الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاغ رقم 23 : خطاب محمد باقر الصدر الديالكتيك العراقي.

جمعة اللامي

2022 / 8 / 2
الادب والفن


تعنى " نظرية المعرفة " في كل نظرية شمولية بتقديم إطار ثقافي ـ فكري ـ معرفي ، يُسترشد به في مناقشة وتفسير وتحليل الظواهر والمشكلات الكونية والفلسفية والاجتماعية ، على صعيد خلق الكون والعالم ، وسيرورة تطور المجتمع البشري ، والانفجارات الاجتماعية، والبناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي . ان منظومة المعارف والأفكار ، هي التي تشكل نظرية الأدب والفن والأخلاق أو علم الجمال.
يُعتبر المفكّر البريطاني موريس كومفورث ، المُولِّد الأكثر جدارة لنظرية المعرفة في الفلسفة الماركسية ،بصدد الأسس المتجهة نحو العدالة والخير والجمال ، التي وضعها هيجل وتلميذاه كارل ماركس وفردريك انجلز. ولقد برع فلاسفة ومفكرون غربيون في بريطانيا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة في صياغة فلسفة مناهضة للماركسية لها نظريتها المعرفية أيضاً ، اعتمدت على التراث الإغريقي ونقد التراث المسيحي ، كبناء فوقي لنظرية السوق الرأسمالية في مجاليها الاقتصادي والاجتماعي.
ورغم أن عدداً من المفكرين الغربيين، خلافاً لخطابات آباء فلسفة هيجل ـ ماركس ، كانوا على اتصال ومعرفة بالفكرالعربي ـ الإسلامي الذي انتهى إليهم عبر الأندلس العربي المسلم . إلا أنهم أشاحوا بفكرهم وتحليلاتهم عن تلك الإنجازات في ميادين الفكر والفلسفة والثقافة . وهذا لا يلغي ـ طبعاً ، التفاتات المتأخرين من الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين للثقافة العراقية والعربية ـ الإسلامية.
إن هذه المقابلة بين الفلسفة الغربية في مختلف تجلياتها وبين الثقافة العراقية والعربية ـــ الاسلامية في واقع الحال ، فرضت نفسها فرضاً على الحياة العربية ـ الإسلامية ثقافياً وفكريا ،ً بسبب نزوع قطاعات واسعة من المثقفين العراقيين والعرب نحو الارتباط بالمشروع النهضوي الغربي أولاً ، ورجوع عدد من المفكرين العراقيين والعرب والمسلمين إلى الحوار مع تراثهم ومكونات حاضرهم الثقافي ثانياً. وهذا هو الذي أدى ـ نَتيجةً ، إلى بروز وتنامي الأفكار والمنظومات الثقافية ، التي تركز على الهوية الثقافية الحضارية للعراق ، وتنتمي ، أو تعيد صياغة انتمائها ، الى افكار الحرية والعدالة والحوار والسلام والتسامح.
ولولا خضوع المثقف العراقي ( والمثقف العربي عموما) لاإشتراطات السياسي ، لتمكن من إنجاز تلك المقابلة لصالح الثقافة الوطنية ، لأن نقد الفكر الماركسي ، والحوار مع الثقافة الغربية بشكل عام ، لم يجد مصداقيته إلاّ من خلال منظومة الأفكار العراقية والعربية ـ الإسلامية التي بدأت تتشكل مع رموز النهضة الفكرية الثقافية العربية منذ نهايات القرن التاسع عشر ، ثم تطورت مع عقود القرن العشرين ، والتي تكرست في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات ، لا سيما بعد انهيار "المشروع القومي ـ الوطني" في البناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي . وهو المشروع الذي كان في مضامينه ومحتوياته ، إمّا أن يكون ستالينياً صرفاً ،أو رأسمالياً صرفاً، أو تلفيقياً يجمع ما بين جناحي أفكار "المدرسة السوفيتية الستالينية" ، والوضعية الغربية.
لقد أزاح الفكر الاسلامي المتجدد على يد عدد من المفكرين العراقيين والعرب ، وفي مقدمتهم السيد محمد باقر الصدر ، نظرية ماركس ، اي المادية الجدلية ، في تكوين الكون والعالم ، والمسماة بالمادية الجدلية ، من خلال مبارزة اعتمدت الأسلوب الهيجلي ـ الماركسي نفسه في الجدل والحوار . فإذا كان الكون المادي ـ حسب بعض الماركسيين الذين هجروا ماركس وهيجل ـ يطور نفسه بنفسه ، فإن هذا ليس من فعل " قوة عمياء " ، او نتيجة " الصدفة" وإنما نتيجة لقدرات " قوة عاقلة " مبصرة ومتبصرة. وهذه " القوة العاقلة " اخلاقيا وثقافياً ،لا يمكن الاّ أن تكون الله تعالى ، الذي لم يكن له كفوا احد.
كما أن هذا الفكر العراقي ـ العربي ـ الإسلامي ، كما يقدمه محمد باقر الصدر، هو الذي أزاح نظرية ماركس فيما يتعلق بتطور المجتمعات البشرية على أساس "الصراع الطبقي" والمسماة " المادية التاريخية " ، لأن هذه النظرية ذاتها ارتطمت بانتقادات مرموقة ومعتبرة عبّرت عنها كتابات شارل بتلهايم الفرنسي ، وزميله اسحاق دويتشر ، فضلاً عن مثقفين بارزين من بينهم نيقولاي برديائيف. وأودّ ان يطلع بعض المثقفين الحوزويين العراقيين ، سواء كانوا من " مدرسة الصحابة " ، او اتبعوا منهج " مدرسة اهل البيت" على الآراء القيمة لهذا المفكر الروسي ، الذي ارتبط بالبلاشفة في وقت مبكر من الدعوة الاشتراكية في اوروبا ، لكنه هجر ماركس ـ اللينيني ، وليس ماركس ـ الماركسي ، لأن الاول حول الحزب الى إلهٍ بعبد ، بينما حولت الرأسمالية المسيح ، الى صرّاف في بنك ، او محارب ومبشر .
إن " نظرية المعرفة " العربية ـ الإسلامية ، كما وضع اسسها محمد باقر الصدر ، في مؤلفاته ، وهي في جذرها عراقية ـ عربية ورثت الحضارات البشرية التي اطلعنا عليها بعد التدوين ، او تواجهت معها بطرق شتى ، تطرح مسألة " تطور المجتمعات البشرية " على قاعدة "تراتبية الرسل والأنبياء" ، منذ آدم ، وحتى محمد بن عبد الله ، بالتلازم مع الرسالة الثقافية ـ الاجتماعية ـ الحضارية لكل نبي ورسول إلهي .
وتشكل البعثة المحمدية ، قمة هذا التطور الاجتماعي ـ الأخلاقي . فالبشرية ، حسب الرسالة المحمدية ، وصلت إلى سن الحكمة، بفضل الرسالات الالهية ، وعليها أن تعيد الشأن الإلهي إلى الأرض ، عبر حاكمية الله بالأرض من جانب ، ومن جانب آخر إيلاء الإنسان أهمية خاصة باعتباره خليفة الله في الأرض، ومخلوقاً إلهياً حراً ، وضعت من اجل ترقية ذوقه وشخصيته ، جميع المخلوقات المبصرة والظواهر الاجتماعية فوق هذا الكوكب.
إن محمد باقر الصدر، في كتبه الموجودة بين ظهرانينا ، هو الذي أعاد تأليف الشخصية الإنسانية ، من وجهة نظر عراقية وعربية ـ اسلامية ، وموقفها في الكون والعالم ، وهو الذي قدم منجزاً ثقافياً وواقعياً معتبرا لمفهوم الزمن والحرية ، باعتبارهما تجليات متصاعدة للتخلق بأخلاق الله. وعلى العكس تماماً من التطبيق ، اللينيني لماركس ، كما ترجمته واقعيا الدكتاتورية الستالينية على الصعيد الميداني ، والذي حوّل الإنسان إلى ترس مهمل في كيان الدولة ، وبنى دولة المخابرات النموذجية ، وعلى التضاد تماماً مع الطروحات الغربية ـ الرأسمالية التي حولت الإنسان إلى آلة وسلعة في سوق العمل .
وعند هذه النقطة الحيوية يتجلى المفهوم العراقي ـ العربي ـ الإسلامي للإنسان ، كما طرحها المفكر محمد باقر الصدر ، باعتبارها تصوراً ذا بعد إلهي سامٍ ، لا تستطيع أي قدرة أن تحط من قيمته، أو أن تعطل من دوره في تعمير الأرض ، أو تبعده عن تثمير طاقاته في إعادة صياغة العلاقات البشرية باتجاه عالم أكثر إنسانية .
أن هذا التصور العراقي ـ العربي ـ الإسلامي ، للشخصية الإنسانية لا يستقيم إلا بإعادة تحليل وتركيب الكثير من المنظومات الفكرية و الثقافية ، التي سقطت منذ زمن ، أو تسقط الآن ، أو التي تومئ بالسقوط عراقيا وعربياً وعالمياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?