطة الطريق"، تفعيل العملية السياسية التفاوضية الاسرائيلية- الفلسطينية من جديد ولكن من خلال رضوخ القيادة الفلسطينية للشروط الاملائية الاسرائيلية- الامريكية التي قدمتها رايس للرئيس الفلسطيني محمود عباس اثناء لقائهما يوم الثلاثاء الماضي، والتي مدلولها عرقلة وافشال اقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية بمشاركة "حماس" فيها. مناورة امريكية جديدة لا تهدف ابدا الى خدمة المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا بالحرية والاستقلال الوطني، بالدولة والقدس والعودة. وخداع الثعلب لا يعني ابدا انه تخلى عن طاقم انيابه المفترسة. وفشل الدعم الامريكي لاسرائيل في حسم الصراع عسكريا مع الفلسطينيين ومع المقاومة اللبنانية في الحرب العدوانية الاخيرة لم يردع المعتدين بعد، ولا نستبعد ان تلجأ ادارة بوش المنهارة اسهمها بين اوساط الرأي العام الامريكي والعالمي ان تقوم بمغامرة عسكرية جديدة، قد تكون ايران الهدف منها، كما ذكرت صحيفة "التايم" الاسبوعية يوم 18/9/2006 ، بتوجيه ضربات جوية عسكرية الى منشآتها النووية ، وقد تكون المناطق الفلسطينية المحتلة هدفا بالاطاحة عسكريا بما تبقى من مكونات السلطة الفلسطينية. وبالرغم من ذلك، فما نود تأكيده ان استراتيجية العدوان والهيمنة الامريكية- الاسرائيلية في أزمة، فما يختمر عالميا وداخل اروقة الامم المتحدة هو رفض الهيمنة الامريكية وبداية تبلور آليات هذا الرفض باقامة محاور وتحالفات تضامنية كالتحالف بين كوبا وفنزويلا وبوليفيا وايران وكوريا الشمالية ضد الهيمنة الامريكية. وتعزيز التحالف الفنزويلي- الايراني بالتنقيب عن النفط في اكبر مساحة تحتضن مخزونا من النفط في فنزويلا خارج شركات الاحتكارات الامريكية.
وبرأينا اذا استُغلت تناقضات المصالح بين محاور الامبريالية، بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي واليابان من جهة، وبين روسيا والصين من جهة اخرى، وبلورة اشكال من التحالف بين روسيا والصين والمناضلين ضد طابع العولمة الامبريالية الشرس، وضد استراتيجية الهيمنة الامبريالية الكونية، من منظمات وانظمة ضد العولمة، فعندئذ يصبح المناخ ملائما والظروف ملائمة للانتقال من مرحلة الاختمار المناهض للهيمنة الاحتكارية الامريكية الى خلق واقع دولي جديد، وطابع امم متحدة جديد، يضمن الحرية والامن والاستقلال والسلم لجميع الشعوب والبلدان، يضمن تطورها بشكل خلاق دون خوف او وجل، من طاغوت خارجي عدواني يتدخل بشكل فظّ في شؤونها الداخلية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز