الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انجيلا/ قصة قصيرة

علي قاسم مهدي

2022 / 8 / 10
الادب والفن


انجيلا


نسمات الليل على الرغم من برودتها كانت منعشة، اتنفسها بعمق، تجدد استحضار الماضي كلما كنت وحدي ،الشيء الذي يعيد اتزاني ويرفدني بطاقة متجددة من أمل ، بأن اعيد لحظة احْتِضان أُمي حين الوداع الأخير. قطعت سيرا نصف المسافة الفاصلة بين مكان البار الذي اكرع به كؤوس البيرة، والمكان الذي اسكن فيه.ادفع إيجاره من عملي بمطعم المستر هاف. رجل متمكن استطعت أن احصل على عمل في مطعمه عن طريق انجيلا التي تعرفت عليها في نفس المطعم. مطعم مكون من طابقين الأول يقدم المشروب مع بعض السلطات الغريبة، رواده من المعتدلين. أما الطبقة الثانية للأكلات البلجيكية الشعبية..
إنجيلا دعوني أعرفكم عليها. كنت على موعد شاب سوري من أصل كردي اسمه قادر جذبني اليه حبه لشعر سليم بركات وعشقي لقصائد سركون بولص وسوريالية نصيف الناصري. كان اللقاء في من المطعم، عند دخولي، لمحت امرأة تصرخ بقوة تجمع حولها عمال المطعم، حشرت نفسي بينهم لأتبين ما الأمر وارضي فضولي وتطفلي، لان الناس هنا تعودوا على أن لا يحشروا أنفسهم مهما حصل. كانت ثملة ولا تملك نقود لدفع حسابها. وتردد بقوة : سأخبر مستر هاف عنكم أيها الأوغاد.. هنا حلت حميتي وأخرجت كل ما في جيبي ووضعته على الطاولة . تفرق العمال وقلت لها: لا عليك.. أجهشت في بكاء وصراخ عالي .حاولت أن أهدئ من رَوْعها ، ارتمت في حضني امتنانا وتعبيرا عن موقفي . وأخرجت مفتاحا من حقيبتها . وقالت : أكمل جميلك وادفع لي أجرة العودة إلى شقتي . خرجنا معا توقفت تاكس قربنا فتحت الباب حاولت أن اركبها سحبت يدي وقالت للسائق بعد استقراري جنبها:وسط البلدة شارع /45 ..وصلنا شقتها كانت في الدور الثالث من البناية. ما إن دخلنا سحبتني إلى الفراش .وبت عندها. وعند الصباح حال استيقاظي تذكرت موعدي مع الرجل لقد نسيته، وحاولت الاتصال به ولم يرد. دخلت إلى المطبخ وفتحت الثلاجة سحبت طبق كان من بلح البحر المقلي، أعدته وأخرجت عبوة حليب مبستر شربت منها على عجل.. وتركت لها مبلغ بسيط من المال وورقة عليها رقم نقالي . خرجت مسرعا .كانت هذه الحادثة سببا لعملي في المطعم.. مررت بمجموعة من المشردين انهوا ليلتهم مع الصقيع دون نوم ، نظروا اليّ ،أظنهم حسدوني على الجسد الذي نعمت به وما منحني من نشوة ودفء. ما رأيكم أن ننتقل إلى وسط المدينة، سحر من التشافي، تمنحني وتجعلني انهض من جديد بعد كل سقوط . على الرغم من اعتقادي بأنني سأتعفن لا محالة بسبب بردها وما بها من جوع، لكن مكنونات روحي تجعلني أقول إنني اسعد المخلوقات. وعليّ أن أستمر واتحدى جميع الظروف.. هنا تحول الإنسان إلى روبوت. وهي أغبى المحاولات التي تمارسها مراهقة العلم كما يقول المستنير امجد الطيار. وصلت مكان عملي، حيث أعمل عامل لبيع الزهور في محل تملكه امرأة بلجيكية. تجاوزت الخمسين. اعمل معها منذ ما يقرب 7 أشهر تسميني اللولب لأنني احشر نفسي في كثير في أمور لا تعنيني.. شارفت الساعة على السابع إلا سبع دقائق. لدي أكثر من ساعتين لا قوم بترتيب الأزهار، وإعادة تنظيم بعض الفوضى التي تتركها صاحبة المحل لتصب جَامَ غضبها علينا في حالة بقائها على حالها عندما تأتي إلى العمل، لرغبة داخلها أدركتها بعد حين. سأخبركم عنها في حينها.. مضت ألان ساعة أخذت نفس من سجارتي خارج المحل . وبينما أنا كذلك نادى عليّ بيلين - شاب ذو بشرة خلاسية مفتول العضلات قوي البنية يعمل معي في محل الزهور، بلجيكي أمه إفريقي. كاثوليكي متعصب - للدخول. عادة هو لا يأتي بهذا الموعد . طلب مني أن اخبر إيما صاحبة المحل بأنه اتصل بها لأكثر من مرة البارحة ولم ترد كونه يريد اخذ استراحة لهذا اليوم..أطلت إيما عند الساعة التاسعة موعد وصولها، حييتها بابتسامة، أشارت إليّ بحركة من سبابة يدها اليمنى تعال. تركت مقص الأزهار على الطاولة قريبة مني وخلعت القفاز من يدي وتبعتها ، ناولتني كيس يحوي أشياءها، ودخلت مكتبها الصغير، ودخلت خلفها، وَقَفت قرب الباب وأحَكَمت إغلاقه ،أردت أن أخبرها بأن بيلين. لم تدعني أكمل حين أطبقت فمها على شفتيّ بقوة .. وهنا عرفت سبب رغبتها بالصراخ عندما تأتي ولماذا تغلق الباب عندما تنادي على بيلين. وتذكرت تذمره عندما كانت تنادي عليه. أبعدتها عني بتراخي،وأخبرتها بأمر بيلين.

