الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المسارح والمديرين..ولبس الشورت

محسن الميرغني
كاتب وناقد أكاديمي

(Mohsen Elmirghany)

2022 / 8 / 1
الادب والفن


كتب: محسن الميرغني-
-1-
ينص الدستور المصري المعدل في عام 2019م في فصله الثالث من الباب الثاني. المقومات الأساسية للمجتمع: تحت عنوان المقومات الثقافية مادة رقم48 على:

"الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك. وتولي اهتماماً خاصاً بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجاً".

كما تنص المادة 53 من الباب الثالث: الحقوق والحريات والواجبات العامة على:

"المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الإجتماعى، أو الإنتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر.
التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون
تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض."

في مصر يتعامل مسئولون حكوميون مع مناصبهم باعتبارها منح خاصة بهم ولهم، عطايا وإغداقات من جهات عليا على أشخاصهم لذاتها، ليست وظائف عامة يتم تدوالها بين البشر من أجل تحقيق هدف محدد، وهو تسيير العمل وخدمة الناس مع الحفاظ على حقوقهم وحرياتهم.
كل مدير بيروقراطي عتيد في موقعه الحكومي، يتصور ويقنع نفسه ألا حقوق للناس عليه، وأن تصوراته عن العالم والبشرهي وحدها الصواب فقط، وماغيرها من أفكار وآراء واختلافات في الرأي والتصور، ليست سوى عدم فهم، أو سوء فهم، أو محاولات تخريب وإشاعة فوضى. وينسى هؤلاء الموظفون الحكوميون تماما، أن مدة جلوسهم في أماكنهم طالت أو قصرت ستنتهي يوما ما، بعد بضع سنوات أو عقود طالت أم قصرت، وأنهم سيصبحون مجرد رقم في سجلات المعاشات الحكومية، وأنهم بلا عمل جاد وهدف حقيقي يهتم بالناس ويخدمهم دون رياء، لن يكون لهم وجود، وهذا من باب" إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث..".
-2-
على صفحة الفيس بوك الرسمية لمسرح الطليعة التابع للبيت الفني للمسرح التابع لوزارة الثقافة المصرية، قرأت إعلانا ترويجيا لمسرحية "الحب في زمن الكوليرا" من إخراج الفنان المبدع القديرالسعيد منسي. لكن بين سطور الإعلان استوقفني سطر غريب:
"يرجى عدم الحضور بملابس لا تليق بالمسرح "كالشورت"".

في البداية نفرت عيني من الصيغة المستخدمة في الإعلان أصلا، وهي جملة "يرجى عدم الحضور.." وقلت لنفسي الأصح أن يكتب "الرجاء الحضور بكذا او كذا" مثلا..فهي صيغة تجذب القاريء والمتفرج المحتمل، ولا تنفر أو ترفض حضور الجمهور الذي من المفترض أنه الفئة المستهدفة لهذا الإعلان، ثم فوجئت بالشق الثاني الأغرب والأكثر طرافة وعبثية من الجملة الأولى من هذا السطر وهي "..بملابس لا تليق بالمسرح "كالشورت".

واستغربت جدا من الفكرة، ثم ضحكت في سري طبعا لكي لا يسمعني الناس، وقلت لنفسي هامسا: مسرح..؟ طليعه..؟ شورت..؟! ألا يفترض في مسرح الطليعه أن يكون طليعيا؟ أي أنه يهدف لطرح الأفكار الطليعية وترويجها في عروضه، بأن يقتحم المساحات الجديدة لأفكار غير مطروقه، من أجل تجديد دماء الفن المسرحي؟ كيف لهكذا كيان عريق أن يفرض "دريس كود"؟! هل توجد ملابس لا تليق بالمسرح وملابس أخرى تليق؟، يعني هل لبس زي محدد كالبدلة أو الشورت في المسرح، سيؤثر على استيعابي كمتفرج للعرض المسرحي واستمتاعي به؟، أم هل هي تقليعه جديدة للتشبه بالأوبرا، في الالتزام بشروط معينة للزي لخلق نوع من المهابة والاحترام الإجباري – بمفهوم متخذي القرار- على حضرة المتفرج؟ طيب وماعلاقة الطليعة بالأوبرا؟ ذلك الفن المغرق في الكلاسيكية، بحكم لغته وطبيعة تراكيبه الموسيقية وتاريخه الطويل من النخبوية- وكيف يستوى أصلا مفهوم الطليعه والمنع..أو القيود..؟ من أين جاءت فكرة ال"دريس كود"dress code هذه لمؤسسة تقبع في قلب القاهرة الشعبية الآن؟ وما أهميتها؟

على موقع ويكيبيديا المعروف لأطفال السنة الرابعة بالمرحلة الابتدائية، يوجد تعريف بسيط لمفهوم شروط الزي ال dress code باعتباره" مجموعة من القواعد، مكتوبة في كثير من الأحيان، فيما يتعلق بالملابس التي يجب أن يرتديها مجموعة من الناس، يتم إنشاء قوانين الملابس من التصورات والمعايير الاجتماعية، وتختلف على أساس الغرض والظرف والمناسبات". وال"دريس كود" أو شروط الزي تعتبر مؤشرات رمزية لأفكار اجتماعية مختلفة، تعبر عن الطبقة الاجتماعية والهوية الثقافية والموقف تجاه الراحه والتقاليد والانتماءات السياسية او الدينية، وهو ما يسمح للأفراد بقراءة سلوك الآخرين على أنه جيد أو سيء من خلال الطريقة التي يعبرون بها عن أنفسهم باختيارهم للملابس".
غالبا وبحسب بعض المقالات المنشورة أون لاين، تعبير إنجليزي يشير لمجموعة من قواعد تتعلق بارتداء ملابس محددة في مناسبات أوأحداث أو أعمال، ومجالات عمل يقتضي منك الظهور بشكل مناسب في لحظات مع أناس وثقافات ومجتمعات مختلفة، لتحقيق قدر من التناغم والانسجام بين المدعوين لأي مناسبة أو احتفالية.

إذن تفرض شروط الزي في مناسبات بعينها وعلى أناس تقوم الجهات المقررة لشروط الزي بدعوتهم، لا جمهور عام يخضع لفكرة العرض والطلب في تعامله مع عمل فني يدفع هو تذكرته.
أنا أفهم أن يفرض مدير مؤسسة ما شروطا للزي على العاملين لديه من موظفي المؤسسة، أما أن يتم فرض شرط للزي على الجمهور، بغرض تربيته وتهذيبه كما يتصورالأفاضل أصحاب هذا الرأي، فلا أظن أنه رأي يصب في خدمة الهدف الذي أنشئت من أجله المؤسسة أساسا، وهو التسلية والترفيه عن الناس في بر مصر بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية والثقافية، وأغلب الظن أنها تصورات ومعتقدات نفسية وأخلاقية لدى القائمين على الأمر، أومن ينوبون عنهم في قيادة المناصب الإدارية والحكومية، بأهمية أن يكون الناس محترمون، وأن الاحترام في رأيهم يقتضي عدم لبس الشورت، أو أن الاحترام مرتبط بكل ما يداري العورة كالبنطلون أو الجلباب.

فكرة ال"دريس كود" ليست فكرة حديثة، لكنها في رأيي المتواضع فكرة فصل عنصري"آبارتهايد"، ترسخ لمفهوم التحيز والانغلاق على فئة بعينها، وتشرعن عدم الانفتاح على العالم والآخر المختلف بحجة المعايير الأخلاقية أو العقائدية لمنشيء الشرط، وتفترض في أن الشكل الظاهري أهم من المضمون الداخلي أو الجوهر، وفيها تعارض تام مع " إن الله لا ينظر إلى صوركم ووجوهكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، والكارثة في هذا الأمر هي استثناء أناس لهم اختيارات وقناعات اجتماعية معينة، من دخول منشأة عامة، بمنطق الوصاية على اختياراتهم في الزي، على الرغم من أن هذه المؤسسة مفتوحة لاستقبال الناس جميعا دون فوارق. والأهم أنها مفتوحة أصلا بناءا على دفع هؤلاء الناس لتذكرة دخولهم للمكان.

هذا التمييز على أساس الزي حالة تحيز لا دستورية قديمة/ جديدة، ترسخ لمفاهيم التفرقة والتمييز السلبي تجاه الناس بناءا على ملابسهم، ألا يفترض بالمسرح أن يكون ساحة للتحرر؟! أليس المسرح مساحة للاختلاف؟. ثم ما القول في سيدة او فتاة أرادت لبس جيب قصير أو جيب شورت وأتت به لدخول المسرح؟ ألا يعد هذا نوعا من القهر الضمني للمرأة في ضوء هذا القرار؟!

هل المسألة جد خطيرة لهذه الدرجة، بحيث تحتاج للتوضيح والتأكيد من إدارة المسرح على ضرورة عدم الحضور بالشورت، أم هل هناك مشكلة نفسية لدى الأفاضل القائمين على إدارة فرقة مسرح الطليعة مع الشورت؟ هل هي معضلة أخلاقية بحته، يرى فيها أصحاب هذا الشرط العجيب تعبيرا عن فهمهم الخاص، لطبيعة الزي اللائق بالمسرح، طيب إذا وسعنا دائرة المنع لأزياء وملابس بعينها، ألا يقتضي منا هذا وضع قائمة باللائق وغير اللائق؟ وبالتالي يمكنني أن أسمح بقبول شخص فاسد أو مجرم أو قاتل بدخول المكان، إذا التزم بالدريس كود الذي أراه مناسبا ولائقا، بينما لا أسمح بدخول شخص سوي أو سليم أو موهوب ومتعطش للفن، لا لشيء إلا لأنه لا يرتدي الزي المناسب من وجهة نظري كمدير أو مسئول حكومي عن مكان. لدي في الحديث عن هذا الأمر كلام كثير، لكن ربما هذا الكلام كله لن يجدي مع وجود البيروقراطي الحكومي العتيد، القابع وراء المكتب الحكومي والذي يرى في نفسه ورأيه دوما أنه الصواب، ومن ثم لا أملك من أمري إلا كلماتي هذه، وأن أقول كما تعلمت من شيخنا الراحل فاروق عبدالقادر "كيفما تكونوا، يكون مسرحكم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب