الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة المالكي والمشروع الوطني

تقي الوزان

2006 / 9 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


جرت العادة في اميركا بتسريب خبر صحفي عن اي موضوع يريدون اثارته , والأمتناع عن ذكر المصدر الذي سربه, ثم تجري مناقشته في الصحف , والمنتديات , لتحشيد الأهتمام به قبل ان تعلن التوجهات الرسمية بشأنه . والتسريب الصحفي الأخير الذي نشره موقع "الناس" عن صحيفة "الشرق الأوسط" يوم الخميس 21 /9/ 2006 يقول " بدأ مسؤولون عراقيون وامريكيون كبار بالتساؤل في ما اذا كان نوري المالكي , رئيس الوزراء الحالي , يمتلك من القوة والحزم السياسيين ما يكفي كي يبقى العراق موحداً , مع وقوفه عند حافة حرب اهلية شاملة " ويتابع " وقال مسؤول رفيع سابق , طلب عدم الكشف عن هويته , لأنه غير مسموح له بمناقشة الحوارات الداخلية : الشئ الذي تسمعه غالبا هو ان المالكي لم يتخذ اي قرار . وهذا ما يزعج بوش كثيراً . فبوش لايقبل اي شخص يتحدث عن نيته بالقيام بمبادرات ما . ثم يرفض لاحقا اتخاذ الخطوة الأولى لتنفيذها ".
هذا التسريب يجب ان يؤخذ كأنذار حقيقي من الراعي الأمريكي للحكومة العراقية , لدفعها بأتخاذ خطوات اكثر جذرية بشأن حل المليشيات , ومثلها بموضوع "المصالحة الوطنية " , وايقاف الأنحدار الخطير للوضع الأمني . وبدونها ستفعّل خيارات أخرى , اهمها اسقاط حكومة المالكي المنتخبة واقامة حكومة" انقاذ وطني " . وهذه خسارة كبيرة لكل العملية السياسية التي بناها العراقيون بدمائهم منذ سقوط النظام ولحد الآن . الا انها وحسب ما يعتقد الكثيرون ستكون الوسيلة البديلة للمحافظة على وحدة العراق واستقرار امنه .
لاشك ان مسؤولية فشل الحكومة تقع على عاتق الأحزاب الرئيسية التي تشكلها , والتي تمكنت وبمختلف الوسائل من تغييب المشروع الوطني الذي دعت اليه الأحزاب الديمقراطية والعلمانية . وركضت وراء منجزها الطائفي والقومي , دون الألتفات لوحدة المصير المشترك الحامي الحقيقي لكل المكونات العراقية .
غياب المشروع الوطني , والتشتيت الذي تمارسه بعض الأطراف المتنفذة في خلط تسلسل الأولويات , خلق حالة من الفوضى الكبيرة والتي تصعّب من العودة الى مجرى الحياة الطبيعية . وبدل الأهتمام بضعف الحكومة وضرورة تقويتها , وانهاء الصراع الطائفي , والأنحدار الأمني , والقضاء على عصابات الجريمة المنظمة وغير المنظمة , وانهاء سلطة المليشيات , واعادة اجواء الثقة , وتوفير الغذاء والدواء و..و..والخ , وانقاذ الجسد العراقي من العطب الذي اصاب تفكيره, وشل مكونات اطرافه الأجتماعية والسياسية . بدل هذا يجري الأصرار على طرح الفيدرالية الطائفية من قبل اطراف باتت تعبر بشكل اوضح عن مصلحتها الشخصية .
لاخلاف على مبدأ "الفيدرالية" في ادارة العراق , وتقاسم السلطة بين اطرافه , مثلما ثبت في الدستور , واعترف به للفيدرالية الكردية . والخلاف لو اقرت الفيدرالية وبأي شكل من اشكالها بوجود سلطة المليشيات المتعددة , والصراع الدموي الذي اخذ يحكم علاقات ابناء المذهب الواحد . بلا فيدرالية وبدون اي غطاء قانوني تقاتلت المليشيات الشيعية , وسقط الكثير من القتلى والجرحى طمعاً في الثروة والجاه والنفوذ , وفي اغلب مدن الوسط والجنوب, بل وفي الحي الواحد , والعائلة الواحدة . فتجد احدهم يأخذ راتبه من " المجلس الأعلى " وأخيه من " التيار الصدري " , وآخر موال ل"الفضيلة " واخيه ل" ثأر الله ".
السيد عبد العزيز الحكيم رئيس " المجلس الأعلى " ورئيس قائمة "الائتلاف " يصر على فيدرالية" الوسط والجنوب "
لأنه يدرك جيدا ان الموجة المذهبية التي تفجرت بعد سقوط النظام نتيجة الكبت الدموي لها لعقود طويلة , والتي تضافرت مع توجيهات المرجعية الدينية في النجف تم تسخيرها لتكوين قائمة "الائتلاف " الطائفية , والتي حصدت كل هذه الأصوات وسط الفراغ و"الأنشداه " الذي تركه سقوط النظام المقبور , سوف لن تتكرر مرة اخرى , وكلما تعافى الجسد العراقي أبتعد عن الطائفية .
الأصرار على فيدرالية "الوسط والجنوب "وفي هذا الوقت سيكلف الشيعة وليس غيرهم اثمان يصعب تقديرها . فاذا كان الهدف لخدمة الشيعة كما تقول الشعارات الطائفية , فأن الصراع بين الأحزاب السياسية الشيعية سيكون على اوجّه لتوسيع مساحة النفوذ , خاصة وأن بعض القيادات الشيعية تعتقد ان الفيدرالية شكل من اشكال الأقطاعية اذا ما نفذت تحت سلطة مليشياتها . واما اذا كان الهدف هو سيطرة بيت الحكيم دون البيوتات الشيعية العريقة الأخرى على مقدرات الشيعة في العراق , فسيكون ذلك ضرباً من الجنون حتى لو حصلوا على تطمينات من حكومة " ولي الفقيه " في ايران , لأن الحرب الشيعية الشيعية سيكون لامفر منها .
ان المشروع الوطني العراقي يتداعى بين مصالح مثلث زاويته القائمة سلطة الأحتلال الأمريكي , وزاويتاه الحادتان الطائفية الشيعية والقومية الكردية المنتفخة , والبعثيين ومن لف لفهم لايشكلون اي شئ , ووجودهم في البرلمان والحكومة ليس اكثر من طلاب سلطة . وحكومة المالكي يرتهن استمرار وجودها بأمكانية اعادة المشروع الوطني الى الواجهة الأساسية , وانهاء السير بالمتطلبات الحرفية للمحاصصة . وهو المشروع الوحيد الذي سيعيد للعراق وجهه الحقيقي المشرق , ويعيد الأحترام والشرعية للسياسيين العراقيين وينقذهم من الوحل الطائفي والقومي الذي " ركسوا " فيه , وفقدوا مبررات وجودهم على رأس الجماهير العراقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب