الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيرجع العراق الى زمن بيان - رقم واحد-؟

محمد رضا عباس

2022 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


شاهدت فترة الستينيات من القرن الماضي عدد من الانقلابات الفاشلة والناجحة في العراق . جميع هذه المحاولات كانت تبدء بظهور شخص سواء كان مدني او عسكري يقرا بيان يعدد فيه خطط الانقلابين لحاضر ومستقبل العراق , وكلها لو طبق منها عشرة بالمئة لكانت بغداد تنافس باريس ولندن ونيويورك , ولما كانت هذه المدينة العريقة في حالة مرض مزمن قبل وبعد التغير. هذا البيان من العادة كان يعطى له رقم " واحد" . وللحقيقة فان ظاهرة " بيان رقم واحد" جاءت بعد ثورة 14 تموز التي قادها الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم .
في زمن حكم الزعيم والتي بلغت حوالي خمسة أعوام تنفس العراقيون بعض طعم الحرية , ولكن بنفس الوقت وصلت الخلافات السياسية بين الحزب الشيوعي العراقي و القوى المحسوبة على الخط القومي الى اسوء فترة زمنية قتل فيها خيرة المثقفين ,وانقسم المجتمع العراقي بين مؤيد للخط القومي وهو المكون السني على العموم وخط مؤيد لإنجازات الزعيم الراحل وهو المكون الشيعي على العموم . ذكرت كلمة على "العموم" لان ليس جميع أبناء المكون السني وقفوا ضد الزعيم الراحل وليس جميع أبناء المكون الشيعي وقف مع الزعيم الراحل.
كل جانب كان له سبب في قبول او رفض إدارة الزعيم في إدارة البلاد . المكون السني رأى ان توجهات الزعيم كانت توجهات عراقية غير عروبية خاصة بعد ان غضب الرئيس المصري جمال عبد الناصر على الزعيم وبدء ينعت الزعيم بكلمات خادشه . المكون الشيعي , من جانبه, دعم الزعيم في إنجازاته التي استفاد منه الشيعة وعموم الشعب العراقي و منها القضاء على الاقطاع , تشريع قانون الإصلاح الزراعي , توزيع الأراضي على الفقراء , إضافة الى اصدار قانون تأميم النفط العراقي و خروج العراق من حلف بغداد .
الزعيم لم يبقى في السلطة طويلا على الرغم من دعم جزء كبير من الشعب العراقي له . الطائفية الوظيفية لعبت دور كبير في اسقاطه في انقلاب شباط 1963 , حيث ان الجيش العراقي والقوى الأمنية كانت محتكرة على المكون السني دون المكونات الأخرى , وعليه فان أي قيادة في بغداد يرفضها العسكر كان مصيرها الانقلاب . وهكذا اصبح من العادة ان نسمع بوقوع انقلاب فاشل من قبل القوات المسلحة على المعدل مرتين في السنة الواحدة . وعليه , فمن المعقول الاستنتاج ان الجيش وليس الشعب من كان يقود الانقلابات في العراق قبل تغيير عام 2003. الشعب لم يكن له مكان في السياسة فقد منع عليه الانتظام الى الاحزاب سياسية , منع من التظاهر المعارض, حرية الاعلام , وان امتلاك طابعة كتابة كان يعد جريمة تستحق السجن الطويل او الموت .
بعد التغيير , تغير كل شيء . تم تحييد القوات المسلحة وقوى الامن وصبحت وظيفتهما حماية الامن الداخلي وتركوا السياسة الى السياسيين . وبعد ان حكم العراق حزب واحد طيلة 35 سنة , ظهرت أحزاب سياسية اكثر من مائة حزب مستفيدة من احدى المواد الدستورية التي تحث على تشكيل الأحزاب السياسية وإعطاء الحرية للمواطن بممارسة حرية التظاهر والتعبير , وهكذا اصبح العراق يلعب بمستقبله الشارع العراقي بدلا من القيادات العسكرية التي تعودنا عليها قبل التغيير .
هناك عوامل كثيرة أدت الى انفجار الشارع منذ التغيير ولحد الان وهي :
1. تدهر الخدمات الحكومية مثل توفير ابنية مستشفيات ومدارس , شوارع وسدود , العناية بالزراعة والصناعة , وكثير من الخدمات التي تعد من صلب الوظائف الحكومية.
2. انفجار العمليات الإرهابية منذ التغيير ولحد الان , مما اشغل جميع الحكومات في محاربتها وانهك ميزانياتها .
3. و بوجود العاملين أعلاه , ظهر الفساد الوظيفي والحزبي . تدهور الرقابة الحكومية شجع الموظفين على المطالبة بالرشاوى , وشجع الأحزاب السياسية على سرقة المال العام من خلال العقود الحكومية والتي كشفت عنها الوكالات الإعلامية , حيث أصبحت هناك نسبة مالية لكل عقد حكومي الى الأحزاب .
4. امام هذه الظاهرة الخطيرة , خرج الاعلام النقي والمعادي يحذر من هذه الظاهرة . الاعلام النقي كان يحذر الحكومات من مخاطر انتشار الفساد على العملية السياسية وضرورة محاسبة المتورطين , فيما ان الاعلام المعادي استغل الظاهرة للتشنيع والتضخيم والتسقيط وحث المواطن برفض الوضع القائم.
5. ومع استمرار الخلافات السياسية و السبات الاقتصادي , وكثرة تصريحات الاعلام المعادي للعملية السياسية الداخلي والخارجي اصبح المواطن العادي سواء كان من المكون الشيعي او الكردي او السني لا يعير أهمية للوضع السياسي القائم واصبح ينظر اليه نظرة استخفاف , وحتى الرفض , خاصة وانه يلاحظ بعدم وجود تغيير في وجوه القادة والبقاء على منافعهم.
ما هي النتيجة ؟
نفترض هنا ان التدخل الخارجي غير موجود , فان استمرار التظاهرات المطلبية (السياسية والغير سياسية ) اليومية في بغداد وبقية المحافظات ومنذ فترة طويلة وعدم قدرة الحكومات تحقيها أدى الى اتعاب القوى الأمنية و بالمواطن الانفصال عن النظام شيآ فشيا , واعتبرت ان النظام القائم جاء ليس لخدمته وانما لخدمة عوائل معروفة وان جميع الأجهزة الحكومية ما هي الا أداة لتحقيق رفاهية هذه العوائل , مما أدى به الى عدم احترام المسؤول الحكومي سواء كان مدني او عسكري , ومن اجل حماية حقوقه التجئ الى العشيرة التي اصبح لها مكانة قوية في الدولة العراقية من خلال ابناءها ومن خلال الساسة الداعمين لهم . ولكن هذه الحالة سوف لن تدم طويلا , لأنها حالة غير طبيعية ولا تليق بالعراق ذو التاريخ العريق . في الأخير , وامام فقر المواطن العراقي وانهيار وظيفة الجيش والشرطة في حفض النظام , تصبح حكومات المحافظات هي المهيمنة على سكانها وبدلا من ان يكون عراق واحد وحكومة واحدة يصبح في العراق 18 مقاطعة تحكمها قيادات تختلف مع بعضها البعض تقريبا بكل شيء. هنا ومن اجل المحافظة على الامن الجماعي في الشرق الأوسط وبضغط من دولها تضطر الدول العظمى صاحبة مشروع " العراق الجديد" بالتحرك لإنقاذ ما تبقى من العراق وهو طرد الحاكمين , الغاء الدستور, والمجيء بحكومة طوارئ عسكرية , وترجع حليمة الى عادتها القديمة , حزب واحد و ديكتاتور يحكم بالعباد والبلاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس