الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وثائقي الجيل الخامس في البحث عن عوامل التطرف المستقبلي

علاء موفق رشيدي

2022 / 8 / 13
الادب والفن


وثائقي الجيل الخامس

كارثة المستقبل في واقع المخيمات


يستعرض الوثائقي (الجيل الخامس) من كتابة الصحفي اللبناني : حازم الأمين، وإخراج الإعلامية : ديانا مقلد، والإعلامية : علياء ابراهيم، وفي أربعة أجزاء الظروف الإجتماعية، الإقتصادية والسياسية لنشأة تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش )، دون أن تنحصر أهدافه وغاياته بماضي الوضع السياسي والإجتماعي الشرق أوسطي، فهو لا يحاول مجرد الإجابة على أسئلة تتعلق بالتنظيم، بل بالإمكانيات والإحتمالات التي قد تتوافر في مستقبل المنطقة، مما يهيأ لنشوء الجيل الخامس. فيبرع الوثائقي بتنبيه المتلقي، وإضاءة وتحليل العوامل الإجتماعية، السياسية، والإقتصادية التي تمهد الأجواء المناسبة لنشوء ما يطلق عليه الوثائقي لقب ( الجيل الخامس)، وهو العنوان الذي اختاره صانعو الوثائقي لفيلمهم.

دور السجون والمعتقلات :

يحمل الجزء الأول عنواناً متساءلاً : ( كيف تمت صناعة تنظيم الدولة ؟ )، وتتعدد تأويلات الضيوف واجتهاداتهم، مسار تاريخي يرتسم بمساهماتهم، البعض يبدأ من أحداث سبتمبر العام 2001 ويعتبره تاريخ ظهور العداء السني لأمريكا، يليه في العام 2003 الإفراج من قبل النظام قبل النظام السوري عن مجموعة تتسم بالميول المتشددة دينياً، والتي يربطها محللون مع ما جرى بعدها في لبنان من أحداث عنف بين الجيش والمتشددين الإسلامين في مخيم نهر البارد شمال البلاد، في ذات العام 2003، يؤرخ أيضاً لحدث أساسي في هذا المسار التاريخي وهو سقوط مدينة الموصل العراقية في أيدي القوات الأمريكية.

أما المسار الثاني الذي يكشف الوثائقي بزياراته ولقاءاته بشهود وأصحاب تجارب، فهو أثر المعتقلات والسجون كل من نظامي البعث في سورية، والبعث في العراق. لقد تعددت الدلالات على الآثار السلبية التي خلفتها المعتقلات وشروط الحياة فيها على ذهنية المعتقلين. وسواءاً اعتقدنا بأن الأنظمة السياسية في هاذين البلدين تقصدت ابتكار الحركات الدينية المتطرفة مثل داعش أو أنها لم تتقصد ذلك، فإن شروط القمع والتعذيب، ونظام السجون وانتهاك أبسط حقوق المعتقلين أدت إلى نشوء أفراد يمكنهم التخطيط لتأسيس منظمة مثل داعش، والعمل على تحقيقها وقيادتها إلى أشد جرائمها وحشية.


خطر مناهج التعليم الدينية :

في الجزء الثاني، ولمحاولة الإجابة على سؤال ( كيف تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من التمدد ؟)، يتطرق الوثائقي إلى واحدة من أشد الموضوعات حساسية في المنطقة الشرق أوسيطة، ألا وهي قضية : التعليم الديني. يضع الوثائقي بجرأة قضية مناهج التعليم الدينية التي تشكل معلماً أساسياً من معالم ثقافة المنطقة. وتنبه عبارات الراوية في مسارات الفيلم على القدرة التي تمتلكها الأنظمة الديكتاتورية في استثمار الخطاب الديني، وعند هذه الملاحظة العامة تشرح الترتيب التاريخي لأجيال المجاهدين الذين تم استغلالهم من قبل الأنظمة السياسية والقوى الدينية قائلة : ( فاتحة تلك الأجيال هو جيل المجاهدين العرب في أفغانستان، الجيل الثاني هو الذي نفذ اعتداءات الحادي عشر من أيلول، الجيل الثالث في العراق عرف بتنظيم التوحيد والجهاد، ومنه انبثق الجيل الرابع الأكثر عنفاً وهو تنظيم الدولة الإسلامية داعش )

( هل فعلاً انتهى تنظيم الدولة ؟ )

يقودنا هذا الجزء وللإجابة عن هذا التساؤل بعيداً عما هو متوقع من البحث في الظروف الإقليمية أو الصراعات الدولية التي قد تسمح بالإستفادة من تنظيم مثله. يعثر على الإجابة حال زيارة المناطق التي وقعت تحت سلطة التنظيم، ثم عايشت الإقتتال الأهلي بين أبناءها، واليوم تثبت كاميرا الوثائقي والأحاديث التي يجريها مع أهالي تلك المناطق وقبائلها، أن الثأر ربما يكون أكثر العوامل فاعلية في إعادة ولادة تنظيم مماثل لداعش في تلك المنطقة، التي يكشف لنا الوثائقي مقدار الحقد وعدم التسامح بين مكوناتها الأهلية. نشهد مثالاً لرفض عناصر الحشد الشعبي السني في العراق الموافقة على عودة عائلة، من زوجة وأولاد، بحجة أن والدهم قاتل إلى جانب داعش، فسيحكم عليهم بالعزلة، والحرمان من الإقامة في المنطقة.





( أجيال المخيمات أو المتشددون الجدد ) :

في الجزء الرابع والأخير يتم التطرق لأكثر من نقطة جوهرية تتعلق بالمناطق التي تزورها كاميرا الوثائقي، أزمة إنعدام ثقة عميقة بين سكان المناطق الخارجة من الحرب، وكذلك عدم الإنسجام بين المنتصرين واختلاف مرجعياتهم الفكرية هي الإشارات التي تلتقطها كاميرا الوثائقي وتظهرها الحوارات المتنوعة مع أهالي المنطقة، لتبرهن دقة ملاحظة كاتب الوثائقي حازم الأمين قائلاً : ( النصر العسكري لم يترافق مع العمل السياسي، ولم يتم العمل على التشريع والقانون الملائم له، مما سيؤدي إلى عنف أكثر شدة في مرحلة لاحقة )

لكن، ومهما كانت تكهنات المشاركين في هذا الجزء من الوثائقي حول أعداد المقاتلين من داعش الذين لم يظهروا، ومهما حاول بعضهم إثبات تخفيهم واستقرارهم في الصحراء الممتدة بين سورية والعراق، فإن التيمة الأكثر أهمية في هذا الجزء، وهي كما تبدو الهاجس الذي دفع مبدعي الوثائقي إلى تحقيقه وهو ( أجيال المخيمات أو المتشددون الجدد ) كما يرد في العنوان العريض للجزء الرابع.

إنهم أطفال زرعت في معرفتهم مناهج التعليم في دولة الخلافة الداعشية، والكثير منهم لسنوات خضعوا لمعسكرات تدريب أشبال الخلافة التابعة للتنظيم. أليس من المنطقي أن تبقى ترسبات هذه التجارب التعليمية والقتالية التي عاشها هؤلاء الأطفال في أثر الفكر والتفكر ؟ هل هم مستعدون أكثر من غيرهم ليحملوا راية تنظيم جديد يخلف داعش أكثر تعقيداً وأشد وحشيةً ؟

كاميرا الوثائقي تجيب إيحاءاً، حين تنقل المساحات الواسعة التي تشغلها مخيمات المنطقة، وتلمح إلى واقع العيش البائس والإقامة التي طال أمدها لهذه الأجيال. كأن الكاميرا تقول ليس تجارب ماضيهم مع الدولة الإسلامية بأكثر مما يخشى منه، بل واقعهم الحالي في المخيمات، المحقق لكل مواصفات بؤر التجنيد الجديدة. هكذا ينتهي الفيلم مع لقطة بانورامية لإمتداد المخيمات المهيب.

ستة حكايات مختارة :

على الموقع الإلكتروني والقناة الخاصة بالوثائقي على اليوتيوب، اختار فريق العمل ستة حالات اهتم بتسجيل حكاياتها وتصوير اللقاءات معها لما تحمله من أهمية في سرد تفاصيل التجربة الإجتماعية التي عاشتها البلاد خلال فترات الصراع. تمتلك هذه المقابلات، الشهادات، الحكايات الستة كل منها الخاصية التي تجعلها مهمة وفاعلة في سرد الموضوعات التي يعمل عليها الوثائقي، تتخلل الحكايات واللقاءات تعليقات من جانب الكاتب (حازم الأمين) سعياً منه لتحليل الحالات التي نتعرف عليها.



1. زوجة داعشي : ( 15 د)

هنا نتابع حكاية ربة الأسرة (نور ) من طرابلس لبنان ونقف على معاناتها وحالتها الفكرية والنفسية وهي زوجة مقاتل داعشي فارق الحياة أثناء المعارك، بينما تعاني هي اليوم من صعوبة الإنتقال من سورية إلى طرابلس لبنان حيث عائلتها وأهلها.

2. النقاب قسراً أم اختياراً ؟ (8 د )

الحالة الثانية للسورية (فلك ) من مدينة (دير الزور ) التي تروي قرارها بإرتداء النقاب قبل دخول داعش إلى مدينتها بأشهر، وذلك تحسباً ألا تجبر عليه فرضاً، لكن اللافت أنها ما تزال تضع النقاب رغم انحسار سلطة داعش عن دير الزور منذ أشهر.

3. تجربة السبي الأزيدية (13 د )

الحالة الثالثة تحمل خصوصية الديانة اليزيدية إنها (كرمو العراقية ) وهي تروي تجربة السبي، والبيع في سوق النساء في الرقة، حكاية مليئة بالإنفعال المؤثر وبالإشارات الهامة التي تسمح الإطلاع على تجربة الديانة الأزيدية في العراق. تعاني كرمو من صعوبة نزع الأفكار المتزمتة التي زرعها داعش في عقول قريباتها الصغيرات اللواتي بدأن ينظرن لغير الديانة الإسلامية بالكفر، هن المتحدرات من ديانة الأزيدية.




4. العشائر، داعش والنفط : (10 د)

تضم هذه الدقائق العشر لقاءاً مع شيخ من قبيلة العقيدات والآخر من قبيلة الشعيطات في منطقة دير الزور السورية، ومن خلال هذين اللقاءين نتمكن التعرف على النزاع الذي قام بين تنظيم الدولة الإسلامية في تلك المناطق، وبين أفراد العشائر. نتعرف على نوعية العلاقة التي تعامل منها كل طرف مع الآخر، ونكتشف الدوافع والمصالح التي قادت إلى المجابهة، والتي تتوضح مع إدراك غنى المنطقة المذكورة بالموارد النفطية، التي تشكل السبب المركزي الذي أدى إلى هذه المعارك التي لم تنته إلا بإستيلاء داعش على المنطقة ومقدراتها النفطية ناجحاً في تأمين ميزانيته المالية من عمليات بيع النفط غير الشرعية بعد أن طرد العشائر خارج المعادلة.


5. رجل الإستخبارات بين سلطتين : ( 9 د )

تالياً يتوجه طاقم الفيلم للتصوير في سجن تابع لقوات (قسد)، وذلك للقاء ( أبو محمد) الذي كان موظفاً استخباراتياً في خدمة داعش، مهمته مراقبة عناصر التنظيم على جبهات القتال، ثم لا نلبث أن نكتشف أنه تملك هذه الخبرة من ماض سابق، بنفس المهنة لكن في خدمة النظام السوري الحاكم، ثم حول خبراته لمساعدة السلطة الجديدة داعش. يقدم الكاتب حازم الأمين ملاحظة حاذقة في تحليل هذه الحالة : ( الأنظمة القمعية خلقت مواطناً مهزوماً، أي سلطة مقبولة بالنسبة إليه، مهما بلغ مستوى العنف الذي ترمز له )

6. طفل الحنين للأناشيد الجهادية : (13 د )

كان حسن في ال 16 من عمره حين تبع مناهج التنظيم، وهو يروي في هذه الشهادة عن أسباب اعتماد الأطفال في خط المعارك الأول في تكنيك داعش، يروي أيضاً عن تجربة القتل، اللعب بالجثث كما لو أنها لعب أطفال، وهو يتناوب الآن بين الحنين، الوعي والتساؤل عن صفاته : أهو قاتل أم مقاتل ؟ وماذا يفعل بأثر الموسيقى في نفسه كلما تناهى إلى سمعه نشيداً من أناشيد الجهاد التي اعتادها في فترات العيش تحت سلطة التنظيم ؟ لا يخف حسن مشاعره، إنها ما تزال تمارس تأثيراً على نفسه. إن حسن هو الحالة المثالية التي يحاول الوثائقي الإشارة والتدليل عليها، يتصارع باطنه بين وحشية القاتل وبراءة الطفولة.


خاتمة :

إن التجربة المميزة التي حققها فريق عمل الوثائقي ( الجيل الخامس ) تقدم نموذجاً ملهماُ بما تحمله من دمج بين عناصر عدة، أهمها : القدرة على إيصال الكم الثمين من المعلومات والعمل على تحليلها في ذات الآن، الإحتمالات المتعلقة بالصحافة الإستقصائية والتنقل إلى الأماكن توافر المعلومة، استعراض تنوع بالآراء والتحليلات من قبل الضيوف المختارين في الوثائقي، وكذلك المتعة الجمالية البصرية للكاميرا الوثائقية على مستوى التشكيل، المصداقية، والسرد.



علاء رشيدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس