الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهادات وتجارب موسيقية من الراهن السوري: أثيل حمدان، كنان العظمة، نيسم جلال

علاء موفق رشيدي

2022 / 8 / 12
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


شهادات وتجارب موسيقية من الراهن السوري:
أثيل حمدان، كنان العظمة، نيسم جلال


من النادر الحصول على شهادة مكتوبة من قبيل عازف أو موسيقي فضاء تعبيره كفنان يدخل في إطار النوتة الموسيقية وليس في إطار الأبجدية المكتوبة. تساعدنا أربعة شهادات مكتوبة من قبل موسيقيين سوريين كمشاركة منهم في كتاب ( أما بعد. شهادات من فنانين وفاعلين ثقافيين مستقلين )، على تلمس ملامح من المشهد الموسيقي السوري في المرحلة الراهنة كما يوصفه فاعلوه والمنتجون فيه.

ضعف المستوى التعليمي وغياب الروح الفنية الجماعية :

تمثل الشهادة المكتوبة التي قدمها الموسيقي وعازف التشيللو السوري ( إثيل حمدان )، بعنوان ( عن المشهد الموسيقي في دمشق حتى عام 2014 ) وثيقة هامة في مسار تتبع الوضع الفني الموسيقي السوري الراهن، وذلك لعدة أسباب، أهمها كون الفنان ( أثيل حمدان ) قد شغل منصب عميد المعهد العالي للموسيقى، ومدير الفرقة الوطنية السمفونية السورية بين أعوام 2004 – 2014، وكذلك شغل منصب مدير معهد صلحي الوادي للموسيقى بين عامي 2002 – 2005، ومنذ العام 1995 يعمل كأستاذ في المعهد العالي للموسيقى، ويعتبر من الفاعلين الثقافيين في الحقل الموسيقي الكلاسيكي السوري ونشطاً في إنجاز فعالياته.

في هذه الشهادة للفنان الموسيقي نتلمس العديد من الظواهر الفنية الموسيقية في الواقع السوري التي لا يمكن الكتابة عنها إلا من زاوية المراقب الدقيق، والعارف بخلفيات المستوى الموسيقي السوري الذي هو عليه الفنان ( إثيل حمدان )، فعلى سبيل المثال يكتب الموسيقي عن التجربة التي يعيشها حالياً المعهد العالي للموسيقى الجهة الأساسية في إنتاج وتعليم الفن الموسيقي في سورية، موصفاً : ( عندما أتحدث اليوم عن مجمل التغيرات التي طرأت على المشهد الموسيقي السوري خلال السنوات الأخيرة فإنني أتوقف، بالدرجة الأولى، عند المرحلة التي كنت لا أزال فيها عميداً للمعهد العالي للموسيقى بدمشق بين عامي 2004 و 2014، حيث إنني كنت شاهداً على خسارة هذا المكان العريق، خلال السنوات الماضية، للكثير من قوته وتأثيره بسبب سفر العديد من المدرسين الإكفاء إلى الخارج هرباً من أجواء الحرب، بالإضافة إلى عودة الخبراء الروس إلى بلادهم، مما ساهم في زعزعة المستوى العالي للمعهد حتى أصبح يعتمد على البدلاء، ثم على بدلاء البدلاء ، ناهيك عن سفر الكثير من الطلبة خارج البلاد )

يرى الموسيقي ( أثيل حمدان ) أن رحيل العقول والخوف على مستقبل الفنون وهبوط المستوى الفني وعدم وجود حلول حقيقية والتخبط الحكومي المريع، كلها ظواهر، تدعو إلى القلق على الوضع الموسيقي السوري، وهو يضيف في توصيفه إلى هذه الظواهر، ظاهرة ، ألا وهي النقص الملتمس في مفهوم العمل الجماعي : ( حيث اتجه الموسيقيون بصورة عامة نحو مشاريع فردية تعرض أكثرها للفشل بسبب المستوى الفني، فضلاً عن صعوبة إيجاد لغة مشتركة حتى عند العازفين اللائقين عندما كانوا يحاولون العزف معاً )

ويضيف الفنان ( أثيل حمدان ) في معالجة هذه الظاهرة : ( لطالما كنت متاكداً أن جزءاً من الحل يكمن في تشجيع العازفين نحو موسيقى الحجرة، أي المجموعات قليلة العدد، الأمر الذي يتيح لهم فرصة العزف الدائم وتوحيد الأفكار الفنية في إطار واحد، ما يضمن توسيع عملية البحث عن الحل. وضمن هذا السياق أنشأت وزملائي بالفعل مجموعتين موسيقيتين : الأولى هي مجموعة وشاح لموسيقى الحجرة التي استمرت من العام 2005 وحتى العام 2012، أما المجموعة الثانية فكانت مجموعة عازفي التشيللو التي تأسست العام 2004 واستمرت حتى العام 2011. مع تفاقم الأزمة في سوريا، إنهارت المجموعتان نظراً لسفر العازفين ).

الفن الحيوي والضروري للحياة السورية :

ننتقل إلى تجربة موسيقية أخرى توضح لنا بعضاً من ملامح الفن الموسيقي السوري في بلاد اللجوء والهجرة. إنها شهادة " الفنان المتجول " كما يعرف هو عن نفسه، عازف الكلارينيت والمؤلف الموسيقي ( كنان العظمة )، المقيم في الولايات المتحدة، والذي كتب في شهادته بدايةً مبيناً رأيه في موضوعة دور الفن وعلاقته بالعالم السياسي، الإجتماعي من حوله : ( ثمة مدرستان فكريتان أساسيتان فيما يتعلق بالفن ودور الفنان : تعتبر أولاهما أن واجب الفنان أن يعكس العالم من حوله. في حين تعتبر الثانية أن دور الفنان إعادة خلق العالم بشكل مثالي. لم أشعر يوماً بالإنتماء إلى أي من هذين المعسكرين، ولطالما كانت فلسفتي الشخصية أننا نصنع الفن لنختبر المشاعر التي لا يتسنى لنا اختبارها في الحياة الواقعية )

يكتب عازف الكلاينيت العظمة عن وضع الفن الموسيقي السوري الراهن : ( بإعتباري فناناً متجولاً، تغير المشهد تغيراً كبيراً في السنوات الماضية أيضاً. رأيت كيف تغيرت النظرة للسوريين والفن السوري، فبعد أن كان الفن السوري معروفاً على نطاق ضيق جداً، بات اليوم نقطة تركيز للعديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية )

وفي التأكيد على أهمية التجارب الفنية السورية المستقلة يكتب الفنان ( كنان العظمة ) : ( إن مجموعة السوريين المستقلين المذهلين هي اليوم شجاعة وقوية وأصيلة ولا تحاول الترويج لنفسها على أنها سورية فحسب، بل على أنها فن يتعامل مع المأساة السورية وأبعادها السياسية وينقلها، ويستطيع المنافسة بمعايير فنية بحتة. أظن أن الفنانين السوريين يتعاونون الآن معاً بوسائل جديدة ومبتكرة لم نرها من قبل. كما تغير النقاش الفني بين السوريين من حيث التجارب والتعبير عن الذات ).

ويختم الفنان السوري العظمة بالعبارة التي تؤكد على أهمية الخلق الفني في المرحلة الحالية : ( بإختصار : لم يكن الفن يوماً بالحيوية والضرورة التي هو عليها اليوم في حياة السوريين )

تجارب غنائية بلغات سورية متعددة :

تجربة موسيقية أخرى تستحق التوقف عندها هي للموسيقي السوري الكردي (صلاح عمو)، الذي كانت أعماله الموسيقية وأغانيه تقتصر على اللغة الكردية لكن فقدان صديق في أحداث العام 2011 أدى به لكتابة أول أغنية باللغة العربية، ومن ثم تتالت أغانيه التي راح يكتبها باللغتين العربية والكردية، إلى أن أصدر ألبوم أمكنة وجهات، 2011 ) الذي يتضمن موسيقى آلاتية وأغاني باللغة الكردية والعربية والسريانية والأرمنية، وفي العام 2014 أصدر ألبومه الغنائي الثاني بعنوان ( عاصي قصة نهر سوري ) الذي يضم أيضاً أغاني باللغتين الكرية والعربية، كما يضم أغنية تتداخل فيها اللغتان : ( كل الأغاني في هذا الألبوم هي حالة فردية إبداعية لا أتعامل فيه بمفهوم انتقائي بين انتمائي القومي أو الوطني، هي حالة تعكس إحساسي بالدرجة الأولى، فيما يحصل حولي وما أشعره بشكل طبيعي )

لاقى ألبوم ( عاصي قصة نهر سوري ) نجاحاً في النمسا حيث يقيم الفنان في الفترة الحالية، وقد حظي الألبوم بتغطية في الصحافة النمساوية والعربية، وترشح إلى جائزة النقاد الموسيقين في ألمانيا. وفي نهاية العام 2015 أسس الموسيقي ( صلاح عمو ) مبادرة روابط سورية مع المنظمة النمساوية لدعم الثقافات الوافدة إلى النمسا. حققت عدة مشاريع موسيقية ناجحة وضمت بالإضافة إلى الموسيقى، فنون الأداء والفنون البصرية والأدب : ( كان الهدف من المشروع تعميق روابط العلاقة والفهم المتبادل بين السوريين البلد المضيف لهم بطريقة تتخطى الحواجز اللغوية وتعكس جانب من الهوية السورية عبر الفن والثقافة والإبداع )

عن تنوع الثقافة السورية والمكونات التي تشكل الهوية الثقافية السورية يضيف الموسيقي ( صلاح عمو ) : ( سورية بلد مركب فيه العربي والكردي والسرياني والمسلم والمسيحي والدرزي.. وهو ثراء وغنى، الثقافة السورية تعكس كل هذه الهويات. كم أتمنى أن نعود قريباً وأن يستطيع كل سوري أن يغني ويكتب ويعيش الحالة الثقافية بحرية، وأن يكون متصالحاً مع انتماءه وهويته الثقافية، وأن تصاغ كل هذه الإنتماءات ضمن انتماء جامع يسمى الهوية السورية )،

خماسي النفخيات وإيقاعات المقاومة :

نتعرف تالياً على تجربة عازفة الفلوت السورية ( نيسم جلال )، والمقيمة في فرنسا. منذ العام 2011 تقدم موسيقاها في أكبر مهرجانات الجاز في فرنسا، وفي أوربا برفقة خماسي نيسم جلال وإيقاعات المقاومة، هي التي تكتب : ( موسيقاي هي الوسيلة الأكثر مباشرة ووضوحاً لأعبر عن نفسي. أعبر عما أشعر وأفكر وأحلم به، وما يؤثر في. إذاً، من الطبيعي أن أعبر عن ألمي لعزلة ومعاناة الشعب السوري، وأيضاً عن إعجابي بشجاعته ، وبثقافته المتأصلة والرائعة )

ألفت الموسيقية (نيسم جلال ) مقطوعات عديدة تتناول الوضع السياسي السوري منها ( الموت ولا المذلة ) التي تقول عنها : ( إنها أول المقطوعات التي تحكي قصة الثورة، يقظة الشعب، إرداته المنتهكة، تردده، المظاهرات السلمية، القمع، ومن ثم الحرب) وتصفها بالمقطوعة الموسيقية التصويرية. أما عن ألبومها الجديد فتخبر (نيسم جلال ) أنه بعنوان ( أبطال كفرنبل )، وكفرنبل هي منطقة إدراية تابعة لمحافظة إدلب عرفت حراكاً ثورياً مدنياً نشطاً، وابتكرت بكثرة في استعمالات الفنون المتعددة للتعبير عن آراء النشاط والفنانين فيها : ( لا يعبر الألبوم عن الألم بل عن الأمل والإعجاب، بشجاعة هؤلاء الأبطال ).

وأخيراً تتحدث الموسيقية (نيسم جلال ) عن مقطوعة موسيقية كتبتها لمدينة حلب، وهي لآلة فلوت وحيد، وتؤدى بإحترام شديد للتقاليد : ( هي تكريم لمدينة حلب كمرجع لتراث الموسيقى العربية، أردت إحياء حلب، المدينة التاريخية الكبيرة، من خلال الموسيقى، فهي عانت الحصار والدمار بشكل كامل )

حاولت في هذه المادة، عبر اختيار شهادة الخبير الموسيقي ( أثيل حمدان)، وتجربتان في الموسيقى المستقلة وهما لعازف الكلارينيت ( كنان العظمة )، وعازفة الفلوت (نيسم جلال )، وكذلك عبر التعريف بالألبومات الغنائية الثنائية اللغة لعازف البزق ومؤلف الأغان ( صلاح حمو )، أن أرسم تفصيلاً من ملامح المشهد السوري الراهن الخاص بفن الموسيقى، الفن الذي طالما كان قادراً على تقديم في الآن عينه، الجماليات السماعية والقضايا الإجتماعية والثقافية، والذي طالما سقط سهواً من عناية المحللين والمراقبين للوضع الثقافي السوري والعربي بشكل عام.



علاء رشيدي



نشر على موقع راديو سوريالي لكنه لم يعد موجوداً الآن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