الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألمنبر و آلدعوة لله أو لصاحبه؟

عزيز الخزرجي

2022 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في بداية سبعينيات القرن الماضي - و كل حكاياتي و ذكرياتي و قصصي الحقيقيّة التي لها طعم خاص تنطلق من سني السبعينات يوم كان الشعب العراقي وخطبائه ومُدّعي دينه في سُبات عميق يهلهلون للشيطان الصغير صدام وشيطانه الأكبر بصوت واحد وغباء مفرط؛ [بآلروح ؛ بآلدم نفديك يا صدام] .. و نحن نصول في تلك الأوساط كآلغرباء و إلى يومنا هذا يُكررون نفس المحنة و الهتاف بأسماء و ألوان و أحزاب مختلفة .. في الأوساط العراقيّة ألمأزومة التي وصفناها بجهنم العراق نتيجة الجّهل المقدس الذي نشره حزب البعث من طرف و مدّعي الدِّين و الخطباء من الطرف الآخر و الذي لا يختلف كثيراً عن جهل و فساد الأحزاب التي حكمت بعد السقوط عام 2003م بسبب عدائها للفكر و الفلسفة و الفلاسفة!

من أوساط تلك المحن العظيمة إنبرى الدّاعية الأصيل عبد الصاحب دخيل (أبو عصام) يهتف يا (حسين) من قلبه العطوف على منابر ديالي و كربلاء و النجف و غيرها بعد دعوته لأحياء عاشوراء في موسم من تلك المواسم كل عام؛ لكن هتافه و دعوته(رض) كانت غير دعوات خطباء اليوم الجهلاء و حتى خطباء الأمس التقليديون لأنهم كانوا وعاظ الدّينار و الدّولار و الوجاهة, الذين كانوا يقيسون الأمور بحسب ربهم الأوحد (الدولار) و إن تظاهروا و تباكوا بعكس ذلك على منبر الحسين(ع) الذين ما زال مظلوماً كما قلنا من السنة و الشيعة و غرهم.. خصوصاً الخطباء و المعمّمين منهم و الذين عندما يقتربون من ساعة الوداع و الدفع يختلف الأمر و الموقف و تنكشف أساريرهم تماماً .. و هكذا شهدناهم و نشهدهم اليوم بلا حياء و وجل و بكل وضوح يفسدون على منابر الحسين ..

المشكلة هي فقدان الحياء لا أكثر ولا أقل و الحياء و الدِّين توأمان إن ذهب أحدهما ذهب الآخر .. و لا يكون ذلك إلا بسبب لقمة الحرام التي يستسيغونها حتى من ذيل الخنزير و من دم الفقراء هنا و هناك و أينما كان .. بحسب المقياس الكوني الذي يرى الوجود وحدة واحدة لا إنفصال بين مكوناتها .. فآللقمة الاضافية المسروقة من خلال منصب أو منبر أو راتب من هنا أو هناك هي نفسها لقمة الفقير المهضومة و في أية بقعة كانت في الأرض بسبب المستكبرين و حكوماتهم العميلة خصوصاً أعضاء الأحزاب المرتزقة و سواءاً كانوا يلبسون العمامة البيضاء أو السوداء أو الصفراء أو أي لون آخر .. فخطهم واحد .. و هدفهم و ربهم مُشترك!

في تلك السنوات العجاف .. إنبرى الداعية الأصيل أبي عصام و هو يخطب من قلبه كلّ ليلة و ساعة وسط أناس(عشائر) أميين لا يعرفون حتى القراءة و الكتابة ؛ لكنه بحكمته و صدقه و تواضعه قبل كل شيئ؛ إستطاع أن يهديهم إلى سواء السبيل و أن يُربّي جيلاً .. ليكونوا يداً واحدة على مَنْ سواهم من الظالمين و هكذا أثمر عمله في النهاية فما كان لله ينمو لا محال ..

في الليلة الأخيرة و بعد إنتهاء مجلسه و كما هو المعتاد تقدّم وجوه القوم (عشائر الخزرج و ربيعة و غيرهم) يُقدّمون له ضرفاً فيه مقدار من المال و كما كان معتاداً في أنحاء العراق و غيره من البلاد وقتها و للآن بعد كل موسم محرم! لكن ذلك الشيخ المؤمن الصادق و الفاضل في نفس الوقت و رغم إحتياجه الشديد للمال وقد قد أعطى حتى بيته لعائلة محتاجة للسكن فيه .. رفض رفضا قاطعاً إستلام الظرف الذي كان يحوي مقدار من المال تكريماً لما قدمه خلال ليالي "الموسم" من خطب و مآثر يستحيل على أكبر شيوخ و علماء اليوم أن يأتوا بمثلها ؛ قائلاً لهم : [أشكركم على هذا التكريم .. لكن هل تعتقدون بأني أتاجر مع آلحُسين و أتعامل معه كتاجر .. أبيع و أشتري قضيته بهذا المال أو ذاك الراتب و الجاه .. لا و الله لو أعطوني الدّنيا كلها ما فعلت ذلك]؟

إن هذا الموقف هو نفس موقف رسول الله (ص) حين أرادت قريش أن تُساومه بآلمال و الجاه, فأجابهم من خلال عمه أبو طالب قائلاً : [و الله يا عم لو جعلوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما فعلت], بينما خطباء و شيوخ و دعاة العار هذا اليوم يبيعون الله و كل المقدسات بدولارات و براتب ومعظمهم جواسيس و خبثاء لا يعرفون الفكر ولا معنى الصدق ناهيك عن ثورة الحسين(ع) العظيمة سوى حادثة للعبرة أيام الموسم و كفى الله المؤمنين شرّ القتال.

بعد أن ردّ الظرف بما حواه لهم .. خجل القوم من كلامه و إنبهر الجمع و كانت لأوّل مرّة تشهد عشائر العراق بل العراق كله مثل ذلك الموقف الحسيني الكونيّ .. و قالوا : أنت لست كآلآخرين يا شيخنا ؛ أنت ملك مؤمن حبانا الله بك, و الذي نرجوه منك, هو قبول دعوتنا لاحياء عاشوراء و غيرها من المناسبات في المرات القادمة .. أجابهم: إن شاء الله.

لكن جواسيس الحوزة و الشعب العراقي المغبون بدؤوا بكتابة التقارير عليه و كما يفعل أحفادهم من خطباء الجهل الآن مع أولياء الله .. لأنه - أيّ ذلك الشيخ المؤمن - كان من أحبّاء الله بصدق .. فإستشهد بعدها و لم يُعاود زيارتهم مرة أخرى ..
لكن يا أهل القلوب ؛ إنْ كنتم تسمعون: أ تَدرون ماذا خلّف ذلك الشيخ العظيم بتعامله الصادق مع الحُسين(ع) و كان شاباً وسيماً وقتها!؟

لقد بث الوعي في أوساط الناس و أنتج جيلاً مؤمناً واعياً للحكمة و فلسفة الدّين .. جيلاً ممتدا ليومنا هذا .. حتى ولّدوا ثورات عديدة .. منها ؛ ثورة جيزان الجول و ثورة الدّجيل و ثورة الخالص وووغيرها من العمليات و المواقف البطولية.
رحم الله الصادقين الذين عاهدوا الله على خدمة عباده بصدق .. و حقاً ما قاله المعشوق الأزلي في وصفهم:
[من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم مَنْ ينتظر و ما بدلوا تبديلاً] صدق الله العلي العظيم].

فأين نجد ثانية من أمثال ذلك الشيخ العظيم الذي أحيا الناس ولم يقتلهم كما دعاة العار اليوم و أمثالهم في الحكم .. بعد ما ظلّت منابرنا و باتت منابر للدعوة إلى هذا الشخص و ذاك الحزب و هذا السلطان و ذاك و بكل غباء و بلا حياء.

فآلخزي و العار للشّيعة و السُّنة و لوعّاظ السلاطين من الشيوخ و المبلغيين و منابرهم .. ألذين جعلوا الحُسين مَعبراً لمآربهم الآنيّة و الحزبية و العشائرية و الوجاهيّة و الريائيّة و تفريخ غيضهم .. هؤلاء ألذين يملؤون الدّنيا بصراخهم و عويلهم الفارغ الذي لم ينتج و لم يخلق و لم يؤثر حتى في ذبابة على القمامة و ليس في بشر أو حتى إنسان فتسببوا في تعميق الفساد و العداء و العمالة و الكذب و الغيبة و التجسس و الأحتلال و الظلم و تكريس تسلط الفاسدين من آلحكومات و الأحزاب و الديكتاتوريات و سلب حقوق المرأة و الأبناء, و مجالسنا هنا في تورنتو و كندا و أمريكا و الغرب و غيرها حتى داخل بلادنا خير مثال و دليل بنتاجها و مصداقيتها على ذلك الأنحدار الأخلاقي و القيمي .. حيث لم تُخرّج سوى المُضلّلين و المنافقين و الحراميّة و الفاسدين كإنعكاس لثقافة وعاظ السلاطين الذين يعبدون أنفسهم و الرواتب الحرام و الدولار من دون الله تعالى.

و هذا هو الفرق الكبير بين مَنْ يدعوا لله الذي مَثّله نهج الحسين(ع) و سار عليه العشاق و المخلصين بصدق كعبد الصاحب دخيل و بين من يدعوا لنفسه ولصاحبه والجهة التي تملأ جيبه بآلمال الحرام .. و كما في مساجد بلادنا و في غيرها من المدن الأمريكية و العالمية!
و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.

ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل