الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاتبٌ إنسان من كتابي (شطحات وذكريات) - محمد اسماعيل

محمد اسماعيل

2022 / 8 / 1
الادب والفن


هنا، حيث الليل الكئيب ككل مرة، حيث وحدتي بين الجدران التي تسيل منها هدأة الكون، كل البيوت نائمة جدرانها عدا بيت مضيء هناك على مرمى البصر، فيه سهر وسمر، أغلقوا الباب دون الخَلق ليحفظوا أسرارهم، وأغلقوا نوافذهم كي يستمر لهب شموعهم بلا انطفاء، هناك في البيت تقيم حبيبة كانت، ولكنها خانت، وليتها مع ذلك هانت..!
الظلام يشرد بي بخيالاته أمام عيني كأشباح، ونقيق ضفادع الحقول تصيبني بوحشة مع نباح كلاب السكك، وأنا منغمس في النظر والتأمل، تجهش بعيني دموع الذكريات، وتتقافز صور المواقف لتتجسد بعقلي المستبد، لا يقطعه شيء حيث السكون المطلق والركود، والروح تندب مثل ثكلى، أغلقتُ نافذتي المطلة على الجحيم وعدتُ لسريري، كان قلبي حزينا يئن من استعراض عقلي أمامه لعالم الذكريات، أدخل في عالم الفكر والأحلام والعواطف مدفوعا من ظهري، تحت سلطة السَجْو والسُهوم ، كان بجواري كتاب أدبي لم أقرأه منذ اشتريته ولم أحركه من مكانه، في ذلك الوقت مددت يدي وأخذت أتصفح فيه لكسر الملل، صفحة، ثانية، ثالثة وأنا أشعر بالضجر، سيرة الكاتب، مقدمة مليئة بكلمات مستفزة بلا سبب، ثناءات بعضهم على الكاتب، كدت أن أرميه بعيدا، لكن في الرابعة برز عنوان أمامي (كاتب إنسان).
أخذت أقرأ النص، في البداية كنت أكتشف أو أجرب، ثم تحولتُ لمتلذذ بنَهم، لقد سحرتني العبارات وصورها البديعة، وجعلت أعيش وسط الصور الموصوفة من خيال الكاتب، وما جعلني أمعن في القراءة أكثر أنني استطعت الهرب من سجن كل ليلة، وكأنني الليلة عُفيت من مبيت السجن لأخرج لنزهة ما، ولمدة ساعتين في القراءة تنقلت بين النصوص مشدوها بجمال أسلوب الكاتب، كأنها صلاة ملأتها نشوة روحية، خلعتُ بها عني رداء الواقع لأدخل فقاعة من خيال بديع، حتى أتيت نصا وجدت الكاتب فيه ينبش برفق في عمق نفسي ويمد يده أمام عيني ليريني دخيلتي، وبدهشة قلت:

ما أعمق تلك النفس وأغربها! ، ويالقدرة أولئك الكتاب على تسليتنا بعملية خطف مباح للخيال واللغة، فنعود وقد أضاءوا في نفوسنا مناطق أطفأتها الوقائع الحية!.

لقد كنت شخصية داخل ذلك القطار في إحدى نصوص الكاتب، أتمتع من وراء النافذة بمشاهد الطبيعة المحيطة، ثم كأن شيئا من سحر نقلني لأكون طفلا بين أولئك الأطفال الذين يقفزون في النهر من أعلى الكوبري، في نفس الوقت أتفرج عليهم من نافذة القطار المنطلق كقذيفة تطقطق على القضبان وتتأرجح بي لأعلى في نشوة عارمة، عرفتُ أن القراءة تأشيرة سفر وسياحة، تفرح اللب وتجذل الروح المنهكة، وتمهد الطريق لسيلان الدم في العروق، وتداعب النفس وتفاكهها وتواسيها، وتمنح العقل إشارات تثقيفية ومعارف لينضج مرة تلو أخرى...، ومن خلال إحدى النصوص أيها السادة، وهذا أعجب شيء بالنسبة لي، تعلمتُ كيف أنسى أو أتناسى حبيبة خذلتني وأخذت تلهو مع آخر بحجة أنه تزوجها، هذا شيء سخيف في قانون الأنسانية بالنسبة لي، لا يهم، كل هذا بعدما كنت أسير حزن قاتل، إن ذلك الكاتب مد يده نحوي لينقذني من واقعي بعض الوقت، لأعرف من خلاله أن هناك بالحياة جمال يستحق الاهتمام، وأن وسط هذا الظلام المادي هناك نور نفسي أعلى وأحق، يشع من شمس داخلية في نفسِ من أراد الحياة، كان الكاتب وسط المخاطر يمهد لي ممرا آمنا لأعبر الطريق، بينما أخالني كعجوز عمياء وسط الطريق يوشك أن تؤذَى، حقا إنه كاتب إنسان، شكرا له، وقررت من الغد أن سوف أبحث عن كتاباته كلها، يجب أن اذهب معه كل ليلة حيث أراد، فثمة أماكن لم أزرها، ومزارات لم أكتشفها، وعوالم أخرى كانت غائبة عني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??