الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراء في رواية (ساعات اغتصاب شهرزاد)

نصير الحسيني

2022 / 8 / 9
الادب والفن


يختلف البوح عند المرأة عن سواها بسبب ارتباط البوح بمفهوم الجنس؛ وتعدد القيود، وربما الضمائر الخفية في رأس المرأة الشرقية عن غيرها، غير أن رواية (ساعات اغتصاب شهرزاد) للروائية سوسن البياتي، تبدأ عتبتها الأولى في عنوان الرواية بفعل الاغتصاب الذي يهيمن على مجرى النص برمتّهِ، بين الفاعل والمفعول به لفعل الاغتصاب.
تستعير الروائية سوسن البياتي اسم شهرزاد لبطلة الرواية كنوع من المحاكاة لوقوع المرأة شهرزاد تحت سلطة الملك شهريار في حكاية ألف ليلة وليلة، والتي من المفروض أن تنتهي بالفجيعة لولا حكمة المرأة في تدارك الأمر، وهي اشارة رمزية لسلطة الرجل في مجتمع ذكوري بحت، تبحر من خلال ذلك الروائية بقاربها كاشفة المستور عن رغبات الأنثى المرغمة على القبول والخضوع لسلطة الرجل الشرقي المسلح بالاعتراف بالتقاليد والتفاسير المنحرفة للمفاهيم الدينية وفق نظام اجتماعي رافض فكرة الاستقلال في قرار الأنثى، باعتبارها مفهوماً حساساً له صلة بالدين والشرف، وتكشف سوسن ذلك في الرواية حين تتحدث عن الأنثى (هي بين يدي زوج لا يعرف من المرأة غير أنها كائن مخلوق للعبودية. وبالتالي هي في نظره جسد انثوي، يمارس عليه حركات ديناميكية لأفراغ شهوته اللامحدودة متى ما شاء، وحيثما أراد، وكيفما رغب، كل ذلك مقابل لقيمات تبقى ذلك الجسد على قيد الحياة، وحرفة تسكن ارتعاشه من عواصف الزمن تحت ستار أسمه الزواج يحمي شهرزاد من ألسنة الناس الموجعة كالسياط) ص28.
هنا ثمة اشكالية أخرى تمثل الاعتراض على نظام الزواج التقليدي بداية التقاطع مع هذا الواقع في شخصية الزوج ياسر السلبية، حين يظهر بشخصية عديمة المسؤولية، نسونجي، خمار، مدخن، لاعب قمار، وإلى غير ذلك من الأمور التي تجعله بعيداً عن البيت، وأنهُ مجرد شرطي ساقط ويتناقض مع موقف صديقه مصطفى الذي يسعى لبناء أسرة! وميل كامل تجاه المرأة بل قُل مناصر.
حياة زوجها الشرطي معها عبارة عن اضطهاد واقرب إلى العنف، غير أن ذلك سرعان ما يتحول إلى صورة أخرى حين تجري الأحداث على شكل غير متوقع في مدينة الموصل؛ وسقوط ثلث العراق تحت سلطة رجال غرباء وبهيئة تخالف المعهود، ويتحركون في المدينة بحرية، ويرتدون بدلات غريبة الشكل... ص39.
وتقود الأحداث إلى مقتل زوج شهرزاد الشرطي الذي تصفهُ بعديم المسؤولية، ويستشهد في موقف بطولي يظهر تناقض في الشخصية بل علوها بعد أن وضعته في مستوى الرذيلة والانحطاط!!
وعلى أية حال تقع المدينة برمتّها تحت لهيب ذئاب بشرية وصوت رصاص ورعب وخوف، وصولاً إلى المأساة التي تعرض لها الأيزيديون بإبادة وسبي لا مثل لها في العصر الحديث، حتى تنقلب اوضاع حياتهم من الحياة الهانئة إلى السبي، ومن خلال قصة عكرمة المغرر به حين يكتشف الحقيقة التي كان يجهلها اثناء ولوجه في هذا الفكر المتطرف، محاولاً التكفير عن انحرافه حين ينقذ الفتاة الأيزيدية سهام من بطش أفراد التنظيم.
نحتت البياتي روايتها على اسلوب توثيقي لبعض ما مرَّ به الأيزيديين من قتل وتهجير وسفك دماء وسبي للنساء في احداث مخزية للإنسان/ الحيوان المتعطش لسفك حياة أخيه الإنسان.
ولعل مثل هذه الروايات مهما كثرت فهي فيض مما جرى وأراها مهمة لأنها تحمل بعض من القصص الإنسانية المرعبة، والتي توثق لحقبة من تاريخ هذا البلد المليء بالدم والمرتبك سياسياً، وغير المستقر، وما أن يخرج من مصيبته حتى يقع في اخرى أكثر دناءة.
أما ميل الروائية عن الثالوث المقدس والمحرم الذي تناول الجانب الديني والجنسي والسياسي؛ فلهُ مبرراته، غير أنها كشفت عنه واشارت إليه دون أن تدنو من محرماته وربما بقصد مسبق.
تسرد البياتي قصص كثيرة ممن انظموا إلى تنظيم داعش، كان بسبب الخيبة والاحباط والبطالة وضيق اليد، مما دفع إلى محاولة من قبل ثلة للحصول على طريق نجاة، ومنهم نبيل صديق بشار، وتصف انتماءه للتنظيم بقولها: "السمكة الجائعة يدفعها غبائها نحو لقمة الصياد مسرعة، تفتح فمها بشجاعة، يخترق نصل الصنارة احشائها، تتلوى من ألم الموت، تموت وتموت بينما تبدو كأنها ترقص مبتسمة" ص73.
بالرغم من أن ذلك يعارض قانون الوجود المبني على استمرار الحياة، فهذا لا يبرر الجريمة أو الفعل الشاذ!
ثم تستدير الكاتبة بصورة مفاجئة لتبرر شذوذ نبيل عن الطريق الصواب بالرغم من معارضة العائلة، وكأنه كان مضطراً لإنتماءه إلى التنظيم الداعشي الذي ظهر وكأنه فاتحاً ومحرراً حين يبدأ خطبته: "يا أيها الناس نحن جئنا ها هنا إلا لأصلاح حالكم"... ص67.
ومثل غيره من المستعمرين والغزاة والمحتلين الذين يبدأون بنفس لحن الخطاب! وفي المقطع الثامن تتحدث سوسن البياتي عن الشخصية العراقية حين يتلون الناس وينقسمون إلى اصناف:
- صنف اظهر الولاء للتنظيم وكأنه صدّقة الكذبة! لكنهُ اضمر سراً حبه لوطنه! خوفاً من الفتك!
- صنف كبير من الناس آثروا إلى اغلاق أبوابهم وعدم التدخل فيما يجري خارج اسوار منازلهم.
- وآخرون كانوا يبحثون عن سبل للهروب من هذا الجحيم... ص77.
وهنا تقف شهرزاد العاجزة عن اتخاذ قرار بسبب فقدان الزوج/ المعيل رغم سوءه، ثم فجأة تظهر وكأنها وحيدة بلا قرار. وتقع فريسة ضعيفة أمام التنظيم لأنها كانت زوجة منتسب!!
والحال بهذا الشكل فأن سوسن البياتي تستعرض مشكلة المرأة والجنس وفقدان الرجل – السند – المعيل – المدافع بالرغم من أنها تناولته في الاحداث بصورة سلبية.
ثم تستعرض البياتي في الجزء العاشر جرائم داعش اللاإنسانية على النساء وعلى الاطفال والرجال، جرائم يندى لها الجبين، وتظهر حجم المأساة الاجتماعية في هذا العالم التي انجبت مثل هذه الذئاب اللابشرية، وهدمت كل معالم الإنسانية وبلا حدود، أما ممارسة فعل الاغتصاب وفعل الجنس فهو نوع من السادية غير المعقولة أو المبررة.
وتسرد البياتي ما جرى في الموصل من تفجير لمراقد النبي يونس وابن الحسن في لجش والنبي شيت والنبي جرجيس، وحتى الآثار لم تسلم من فعلتهم الدنيئة! وتكشف ذلك من خلال حوار شهرزاد مع زوجها الجديد أبو جهينة حين يقول لها: "لا تقلقي فقد تخلصنا من تلك المراقد الوثنية ومواقع الشرك بالله، والمساجد التي تحوي اضرحة وقبوراً، لأن الناس لا تكف عن زيارة هذه القبور وعبادة اصحابها، والصلاة في مساجدها، أنهً شرك وضلالة كما تعلمين"... ص107.
طال التخريب الآثار والمنحوتات وكل ما يمت إلى تاريخ هذا البلد، وهرَّبت آثاره بل قُل سرقت وبيعت بأثمان بخسة لحوالي 1800 موقع أثري.
تصف شهرزاد زوجها الجديد أبو جهينة بطريقة متناقضة، فهو "حنون، وديع، لطيف مع اطفالها ويغدق عليهم بالمال، ويحضنها بشهوانية ذكورية مفرطة، غير أنهُ في الوجه الآخر مجرم قاطع رؤوس، وحين يجلس مع اصحابه يتباهون بإهداء الجواري بعضهم لبعض أو بيعها في سوق النخاسة..." ص116.
تعرض الروائية سوسن البياتي صوراً للموت والبلاء كثيرة حول ما جرى في الجانب الأيمن من الموصل؛ من قتل مجاني واغتصاب وبيع وشراء جواري، وقطع رؤوس، ومواقف كثيرة حمالة للمآسي بعيدة عن الدين تماماً.
وتشتبك البياتي في كشف المستور لمصيبة شهرزاد الأم/ المغتصبة في ولادتها، أين من أبو جهينة الذي ربما تجهل حتى اسمه الحقيقي، ولاحقاً يقتل على يد قوات الجيش العراقي أثناء تحريرهم الموصل، ويبقى تحت جناحيها ثلاثة أبناء، أثنان من الأب الشهيد/ الشرطي الذي استشهد أثناء الدفاع عن مركز الشرطة خلال الهجوم الداعشي في موقف بطولي، وبين زوجها – الثاني – الداعشي – المغتصب تاركاً لها ابناً وهي مكسورة الجناح، ثم تودع في مخيم مع اطفالها في ظل مأساة اجتماعية مثل نار تحت رماد، لا يعرف أحداً نتائجها في قادم الأيام.
وكل ذلك يجري في ظل نظام سياسي مرتبك لا يستطيع الوقوف، ونخره الضعف والهزال، وهنا تصرخ سوسن البياتي باسم شهرزاد – المرأة الرمز التي تعرضت إلى ما تعرضت إليه من سكاكين زمن غدر بالمرأة وحولها إلى جسد ميت لا نفع فيه.
تمثل هذه الرواية بمجمل أحداثها توثيق لحقبة زمنية سوداء مرت على العراق ولا زالت ظلالها مخيفة، وتستعرض ما عانته المرأة في هذا الحال المريض والمليء بالأحقاد والأمراض، وصوراً شتى من الانتقام، والأنكى من كل الذي جرى بقيّ الوطن صامتاً لا يستطيع تقديم حلولاً مقنعة لما جرى، وتحملت النساء ومعهم الأطفال ما تحملت...
صدرت الرواية بطبعتها الأولى عن دار الفرات للثقافة والاعلام في بابل في 170 صفحة عام 2021م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