الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضبان خلف الاوتار/ اسعد شلاش روائيا

ابراهيم زورو

2022 / 8 / 8
الادب والفن


وأخيراً عن دار موزاييك للنشر صدر الرواية الجميلة لصديقي الرائع: اسعد شلاش، بعنوان: أوتار وراء القضبان.
الأوتار هي القضبان! إن كانت الأولى ليناً تطيع الأصابع ولا تجرح لكنها متينه وقوية، تغلق القمرية (الشمسية) بينما القضبان قاسية يمكن أن تصلح باباً للزنزانة، فالقمرة والزنزانة تتشابهان كلاهما تشتركان بصوت موسيقي. القضبان للعقوبة بينما الاوتار تدخل في باب العلم وتضفي إليه أفكاراً جميلة إذا نظرنا إليها من باب المثلثات والدوائر والمسائل الرياضية، الأوتار من الاعداد مفردها. أما آلة العود فأنها تنام على الأنف بعد رحلة طويلة من مضارب الفرس (المشط)، في نهاية الزند قبل أن تنتهي، فتصيبها الزكام عندما تسوء العلاقة بين المفاتيح والاوتار فيجب أن نضع رأسه على أنف(الوسادة) بود جميل. القضبان تزعجك بينما الاوتار تضخم صوت الخارج من القصعة لتنتشر بشكل هادئ لتستمتع بها، الأوتار تدل على الصلاة التي هي نوع من أنواع الرياضة كيوغا على سبيل المثال، هو عنوان مستفز بشكل إيجابي للرواية! أوتار وراء القضبان، نظراً لصعوبة العمل يمكن أن نقول القضبان هي أوتار!.
هي وجه الاختلاف بين أوتار الرواية وبين قضبان السجن، الروائي يقارع الدكتاتور ليكون مثله في التصرفات ذاتها، فهو يقمع خوفاً من الآخرين، بينما الروائي يخاف لو أنه لم يكسب مكانته المعترف به كدكتاتور، هو إصرار على ان يخلق الأوتار لآلة العود بها تنسى أوتار(قضبان السجن)، والذين يقبعون خلف القضبان ارواجهم على رؤوس انوفهم تتدلى حزناً وحنيناً وما إلى ذلك، فهل يستطيع الروائي أن يقنع قراءه الذين لم يميزوا بين القضبان وأوتار لآلة عود لها وقعة في نفوس هؤلاء الجالسين خلف القضبان وإن كان يصدر بصوت نشاز فهم يستقبلونها على أنه ابداع وكفى، أما الكاتب الذي صنع العود من أدوات بدائية جداً يقيناً أن العالم القديم كان يمكث هناك! ولا اعتقد لهذا العنوان صدى لدى الذين هم خارج القضبان، لما فيه أصرار على أن ولادة آلة العود سوف يخلق من لا شيء شيئاً يفتح النفس نحو آفاق جديده، إلى جانب اسعد يخلق بدر زكريا مسرح بقوة أوتار ذاتها، فما بين الموضوعين شائكين جملة من الصعوبات الجمة! كيف ستقنعك بدر زكريا بأنك حين تأتي إلى المهجع تفكر أنه صالة عرض جميلة، وانت ربما برفقة صديقتك! والأمر ذاته مع أسعد كيف ستأتي إلى صالة وانت مع صديقتك تستمع قليلاً بعزف الجميل، حينما يفكر المرء بصالة عرض كهذا يتذكر صالة الشام، او دار اوبيرا أو أي مكان له قيمة برجوازية من حيث الشكل والمضمون، أو عروض السيد الإيطالي (ياني) وكانه في الطبيعة نظراً لديكورات التي تزين بها جدران صالة العرض، لدى أسعد آله عود يتيمة خلقت بشكل مشوه، على الآخرين أن يبتعدوا عن صوت وليد مشوه، هنا المكان ضيق جداً بما فيه الكفاية، القمع ينتظرك في الخارج ان جاء الصوت عالياً، ترن قضبان السجن مرددة صدى أوتار اسعد عن جسم عود خشبي مؤلف عن كراتين بيض وتراب المحمول عبر صناديق الخضروات، ممزوج بغرة وطنية التي هي بقايا الخبر مصفاة عبر جوارب!. الأدب هو أن تغرف من الخيال وتضعه على صفحة بيضاء! أما آلة العود باتت ينسج من الخيال هي الآخر، فالصوت لا تصدر عن الأدب أنما مونولوج داخلي سوف يستعمرك قليلاً أو كثيراً لا يهم، ربما يمكنك ان تحلم بأنك في حلم صُنع العود من أدوات كانت والدتك ترميها وانت ندمت لم تستعملها في صنع شيء ما، هي حالة أوتار اسعد خلف القضبان.
عرفت اسعد شلاش موسيقياً بارعاً، وبالموسيقى وحدها يحيا اسعد دون غيرها، لو يعرف الكثيرين ما كتبه اسعد وما فعل في السجن من أجل آلة العود لن يتفاجأ من عمله، موسيقى في السجن مثل هواء وماء وتراب ونار، وتلك العناصر التي تؤلف منها جسد العود واسعد على حد سواء، وهي ضرورية كي تبقى الذاكره بخير ، وتنتقل الابتسامة من شفاه إلى أخرى، على متن هذه الرواية الجميلة فيها يطير الكاتب من فكرة إلى أخرى دون أن يناله الكلل أو التعب، واخيراً حينما تنتهي من قراءة الرواية عليك أن تصنع من نفسك سجيناً وصانعاً كي تدرك معنى انك تملك عوداً والغاية نفسها في الأدب أنك تقرأ كثيراً كي تكتب الرواية وأن تجلس على مبدأ الروائي البرتغالي، عليك أن تجلس كي تكتب!، أنا أضيف العزف أيضاً، عندما يظهر اسعد وبيده العود يرسم البسمة على شفاه دون أن يبتسم هو ربما ابتسامته ضمنية لا تظهر للعيان إلا من به فراسة جميلة! واني أتساءل مع اسعد دون ان أسأله هل عودك الذي أخذه الأمن عاد إلى بيت أهلك، ولحد هذه اللحظة بات العود معتقلاً، ما قيمة الآلة الوترية دون أصابع تزور صدرها كي تتبادلان حديث المحبة والاحترام بين طنين وكلام، العود يتكلم نعم! لكن ما من احد يستطيع أن يفهم منه، أنه جاء كي يجلس في مضافة اسعد بكامل هيئته!.
هو اسعد لن يكتب الرواية وانما العود عن طريق اسعد من اجبره أن يلحن على دفتره وذاكرته كي يرسمه بريشة لتكون قلماً بين أصابعه، يقيناً لا احد يدري من يكتب الآخر!.
ومن يكتب الآخر يقيناً ان فلك خالد من رسمت علامات موسيقية على دفتر اسعد ليكون مؤرخاً للعود وللموسيقى ويعتقل البسمة كي تبقى في السجن بانتظار السجناء، لاسعد عادة جميلة انه يعتقل نفسه لصالح أفراح الآخرين، وهو نوع من العطاء ليس باستطاعة أحد أن يهب هذا النوع من العطاء، أن تضحك في السجن على أنغام عوده شيئاً يشبه معجزه! ولم يكتف اسعد بذلك بل جعل عوده يضحك بين اياد كثيرة من رفاقه في السجن، كي لا يبقى أسعد وحيداً بعوده!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل