الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيئة والحرب العدوانية على أوكرانيا

بوياسمين خولى
كاتب وباحث متفرغ

(Abouyasmine Khawla)

2022 / 8 / 2
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


الغزو الروسي لأوكرانيا هو تعبير عن توازن القوى القائم على امتلاك موارد طاقة كبيرة. ومن خلال عدم اعتماد سياسة توفير الطاقة - وهو أمر ضروري - وجدت أوروبا نفسها عرضة للخطر. هذا درس من أهم دروس هذه الحرب العدوانية.

لا يمكن الادعاء أن أحدا رأى أن هذه الحرب العدوانية قادمة. وكل الكتب والتصريحات ا حول "عودة الحرب" لم تحمل كلمة عن روسيا ، حيث تم التركيز على التوتر بين الصين والولايات المتحدة. لكن هل من جدوى محاولة تسليط الضوء على هذه النقطة من وجهة نظر بيئية ؟.

من الواضح إذن أن لعبة روسيا - أو على الأقل لعبة قاداتها الحاليين - لا يمكن فهمها دون تحليل الموارد المعرضة للخطر ، والاعتمادات الحالية والآثار المتوقعة لتغير المناخ.

تمتلك روسيا موارد هائلة من النفط والغاز ، ومن المتوقع أن يزداد ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي تحت تأثير الاحتباس الحراري. وبالتالي فهي تحتفظ بثاني احتياطي نفطي مقدر في العالم ، بعد المملكة العربية السعودية. ولا ينبغي أن يحدث التراجع في إنتاجها النفطي حتى عام 2030. هذا الكنز من الهيدروكربونات في عالم لا يزال يعتمد بشدة عليه يجعل روسيا شريكًا صعبًا ، ولكنه شريك أساسي لأوروبا والصين بضرورة فعل واقع الأمر.

كما أن روسيا أيضًا قوة زراعية رائدة ويمكنها أن تأمل في أن يؤدي الاحتباس الحراري إلى زيادة هذا المورد ، حتى لو كان السؤال محل خلاف من قبل المتخصصين. وأوكرانيا هي أيضًا مهمة – بهذا الخصوص- وهي بلا شك إحدى رهانات الغزو الروسي ، مع موارد الفحم والتعدين في "دونباس". في المستقبل الذي ستهيمن عليه تأثيرات الاحتباس الحراري ، والتي يتوقع الخبراء أنها ستؤدي إلى انخفاض الغلة في أجزاء كثيرة من العالم ، تتمتع روسيا بميزة حاسمة. بشكل عام ، على الرغم من تدهورها الديموغرافي وانهيار اقتصادها مقابل الولايات المتحدة أو الصين ، تتمتع روسيا بقوة هائلة في مجال الطاقة والزراعة.

هذا في وقت ظلت الدول الأوروبية معتمدة على الخارج بخصوص موارد الطاقة. هذا هو الحال اليوم، لأن دول الاتحاد الأوروبي ، حيث موارد الطاقة محدودة ، لم تكن قادرة على تنفيذ سياسات لتقليل اعتمادها على الغير. حتى بغض النظر عن الحجة الجيوسياسية ، فهي ضرورية بسبب تغير المناخ. ومع ذلك ، على الرغم من التوصية بالحاجة إلى هذه السياسة لفترة طويلة من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أو من قبل خبراء آخرين ، فإن استهلاك الطاقة من قبل دول الاتحاد الأوروبي لم يتغير كثيرًا منذ عام 1990: لا يزال حوالي 900 مليون طن من مكافئ النفط.

وبما أن روسيا توفر 30 في المائة من حاجيات الأوروبيين للنفط وحوالي 40 في المائة من حاجياته للغاز ، فقد بنى هؤلاء الأوروبيون الظروف لتبعيتهم، وبالتالي ضعفهم بمجرد أن يقرر حاكم الكرملين ضرب قبضته على الطاولة. وبدرجة أقل ، فإن عدم قدرة أوروبا على إقامة الزراعة البيئية والفلاحية يجعلها تعتمد على المصادر الخارجية للأغذية والأسمدة.

كما لم تكن أوروبا قادرة على تحرير نفسها من اعتمادها الثقافي والعسكري على الولايات المتحدة. على وجه الخصوص ، لم تكن قادرة على التخلي عن "الناتو" أو تطويره ، الذي تعرضت فائدة استمراره بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي في عام 1991 لجدال بل لموضع شك كبير. ولكن بدلاً من تخيل منظمة أخرى في القارة ، فإن منظمة حلف شمال الأطلسي قد عانت ، وللمفارقة ، عززتها فرنسا التي انضمت إليها ، في عهد ساركوزي ، وتخلت عن سياستها المستقلة التي اعتمدتها منذ عهد ديغول.

إن أحد جذور الأزمة الحالية - التي لا تعفي بوتين بأي حال من الأحوال من جرائمه ضد الإنسانية وجرائم الحرب - هو عدم القول بصراحة إن أوكرانيا لن تكون جزءًا من "الناتو" في البداية ، على الرغم من أن السياسيين والدبلوماسيين – ومن صمنهم "هنري كيسنجر" – أكدوا على ضرورة ألا ينبغي أن تنضم أوكرانيا إلى حلف الناتو. لكن الوضع قد تغير منذ 24 فبراير 2022 .

وهذا، علما بوتين ليس نذيرًا لروسيا أبدية تطمح إلى مكان عادل في العالم ، ولكنه – بالأساس- زعيم الأوليغارشية التي انقضت على ثروات الشعب الروسي لتهريبها ملاذات ضريبية ممتلكات فاخرة. فقد أسس الرئيس الروسي سلطته على تنظيم نهب الاتحاد السوفيتي السابق من خلال تحالف بين هياكل الدولة مثل KGB والأوليغارشية التي ظهرت أثناء انهيار الاتحاد السوفيتي. وكانت محاربتها سيكون، بلا شك أسهل، إذا كانت الدول الغربية قد وضعت نفسها في مكان فعال لمكافحة هذا التهريب الممنهج.

إن الدول الأوروبية والولايات المتحدة ، وإن كان ذلك بأشكال مختلفة ، وقعت تحت سيطرة الأوليغارشية التي ظلت تراكم الثروات بلا خجل ، حتى خلال فترات الأزمات القاسية مثل جائحة كورونا. والتي – أيضا- تعيق التغييرات اللازمة لمواجهة الاحتباس الحراري ، وهذا بالحفاظ على دورة التبعيات والصراعات الحالية والمستقبلية. إن كل من التفاوتات العالمية والآثار المزعزعة للاستقرار المرتبطة بتغير المناخ والتنافس على الموارد بين الدول المهووسة بالنمو، كل هذا، شكل أرضًا خصبة لمستقبل موسوم بالحرب. حتى بغض النظر عن الدراما التي تتكشف في أوكرانيا ، فمن الضروري تذكر أن الوضع البيئي في طور إعادة خلط أوراق السياسة الدولية.

على المدى القصير، يبدو أن الخروج من الأزمة لن يكون إلا بفضل الجماهير. فمن الملفت للنظر أن الشعب الأوكراني يقاوم القوة التدميرية للجيش الروسي ، ومن الملفت للنظر أن "مفهوم الغزو" لا يبدو شائعًا في روسيا ، ومن الملفت للنظر أنه في كل مكان في العالم هناك مظاهرات من أجل السلام دلالة على رفض العدوان. وقد يكون من الصعب الإقرار بأن الحركات الجماهيرية (الشعبية) من شأنها أن تساهم في تغيير الوضع العسكري، لكنها تمنح الأمل ، وأيضًا بعد هذه الحرب ، سيتم اعتماد سياسات تقلل التبعيات وتعد العد لعدو "حقيقي" يعاينه الجميع اليوم وهو تغير المناخ وتدمير البيئة.

لا يمكن لأحد أن ينكر اليوم، علانية أو في الخفاء، بأن الاضطرابات البيئية هي التحدي الرئيسي لهذا القرن. وبالتالي من الواجب تسليط الضوء على هذا الموضوع في كل آن وحين للمطالبة دائما بالأفضل من صناع القرار في هذا المجال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا