الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب في الكتابة الماركسية

مصطفى الفاز

2022 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


عندما كتب فريدريك انجلز مقالين عن المغرب، الأول حمل عنوان " تقدم الحرب المغاربية" The Pregress of the Moorish war منتصف دجنبر 1859، والثاني "الحرب المغاربية" The Moorish war في 17 مارس 1860، ونشرا كافتتاحيات في مجلة New York Daily Tribune ، المقالين لم يتضمنا أية إشارة لنمط الانتاج السائد أو شكل الدولة المغرية أو هرم المخزن السلطاني أو الحياة الفكرية والثقافية...كل هذا منعدم فهل نقول لماذا أغفل انجلز هذه الجوانب المهمة؟ بل هل نصرح بأنه أغفلها رغم درايته بها؟
فخلافا للنصوص الماركسية الأولى التي تطرقت للأوضاع في الهند أو بلاد فارس أو الجزائر وما تتضمنه من تحليل عن المجتمعات الشرقية، اقتصرت النصوص الماركسية حول المغرب على تتبع مسار الحرب المعلنة من طرف اسبانيا ضد المغرب ( حرب تطوان 1859/1860) حيث أن مجمل الأفكار الواردة في المقالين تركز على تقدم العمليات العسكرية وعلى التنظيم والتكتيك العسكريين ونوعية الأسلحة المستعملة في الميدان وخاصة سلاح المدفعية.
وفي مقال آخر لروزا لكسمبورغ "السياسة العالمية: سياسة بورجوازية صغيرة أم سياسة بروليتارية" ركزت على التنافس الفرنسي الألماني حول المغرب، وانتقدت قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي وتقاعسها في فضح نتائج مؤتمر الجزيرة الخضراء حول المغرب. روزا لكسمبورغ كانت ترى أن هذا المؤتمر قد أجل استعمار المغرب بعض الوقت لكنه جعل من السلطان المغربي مجرد دمية في أيدي الأوربيين " مقابل شرعية القبائل الحاملة للسلاح في وجه التغلغل الاستعماري."
إن ماركس وانجلز ومن خلال تتبعهما للطفرة الاستعمارية في ظل نظام رأسمالي بلغ مرحلة الاحتكار على الأقل في بريطانيا و يواصل التمركز والتحديث في فرنسا عقب الثوراث البورجوازية 1848 وكلاهما في مرحلة البحث عن أسواق جديدة ومواد أولية لاستمرار الآلة الصناعية، اهتما أيضا بالغزو الاسباني لشمال المغرب ووقف انجلز باستغراب شديد عند بطىء عملية التقدم العسكري الاسباني في مناطق جبلية وعرة أعاقت تقدم سلاح المدفعية وقطعت الوحدات العسكرية عن خطوط التموين. فهذا الشكل من التنظيم العسكري لا يمثل دولة مركزية مستقرة يبحث رأسمالها عن الامتيازات الاقتصادية.
ورغم الانتصار الذي حققه الجيش الاسباني في المغرب فانه راجع حسب انجلز إلى تراجع المقاومة المغربية وتخليها عن حرب الاستنزاف وحرب العصابات وخوضها للحرب النظامية المباشرة الغير متكافئة. كتب ماركس في مراسلة تحت عنوان “الثورة الإسبانية” المنشورة سنة 1854: “ تلقت مدريد مساعدات ومواد غذائية، وتم توزيع منتجاتها فيما بين سكانها، وذهب بعضُ الناس إلى القصر الملكي وأجبروا الملك على الظهور على الشرفة وشجب نفسه أمام زمرة الملكة”، كان ماركس وايضا انجلز على علم بتأخر اسبانيا وكثرة انقلاباتها وعدم استقرار السلطة السياسية وحقيقة استغلال اسبانيا لهذه الحرب من أجل التغطية على الأزمات الاقتصادية الكبيرة وتغول المضاربات المالية وعدم قدرة البورجوازية الاسبانية التخلص من القيود الفيودالية المدعومة ملكيا.
