الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الأدب الروسي قبل الثورة البلشفية وبعدها
عطا درغام
2022 / 8 / 3الادب والفن
يتناول كتاب ( الأدب الروسي قبل الثورة البلشفية وبعدها) من تأليف رمسيس عوض ، الأدب الروسي قبل الثورة البلشفية وبعده، وهو يركز علي أهم المدارس الأدبية وأبرز الاتجاهات التي سادت هذا الأدب ومعظم هذه الاتجاهات جديدة علينا مثل الأخوة سيرابيون وجماعة الأوبريوتس وجماعة المضيق وجماعة الذرويين وجماعة الشعراء الحدادين(أو الشعراء الكلونيين) هذا إلي جانب المدارس الأخري التي نعرفها مثل الرمزية والمستقبلية والشكلية والبروتوكولت والزادانوفية، ويتناول الكتاب رأي لينين في الأدب وغني عن البيان أن بعض الاتجاهات الأدبية أيَّدت الثورة البلشفية وناصرتها في حين أن البعض الآخر ناصب هذه الثورة العداء.
فقد تناول الكتاب ثمانية عشر موضوًعًا..تناول الموضوع الأول منها بلنسكي وتلاميذه الراديكاليون..وتناول نشاط بلنسكي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في روسيا ، واتجاهه هو وتلاميذه إلي تفسير الأدب علي نحو تاريخي وواقعي..وترجع أهمية بلنسكي إلي أنه نقل المثالية الألمانية إلي ميدان النقد الأدبي الروسي وإلي تفسير الأدب علي أساس اجتماعي وتاريخي، وحاول أتباعه ومريدوه من الماركسيين أن يتجاهلوا العنصر المثالي في نقده أو التخفيف منه بقدر الإمكان حتي تستقيم آراؤه النقدية مع أيديولجيتهم الماركسية..فلا غرو إذا رأينا رواد النقد الماركسي أمثال ميخائيلوفسكي وبليخانوق وكذلك لينين يستندون إلي أحكامه لأنه راق لهم جميعًا أنه رأي الأدب يتطور تطورًا آليًا وأتوماتيكيًا بتطور المجتمع.
وفي الموضوع الثاني: تناول المدرسة الرمزية والتي ازدهرت في روسيا بين عامي 1900 و1912 وانتعش في أعقاب فشل الثورة الروسية الأولي عام 1905، وبازدهارها انحسر نفوذ المذهب الواقعي المقترن باسم ماكسيم جوركي انحسارًا واضحً.
ويشمل الجيل الأول من الرمزيين عددًا كبيرًا من شعراء روسيا المرموقين كان رائدهم فاليري بريوسوف (1873- 1924) ،وهناك كونستانتين بالمونت (1867- 1943) ،فيودور سولاجوب (1863- 1927) ومن البارزين أيضًا فباتشسلاف إيفانوف(1866-1949) و أندريه بلي (1880-1934) والكسندر بلوك (1880-1921).
وفي الموضوع الثالث تناول المدرسة المستقبلية ، وكعندما انتقلت تحمس لها الشاعر فلاديمير ماياكوفسكي وكليبنكوف، وانضم إلي صفوفها كوكبة من الأدباء والشعراء أمثال دافيد بيرليوك وألكسي كروتشونيك ونيكولاي أسيف وفاسيلي كامينسكي، حتي بوريس باسترناك نفسه وقع تحت تاثير المستقبلية ثم قرر الانفصال عنها فيما بعد.
والموضوع الرابع: المدرسة الشكلية الروسية التي نشأت في السنوات السابقة مباشرة علي الثورة البلشفية وازدهرت وترعرعت في سنوات الثورة البلشفية ،ولم تكن المدرسة الشكلية الروسية مدرسة بالمعني الصحيح تتبع برنامجًا أدبيًا محددًا ،ولكنها كانت مجموعة متجانسة من الباحثين والدارسين الذين تؤلف بينهم الميول الأدبية المشتركة أمثال فيكتور شوكولوفسكي وبوريس أنخبوم وبوري تيتانوف ورومان جاكبسون الذين كانوا جميعًا أعضاء في دائرة موسكو اللغوية التي تأسست برئاسة جاكبسون عام 1915 ، وفي جماعة أخري اسمها جماعة دراسة اللغة الشعرية التي تأسست عام 1916 والتي كان شولوفسكي يسيطر ليها.
وفي الموضوع الخامس يناقش حالة الضياع التي أعقبت ثورة 1905 ،ويلاحظ أن فشل ثورة 1905 ترك آثارا مدمرة في نفسية قطاع عريض من الشعب الروسي، فمنهم من آثر أن يهرب من عالم الواقع إلي عالم الخيال والتصوف أو الجنس،ومنهم من هجر السياسة وعزف عنها وتشكك في قدرة الشعب الروسي علي القيام بأي دور فعال في البناء الاجتماعي..
وبعد فشل الثورة استغرف الأدب الروسي في الجنس والحسيات، ولم يجد دعاة المذهب الرمزي أي غضاضة في مثل هذا الاستغراق الحسي ...ومثل الأدب الروسي في هذه الفترة إيفان بونين والكسندر كوبرين وليونيد أندرييف ومثلوا روح الإعياء الذي دب في نفوس المثقفين الروس في أعقاب فشل ثورة 1905.
والموضوع السادس : المذهب الشعبي (الحركة الجماهيرية) وازدهر في فترة السبعينيات من القرن التاسع عشر، وتحمست له بعض العناصر التي لا تمت إلي الطبقة الشعبية بأية صلة مثل بعض النبلاء الذين دفعهم إحساسهم الدفين بالذنب الاجتماعي إلي مخالطة عامة الناس كنوع من الكفارة عنا ارتكبه أسلافهم في حق هؤلاء من تجاوزات.
ومن أهم المفكرين الذين أظهروا ميلًا نحو المذهب الشعبي ثوار وراديكاليون بارزون أمثال دوبرليبوف وانشرتفسكي وميخايلوفسكي..ومن أبرز دعاة المذهب الشعبي الذين تناولهم الكتاب: جليب إبسبنسكي ( 1843- 1902) وفسفولود جارشن (1855-1888 )و سيمون نادسون(1863- 1887) وميخائيل ساليتكوف (1826-1889).
وتناول في الموضوع السابع : الهجاء في العشرينات من القرن العشرين وتناول ذلك من خلال الحديث عن كتاب الباحث ريتشارد .ل. شايل في كتابه " الهجاء السوفيتي في العشرينات) وتتبع نشأة الهجاء في روسيا ثم ازدهاره في العشرينات من القرن العشرين ،ثم احتضاره بعد ذلك في الثلاثينيات
والموضوع الثامن عن : الأخوة سيرابيون ، وهي جماعة أدبية أشد ما يكون تنافرًا لا يجمع بين اتباعها شيء غير شبابهم وكلفهم بالأدب وحرصهم علي حريته وعلي استقلال الأديب..ومنهم من توجه إلي الغرب والاقتداء به أمثال: ليف ناناوفيتش لونتز(1901-1924 ) وزامياتن وفيدين.ومنهم من توجه إلي الشرق يريد الحفاظ علي هويته واستقلاله الثقافي مثل: فسفولد إيفانوف (1895-1963) نيكولاي ميكوليفتش نيكيتين (1895- 1963 ،ومنهم من سعي إلي إحياء واقعية الأدب الروسي في القرن التاسع عشر،ومن آثر الانطباعية أو التحليق علي أجنحة الخيال. ومعهم من رواد المدرسة ميخائيل سلونيمسكي(1897- 1972) وبنيامين كافيرين.
والموضوع التاسع تحدث عن جماعة الأوبريوتس التي تكونت في الفترة بين 1926 و1927 في مدينة ليننجراد( وهو الهجاء الروسي للحروف الاولي من جماعة الفن الحقيقي) وبلغ عدد الأعضاء المؤسسين خمسة عشر عضوًا لقي معظمهم ئس المصير ،وأطلقت هذه الجماعة علي نفسها اسم طليعة اليسار الثوري الجديد في الفنون الجميلة والسينما والموسيقي والأدب، وسعت هذه الجماعة إلي استحداث لغة جديدة، ولكن معظم كتاباتها لم ير طريقه إلي النشر..ومن بين أعضائها الشاعر نيكولاي زابولتوتسكي الذي انسحب منها، والشاعر الغنائي كونستانتين ماجهينوف (1900- 1934) ودانييل هارمز( 1905- 1942) والكاتب المسرحي فيدينسكي ( 1904- -1941).
ويتحدث الموضوع العاشر عن: فرونسكي وجماعة المضيق (أو جماعة بيرفال) واستمرت هذه الجماعة في ممارسة نشاطها الأدبي تحت قيادة نيكولاي زارادون(1899- 1937) وإيفان كاتاييف(1902- 1939) وبيوتر سليتوف( 1897- 1948) وبوريس جوبر(1903- 1937 )،وقد لقي جميع أعضاء هذه الجماعة حتفهم علي يد ستالين الذي لم يهدأ له بال حتي أجهز علي المضيق كجماعة..وظل النظام السوفيتي يسدد الضربات للقضاء عليها بين منتصف الثلاثينيات وعام 1954 ورغم نجاحها في القضاء علي الجماعة ككيان لكنها لم تفلح في القضاء عليها كأفراد..ونذكر من اعلامها فكتور فرونسكي(1884- 1943) .
ويتناول الموضوع الحادي عشر البروتوكولت (منظمة الثقافة البروليتارية) والتي أسسها الأديب والمنظر الماركسي الروسي أ.أ. بوجدانوف 1873-1928) والذي اشتهر باسم بالينوفسكي)،ودعت هذهه المنظمة المتطرفة التي ناصبها لينين وتروتسكي العداء إلي نبذ الثقافة البرجوازية القديمة واستبدالها بثقافة بروليتارية حديثة من صنع الطبقة البروليتارية وحدها..وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة تمخضت عن مولد مجموعات مختلفة تنحدر هذه المرة من جذور بروليتارية أظهرت اهتمامًا فائقًا بالشعر بوجه عام والشعر الغنائي بوجه خاص..وفي صدارة هذه المجموعات الوليدة التي ظهرت في أوائل العشرينات جماعة الشعراء الحدادين،والتي تناولها الموضوع الثاني عشر
وانسلخت جماعة من الشعراء البروليتاريين من تنظيم البروتوكولت لتكون جماعة الشعراء الحدادين التي ضمت شعراء مثل كيراسيموف ولياشكو وكيريليوف..
وبررت هذه الجماعة انسلاخها بأن كتبت في جريدة البرافدا تقول أن البروتوكولت يعطل الطاقة المبدعة والخلاقة عند طبقة البروليتاريا، وأصدرت بيانًا جاء فيه أنهم يعتبرون الأدب سلاحًا من أجل تنظيم المجتمع الشيوعي القادم.
ونادي الشعراء الحدادون بضرورة إنتاج أنواع من الأدب الباقي والضخم مثل أدب الملاحم،ودفعتهم رومانسيتهم إلي تمجيد المصانع والطبقة العاملة بطريقة تصوفية لا تربطها بأرض الواقع أية صلة.
وفي الموضوع الثالث عشر:جماعة شعراء أكتوبر، وهي الجماعة البروليتارية الأخري التي انشقت عن حركة البروتوكولت، ولم يكن تركيبها الطبقي بروليتاريا خالصًا، بل مزيجًا من الطبقة الوسطي والطبقة العاملة..وانضوي تحت لوائها الكسندر زادوف وجوزيف أوتكين (1903- 1944) والكسندر بيزمنسكي..
ولعبت دورًا كبيرًا في العشرينيات عندما نشرت إنتاجها في مجلة "اليقظة " 1923 وفي شهرية بعنوان " أكتوبر" 1924 ، ومن أبرز أعلامها بودي لبدنسكي (1898-1959 ) ومن أهم اعماله روايات ( الغد 1923- القوميسار1925- مولد بطل1930الجبال والناس1947- الفجر1952- صبيحة السلطة السوفيتية 1958 )
وتناول الموضوع الرابع عشر :جماعة راب ، وهو اسم اختصار للأحرف الأولي للجمعية الروسية للكتاب البروليتاريين التي تزعمها أقرباخ وفادييف ولبدنسكي وماكاروف وكيرشون وبانفيوروف في فترة الخطة الخمسة الأولي، ونادي راب باستخدام منهج ماركسي في الأدب هو منهج المادية الدياليكيكية، ولكن اتضح للمسئولين السوفيت أن لاستخدام هذا المنهج أوخم العواقب، فقد انتهي تطبيق هذا المنهج إلي توجيه الانتقادات للبيروقراطية السوفيتية والحزب الشيوعي نفسه.
وعندما ضاق الحزب الشيوعي بتطاول جماعة راب تصدي للهجوم عليها نفر من أعوانه كان ستنسلافسكي من أبرزهم،حيث اقترن اسمه بالشراسة والضراوة في الهجوم علي زملائه الأدباء.
وحين انهالت تهم المسئولين السوفيت علي رءوس أعضاء جمعية الكتاب البروليتاريين اختلفت ردود أفعال هؤلاء الكتاب..فمنهم من اعترف باقتراف ذنوب قديمة وحديثة مثل الروائي شوكاندرينت ،ومنهم من سعي إلي الدفاع عن نفسه دون طائل مثل المؤرخ والناقد الأرستقراطي الأمير ديمتري ميرسكي
وفي الموضوع الخامس عشر : لينين والأدب ، فعلي الرغم من أن لينين هو الذي أشعل نيران الثورة الشيوعية في روسيا في أكتوبر عام 1917 ،وتولي مقاليد الحكم فيها حتي وفاته في عام 1924، وبالرغم من أن وقته لم يتسع لدراسة الفنون والآداب ،وأنه كان يعتبر نفسه غير متخصص في هذا المجال؛ فإنه ترك وراءه مجموعة من المقالات في الفن والأدب ينطوي بعضها علي أهمية بالغة، وتدل علي أنه صاحب ذوق أدبي محدد؛ فضلًا عن أنه كان صاحب رأي في الفنون حتي إذا لم يكن صاحب نظرية فيها
والموضوع السادس عشر: السياسة الاقتصادية الجديدة، حيث سمحت هذه السياسة للمزارعين الروس ببيع منتجاتهم في السوق الحر، فضلًا عن التخفيف من الاقتصاد الموجه الذي تناد به النظرية الماركسية، وعلي الرغم من غضب العناصر المتشددة الموالية للماركسة إلا أن هذه السياسة نجحت في إنعاش الاقتصاد الروسي المنهار، فضلًا عن ان مرحلة السياسة الاقتصادية الجديدة التي استمرت من عام 1921 إلي 1928 أفرزت طائفة اجتماعية من المنتفعين..واختلفت الآراء وتصارعت الأفكار دون أن يتخذ الحزب الشيوعي في في بعض الحيان موقفًا منها.
ويقول الكاتب السوفيتي ألبرت بيليف عن تقييمه لفترة السياسة الاقتصادية الجديدة في كتابه ( المقاومة الأيديولوجية والأدب):" إن الدارسين والمتخصصين الغربيين في الأدب السوفيتي أمثال جليب ستروف وإدوارد براون وهارولد سويز وغيرهم يصورون أدب العشرينات في روسيا السوفيتية علي أنه أدب مناهض للثورة البلشفية ومستقل عنها، وأن أجمل مافي هذا الأدب أنه ليس من صنع كتاب بروليتاريين ، بل من صنع كتاب مارقين يقفون موقف العداء من الثورة.
ويقول بيليف:" إن ستروف مثلًا يذهب إلي أن فيدين في أعماله يبرز الجوانب المدمرة في الثورة ، في حين أن الذين يفجرون الطاقات المدمرة في أعمال فيدين ليسوا الثوار أو البلاشفة، ولكن أعداء الثورة في طبقة النبلاء والبرجوازيين.
ويري بيليف أن أهم الأدباء الذين ظهروا في فترة العشرينات أمثال فيودور جلادكوف والكسندر سيرافيوفتش وديمتري فيرمانوف وميخائيل شولوخوف كتاب بروليتاريين يؤمنون بالأيدلوجية الشيوعية، فضلًا عن أن أبرز كتاب هذه الفترة مثل نيكولاي تيوخونوف وفسفولد إيفانوف ينتهجون في كتاباتهم الواقعية الاشتراكية، وهذا يعني أن أدب فترة السياسة الاقتصادية الجديدة يتماشي مع أهداف الثورة البلشفية ولا يتعارض معها.
ويدرس الموضوع السابع عشر حالة الأدب في فترة الخطة الخمسية الأولي(1928- 1932) ،وإذا كانت الدولة عام 1924 تدخلت في الأدب لحمايته من السيطرة فإنها تدخلت في فترة الخطة الخمسية الأولي لقمعه وتكبيله، وإجباره علي مؤازرة الخطة الخمسية.
وفي ظل سياسة التخطيط التي انتهجتها الدولة اقترح لفيف من الأدباء أن يكون هناك تخطيط مماثل للإنتاج الأدبي،وراق هذا في عيم المسئولين السوفيت،ولكنه أغضب معظم الموهوبين من الأدباء، الأمر الذي دفعهم إلي التزام الصمت.
ونظر أدباء الخطة الخمسية الأولي إلي صناعة الفن كما لو كانت خطًا من خطوط الإنتاج في مصنع، ومن هذا المنطلق دعت الدولة عددًا من الروائيين والشعراء لزيارة مواقع العمل في المشروعات العمرانية والمزارع الجماعية حتي يتمكنوا من الكتابة عنها..وكانت النتيجة أن تحول الأدب إلي نوع من الريبورتاج الصحفي.وفي فترة الخطة الخمسية الأولي تدهور الأدب السوفيتي تدهورًا واضحًا وسريعًا أثار قلق الحزب الشيوعي نفسه.
وفي فترة ازدهار الأدب الدعائي المواكب للخطة الخمسية الأولي اختنق الخلق الأدبي إلي حد الاحتضار، وتعرض رفاق الطريق مثل بلينياك وزاميات، لهجوم الحزب اللشفي الشديد عليهم، وأغرق الأدباء الهاتفون من أعضاء راب الأسواق بالإنتاج الأدبي الغث والتافه والهزيل.
وأعلن جوركي عن رفضه للتشدد الشيوعي في مجال الفن، وهاجم ما أسماه ألاعيب رابن ، ونتج عن ذلك قامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بحل منظمة راب، وانشأ جوركي اتحاد الكتاب السوفييت ودعا الأدباء من جميع الطبقات والاتجاهات غير المعادين للبلشفية وكانت هذه الخطوة دافع لتحرير الأدب من إساره.
وفي الفترة من 1929 و1932 سعي الأدب إلي مواكبة النهضة الصناعية السوفيتية، ويفسر لنا هذا ظهور ما يمكن تسميته بالرواية الصناعية الكبري ، واحتلت الآلة مكانة بارزة في أدب الخطة الخمسية الأولي، ولهذا نراها تحل محل الشخصيات في بعض المسرحيات المقدمة علي خشبة المسرح.. ويعتبر جلادنوف روايته" الأسمنت" 1926 و" الطاقة " 1933 بمثابة أعمال وثائقية تسجل عمليات التعمير والتشييد الاشتراكي.
وتعتبر مسرحية "زيادة المعدلات" من تأليف بوجودين عام 1929 ، ورواية "الزمن للأمام" من تاليف كاتاييف عام 1932،من الأعمال الأدبية التي تدور حول الإسراع بزيادة معدلات التصنيع والإنتاج.
ومن النادر أن يتجه الأدب في فترة الخطة الخمسية الأولي إلي النقد الذاتي أو السخرية، مثلما نجد في رواية ألف وبتروف "العجل الذهبي الصغير" 1931 وفيها نقرأ أن مستشفي الأمراض العقلية هي المكان الوحيد في الاتحاد السوفيتي الذي يمكن للرجل العادي أن يعيش فيه..وتعرضت هذه الرواية لهجوم الشيوعيين رغم أن بطل الرواية يختم حياته بأن يتحول من وغد ونصاب إلي أحد بناة المجتمع.
وأخيرًا ،إن معظم ادب الخطة الخمسية الأولي كان دعائيًا وغثًا،وأن سالتيكوف كان علي حق عندما حذر الكتاب السوفيت من مغبة الاسترسال في كتابة الأدب الدعائي..ولعل جناية راب علي الأدب السوفيتي في تلك الفترة هي التضحية بالكيف في سبيل الكم ،وبالشكل في سبيل المضمون وبالفن في سبيل الدعاية..ولكن في نهاية الخطة الخمسية الثانية(1933- 1947) بدأ اهتمام الأدباء السوفيت يتجه شطر الكيف أكثرمن الكم ،ولم يقصروا عنايتهم علي الأيدلوجية والمضمون ،ولكنهم بذلوا عناية أكبر بالأشكال والقوالب الأدبية
والموضوع الثامن عشر : الزادانوفية وتدهور الأدب ، حيث كلن أندريه زانادوف رجل السياسة والدولة السوفيتي- (1888- 1948 ) من أقرب المقربين إلي جوزيف ستالين لدرجة أن البعض اعتبره خليفة ستالين المرتقب.
استطاع زادانوف أن يكبل الفنون والآداب السوفيتية ، وأن يضعها في الأغلال لفترة من الزمن بدأت نحو عام 1945 ،وانتهت بوفاة ستالين عام 1953.
أحكم زانادوف قبضته علي الأدباء حتي منعهح من التنفس ،ومن القدرة علي الإبداع بحرية وانطلاق..وشاهدت هذه الفترة الزنادوفية هجومًا ليس علي الأدباء وحدهم بل علي العلماء والباحثين في مجالات شتي مثل علم الأحياء والتاريخ والاجتماع والإحصاء.وكان الحزب لا يتورع عن إلقاء القبض علي أي عالم تسول له نفسه أن يختلف في الرأي مع الحزب.
ولكن هذا الخطر الزادانوفي، لم يقيض له الاستمرار بعد انتهاء فترة حكم ستالين، بل أن الحزب الشيوعي في أواخر عهد ستالين بدأ يضيق ذرعًا به
وفي تلك الفترة الزانادوفية أغرقت المطابع الشعب الروسي بسيل من المسرحيات والروايات والكتب المعادية للغرب مثل قصة "القرون الوسطي" التي نشرها الكسندر شينيس عام 1951،حتي أن الكاتب المعروف أليا أجرنبرج أراد ان يركب الموجة ،فألف عملين روائيين بعنوان"العاصفة" 1947 و الأخري بعنوان" الموجة التاسعة"(1951-1952)، فضلأ أن ديمتري أريسين فضح المؤامرات التي يحيكها الفاتيكان في كتاب بعنوان"عاصفة علي روما"-1962 .
ولم يقتصر الأدب في الفترة الزادانوفية علي تشويه سمعة الغرب قحسب، بل تصوير المواطن السوفيتي علي أنه بطل مغوار ونموذج يُحتذي به مثلما نجد في " قصة رجل حقيقي" التي نشرها بوريس بولفوي عام 1947 وحصل من أجلها علي جائزة ستالين
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - ألفكر المؤدلج ضد الأنسان وضد الأبداع
د. لبيب سلطان
(
2022 / 8 / 3 - 10:29
)
السيد الكاتب المحترم
يكاد يكون امرا مجمع عليه ان الأدب الروسي قبل الثورة البلشفية كان يتبوأ صدارة الأدب العالمي لعمقه وانسانيته وجماله وبنفس الوقت نفس هؤلاء يقيمون الأدب الروسي ( عدا اعمال بولكاكوف وباسترناك وشولوخوف) انها نزلت للحضيض وتحول الأدب من اغناه الى اسفهه فهو تحول الى اداة دعائية بيد السلطة كما يشير لها ايضا مؤلف الكتاب الذي تعرضونه وهو امرا ليس غريبا فالفكر المؤدلج يصبغ المجتمع بلون واحد ( ماركسي او قومي او ديني) ويقمع اي تحرك فكري مخالف او حتى غير مساير للركب المؤدلج ومنه يقتل الأبداع والأدب وقبلها كانت قد اغتيلت اثمن مايملكه الأنسان حريته الفكرية والعقلية واذ صادرتها الأيديولوجية خصوصا اذا كانت في السلطة تكون قد حولت الأنسان الى جهاز مبرمج لايردد سوى ماتعلمه من الأيديولوجيا او ما تم فرضه عليه بأسم السلطات ومن هنا توجه المثقفون وتلتهم الشعوب نحو الليبرالية او تقديس الحريات فهي تقديس للأنسان وعقله وحرياته وكيانه ومشاعره وخياراته واليوم باندثار الأيديولوجيات التدريجي تفتح الأبواب واسعا امام الفكر الأنساني مع الشكر لهذه المقالة الغنية خصوصا واني محب للأدب الروسي قبل البلشفي
.. 276 حول الحالة الثقافية والعلمية بإلمنيا/ حكايات وذكريات الس
.. أنجلينا جولي تكشف عن رأيها فى تقديم فيلم سيرة ذاتية عن حياته
.. اسم أم كلثوم الحقيقي إيه؟.. لعبة مع أبطال كاستنج
.. تستعيد ذكرياتها.. فردوس عبد الحميد تتا?لق على خشبه المسرح ال
.. نافذة جديدة على العالم.. مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة ا