- فليذهب إلى الجحيم. أخبره بأنه مطرود.

- لكن.. أرجوك . لديه....

لم أكمل ما أردت قوله حين باغتتني بقبلة طويلة، جعلتني انتشي، وطرحتها على الأرض. لاطفي نار رغبتها واهدأ فورانها.انتهيت منها .

قالت : أنت تستحق كلمة لولب بالفعل.

أوحى لي معنى اسمها ما كانت عليه بالفعل (اسم ألماني قديم يعني العامة أو الشاملة) لم استمر معها بسبب شبقيتها التي لا تطاق .ورغبتها بالمضاجعة المستمرة في أي وقت. امرأة لا تحتمل على الرغم من إنعاشها لجيبي بعد كل علاقة نقوم بها .. لكنني شعرت بالقرف،لأنها تطلب أمور اخجل عن ذكرها لكم عند المواقعة. مسكين بيلين صديقي ماذا حل بك الآن.. تركت العمل معها على الرغم من محاولات الاتصال المستمرة من قبلها.. نعود إلى انجيلا .

رن هاتفي وأنا أتسكع بعد ليلة ماطرة. نظرت انها انجيلا، التي أصبحت صديقتي المقربة .

- أنجيلا.

- كيف الحال.

- تعال إلى شقتي الآن.

عبرت الشارع وغيرت وجهتي وركبت باص شارع 45 حيث تسكن . وصلت ،ارتقيت السلم ضربت الجرس، فتحت الباب كانت منهكة من السهر، والتعب بادي على ملامحها . حضنتني بقوة .

- آسفة أمر بوقت عصيب .

- لا عليك.

- أنا بحاجة لمساعدتك.

- أخبريني..

سحبت سيكارة وناولتني أخرى كانت يدها ترتعش جلسنا معا وأخبرتني بما تعاني.. القصة طويلة لا تشغلوا بالكم بها. المهم لم اتفق على أن اسكن معها بالشقة مع دفع نصف الإيجار. أخبرتنا بأنني بلا عمل. قالت:

- لا عليك سأتوسط لك عند احد معارفي لتعمل معه.

وأخبرتها بأنني سأفكر بالموضوع .

نعود إلى قادر.. اتصل بي مرة وأخبرني عن مشروع في باله. مشروعا ناجحا حسب ما يدعي قد يكون كما قال مشروع ناجح. اتصلت به مرغما لأنني بلا عمل كما تعرفون . وبالفعل حدد لي موعدا واتفقنا ان نلتقي، جاء يوم اللقاء بطيئا لنفاذ ما ادخرت من مال ايما. أطل قادر بأناقة مفرطة بذلة وربطة عنق وكوت من الصوف الفاخر وحقيبة سمسونايت.

بدأ حديثه بعربية مكسرة متداخلة مع لهجته السورية وكرديته ولم يتحدث معي باللغة (الفلمنكية الهولندية)اللغة الأكثر شيوعا مع الفرنسية والألمانية، خوفا بأن ينصت لحديثنا أحد.. حديث لم احدد ماذا يريد بالضبط وما هو العمل.. قلت: لم أفهم بالضبط ما نوع العمل. أخرج حزمة من المال سال لعابي حينها،دفعها نحوي وقال : خذها، رفضتها في البداية وأصر على أن أخذها، وأوضح لي بأنها عربون لبداية عملنا. قلت : وإذا لم اقبل العمل معك قال: هي لك دون مقابل.. أغراني ودسست المبلغ بجيب قمصلتي. كان مبلغا كبير خرجت منتعشا غير مصدق وضعت يدي على جيبي لأتأكد منه.. استقر بي الحال عند انجيلا.. تذكرت، لم أقل لكم مما تعاني. مشكلتها. أحد معارفها استدانت منه مبلغ من المال، لتمشية بعض أمورها، ولم تستطع رده عندها هددها بالحبس لأخذه ورقة (كمبيالة) في حالة عدم التسديد. أي حقارة تلك بان يُستغل الإنسان لمجرد طمع وجشع. لماذا لا يعيش الإنسان بمحبة وإنسانية. دائما تجد السمة الأبرز للكثير من البشر، هي استغلال الآخرين من أجل مصالح مادية.. وصلت إلى شقة إنجيلا. هزل جسدها من القلق والتفكير. قبلتها وشممت نحرها تعرينا، أطبقت فمها على فمي وتحسست جسدها بيدي استدارة ثديها وصلابته يزوداني بلذة عجيبة لا أدركها مع الأخريات . أظنني أحببتها. انتهينا أعطيتها إيجار ثلاثة أشهر والمبلغ الذي استدانته. قفزت من الفرح . قبلت خدي بود دبت دماء بأوصالها أحييت أملها بمواصلة الحياة. وأنهيت يومي معها بعشاء دسم. لنعود إلى عملي الحالي وكيف تمكنت إنجيلا من إقناع صاحب المطعم الذي اعمل معه حاليا. هاف رجل كبير السن يعطف على إنجيلا لأنه صديق والدها ايام الدراسة، قصير القامة، ممتلئ قليلا، كريم، يعتبر إنجيلا ابنته كونه لم يرزق بأولاد. علاقتي معي حسنة جدا، أخبرته خلال سؤاله عن إنجيلا وعن استغلالها من قبل احد معارفها وكيف انقذتها. امتعض كثيرا لعدم إخبارها إياه وهو الذي يعتبرها ابنته. شكرني حينها مما زاد ثقته بي وانه مطمئنا عليها معي وأكمل جميله وأكد محبته وأبوته بدفع إيجار شقتها وأصر على إكمال دراستها على نفقته. أما أنا لا زلت اعمل معه ولن أتوقف عن حب إنجيلا . بعد أن تخلصت من قادر الذي أنقذني الله منه بأعجوبة عندما اتفق معي أن أذهب بمهمة كلفني بها مقابل مبلغ من المال إلى هولندا، حمدت الله بأنني لم أوافق وإلا لأصبحت كليتي في جسد غيري ورئتي وكبدي وقلبي كذلك، كان قادر يعمل بتهريب البشر إلى بعض الدول للاتجار بأعضائهم.تخلصت منه باللقاء القبض عليه من قبل الانتربول. نسيت أن أخبركم بأن إيما انتحرت.. وبيلين صاحبي تحول إلى راهب في كنيسة كاثوليكية.. التقيت به أثناء مراسيم زواجي أنا وحبيبتي إنجيلا في كنيسته..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات