الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من وحي بيع القوة المصرية !

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2022 / 8 / 11
الادارة و الاقتصاد


إن شراء السعودية وقبلها الامارات نسبآ كبيرة في مجموعة من أهم الشركات والمصانع المصرية القائمة والناجحة بالفعل لا يعد استثمارآ أجنبيآ جديدآ بل هو بيع مخزي لأصول حيوية وغاية في الأهمية وارتهان لقرارنا السيادي ، وتفريغ لقوتنا الناعمة ، ولا ننسى من قبل كيف رفضت أمريكا بيع حقوق ادارة موانئ أمريكية لشركة موانئ دبي .

إن الاستثمار الحقيقي المباشر بصرف النظر عما تروج له وزيرة التخطيط وغيرها من أعضاءالحكومة باحتفائهم بالبيع لأصول مصرية هامة وحيوية ، إنما هو بناء شركات ومصانع جديدة وتوفير فرص عمل جديدة أكثر ويصاحبها نقل للتكنولوجيا والمعارف واضافات جديدة للاقتصاد القومي .

تمامآ مثلما من يبيع مصانعه وشركاته لسداد ديونه القديمة التي ورط نفسه فيها بلا داعي لمجرد التباهي بشراء قصور وشاليهات وسيارات فارهة .

صحيح أن الاقتصادات العالمية تعج باستثمارات ومشاركات أجنبية في شركاتها العملاقة والكبيرة ولكن ذلك في الأصل يتم في اطار اقتصادات قوية ومتينة وعميقة التطور والفعالية والغنى ، وتتمتع بعدد كبير جدآ من الشركات الهامة والمتنوعة ، ومحكومة بأطر سياسية مستقرة وبحكومات قوية تتمتع بدرجات عالية من الاستقلالية في صنع واتخاذ القرار وغير مرتهنة لأطراف اقليمية هنا أو هناك يخشى معها أن تقوم هذه الأطراف بوقف معوناتها واستثماراتها حال اتخاذ هذه الحكومات لخطوات لا ترضى عنها هذه الأطراف ، وهذه بالطبع جملة الظروف والأحوال العكسية والمناقضة للحالة المصرية .

لا يعني ذلك بتاتآ رفض الاستثمارات الخليجية والتي هي في الحقيقة أغلبها مساعدات وودائع لآجال محددة ، واستغلال لبيع مخزي لمواردنا وأصولنا الهامة نتيجة قرارات وسياسات خاطئة تسببت في رزوحنا تحت وطأة جبال من الديون العامة الباهظة التي لولاها لما لجأت الحكومة الى بيع هذه الأنصبة الهامة في مجموعة من الشركات العملاقة ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد والمجتمع المصري ، ولم تكن لتحاول أن تجمل هذه الكارثة بالتشدق بعبارات من قبيل النجاح الكبير في جذب الاستثمارات والتغني بالقول أن عمليات البيع هذه دلالة على قوة الاقتصاد بدلآ من كونها دلالة على عمق مستنقعنا الذي نغرق فيه .

فالصناديق والمؤسسات الخليجية وبتوجيهات من حكوماتهم هم في النهاية يبحثون عن تحقيق مصالحهم في دولة تتمتع بأقوى جيش في المنطقة ويبحثون عن جذب حلفاء لهم في مواجهة المخاطر الجيوسياسية التي تواجههم .

لكن لا يجب أن يتم ذلك بتاتآ بالمخاطرة بمصالحنا الاستراتيجية ومكامن قوتنا الناعمة والاقتصادية والدفع بنا نحو التقوقع في مزيد من الارتهان السياسي والاستراتيجي لصالح أي طرف اقليمي أو عالمي مهما كان فالتجربة المحلية والعالمية تثبت فداحة وكارثية خسائر هذا الخيار على كافة المستويات المادية والزمنية والاستراتيجية .

للأسف الحكومة المصرية عاجزة عن جذب استثمارات جديدة حقيقية قوية وذات قيمة مضافة مؤثرة للاقتصاد والمجتمع نتيجة :

١ تدمير قيمة الجنيه المصري بسبب قرارات وسياسات ومفاهيم مسبقة مخرّجة من سياقها وفي غاية التهور المالي و الاقتصادي والسياسي ، وهو الوضع الذي يعجز معه المستثمر الأجنبي أن يمتلك القدرة على حساب تكاليفه وأرباحه الحقيقية والتي ستتحول الى خسائر نتيجة استمرار تدهور الجنيه .

٢ يترافق ما سبق مع قرارات وسياسات تسببت أيضآ في موجات تسونامية من التضخم والغلاء ، أثرت بشكل هائل على قدرة المواطنين على الانفاق ودفعت بملايين من الأسر الى خانة الفقر أو النزول الى مستويات الطبقة المتوسطة التي أضحت بدورها تعاني بشدة لمجرد تدبير احتياجاتها الأساسية ولم يعد هناك فائض أو حتى تقلص الفائص لدى الأغلبية للانفاق على سلع ومنتجات وخدمات جديدة مما يعني غياب أو ضعف الطلب على مخرجات أية استثمارات جديدة سواء أكانت محلية أو أجنبية .

٣ يترافق ذلك أيضآ مع غياب الرؤية والارادة الحكومية لتنفيذ ورعاية برنامج قومي لتحقيق زيادة حقيقية واقعية في أجور ومرتبات المواطنين في ظل الفشل والاستمراء الحكومي لحالة هزال وضعف دخول المواطنين العاملين في القطاعات الحكومية والعامة والخاصة وجشع واستغلال أغلبية أصحاب الأعمال لموظفيهم وعمالهم من ظروف عمل شاقة وأجور هزيلة لا تتناسب بتاتآ مع حجم الأعمال والأرباح التي يحققونها مما يكرس غياب العدالة الاجتماعية ويزيد بشكل مؤلم الفوارق الطبقية ، وبالتالي ينعكس ذلك في غياب الرغبة الحقيقية لدى العامل او الموظف للابداع والتطوير وعدم قدرته على الانفاق الكافي لتطوير الاقتصاد واطلاق دمائه في شرايين استثمارية جديدة .

٤ التدهور الاقتصادي العالمي نتيجة الأزمات الدولية من قبيل وباء كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية والصراعات العالمية وما استتبعها من عقوبات دولية متبادلة وارتفاع معدلات التضخم العالمية .

٥ غياب العقليات العملية والكوادر الفنية المؤهلة بشكل عملي وواقعي وتتمتع بمواهب التفكير خارج الصندوق لصالح عقليات أكاديمية أسيرة لأسوار الجامعة والنظريات والأفكار المعلبة التي لم تمتهن الواقع وتعيش التجربة العملية بإرهاصاتها وتبعاتها ولم تراكم خبرات من رحم الواقع والشد والجذب والفعل ورد الفعل ولا تتمتع بمنظومة متشعبة من العلاقات العامة مع ممثلي ومدراء ورؤساء الشركات والصناديق العالمية لاختلاف الخلفيات البيئية والعملية والمفاهيمية .

وهي الأمور التي يختبرها ويطورها ويمتلكها من عملوا في مجتمع الاستثمار والأعمال الحرة واضطلعوا بل واختيروا بأنفسهم بشكل متلاصق وواقعي مشكلات الاستثمار والمستثمرين مما كان سيدفع نحو بناء محاور ونظم ومقاربات جديدة لجذب وتوطين الاستثمارات الأجنبية بل والمحلية أيضآ .

ومثال على ذلك على سبيل المثال لا الحصر ، مقارنة كم التطويرات والإنحازات في ملف الطرق والنقل والمطارات والموانئ والسكك الحديدية تحت قيادة شخصية تمتلك خبرات عملية وواقعية ورؤية مستمدة من العمل على أرض الواقع كالفريق مهندس كامل الوزير وزير النقل والمواصلات الحالي وبين ما سبقوه من أكاديميين وأساتذة جامعات حينما تولوا نفس المنصب الذي يتولاه حاليآ وتركوا أحوال ومسؤوليات الوزارة ترزح تحت نير التخلف والضياع والخراب .

٦ غياب التعليم و التدريب المهني والفني الحقيقي لتخريج أجيال من المهندسين والفنيين والعمال المهرة بسبب غياب البرنامج القومي الحكومي الفاعل والفعال ، وكذلك بسبب رئيسي وأكثر أهمية وتأثيرآ متمثلآ في ثقافة يعاني منها أغلبية المجتمع واضعة لرؤية غير سليمة شديدة التخلف تحصر مفهوم النجاح المهني فقط في تخريج أطباء وصيادلة لمجرد أن يقال لهم يا دكتور/ة .

فبدلآ من الولوج الى كليات ومعاهد هندسية متخصصة تخرج أجيالآ يجذبون بقدراتهم و تبنى على أكتافهم وبسواعدهم مصانع واستثمارات صناعية هندسية وفنية قوية وذات درجة عالية من الأهمية والتعقيد والتنوع ، بدلآ عن ذللك للأسف الشديد نستمر في تخريج دفعات كبيرة متتالية من أطباء وصيادلة بأكثر من اللازم وليس المجتمع بحاجة الى أغلبهم فيتركون للمعاناة من فقر الأجور وسوء بيئات العمل ويشكلوا بذلك طاقات مجتمعية مهدرة وموارد عقلية ضائعة كان يمكن الاستفادة بهم في تطوير المحتمع لآفاق أعلى وأرحب .

وكذلك يعاني العمال من نقص التدريب والتأهيل الجدي اللهم من محاولات فردية هنا وهناك ، ويعانون كذلك كبقية المحتمع من ضعف وهزال الأجور والمرتبات واستغلال وجشع أغلبية أصحاب الأعمال مما يدفعهم الى السفر للخارج أو امتهان مهن أخرى لا تناسب كفاءاتهم وقدراتهم الحقيقية كعمال مطاعم أو كسائقين تكاتك وسيارات أجرة مثلآ .

كل ذلك يهدر على المجتمع موارد بشرية هائلة تمثل عصب الاستثمارات المباشرة الحقيقية والمورد الأساسي للتطور والنجاح ، وهؤلاء هم من يبحث عنهم المستثمرون .

وفي النهاية لا ينكر ما تحقق من انجازات كبيرة طيلة السنوات الماضية التي أعقبت ثورة الثلاثين من يونيو ، كالعلمين الجديدة التي من المفترض ان أحسن استثمارها وتم بناء مجموعات متنوعة وكثيرة من الفنادق والمنتجعات التي ستحول الساحل الشمالي لموطن لجذب السياحة المحلية والعالمية طيلة العام أو حتى أغلبه بديلآ عن أخطاء الماضي بضياع الساحل تحت خرسانات القصور و الفلل والشاليهات والشقق المصيفية لأقلية من الشعب ؛ ولا ينكر أهمية مشاريع تبطين الترع والقنوات وبناء الطرق والانفاق والمصانع الكبرى وتطوير الجيش الوطني المصري كحامي للوطن والمنطقة ككل كأقوى وأكبر جيش في المنطقة وأحد أقوى جيوش العالم والدلتا الجديدة واستصلاح الأراضي والمزارع السمكية العملاقة ( على الرغم وللأسف لم يستفد منها الشعب بإنخفاض أسعار الأسماك التي أضحت بأسعار مبالغ فيها ) وغيرها .

ولكن تظل كثير من المشاريع كالعاصمة الادارية وتفريعة قناة السويس والقطار السريع ومنشآت تكلفت المليارات كالجوامع الضخمة هنا وهناك وغيرها أيضآ مثلت أسبابآ هامة في ارتفاع معدلات المديونية العامة والتضخم البالغ الذي نعانيه ، مع ضرورة اعادة جدولة مشاريع كحياة كريمة على سبيل المثال لا الحصر لتتناسب مع المقدرات المالية للدولة بدلآ من أن يتحول هؤلاء المواطنون المستهدفين بهذه المشاريع الى فقراء معدمين نتيجة انهيار قيمة الجنيه برزوح دولته تحت أطلال من الديون .

خلاصة القول أننا الآن نعيش حالة ما بين وهم الإستثمار ووحي بيع القوة المصرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم


.. د. أحمد غنيم لخالد أبو بكر: كلما تقدمت الدول كلما تحولت من ا




.. كل يوم - د. أحمد غنيم :الدولة تقدم الدعم النقدي لأصحاب المع