الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان الأمر طبيعياً ؟!

أحمد فاروق عباس

2022 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


لم يأت الاسلام السياسي الي الشعوب العربية والاسلامية كنتيجة طبيعية لتطور الامور في تلك البلاد ، أو تطور فكر أو تجربة تلك الشعوب ، بل كان هناك من دفع دفعاً نحو هذه الاتجاه ، وبعد عقود من التحديث في العالم العربي كان هناك من يدفع في الاتجاه المضاد بكل ما أوتي من قوة ..

١ - كان هناك من خطط لضرب ضرب النظم الوطنية والقومية بقوة السلاح ، وعمل - بعد ضربها بالسلاح - علي تصفية أرثها وتشويه صورتها ليفسح المجال لأفكار تنظيمات الاسلام السياسي في وراثة الارض والعقول ، وكان التخلص من تجربة جمال عبد الناصر في مصر هي الضربة الكبري والأهم ، ونفذتها اسرائيل كأداة تحت الخدمة دائماً لدول الغرب الكبري ..

٢ - كانت دول الغرب - بريطانيا وأمريكا - هي من نشرا أفكار الاسلام السياسي علي طول العالم العربي كبديل للإفكار الوطنية والقومية والليبرالية واليسارية ، ومن يراجع الصحف التي تم اصدارها ، ودور النشر التي تم انشاءها ، ونوعية الكتب التي أعطيت لها الاولوية والتي عمت وانتشرت في طول العالم الاسلامي لابد أن يلاحظ ان دول وأجهزة سرية هي من دفعت نحو اتجاه معين وعملت علي سيادة أفكار معينة ..

٣ - كانت الطفرة البترولية وبالاً علي العالم العربي ، فاستخدمت أموال السعودية في نشر أشد صور الاسلام رجعية ، من تبني الاخوان المسلمين في الخمسينات والستينات ، الي نشر الافكار السلفية في السبعينات والثمانينات ، واستكملت قطر ما بدأته السعودية من تبني الاخوان ، وكانت قطر - المستعمرة البريطانية السابقة والمستعمرة الامريكية الحالية - هي من أنفقت وسلحت ومولت وأنشأت القنوات الفضائية لتيارات الاسلام السياسي وخاصة في شقها الاخواني ..

٤ - كان لأنور السادات في مصر وضياء الحق في باكستان دورهم في انطلاق تلك الموجه المدمرة ، ودخلت دول أخري فيما بعد علي الخط كإيران وتركيا ، وكان - كالعادة - المايسترو الذي يرتب وينظم من وراء ستار هناك فيما وراء البحار ..
٥ - أنشئت في تلك الفترة وبتوجيه غربي وأموال نفطية معاهد أسلامية في أغلب بلدان العالم العربي والاسلامي ، كما انشئت دور نشر اسلامية ، وصحف ومجلات اسلامية ( كصحيفة المسلمون السعودية وهي صحيفة كانت شهيرة جداً في سنوات الثمانينات والتسعينات ، وكصحيفة الشعب في مصر ) وأنشئت جامعات ومركز للفكر والدراسات ، وكانت المؤتمرات والندوات واللقاءات بين أطراف تلك المنظومة لا تتوقف يوماً واحداً علي مدار السنة وفي كل العواصم العربية والعالمية ، ونشأت عن ذلك جيوش من المنتفعين تري فيما يحدث فائدة لها ومصلحة ..

٦ - وطبقاً لبعض الارقام ، فإن الاتجاهات الاسلامية تلقت معونات هائلة من المخابرات الامريكية ، وانه خلال عام ١٩٨٣ وحده مولت ١٢١ مؤتمراً وندوة تحت عنوان " الصحوة الاسلامية " وهو رقم لعام واحد وقد استمرت تلك الظاهرة وتفرعت فيما بعد ..
٧ - من عاش في سنوات الثمانينات والتسعينات كان سيلاحظ مئات الألاف من الكتب الدينية مجهولة المصدر والتي كانت تباع أمام المساجد وفي الميادين ، وكتجربة شخصية ، اشتريت من أمام المعهد الديني في مدينتنا في أوائل التسعينات - عندما كنت طالباً في المرحلة الاعدادية ثم في المرحلة الثانوية - بعضاً من هذه الكتب ، ومنها علي سبيل المثال كتاب بعنوان " قادة الغرب يقولون : دمروا الاسلام وابيدوا أهله " وكتب الشيخ أحمد ديدات وكتاب قذائف الحق للشيخ الغزالي وغيرها وتأثرت لفترة من الوقت بهذه الكتب ، خاصة وقد اقترن معها قراءة مستديمة لصحيفة الشعب في الفترة التي تحالف فيها حزب العمل مع الاخوان من عام ١٩٨٧ الي عام ٢٠٠٠ عندما توقفت الشعب . ولولا قراءتي المتنوعة لاتجاهات سياسية وفكرية أخري في نفس تلك الفترة كمقالات كبار الكتاب في الاهرام والعربي الناصري والاهالي وكتب مكتبة الاسرة الادبية والسياسية التي كانت تأتي الينا لكنت الان - ربما - من أقطاب الاخوان أو ربما داعش !!

٨ - بعد نهاية عصر الصحيفة والكتاب وظهور عصر الفضائيات ثم عصر الانترنت ، وجدت تلك الاتجاهات من يغذيها بشدة ، والنتيجة ان ظهرت مع بدايات الألفية عشرات القنوات الفضائية الدينية لشيوخ لم تكن احاديثهم هي أروع ما في الاسلام من استنارة ورقي ، بل كانت الضغط دائما علي اشد الاتجاهات رجعية وانغلاقاً ، واكتسحت تلك الاتجاهات كل الطبقات والفئات واصبحنا بفضلها نعيش في جو شديد ، والذي بدء بمحمد حسان ومحمد حسين يعقوب والحويني انتهي بأبو بكر البغدادي وابومحمد الجولاني !!
وأصبح نجوم العصر شخصيات مثل اردوغان والغنوشى وخيرت الشاطر ومحمد بديع والصلابى وعبد الكريم بلحاج والغريانى وبن لادن والظواهرى ... إلى آخره .

وما بدأ - فى مصر - بمليشيات الازهر عام ٢٠٠٦ انتهي بحسم ولواء الثورة ، وما بدأ ب " نحمل الخير لمصر " انتهي بقتل الجنود وتدمير المنشأت والمرافق ، وما بدأ بالاخوان فصيل وطني انتهي الي مجرد حذاء في سياسات الدوحة وانقرة الاقليمية !!

وكان وراء كل ذلك قصد مقصود ، ولم يأت ابداً كنتيجة طبيعية لتطور ما ، بل كان هناك منذ البداية من يهيئ الجو الفكري ثم من يهيئ الدعم المادي ، ثم من يوفر المجال الاعلامي والدعائي ، وانتهاء بمن يعطي السلاح ويدرب المقاتلين عليه ويتكفل بمعيشتهم ومعيشة اسرهم ، ثم من يوفر المبررات والحجج للمتابعين والمعجبين ..

ومازالت القصة دائرة ، ومازالت الشعوب والدول تدفع اغلي الاثمان من حياتها ومن تقدمها واستقرارها ، و - وربما كان هذا هو الأهم - من عقول شبابها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع