الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان الجاحظ مثليا؟

ياسين سليماني

2022 / 8 / 1
الادب والفن


وما لنا وللجاحظ إن كان مثليا أم مغايرا؟ أو كان يملك أيرا أو فتحة مجهرية لا تكاد تصلح حتى للبول؟ فإنما ينشغل بهذا السفهاء والتافهون، ومتتبعو عورات الناس ومثالبهم، أو المتشدّقون بالفضيلة وهي بعيدة عنهم كما باعدت الأرض بين مشارقها ومغاربها، لكنّ السؤال سيتجه قبَل موقف الرجل من هذا الموضوع، وفي هذا اختلاف كبير عن المنحى الأوّل، إذ أنّ موقف شخصية كبيرة مثل الجاحظ له قيمته وجدارته المعرفية، وهو يقول لفظا: "وبعض من يظهر النُسك والتقشف إذا ذُكر الحر (بكسر الحاء) والأير والنيك تقزز وانقبض. وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجل ليس معه من المعرفة والكرم، والنبل والوقار، إلا بقدر هذا التصنع" ويرى في الحديث عن مثل هذه التيمات أهمية وقيمة ويسوّغ لهذا بقوله "ولو كان الرأي ألا يُلفظ بها (...) كان في التحريم والصون للغة العرب أن تُرفع هذه الأسماء والألفاظ منها"، أي أنّ إبقاء العرب على هذه الأحاديث والألفاظ الصريحة في خطاباتهم وقصصهم ومروياتهم دليل على المساحة الفعّالة التي كانت تأخذها عندهم.
والجاحظ في بداية حديثه في "رسالة مفاخرة الجواري والغلمان" يذهب للقول بأنّ "من فضل الغلام على الجارية أنّ الجارية إذا وُصفت بكمال الحُسن قيل: كأنها غلام، ووصيفة غلامية" بل هو يذكّر بقول القرآن نفسه: "يطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون" كما قال: "يطوف عليهم ولدان مخلّدون، بأكواب وأباريق" ثمّ أتبع إيراد الآيتين بقوله معلّقا :"فوصفهم في غير موضع من كتابه وشوّق إليهم أولياءه. وغنيّ عن البيان أن في مجمع أئمة البيان يأتي اسم الجاحظ في مقدمة المقدمات بما لا يدع مجالا للشك، وهو عندما يعبّر عن تشويق الله للمؤمنين به يبيّن أنّ أمرَ الغلبان مستحبّ مثير للرغبة ولنزوع النفس نحوه وإلاّ لما جعله مكرمة لهم كما جعل لهم الخمر والعسل والكثير من المُتع.
• الجرائم ضد المثليين عند الخلفاء:
يُنظر للمثليين بتحقير في الثقافة الإسلامية الرسمية، أي تلك التي يتبناها المفسرون والفقهاء والأئمة والمُفتون، ويذكر التاريخ أنّ عليا بن أبي طالب أُوتي بمثليّ (يقول الجاحظ لوطيّ) فأُصعد المئذنةَ ثم رُمي منكّسا على رأسه، وقال: هكذا يُرمى به في نار جهنم. (مع أنّ القرآن ليس فيه ما يبيّن هذه العقوبة تماما)
وحُدّث عن أبي بكر أنه أوتي بلوطي (بتعبيره) فعرقب عليه حائطا، وكذلك "حديث أبي بكر أنّ خالد بن الوليد كتب إليه في قوم لاطوا فأمر بإحراقهم"، ولا ندري كيف يمكن لخليفة أن يرعى شؤون البلاد والعباد (في السنتين التين كان فيهما خليفة) والتمدد الذي تقوم به دولته للبلاد المجاورة والجيش، وما أسماه بحروب الردة، والمشكلات المتكاثرة التي لم تكن تهدأ، ثم ينتبه لعرقبة حائط على مثليٍّ، ثم ما يكذّب هذه الحكاية أكثر مما يحمل على تصديقها أنّنا إذا ماثلنا بين الممارسة المثلية وممارسة المرأة للعلاقات الجسدية خارج إطار الزواج نجد أنّ ما سمى الشريعة طالبت لإقامة (حد الزنا) أن يتم إثبات الواقعة على أحد الوجهين: إقرار الرجل أو المرأة بفعل الزنى وهو الاعتراف بالزنا (وهذا من المحال)، أو شهادة أربعة رجال عُدول ثقات يشهدون بأنهم رأوا دخول القضيب بالفرج رأي العين، بلا لبس أو تدليس، ووضع هذان الشرطان التعجيزيان حتى لا يُرمى الناس بالباطل وحتى لا يعاقب الناس على غير أساس، فأيّ أساس اعتمد عليه أبو بكر أو علي؟
وإذا اعتبرنا أن الممارسة الجسدية بين الذكرين محرّمة في الإسلام فلن تكون كحرمة الارتداد عن الدين (كما يرى قطاع واسع من الفقهاء) والتي يتم فيها الاستتابة أولا وليس القتل المباشر. فهل يمكن التعويل على أن حاكما يغلّظ عقوبة على مثليّ ويجعل ممارسته الجسدية مساوية للارتداد عن الدين الذي يُسبق واقعيا بإجراءات عديدة قبل تنفيذ الحكم؟
ثم يظهر من الأخبار الثلاثة أنّ المثليّ مهدور الحقوق (وحقوق الإنسان كمصطلح وكممارسة لا يمكن أن يكون لها قيمة في تلك الفترة) وهو اذا اعتبرنا أنه مذنب، فأيّ ذنب هذا الذي لا تُعرف له عقوبة محددة؟ فمرة إحراق ومرّة رمي من الأعلى ومرّة يتم هدم جدار عليه، والأخيرة لا نعلم ما يشبهها فيما قرأنا إلاّ ما فعله أهل عم النبي وهو عبد العزى بن عبد المطلب المسمى في القرآن بأبي لهب، والذي عندما مرض وانتشر في جسده الخُبث ولم يجد علاجا حتى توفي لم يستطيعوا الاقتراب منه لخبث رائحته فتم هدم جدار عليه ودفن حيث هو، كما تروي السير. والمماثلة بين الفعلين لا تستقيم.
يأتي الجاحظ في الرسالة على ذكر بعض الأشعار الهازلة التي تتغنى بالغلام وخاصة الأمرد، وتكثر من مدحه، وتعلي من قيمته وفي ذلك ينبّه: "فأمّا الأدباء والظرفاء فقد قالوا في الغلمان فأحسنوا، ووصفوهم فأجادوا، وقدّموهم على الجواري، في الجدّ منهم والهزل. ومن ذلك قول الشاعر: "فديتك إنمّا اخترناك عَمْداً /لأنك لا تحيض ولا تبيضُ" كما قال آخر يصف غلاما: "شبيهٌ بالقضيب وبالكثيب/غريبُ الحسن في قدٍّ غريبِّ. براه الله بدراً فوق غصنٍ/ونيط بحقوه دعص الكثيبِّ. أغنُّ تولَّدُ الشَّهوات منه/ فما تعدوه أهواء القلوبِّ. وما اكتحلت به عينٌ ففاتت/ مسلَّمة الضَّمير من الذُّنوبِّ. ثم يذكر بعضا من الشعر الذي يذكر الممارسة الجسدية بشكل حرفي لا لبس فيه: مثل: وعلى اللُّواط فلا تلُمنْ كاتبا/ إنّ اللّواطِّ سجيَّةٌ في الكاتبِّ. ولقد يتُوب من المحارم كلٍّها/وعن الخُصى ما عاش ليس بتائبِّ.
وما يُنسب لأبي نواس من أحاديث كثيرة على عهد هارون الرشد كما يذكر الجاحظ، من ذلك قوله: "من يكن يعشق النساء فإني/مولع القلب بالغلام الظريف" حتى أنه قيل بأنه أُجبر على الزواج، فلما اختلى بامرأته فرّ منها إلى غلمان كانوا يأتونه، ثم عاد للمرأة فطلقها وقال شعرا، منه البيت المذكور.
هل كان هارون الرشيد -الذي تُروى عنه الحكاية الشهيرة مع أبي نواس نفسه عندما وجده يحمل زجاجة خمر- غير عارف بما يُشتهر عن أبي نواس من محبته للغلمان؟ فكيف لم يعاقبه على هذا؟ أم أنّ أبا بكر كان أهنأ بالا وأفسح وقتا وأشد اهتمام بالسفاسف من الرشيد؟
والجاحظ نفسه بعد إيراده لطائفة كبيرة من الشواهد الشعرية والأخبار في العلاقات بين المثليين، ينبّه إلى ضعف رأي من يقول بأنه يحسّن ما قبّحه القرآن، كأن يقول القائل: "وقد علمتَ ما قال الله تبارك وتعالى في قوم لوطٍ، وما عجَّل لهم من الخزي والقذف بالحجارة، إلى ما أعدَّ لهم من العذاب الأليم. فمن أسوأُ حالاً ممن مدح ما ذمَّه الله، وحسَّن ما قبَّح!" ويردّ على هذا ردا في غاية القوة والجدارة الفكرية : "وأمّا احتجاجُك علينا بالقرآن والآثار والفقهاء، فقد قرأنا مثل ما قرأت، وسمعْنا من الآثار مثل ما سمعت" وهو في هذه الرسالة يأتي بشواهد قرآنية وآثار وقصص تراثية، والدليل بالدليل والشاهد بالشاهد.
وجوابا عن سؤال العنوان، لا يهم إن كان الجاحظ مثليا، وهو سؤال غير مُنتج ولا قيمة معرفية له، ولكنه في حديثه عن المثليين وضع أمام قارئه حياة واسعة من التنوّع والاختلاف، حيث يقول الشاعر ويبيّن نزوعه الجنسي تجاه الجنس المثيل دون أن يخاف عقابا مجتمعيا ولا قضائيا، ولم يخشَ الجاحظ أن يورد هذا مع أنّه كان إماما من أئمة البيان، وحجّة في الفهم، ولا يُشكّ في معرفته المتبحرة في القرآن والدين وقد كان يُنسب للمعتزلة وهم فلاسفة دين بامتياز، إلاّ إذا جاء بعض السفهاء فقالوا في الجاحظ ما يُقال في آحاد الناس وصغارهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميع الاثار المروية
احمد علي الجندي ( 2023 / 4 / 25 - 04:48 )
جميع الاثار المروية في قتل الشاذين لا تثبت
الا اثر ابن العباس وهو صحيح ولكنه لم يطبق
-
أخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق (ص207) والبيهقي في شعب الأيمان (ج7/ص284) من طريق أحمد بن منصور الرمادي وأبو عروبة الحراني في الأوائل (ص132) من طريق سلمة بن شبيب وإبراهيم الدبري كما في مصنف عبد الرزاق ط التأصيل (ج10/ص280) ثلاثتهم عن عبد الرزاق، أنبا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: أول ما اتهم بالأمر القبيح يعني عمل قوم لوط، على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اتهم به رجل، فأمر عمر شباب قريش أن لا يجالسوه.


2 - الجاحظ كشاهد على التاريخ وناقد اجتماعي
احمد علي الجندي ( 2023 / 4 / 25 - 04:50 )
ولو اردت ان اجلس عند احد شيوخ الاسلام لاخترت الجاحظ
هو رجل اكاديمي بارع
ذكي جدا
ومثقف
وفي كل فن عنده علم
ويجيد المزاح
!
وهو ناقد اجتماعي اذ يقول
-
يقول الجاحظ: بلغنا عن عقبة الأزدي أنه أتي بجارية قد جنت في الليلة التي أراد أهلها أن يدخلوهـا إلى زوجها، فعزم عليها، فإذا هي قد سقطت. فقال لأهلها: «أخلو بي بها». فقال لها: «أصدقيني عن نفسك وعلي خلاصـك». فقالت: «إنه قد كان لي صديق! وأنا في بيت أهلي. وإنهم أرادوا أن يدخلوا بي على زوجي، ولست ببكر. فخفت الفضيحـة. فهل عنك من حيلة في أمري؟». فقال: «نعـم». ثم خرج إلي أهلها، فقال: «إن الجني قد أجابني إلى الخروج منها، فاختاروا من أي عضو تحبون أن أخرجه من أعضائها. واعلموا أن العضو الذي يخرج منه الجن، لا بد وأن يهلك ويفسد. فإن خرج من عينها عميت، وإن خرج من أذنها صُمت، وإن خرج من فمها خرست، وإن خرج من يدها شلت، وإن خرج من رجلها عرجت، وإن خرج من فرجها ذهبت عذرتـها». فقال أهلها: «ما نجد شيئاً أهون من ذهاب عذرتـها». فأخرج الشيطان من فرجها، فأوهمهم أنه فعل، ودخلت المرأة على زوجها. اهـ.

-
او يعلم ما ينقل

اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال