الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-النص المسرحي القصير -بين الإستنساخ والوجه الآخر للمفهوم

حسام الدين مسعد
كاتب وقاص ومخرج وممثل مسرحي ويري نفسه أحد صوفية المسرح

(Hossam Mossaad)

2022 / 8 / 9
الادب والفن


النص المسرحي القصير بين الإستنساخ والوجه الآخر لمفهومه
»»««««««««««««««««««««««««
لقد حاول المسرحيون العرب، منح المسرح العربي هوية عربيه خالصه مما جعلهم يذهبون بإتجاه التراث، لإيجاد قوالب مسرحيه، وموضوعات عربيه خالصه ،في محاولات بائسة منهم لنفي التبعيه للمسرح الغربي . لكن مثل هذه المحاولات التأصيليه، لم تعد جاذبة للمتلقي الراهن في تحقيق ألفته التي غادرته فعزف عن قراءة النص ، او ارتياد قاعات العرض المسرحي، واصبح ملول يضجر من طول النص أو العرض واصبح لا خيار أمام الكتاب سوي الإختزال اللغوي للنص الدرامي شريطة أن تكتب المسرحية لتمثل، وليست لتقرأ، وهذا هو جواز مرورها أي المسرحية لأنها تحمل أحداثا مثيرة ،ومشوقة للمتلقي لشرعيتها في تطور صراعها السريع والمنطقي لناموس الحياة.
ومن هنا اصبح النص المسرحي القصير "المختزل "إحتياج ضروري لجذب المتلقي /القارئ الذي سأم من طول المدة الزمنيه لقراءة النص، ومن الإطالة في مفردات لسانيه، وحواريه لاطائلةمنها،
ودون إختزالها بإستخدام إسلوب لغوي رمزي، يعمد إلي التكثيف الشديد في الخطاب، لبيان الدلالة في الملفوظات من خلال الفهم وكيفية تأويل المعني المعطي.
وبالتالي فإن الإختزال في النص المسرحي سيؤدي بالضرورة إلي إختزال الأفكار المقدمه، وتكثيفها إلي فكرة واحده تنطلق من الفعل الفردي او بضعة أفعال مركزه، وتفاصيل قليله، وشخصيات محدوده ،وذروة قريبه من النهاية، ويخوض في صراع مركزي واحد، فالحبكة الناشئة عن الإختزال والتكثيف ،و التي هي الإطار العام لعرض موضوع النص الذي تتصف بدايته بالتكثيف، والتماسك ،أما وسطه، فيتعلق بالعقدة، أو الذروه، ونهايته تكون قصيره ،و كلما كان الصراع حاداً عنيفاً بين القوي المتناقضة ،كان الفعل الدرامي أكثر تأثيرا ً ،وتحقيقاً للإستجابة الذهنيه للمتلقي . ،وشريطة أن جميع ما سبق ينصهر في بوتقة وحدة الآثر العام للنص.
•لكن كيف للكاتب أن يتوقي الإستنساخ او التقليد في خلق نص مسرحي مختزل أو قصير ؟
إن الإجابة علي هذا السؤال تقودنا أولا للتعرف علي جذور نشأة المسرحيه القصيره ثم عقد مقاربة بين النص المسرحي القصير ،النص الأسباني "الميكروتياترو "
•جذور النص المسرحي القصير و نشأته
يمكن إرجاع أصل النص المسرحي القصير إلي بداية الدراما في اليونان القديمه وتحديدا المسرحيه "الساتيريه"،وهي الجزء الأخير من الرباعية التراجيديه التي اعتاد كتاب التراجيديا تقديمها في المسابقات المسرحيه وكانت تتألف من ثلاث مسرحيات تراجيديه،تتبعها مسرحية ساتيريه تشبه إلي حد بعيد التراجيديا في نمطها لكن موضوعها يدور بوجه عام حول الأساطير ومن نماذجها مسرحية "السايكلوب "(العملاق )ليوربيدس .
وتشير بعض المراجع إلي أن النص المسرحي القصير نشأ في اسبانيا خلال القرن السادس عشر وتحديدا مع الفواصل التمثيليه القصيره التي كانت تمثل بين فصلي المسرحية الطويله ومن كتابه "خوان ديل أنثينا"،و"لوبي دي رويدا "
أما في إنجلترا يعد أقدم نص مسرحي قصير هو "كومس" للشاعر الإنجليزي جون ميلتون والذي كُتب عام 1634 م وكان موضوعه يدور حول العفة
وفي منتصف القرن السادس عشر كتب "موليير"في فرنسا نصوصا مسرحيه قصيره وعرضت أمام رجال البلاط الملكي الفرنسي في الأعياد والمناسبات
أما في ألمانيا ففي نهاية القرن السابع عشر يتصدر نص "فيلوتاسا" القصير للألماني "ليسنج" باكورة المسرحيات القصيره الألمانيه .
وفي روسيا نشر الشاعر "إلكسندر بوشكين"أربعة نصوص مسرحيه قصيره سميت بالتراجيديات القصيره كانت اولاها عام 1830 بعنوان "الفارس البخيل "
ثم تلاه مواطنه "أنطون تشيخوف"والذي حقق النص المسرحي القصير قفزة نوعيه علي يديه في أواخر القرن التاسع عشر .
ويعد السويدي" أوجست ستريندبرج" الذي كتب النصوص المسرحيه القصيره في أواخر القرن التاسع عشر وعُرفت ب "مسرحيات الغرفه" أول من خرج بالنص المسرحي القصير من الفضاء التقليدي الي فضاء موازي مصغر .
ومن أبرز الكُتاب اللذين تلو تشيخوف، وستريندبيرج .الإيرلندي"وليام بتلر بيتس"، الأمريكيون "بيرسيفال وايلد" ، "اونيل كوارد"،و"يوجين اونيل"، الألماني "بيرتولد بريخت"،و"تيسي وليامز ".
بعد الحرب العالميه الثانيه شهد الأدب المسرحي العربي إذدياداً مطرداً في النصوص المسرحيه القصيره ويعد أبرز كتابها "أرثر ميلر " ، تيسي وليامز ، يونسكو، صموئيل بيكيت .
وفي عام 2009 شهد مسرح "ترايسايكل "في لندن عرض سلسلة مسرحيات قصيره عُرفت باللعبة الكبري
وتشير المراجع إلي عشرات الكتاب العرب الذين كتبوا نصوص مسرحيه قصيره منذ أواخر القرن التاسع عشر أبرزهم "يعقوب صنوع"والذي يعد من أقدم الكتاب اللذين كتبوا في هذا القالب القصير وأطلق عليه اسم "اللعبه التياتريه مترجما كلمة play الإنجليزيه إلي "لعبه". مماترتب علي سوء الفهم والنقل والترجمة عن الأصول الأجنبيه في حالات كثيره ظهور مصطلح "الإستنساخ الثقافي" .
•مقاربة بين النص المسرحي القصير ونصوص الميكروتياترو الأسبانيه
•فالنص المسرحي القصير ،والذي يماثل في السرد الأدبي النص القصصي القصير . :هو النص الذي يكتب في صفحات قليله ويستغرق عرضه علي المسرح وقتاً يتراوح بين عشر دقائق ونصف ساعه ،وغالبا ما يكون من فصل واحد فقط.تمييزا له عن النص المسرحي الذي يتألف من فصلين أو أكثر .
•ويعتمد النص المسرحي القصير علي الحوار أو الفعل الدرامي فهو يقوم علي مفهوم "شريحة الحياه " وفق مفهوم الناقد الفرنسي "جان جوليان" في كتابه المسرح الحي مبيناً أن (مسرحية "شريحة الحياه " تعبير جديد للشكل المسرحي القصير أو المختصر ).
•للنص القصير خصائص منها غياب الحدث وقيامه علي الفعل الفردي أو بضعة أفعال مركزه وتفاصيل قليله وشخصيات محدوده لا تزيد عن أربع أو خمس شخصيات وذروة قريبه من النهاية ويخوض في صراع مركزي واحد دون تغيير في المناظر المسرحيه ،كما يتميز النص القصير بوحدة الآثار العام .
فالمسرحية القصيره وفق وصف الكاتب المسرحي الأمريكي "بيرسفال وايلد" (الوحدة إلهامها،والوحدة هدفها ،والوحدة روحها .)
•إن الإختزال أو التكثيف الشديد المميز للنص المسرحي القصير يؤثر بدوره في نوعية الموضوعات التي يتناولها النص كما يؤثر علي طريقة إخراجه وعرضه في فضاء تقليدي أو غير تقليدي وبالتالي فإن الحبكة التي هي الإطار العام لعرض موضوع النص الذي تتصف بدايته بالتكثيف والتماسك ،أما وسطه فيتعلق بالعقدة أو الذروه، ونهايته تكون قصيره وغالبا ما تعبر بصورة مؤثره عن ردود الفعل العاطفيه ،والصراع كلما كان حاداً عنيفاً بين القوي المتناقضة ،كان الفعل الدرامي أكثر تأثيرا ً وتحقيقاً للإستجابة الذهنيه المتلقي .
ومع ظهور مفهوم "البوليفونيه" في الأدب والذي يعني وجود مجموعه من الأصوات السرديه التي تتفاعل وتعبر عن همومها الذاتيه والموضوعية دون أن يهيمن صوت علي الآخر وإنطلاقا من أن النص ليس فيه صوت واحد بل هناك أصوات متعدده ومتقابله ومتعارضه ،مثل :الذات المتكلمه، والمتلفظ،و(المستمع )المتلقي .
فالذات المتكلمله هي الذات الفيزيائيه الحسيه التجريبيه التي تنتج الملفوظ (الكاتب أو المبدع ).
أما المتلفظ فهو ذات لسانيه ورقيه داخل الخطاب وكذا ينطبق ذلك علي المتلقي .ولذا فالبوليفونيه نظرية دلاليه وخطابيه وبنيويه تزودنا بآليات الفهم وكيفية تأويل المعني .
ومن ثم فإن مقاربة النصوص الإبداعيه والفلسفيه والأدبية تعتمد علي مجموعة من الخطوات المنهجيه هي ماقبل الفهم ،والتفسير ،والتأويل وفقا للبوليفونيه التأويليه عند" بول ريكور ".
•وتتميز لغة النص المسرحي الحداثي القصير بحواريتها الدلاليه والإحاليه والرمزية والسيمائيه المتعدده والتي تنسج علاقات تفاعليه وتناصيه متعدده مع باقي بنيات النص .
وعليه فإن المقاربة البوليفونيه هي التي تدرس الملفوظ او النص في حواريته وتعدديته الصوتيه واللغويه والأسلوبيه والدلاليه والإيدولوجيه سواء علي مستوي البنية، أم الدلالة،ام الوظيفه .لاسيما اننا نتحدث عن نص مسرحي قصير يعتمد الحوارية ويُختزل بأسلوب رمزي مكثف في كتابته الدلالية والإيدولوجيه
-وحتي لا يختلط الحابل بالنابل أو تختلط النصوص المسرحية القصيره مع نصوص "الميكرو تياترو".
•إن التجربه الأسبانيه الميكروتياتريه هي تجربة وليدة ظروف خاصه في مدريد عام ٢٠٠٩ ،ولدت علي يد المخرج المسرحي والتلفزيوني Miguel Alcantud حيث جمع أكثر من خمسون فنانا بما فيهم الممثلون والكتاب والمخرجين ولمدة أسبوعين لتقديم أعمالهم المسرحية داخل بيت دعاره سابق قبل هدمه في إطار التوعية المجتمعية. حيث قامت الفرق المستقله بتقديم عروض لا تزيد مدته عن خمسة عشر دقيقه لجمهور لا يزيد عن خمسة عشر فرد وعمل الجميع في منزل الدعارة المكون من ثلاثة عشر غرفة تحت موضوع واحد تحت مسمي" من أجل المال ".

•"الميكروتياترو" Micro Teatro هو شكل مسرحي مصغر، ويقدم في فراغ في حدود خمسة عشر مترًا لعدد من الجمهور لا يزيد عن خمسة عشر متلقي ،يجلسون في صفين متقابلين اًما عن الممثلين فمن المعتاد أن يكونوا من واحد إلى ثلاثة على الأكثر، ويتم تقديم مجموعة من العروض تعمل على مناقشة محتوي موحد وبمسمى موحد وبالتالي كانت مجموعة العروض تناقش هذه الفكرة حيث تم تناولها من وجهات نظر متنوعة بأساليب فنية مختلفة وعلى الجمهور أن يختار ما يناسبه وبعد ذلك كان يتم تحديد المسمى الذي يجمع مجموعة العروض التي ستقدم حيث يتم عرض نفس المسرحية ست مرات متتالية في نفس اليوم، وبعد ذلك أصبح عدد ساعات اليوم يقدم فيه أنواع مختلفة من المسرح موجهة لأعمارمختلفة فمثلا منذ الصباح وحتى الثانية ظهرا تقدم حفلات الاطفال تليها حفلات للطلائع والشباب ثم أخرى لكل الأسرة أما في الساعات المتأخرة من الليل . تقدم عروض ذات خصوصية جنسية أو توعوية.
• يلاحظ أن النص "الميكروتياتري"يختلف عن النص القصير من حيث فضاء التلقي اوالمكان العام للنص ،النص القصير يمكن أن يعرض في فضاء تقليدي أو غير تقليدي ولا يشترط وضعيه محدده للمشاهده او التلقي علي عكس "الميكروتياترو"الذي يحدد وضعية محدده للمشاهده تعتمد علي الحميميه بين المتلفظ والسامع فضلا عن أن النص القصير لا يحدد عدد معين لجمهور العرض .
•إن محاولات التقليد الأعمي للتجربة "الميكروتياتريه" الأسبانيه من حيث الكتابة النصيه وفضاء التلقي تشكل إستنساخ مستورد سعي بعض الكتاب إلي تقليده أو إستيراده إذ لم يحقق التواصل الجمالي بين القارئ والنص ،وبين العرض ،الجمهور ولم يتأثر الكاتب العربي به التأثير الذي يجعله يبتكر اسلوب جديد ينأي به عن فعل الإستنساخ الثقافي .
•الإستنساخ الثقافي والوجه الآخر لمفهومه
ويعد الإستنساخ الثقافي مصطلح زئبقي المفهوم إذ يتأرجح ما بين النقل الحرفي للمفاهيم وما بين التوظيف الإحترافي لإنثيالات هذا المصطلح ، فالبعض يرده إلي السرقه إلي ما أنجز الآخرين لمفاهيم فكريه .
ولأن كل ما أنتج الفكر هو إنتاج متنوع القراءة لسؤال القلق الوجودي عند الإنسان ولذا فإن الوجه الآخر لهذا المصطلح (الإستنساخ الثقافي ) هو إعادة إنتاج الأفكار والأساليب التي تم انتاجها سابقا عن طريق التوليد والتهكم من أجل إستنتاج الأفكار الجديدة .فالإستنساخ تحول إلي فعل إستفزازي فكري وإلي اسلوب بحث منطقي يبحث ويجيب أسئلة الإنسان المعرفي بغية اكتشاف الوجود الإنساني وماهية الكون الذي يعيش فيه .
ومن ثم يتحول التلقي إلي تفكير جديد وهذا ما التفت إليه الكاتب العربي "مارون النقاش" عندما نقل واستنسخ الثقافة المسرحيه الغربيه إلي الثقافة العربيه .عندما قدم نصوص شكسبير او موليير ،إذ لم تحقق التواصل الجمالي بين العرض والجمهور فإنقطع الفعل الدرامي عن أن يحقق حضورا فاعلا في ذات المتلقي وثقافته ،فأعاد "النقاش "إنتاج قصص "الف ليله وليله"مسرحيا وعندها تمكن خطابه المسرحي من تحقيق فعل التواصل الحي وأسس لمفهوم جديد له ذائقته الفكريه الخاصه.
ولكي يكون الخطاب المسرحي الجمالي خطاب ينتمي إلي الفرد يجب ان يواكب التحولات التي يتعرض لها الإنسان يومياً وهذا لا يتحقق إلا إذا تم إنتاج الخطاب من رحم إشكاليات المجتمع العربي وقضاياه اليوميه ،عندها سيكون الخطاب فعل إبتكاري قادر علي تحريك الراكد وإنتاج فاعل يغير نحو الأفضل .
•يقول "بول ريكور" يكمن الإختلاف بين "الأصوات السرديه في الأعمال العظيمه مثل الملاحم ،الروايات،المسرحيات.في أن المؤلف يتخفي بوصفه الراوي ،ويلبس قناع مختلف الشخصيات ،ومن بينهم جميعا قناع الصوت السردي المهيمن الذي يروي لنا ما نقرأه ،ونستطيع أن نكون الراوي في محاكاة هذه الأصوات السرديه دون أن نتمكن من أن نصير المؤلف" .
وعبر هذه التحولات الخياليه لذاتنا وفق "ريكور" نحاول أن نحصل علي فهم ذاتي لأنفسنا وهو النوع الذي يتهرب من الإختيار الواضح بين التغيير الجارف والهوية المطلقه وبين الإثنين تكمن الهوية السرديه .
وبالتالي ينبغي علي المؤلف للنص القصير المختزل أن يستحضر الذات ،والغير ،العالم الخارجي ،ويركز علي الإحالة ،والمرجع،والمقصديه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في