تعمق الماركسيون بعد ذلك في هذه المقارنة داخل معاقل الرأسمالية/ أوربا الغربية، وخصوصا تأخر البورجوازية الاسبانية في احداث التراكم الراسمالي وامتلاك القدرات التقنية على التصنيع، ففي بحث فرناند بروديل " المتوسط والعالم المتوسطي" وقف على شكل انبثاق الامبراطورية الاسبانية وسط ( نهوض الحس الديني وعودة فكرة الصليبية) فاسبانيا كانت تحارب باسم الكنيسة الكاثوليكية وليس باسم طبقة بورجوازية موجهة لمؤسسات الدولة بدليل أنها لم تستطع استغلال عائدات الذهب والفضة القادمين من العالم الجديد لبناء أسس اقتصاد رأسمالي صناعي على أنقاض التراكم التجاري وتركت هذه المهمة للبورجوازيتين الهولندية والبريطانية.
بالنسبة للمغرب علينا أن نستحضر حدثين مهمين قبل الاجتياح الاسباني لمدينة تطوان، الأول هزيمة المغرب في معركة ايسلي 1848 أمام فرنسا والثاني المعاهدة التجارية المغربية البريطانية 1856.
الهزيمتين العسكرية والتجارية أبانتا عن عدم تغير شكل الدولة المغربية كمؤسسات ظل المخزن متربعا على هرمها مستفيدا من فترات استقرار السلطة السياسية المركزية والقدرة على التحكم في الطرق التجارية وتوجيه مهام امناء الموانئ ، لصالح بناء أو تعزيز جبهة التحالف المخزني/ القبلي بلبوس ايديلوجي ديني: امير المؤمنين..خليفة المسلمين، حسب الترتيبات الجيوسياسية ونوع العلاقة مع العثمانيين. فعنصري القبيلة والزاوية كان لهما الدور الابرز في ضعف أو قوة البناء الهرمي المخزني على أن القوة مرتبطة باغداق العطايا والاقتطاعات والامتيازات المادية والعينية دون أن تصل الى تقاسم السلطة، ويمكن في هذا الباب الاطلاع على دراسة مقارنة قيمة لمحمد جادور "مؤسسة المخزن في تاريخ المغرب" بين فترتي حكم احمد المنصور في العصر السعدي والسلطان اسماعيل في العصر العلوي، فترتين أظهرتا قوة البناء الهرمي المخزني وطرق عمل مؤسساته الادارية والعسكرية، لكن مع غياب أي نزوع نحو التحديث خارج التقليد والبناء الاجتماعي خارج التحكم المخزني.
فنحن أمام شكل الدولة القائمة على عنف السيطرة والقوة الأمنية والتكم كما يراها ماكس فيبر.
لقد قام المغرب في عهد احمد المنصور في القرن 16 بغزو بلاد السودان الغربي وأطاح بمملكة غانا ووصل إلى مصادر الذهب والرقيق والملح وأصبح سيد الطرق التجارية الصحراوية، لكنه فشل في تجاوز دور الوسيط التجاري كما فشلت اسبانيا في اعادة انتاج الثروة الرأسمالية ذات البعد الصناعي من الذهب الأمريكي، وكلا البلدين ظلا حبيسي جهازديني تقليدي صوفي مقاوم لكل أشكال المدنية والعقلانية. هكذا تكون فترات استقرار السلطة السياسية في المغرب مرتبطة بتشجيع الاقطاع والريع والامتيازات التجارية او الضريبية. فطيلة القرن 19 كانت الادارة المخزنية في المغرب تناهض التدخل الاجنبي بفرض ضرائب إما بتبني ( الخطاب الديني الشرعي أو الزكاة) أو خارج الخطاب الديني كضريبة الترتيب، علما أن الشعور الوطني كما عبر عنه ألبير عياش ظل حاضرا في وجدان المغاربة كلما هبوا للدفاع عن الثغور.
في كتاب شيق للباحث المرحوم ادريس بن علي Le Maroc precapitaliste نقف على حقيقة أن انهيار البناء السوسيواقتصادي لمغرب القرن 19 حتمي بالنظر الى امتلاك الغرب لاسباب المدنية والتقدم العلمي والتقني والتحكم في وسائل التجارة والثورة الفكرية مقابل تخلف الجانب المغربي عن التحديث والمدنية وتقوية الزراعة ومعالجة الوضعية العقارية للأراضي الفلاحية، وهو الوضع الذي ظل معه المغرب حبيس الفترة الدنيا من القرون الوسطى.
ليس المطلوب من النصوص الماركسية أن تتحول الى عقيدة وتقدم اجابات صالحة لكل القضايا، كما أنه من العبث البحث في تاريخ المغرب عن نفس مسار المراحل التاريخية الذي تبنته الماركسية، ولكن مهم جدا التفاعل مع هذه النصوص لأنها تساعد على فهم الحدث التاريخي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -