الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق...ديموقراطية الحيرة... وحيرة الديموقراطية

اسراء حسن

2022 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


قبل مئة عام كتب شاعر العراق والعرب معروف عبد الغني الرصافي قصيدة اسمها (أنا بالحكومةِ والسياسةِ أعرفُ) أحدثت اثرا سياسيا واجتماعيا كبيرا في حينه وتضمنت كلمات قاسية موجعة لتشخيص النظام السياسي منها البيتين الشهيرين:
علم ودستور ومجلس أمة … كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها … أما معانيها فليست تعرف
هذه كلمات قالها الرصافي قبل قرن من الزمن لكنهها تحاكي ما نعيشه اليوم وما يوجهه الشعب العراقي من احباط من الأداء السياسي للحكومة والبرلمان والمشاكل والأزمات السياسية المتلاحقة، فقد جرب العراقيون كل أنواع الحكم من ملكي وجمهوري واليوم برلماني، ولكل نوه من هذه الأنواع برزت عيوب وافرازات.
فقد اثبت النظام الرئاسي عدم ملائمته للبيئة العراقية لاسيما أن العراق قد عانى قرابة ال45 سنة من مركزية شديدة خاصة في زمن الرئيس السابق صدام حسين والتي كانت غير مقيدة فجلبت الكثير من الحروب والازمات مع انعدام الحقوق والحريات مما جعلها سلطة دكتاتورية مستبدة، كما أن النظام الرئاسي يمنح الرئيس فرصة كبيرة لاستغلال السلطة والتمسك بها، ويتطلب هذا النوع من الأنظمة التزام رئيس الجمهورية بالقانون واحترامه للدستور وهو الامر الذي من الصعب ان يتوفر في البيئة السياسية العراقية.
اما النظام البرلماني الذي يتبناه العراق بعد إقرار الدستور الدائم عام 2005 فهو نظام يتجسد فيه التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية ويقوم على مجموعة أسس تحول دون الاستئثار بالسلطة أو الاستبداد بها من قبل جهة واحدة، الا انه اثبت فشله أيضا، فعلى الرغم من مرور سنوات على هذا النظام الا انه اقترن بالضعف والفساد وتشتت منظومة الحكم بل رسخ المحاصصة والتوافقية والطائفية وأخيرا الانسداد السياسي.
لذلك لابد من وقفة جادة من قبل السياسيين وخبراء القانون الدستوري والنظم السياسية، لتصحيح الخلل ومراجعة أسباب الفشل، والتوصل الى إجابات للأسئلة التي تدور في خواطر المواطنين العراقيين، فهل يكمن الفشل في النظام نفسه كونه يعطي دورا كبيرا للبرلمان لقيادة العمل السياسي؟ أم ان الفشل في تطبيق هذا النظام أي القوى السياسية واختياراتها واساليبها التي من الواضح انها لم تتمكن من هضم التجربة البرلمانية.
وقد توصلت الى جملة ملاحظات واستنتاجات بخصوص قصور النظام البرلماني في العراق يمكن او اوجزها بالنقاط التالية:
أولا: انعدام الموائمة بين النظام البرلماني والتكوين البنيوي للمجتمع العراقي لذلك ظهرت مشاكل ناجمة عن تعارض بين قيم الحداثة والموروث الرعوي التقليدي يعتليها مصالح فئوية واعتبارات قيمية والقرابة والقومية والدين والقبلية ومحاصصة سياسية.
ثانيا: عجز النظام البرلماني عن استيعاب عملية الصراع والتنافس على السلطة والاستئثار بمغانمها بين القوى السياسية ذلك الصراع الناتج عن اسباب طائفية تارة وسياسة وقومية تارة أخرى حيث أصبحت المناصب الادارية في الدولة تباع وتشترى بألاف الدولارات وهذه العمليات مدعومة من أطراف داخلية وخارجية بالإضافة إلى الدرجات الوظيفية التي تسند الى المواطنين على اساس الحزبية والمحسوبية والقرابة.
ثالثا: مبدأ المحاصصة الذي يقوم على مبدأ المكونات وليس على اساس المواطنة وطمس هوية العراق.
رابعا: فشل البرلمان بإنتاج حكومة أغلبية سياسية قوية مع ترهل في الدولة وزيادة عدد النواب والوزراء والتخصصات المالية كذلك مجالس المحافظات التي خضعت أيضا الى المحاصصة في تركيبها ما أدى إلى صعوبة في مراقبة ومحاسبة المسؤول الفاسد.
خامسا: عدم الالتزام بالدستور والقوانين والتعليمات الصادرة عن الدولة، بالذات في شمال العراق " إقليم كردستان" حيث أصبح بشكل انتقائي حسب المصلحة.
ولا شك ان هناك نقاط أخرى تؤشر لخلل تطبيق النظام البرلماني في العراق ومن قبله النظام الرئاسي، ومازلنا بعد مئة عام نردد ابيات قصيدة الشاعر معروف الرصافي التي تشير الى انفصال الحقيقة عن المسميات، فلا ديموقراطية متجسدة ولا حرية نافعة ولا عدالة متحققة ولا شعب مزدهر، فاين (نعمة) الديموقراطية التي وعدتمونا بها؟
وما عسانا ان نفعل واي نظام نتبنى؟
هل نتمسك بالنظام البرلماني مع اجراء إصلاحات جوهرية؟ لكن الإصلاحات وفق الدستور والتركيبة السياسية الحالية صعبة التحقق.
هل نعود الى النظام الرئاسي؟ لكننا نخشى عودة الديكتاتورية.
ومن هذا المنطلق علينا ان نوجه لكل المعنيين في العراق سؤال محوري وننتظر منهم الإجابة، هل يمكن لنظامنا البرلماني الحالي الصمود وتلبية مطالب الشعب؟ ام انه سينهار، وسنحتاج الى نظام سياسي جديد ينسجم مع الحالة العراقية.
لكن السؤال الأهم الذي سيتردد كثيرا هو أي نظام يناسبنا بعد ان جربنا كل أنواع النظم السياسية الأكثر شيوعا في العالم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا