الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم كفرناحوم بين جائزة كان وأقلام النقاد

علاء موفق رشيدي

2022 / 8 / 12
الادب والفن


بين جائزة (كان) وأقلام النقاد : فيلم (كفرناحوم ) نادين لبكي


يروي الفيلم حكاية الفتى (زين، 12 عاماً) الذي يضطر للعمل طفلاً لإعالة عائلته، وبسبب إقدام العائلة على تزويج أخته المقربة له (سحر) زواجاً مبكراً من صاحب الشقة التي يسمح لهم العيش فيها، ينشب خلاف بين (زين) ووالده ووالدته يؤدي إلى خروجه من المنزل، والعيش مشرداً على ما تقذفه المدينة المكتظة الغير عابئة بمأساته، ينام في مدينة ملاهي الأطفال، حيث يقابل الشخصية الثانية في الفيلم، العاملة الأثيوبية (راحيل)، التي يبنى الفيلم في خطيه على قصتها وقصة الفتى زين.

(راحيل) أثيوبية حضرت إلى لبنان للعمل في الخدمة المنزلية، ارتبطت بعلاقة جنسية مع ناطور البناء الذي تعمل فيه مما أدى إلى حملها، تهرب (راحيل) خوفاً على الجنين في بطنها، وها هي كما الفتى المشرد (زين)، تعيش حياة الإنتقال من عمل إلى آخر، حياة الأم الوحيدة التي لا تملك أوراقاً رسمياً للعمل فهي معرضة في كل دقيقة للاعتقال، لتجد نفسها مضطرة لتأمين مبلغ 1500 دولار ل (أسبرو ) الذي يعدها بالحصول على أوراق عمل مزورة، ويحاول ما أمكنه شراء ابنها الطفل (يوناس) لما يبدو أنها عمليات تبني مدفوعة ثمن الأطفال يقوم بها لصالح عائلات ترغب بالحصول على أطفال.

تجد (راحيل) المشغولة طيلة النهار ب(زين) الفتى القادر على البقاء مع ابنها الرضيع (يوناس) أثناء تغيبها عن المنزل، ولأنها تضطر لكسب المال تعمل في الدعارة، ليتم القبض عليها من قبل الشرطة وتغيب لأيام عن المنزل، ليدخل الفيلم هنا في مغامرة طفل ابن 12 عاماً يعتني برضيع. هذا القسم من الفيلم رآه الروائي اللبناني إلياس خوري الأكثر إمتاعاً، فكتب : ( بعد خروجي من قاعة السينما، فكّرت أن العلاقة بين الطفلين تكفي لصناعة فيلم جميل ومؤثّر، وأن كل العناصر الأخرى، من عائلة زين إلى القاضي إلى شخصية «سبايدر مان» إلى رجال الشرطة المفعمين بالحنان، كانت مجرّد زوائد من الممكن الاستغناء عنها )
لاشك أن موضوعات الفيلم : الفقر، عمالة الأطفال، الزواج المبكر، حقوق العاملات الأجانب، الواقع الإقتصادي، هي موضوعات تضع الفيلم في مجال الفيلم الملتزم، فتشكل له قاعدة جيدة للحصول على جوائز مهرجانية. إلى جانب ذلك، فإن اللغة السينمائية للفيلم واضحة الحرفية، زوايا الكاميرا، والديكورات الممتازة، وصولاٌ إلى التعامل مع ممثلين غير حرفيين، كخيار إخراجي رغبت فيه (نادين لبكي) في أن تلعب الأدوار من قبل ممثلين غير محترفين، إتباعاً لأسلوب المدرسة الإيطالية الواقعية الجديدة التي ظهرت في أعوام الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، متبعةً أسلوب إعداد غير المحترفين لأداء الأدوار السينمائية كأسلوب للتقارب بين الشخصيات في الفيلم والواقع.

هنا نتوقف في خطأ وقع به العديد من كتبوا عن الفيلم، وهي الخلط بين جنسية (زين) الحقيقية، وجنسية الشخصية (زين) في الفيلم. فالممثل (زين الرافعي ) هو طفل سوري الجنسية، لكن في الفيلم شخصية (زين ) هي طفل لبناني. في إحدى مشاهد الفيلم يضطر (زين) اللبناني إلى الإدعاء أمام منظمات المساعدة الإنسانية بأنه طفل سوري من حلب، وذلك للحصول على مساعدات الحليب والغذائية. لكن لماذا تختار المخرجة لبكي طفلاً سورياً لأداء شخصية طفل لبناني ؟ وتبعاً للمدرسة الواقعية كيف التقارب بين الممثلين غير المحترفين والسينما فتختار المخرجة ممثلاً يؤدي أنه من جنسية وثقافة مختلفة. ونضيف أنه كان بإمكان السيناريو أن يتجاوز هذا التمييز، ويلعب على حال الطفولة التي تعايشه بأزمة متماثلة كل طفولة المنطقة من لبنان، إلى سورية وصولاً إلى العراق وفلسطين ؟

هذا يقودنا إلى سؤال تالي يتعلق بعنوان الفيلم، الذي تجري أحداثه بكل وضوح في بيروت، فلماذا اللجوء إلى اسم مكان تخييلي، وكأن أحداث الفيلم تجري في مكان مبتكر شرطي ؟ كتب الروائي (حسن داوود) بأن كفرناحوم اسم قرية كنعانية حلت عليها اللعنة وأصبح اسمها مرادفاً لمعنى " الخراب "، وكتب آخرون بأن كفرناحوم قرية حالية في فلسطين. أياً من هذه المعلومات لا تبدد أهمية التساؤل عن سبب اختيار المخرجة هذا العنوان لفيلمها، بما أن المكان في الفيلم غير شرطي بل مغرق بالواقعية، فكيف يسعى الفيلم للواقعية النقدية دون أن يسمي المكان الذي ينتقده، رغم أن بيروت ظاهرة بوضوح أنها المدينة التي تدور فيها كل لقطات الفيلم وأحداثه.

لا تكمن نقاط ضعف الفيلم في الأسلوب الإخراجي أو تفاصيل إنتاجية، بل تكمن نقاط ضعفه الأساسية في السيناريو. أولى إشكاليات السيناريو هي ما أطلق عليه الكاتب (شفيق طبارة) عنوان ( الإكثار من تقنيات البؤس )، علينا هنا أن نتذكر أن الفيلم روائي، وليس وثائقياً، أي أن كتابه جمعوا في حالة واحدة هي حكاية (زين) : الفقر، عمالة الأطفال، الزواج المبكر، التشتت الأسري، تهريب المخدرات، جريمة يقوم بها طفل، ويضاف إليها العنف، البيدوفيليا. ويضاف إلى كل هذه الأزمات التي تجمعها حالة (زين)، يصبح هو المسؤول عن طفل أصغر منه. كذلك أراد كتاب الفيلم أن تجتمع في حكاية العاملة الأثيوبية (راحيل) : ظروف العمل القاسية للعمالة الأجنبية، الحبل، فقدان الأوراق الشرعية للعمل، ولادة طفل دون اعتراف أبوي ودون أوراق، الدعارة، الأمومة العازبة، استغلال مزوري الأوراق، وتجارة البشر في محاولات بيع وشراء طفلها (يوناس).

أليس هذا إكثاراً في تقنيات البؤس أو في تحميل قضايا اجتماعية وسياسية عديدة لحكايتين ؟ لو كان الفيلم وثائقياً لأكسبت الحقيقة مصداقية لهذا التجاوز المكثف لموضوعات البؤس، لكن بما أن الفيلم سيناريو مكتوب فهنا نتلمس إشكالية في تجاور وتكاثف هذه الموضوعات والقضايا في مسارات الحكايتين، أي حكاية (زين) وحكاية (راحيل).

الإشكالية الثانية التي تظهر بوضوح في السيناريو، هي وّعي الشخصية - الطفل (زين)، الذي يبدو وعيّه في الفيلم كأنه ركب عليه وعيّ بالغين عند كتابة الشخصية، مثلاً يقرر (زين) أن يرفع دعوى على أهله لأنه خلفوه في ظل ظروف الفقر والعوز، يكتب (شفيق طبارة) عن وعي الطفل (زين) في الفيلم : ( أمّا ابن الـ12 عاماً فيقول عباراتٍ لن يقولها أقرانه بكلّ تأكيد، "نحن اقل من لا شيء نحن طفيليات"، يسدي النصائح مثل: "لا تنجبوا أطفالاً لا تستطيعون تربيتهم" ثمّ يتلو عبارات معقّدة عن الكرامة، كأنها تخرج من فم فولتير )

على مستوى حكاية الفيلم أيضاً، لابد من الإشارة إلى النقطة الهامة التي أثارها الروائي (إلياس خوري) في مقالته النقدية عن الفيلم. وهي تلك المتعلقة ب"الإدانة". فالمسؤولية عن وضع الطفولة التي يعيشها (زين) يحملّها الفيلم لعائلته، والأزمة التي تعيشها (راحيل) تقع مسؤوليتها على الناطور الرافض للإعتراف بإبنه منها، ومن ثم المزوّر (أسبرو ) الذي يستغلها للحصول منها على المال مقابل أوراق عمل مزورة، ويحاول أن يبيع ابنها لعائلة أخرى. لا يحمل الفيلم أية إدانة للسلطة السياسية والسلطة الرسمية في التعامل مع هذه الملفات، فكيف يدين الفيلم السلطات المسؤولة عن هذه الملفات والذي يحصل وما يراه المشاهد على الشاشة من قضايا تجري في "كفرناحوم"، وليس في بيروت، حسبما يشير عنوان الفيلم.

يرى (إلياس خوري) أن السلطة بممارساتها الوحشية ضد اللاجئين والعمال الأجانب، وسجونها المرعبة بقيت خارج أية إدانة في الفيلم. أما مأساة شقيقة (زين)، أي (سحر)، الطفلة التي تم تزويجها وهي في الحادية عشرة وماتت، فتقع مسؤوليتها على أهلها الذين باعوها، ولا علاقة للقانون اللبناني الذي يسمح بزواج القاصرات بالمسألة. وتشرّد (زين) هو مسؤولية أهله الذين ينجبون الأولاد ولا يأبهون لمصيرهم، ولا علاقة للسلطة اللبنانية بالأمر، كأن الذهاب إلى المدرسة ليس حقا للجميع.

وبتابع إلياس خوري في هذا الشأن : ( نصف الحقيقة أفضل من السكوت الكامل عن المآسي، وهذا قد يكون صحيحا في العمل السياسي والاجتماعي والخيري، لكنه لا يصحّ في الفن. وهنا تكمن مشكلة الفيلم الأولى، فاختصار المسألة بالدعوى الساذجة التي رفعها زين على أهله لأنهم ينجبون الأولاد، تطرح سؤالا أخلاقيا وسياسيا كبيرا، لأنها تحوّل الفقر إلى خيار جاعلة من البؤس الاجتماعي مسؤولية البائسين. )

عدة عوامل ساهمت في وصول (كفرناحوم) إلى جائزة لجنة التحكيم في مهرجان (كان) السينمائي 2018، منها : الإمكانيات الإنتاجية المهنية، اللغة السينمائية المحترفة، إدارة الممثلين، ومجموعة القضايا التي يلتزم الفيلم بتقديمها كموضوعات ولو لم يتم معالجتها على مستوى السيناريو بالشكل المطلوب. لكن الدور الذي لعبه الفيلم على مستوى المجتمع اللبناني هو أهم من أية جائزة. فمن بين الإنتاجات السينمائية العربية عموماً واللبنانية خصوصاً الغارقة في برجوزايات الحب وسيناريوهات الصراعات العائلية التي لا تهم إلا أصحابها، قدم (كفرناحوم) فرصة للمجتمع اللبناني كي يتأمل في مشكلاته وقضاياه، عله يتحرك لتغيير واقعه السياسي، الإجتماعي، والإقتصادي. ما قدمه (كفرناحوم) هنا هي واحدة ولاشك من أساسيات الدور الذي تلعبه السينما في المجتمعات.

علاء رشيدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط