الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق العراق.. بالچلفي

محمد سيف المفتي

2022 / 8 / 1
كتابات ساخرة


رمى الجندي عبدالرحمن اخيرا جسده على مقعد اصطاده بسرعة في الصف الرابع خلف سائق في الباص المتجه من بغداد الى الموصل بعد سباق وتدافع لا رحمة فيه بين الركاب للحصول على مقعد في هذا الباص الذي توقف في كراج الباصات بعد طول انتظار.
امتلأ الباص بالركاب بسرعة كبيرة ونهض رجل يرتدي دشداشة مع غترة بيضاء وعقال فخورا باعلانه " قبَّط الباص" وموضحا أنه صاحب الباص، واشار الى شخصين واقفين، طالبا منهم الخروج من الباص. نزل الراكبين شاعرين بالخسارة الفادحة في جولة لعبة الكراسي.
وصاح الاعرابي - يا الله يا أحمد حرِّك.
اعتدل السائق الشاب الاسمر ذو الشعر المجعد واجابه - ده انت تأمر يا ابو فيصل.
ادرك الجميع من لهجته انه مصري الجنسية.
انتفض الباص وقفز قفزتين متلاحقتين هزت اجساد الركاب الذين انفتحت عيونهم متخوفين من هذه الانطلاقة المربكة.
صاح ابو فيصل الذي كاد ان يسقط - يا ول احمد على مهلك شبيك؟
- ما فيش يا باشا، متألأش.
انطلق احمد متوكلا على الله ورافعا صوته " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له…" صوت الصدمة اخرسه ، صدم سيارة لادا عند باب الكراج..
صاح ابو فيصل " لا يا حمار على هل طرگاعة." ونزل معتذرا من السائق ودفع له مبلغا لإرضائه وعاد الى الباص ليواجه ثورة الركاب الصارخين " عمي راجعين من الجبهة، ما متنا بالحرب تريدنا نموت بالباص" بعد نقاش طويل اعلن ابو فيصل للجميع مطمئناً انه هو شخصيا سيسوق الباص. رفع غترة رأسه من الجانبين ووضعها فوق رأسه وكأنه يفسح المجال لأذنيه ليسمعا بشكل أفضل، نهض احمد ووقف مطأطأ رأسه وجلس في مقعد ابو فيصل الذي كان بجانب عبدالرحمن..
ما ان جلس حتى قال له عبدالرحمن " احسن لك ، الطريق طويل "
قاطعه احمد قائلا: " والله يا اخي انا سائق محترف" اقترب من عبدالرحمن وقال هامسا " يا افندم ابو فيصل لا يملك اجازة سوق ولا يجيد القيادة" صمت عبدالرحمن وانتبه ان ابو فيصل يسوق ببطأ في الشوارع الداخلية ، بطأ مبالغ فيه، فكانت مزامير السيارات حول الباص لا تتوقف وكأن الباص سيارة العرس.
بعد ان اجتاز ابو فيصل بوابة بغداد ركب الخط الوسطي فكلما جاءت سيارة مواجهة يغمض الركاب عيونهم حتى تنزل السيارة على الترابي مع زمور لا يتوقف فيباركون لبعضهم على السلامة، بينما أبو فيصل مستمتع بسياقته وهو يسمع سعد الحلي يغني " ليلة ويوم"
صرخ شاب جالس في الصف الثاني قائلا " يا عمي خليني انا اسوق، شنو هل اليوم ، انا سائق تريلة وسائق في الجيش"
كلماته اغضبت ابو فيصل فأجابه " زرع البارحة حوش اليوم، تعلمني السياقة"
علق البعض" يمكن تعبان انت اليوم.". صاح بهم " لا! ما تعبان.. واحد مثلكم تعبان"
شعر احمد بالقلق فقال لعبدالرحمن "والله راح يعمل مصيبة"
يقول عبدالرحمن تأزم الوضع عندما تحول الطريق الى خط واحد، فكلما جاءت سيارة كبيرة او شاحنة امامنا ينتفض الركاب من المقاعد الامامية راكضين الى الخلف صارخين " يا يابا " " يا ستار" وبعد ان تكرر الركض ذهابا وإيابا وكأنهم في بين الصفا والمروة جلس بعضهم على ارضية الباص وبدأ احدهم بغناء الفراگيات، وبكى بعض الركاب مدعين انهم تذكروا من رحلوا ولم يعترفوا ان سبب بكاءهم هو الخوف على حياتهم.
يقول عبدالرحمن فجأة سمعنا صوت منبه سيارة لم ينقطع وابو فيصل متمسك بموقعه في منتصف الشارع لا يفسح المجال لأحد ، فجأة اجتازتنا سيارة ماليبو كانت تمنح في ذلك الزمان للضباط وبقي على الترابي لمسافة وقذفت عجلاته الكثير من الحجارة علينا، أمر اغضب ابو فيصل فعزف بمنبه الباص سباب متعارف عليه، بدأها " بگواد سرسري" وغيرها ولم يتوقف عن التقسيم.
توقفت السيارة الماليبو في منتصف الشارع أمام الباص مما أضطر أبو فيصل للتوقف ونزل ضابط وبيده رشاشة.. يقول عبدالرحمن كنت من اول من نزل للحديث معه قائلا " صلي على النبي! اخي لا تستعجل، بالله انت البطل الوحيد الذي تمكن من اجتيازنا" أجابه الضابط وللآخرين " اريد السائق، ما عندي شيء معاكم .. أريد السائق " بينما ابو فيصل صار واحد من الركاب وجلس في نهاية الباص.
يقول عبدالرحمن بعد شرحت وضع الركاب الراكضين في الممرات ضحك وتركنا في حيرة كيف سنكمل الطريق.
يقول عبدالرحمن عندما عدنا طلب الركاب من الشاب العسكري ان يسوق وصمت ابو فيصل امام اصرارهم فانطلق انطلاقة رائعة حتى وصلنا مدخل الموصل.
كنا نجتاز شاحنة ولا نعرف ماذا حدث الا انه فجأة احتضنت مرآة الباص الجانبية مرآة الشاحنة.. فضرب ابو فيصل على رأسه، والتصق الباص بالشاحنة كتوأم سيامي، صرخ أبو فيصل وهو يلطم رأسه " هجمت بيتي .. گامت صفحة الباص" وارتطمنا ببعضنا عدة مرات، والركاب يصرخون والله راح نموت وفجأة انفصلنا عن بعضنا فجلس الركاب منهكين في اماكنهم. فصرخ ابو فيصل بالشاب " مو انت سائق وهالله هالله. " فاجابه " انت ما قلت لي انها تشمر على اليمين"
رباط سالفتنا! لا القادة يعرفون يقودون ولا أجهزة العراق ولا فرامله تشتغل صحيح بس ربك يعرف وين تشمر، ولا المتعاملين مع القيادات العراقية يتوقعون أنهم بهذا السوء.. لا يعرف الوضع إلا الشعب والشعب راكب الباص ومكمل الطريق... وكل يوم يگول الشعب ما اكو خَيِّر غير خضير وخضير طلع بيــــــــــپ.... الى أين يا شعباً ترك مصيره يحدده الآخرين.. شعليه؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل