الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبراء الطبع السيئ ومفهوم التحريفية

عذري مازغ

2022 / 8 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الخبير بشكل عام هو من يناقش قضية ما محيطا بها من كل الجوانب دون ان يسقط في فخ التأييد لجانب ما في تلك القضية . غير هذا تسقط "حرفة" الخبرة.
مثلا أولئك الذين راهنوا على تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا في حربها مع أوكرانيا، مع أن الأيام اثبتت العكس باعتراف اهم وكالات الأخبار الأوربية نفسها لا زال الكثير من هؤلاء "الخبراء" يسترسلون في الانتصارات الغربية رغم كل الخيبات. لم نسمع على أن روسيا خفضت من الأضواء في شوارع مدنها كما يحصل الآن في أوربا، لم نسمع عنها انها تأمر المواطنين بمسح الإبط بالعطور عوض أخذ حمام كما نصحت شركة المياه في بريطانيا، لم نسمع بان في روسيا وصلت الأسعار للمواد الغذائية أرقاما كالتي وصلتها أوربا، لم نسمع انها تعيش اسوأ ايام التغذية لأن شركة "ماكدونالد" هجرتها، كل هذا واللائحة طويلة ...
نموذج آخر: مدافع هيمارس الأمريكية لأوكرانيا : دفعت الولايات المتحدة منها 12 في البداية ثم بدا الإعلام الغربي من خلال خبراء ومنهم حتى العرب يحكون على ان هذه المدافع خلقت فارقا: كيف ستصنع هذه المدافع الفرق وهي محسوبة على رؤوس الأصابع؟ ما هو هذا الفارق ومن اي ناحية صنعته هذه المدافع ؟ من ناحية القوة النارية مثلا ام فقط لأن امتدادها يطول لإلى 80 كلم؟ الآن الولايات المتحدة ترفض تقديم أعدادا أكثر بدواعي أنها في تكتلها ستثير رقابة روسيا لها وأنها بقلتها تنفلت من الرصد (تفسير دونكيخوتي ومع ذلك وقف إليه "الخبراء" كتفسير منطقي)
إيه يا دا حماد! عليك أن تصدق كل هذه الخرافات وإلا فلست بشر يدعم حق اوكرانيا في استقلالها الطبيعي
الأرقام الخرافية في عدد القتلى: 80 الف جندي روسي بين قتيل وجريح حسب البانتاغون، يفترض أن يكون هذا العدد وهو كم هائل، يفترض ان يؤدي إلى انهزام كامل لروسيا، تحييد 80 الف جندي يفترض تراجعا عن المناطق المحتلة وتقدما للجيش الأوكراني والحاصل عمليا هو العكس .
ما اريد قوله، هل هذه الحقائق لا تزكم انف الخبراء؟ هل لا يخجلون من انفسهم حين يقدمون بالثرثرة انتصارات زوزو (زيلينسكي) في هذه الحرب ؟
هل لا يستحيي هؤلاء الذين يخبروننا في إعلانات إشهارية أنهم ستكون لديهم مداخلة كذا في برنامج كذا أو نشر مداخلاتهم في برنامج بقناة كذا؟
لماذا الخبراء يسيؤون إلى أنفسهم دون خجل وهم يعرفون أن الجمهور الذي يتابعهم يستلهم التناقض في أحاديثهم ؟
يكفي مثلا أن التحليلات (تحليلات هؤلاء "الخبراء") في بداية الحرب راهنو بالاحتمال على نتائج لم تصدقها الأسابيع التالية للحرب بل كانت النتائج عكسية تماما ويفترض في الخبير النزيه أن يتدارك سوء التقدير في تحليله إذا أراد بالفعل أن يسحب ذاته من الطبع السيء الذي فطن به، لكن للأسف الأمور ليست هكذا، فالطبع السيء هو السائد، ويكفي الناس (الشعب المدجن)، القليل منه الذي يتمتع بحاسة النقد ان ينسحب ببساطة من تلك المداخلات السيئة الطبع بالفعل، لقد رصدت مثلا (وهذا قلته في مقال سابق) في متابعتي لقنوات إسبانيا "الرسمية" (حتى القنوات التي تعتبر خاصة في إسبانيا هي رسمية بمعنى ما)، والتي تابعتها لسنوات طويلة انه بمجرد ما أرى الوجوه التي ستتدخل في حوار ما اعرف تماما ما سيقوله كل هن هذه الوجوه، حتى وإن تعلق الأمر بإنقاذ قطة سيدة عجوز في فيضان موسمي، وغالبا ما احرج أصدقائي الإسبان بسؤال مستفز: هل في 45 مليون نسمة من هذا الشعب الرائع لا يوجد إلا هؤلاء الخبراء ذوي الذوات السيئة الطبع من مناصري الإيديولوجيات؟
لمدة عشرين سنة اتابع الحوارات التلفزية في إسبانيا، لم يتغير شيء ماعدا ان بعض هؤلاء من الطبع السيئ ماتوا صدفة ليأتوا بآخرين من صلب مدرستهم:
إني اكره حتى اليساري الذي تجمعني وإياه الأيديولوجية اليسارية حين يمضغ تلك العبارات التي ألفناها: الحياة الاجتماعية تفترض، في سياق التطور النسقي للمجتمع، حياة سياسية مختلفة: اكره التروتسكي من أصدقائي المقربين حين يعيد ذلك التاريخ اللئيم لتروتسكي (إني أعرف ذلك التاريخ ولا ضرورة لامتحاني في الأمر)، اكره الستاليني لنفس السبب، اللينيني لنفس السبب: إن الاتهام بالتحريفية للذين لهم رأي خاص في موقف ما هو قمع للرأي حفاظا على نفس النوع، نوع تلك الفقريات التي ترفض التجديد: إن الحفاظ على النوع يتناقض مع كل ما نظر له ماركس نفسه: تطور التاريخ هو انتقال من طور إلى آخر مختلف عن السابق، إنه مبدأ ماركسي كوني يتنافى مع مفهوم أولئك الذين يتسمون بالطبع السيء حين يشهرون مفهوم "التحريفية".
ما معنى التحريفية؟
في اللينينية تعني الخروج عن الخط اللينين الذي صاغه لينين في ظروف تاريخية سياسية معينة مختلفة تراكميا مع زماننا وقس على هذا التيارات الماركسية الأخرى، حتى الماركسي اللبناني مهدي عامل يقر بهذا دون ان يملك الشجاعة في خلق قفزة نوعية برغم انه نظر لها كثيرا، لكن مع ذلك، في تحليلاته يربط التطور البنيوي للمجتمع بما يسميه هو (أقصد مهدي عامل) ب"الإطار التاريخي" . إن هذا الإطار التاريخي مختلف في الزمان والمكان وهذا سبب موضوعي لنفي مفهوم الاتهام بالتحريفية، إن مهدي عامل واعي بهذا الأمر حين يؤكد أن الفكر الماركسي هو هذه الحركة الدائمة من التغيير: أن يكون الفكر الماركسي حركة دائمة من التغيير يعني انها حركة نقيضة لمفهوم التحريفية، ببساطة لأنها حركة تغيير وتجديد دائم تتوافق مع مفهوم الإنتقال من طور إلى آخر وليست حركة "حفظ النوع" بالتعبير النيتشي .
(لتدقيق هذا الكلام: حين تتهم آخر بالتحريفية، معنى ذلك انك تكرس مفهوم حفظ النوع الذي حتى نيتشة على الرغم من انه ليس ماركسي هو يرفضه).
لنعد الآن إلى سيئي الطبع هؤلاء الذين يريدون مجتمعا على طينتهم، إني اعرف مدى احترافية الشخص لتصريف رؤى سيئة الطبع تماما.
في الحوارات السياسية في قنوات إسبانيا، أستطيع ان أقول وبدون تردد ان هؤلاء المحمومون بالنقاش السياسي، مختارون من النظام السياسي في إسبانيا وفق معايير النظام: يميني من نوع خاص، يساري من نوع خاص لائق ولا يهم إن وصل حد الجدل إلى خصومات بالأيدي واللكمات او الكلام الصاخب: إنها ثرثرة تلوث مجال السمع البصري : نفس ثرثرة الاحزاب السياسية فيما بينها: في أوربا، النظام "الديموقراطي" يفرض شروطا حمراء منها مثلا: لا يمكن لحزب يساري تجاوز الخطوط الحمراء للبنك المركزي الاوربي الذي تسيطر عليه ألمانيا والكل يعرف ماذا حصل ليسار اليونان الجديد. ليست الديموقراطية كما نعتقدها نحن الأفراد: حكم الشعب نفسه بنفسه من خلال اختيار أعضاء تمثله (الديموقراطية النيابية)، سابقا لم تكن هناك آلية لتعبير الشعب نفسه بنفسه في التصويت على برامج معينة، كانت الآلية الممكنة هي اختيار نائب يمثلك (ولن نتكلم هنا على الإشكالات السياسية الأخرى التي تجعل النائب لا يمثلك بالفعل والذي يرر خيانته لك بتلك الجملة المعروفة: "هناك إكراهات دولية ووطنية")، لقد تطورت التكنولوجيا الرقمية بشكل يسمح للمواطن ان يصوت على برنامج حكومة اوبلدية دون اللجوء إلى ممثل ينوب عليك: هذا هو المفهوم الحقيقي لما يسمى بالديموقراطية التشاركية، تعني علميا تهميش المنتخب وليس كما طرحها أوباما في الولايات المتحدة (عمليا سبقه غورباتشوف فيها، اعني الديموقراطية بالفهم الأوبامي وهي ان يتواضع الرئيس ويتكلم في الشارع مع أي بئيس)، الديموقراطية التشاركية هي تصويت الشعب من خلال الآليات الرقمية على برامج الهيآت الرسمية بالبلد.
التكنولوجية الرقمية هي ثورة بالفعل بالشكل الذي الخبير سيء الطبع يمكنه ان يطلع على انتقادات سيئة بالفعل لكن صحيح، هذه التكنولوجية أيضا تسمح بنفي الرأي المناقض، وعلى كل حال يكتشف المتتبع الذي يعلق أن رأيه مسح لأنه يتنافى مع الخبير السيء الطبع ومع القناة السيئة الطبع بالفعل .
توجيه خاص لمن يملك ذرة من المصداقية من الخبراء: إذا كانت تحليلاتك السابقة لم تثبت احتمالاتك في وضع سياسي معين، حاول على الأقل تدارك الامر فالشعب يعرف ان الناس تخطيء والتراجع عن الخطأ يعطي مصداقية للخبير اكثر عوض الإذعان سيرا في المغالطات، انصح بالتحديد الذين اعرفهم وأتمنى أن يحافظوا على مصداقيتي لهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع كالعادة
حسين علوان حسين ( 2022 / 8 / 12 - 06:45 )
تحية رفاقية حارة
أحسنت القول والوصف .
الدجالون باتوا مهيمنين على غالبية محطات الاخبار الغربية والشرقية على حد سواء ، والدجل بات السمة الغالبة على الخطاب السياسي في الغرب وتابعه الشرق ؛ فاتقلب الواقع الحقيقي الى واقع افتراضي يستلزم حجب الرؤية بارتداء نظارات الكترونية . .
جزيل الشكر على تنويرنا بصدد الدعايات المضللة في أسبانيا والغرب عموما . نفس التكتيكات التي تتبعها المواقع الدينجية بعرضها ليل نهار ملتحي المكانس من الدجالين الأميين بالدين والدنيا كعلماء وفقهاء مزيفين ممن لا يتقنون حتى العربية الفصحى ، باتت تستخدمها الآن المواقع المروجة للانتصارات الاوكرانية الموهومة وادامة التغاضي عن عقابيل كارثة نقص الطاقة التي عمت وتعم أوربا أكثر فأكثر نتيجة لسياساتها الرعناء ضد روسيا عبر مقابلاتها الحصرية الملقنة نصوصها سلفاً مع من تسميهم بالخبراء الستراتيجيين من الدجالين .. هل قرأت كيف بات المستشار الالماني يتوسل ببوتين مؤخراً كي يستلم مضخات سيمنس التي سبق له وأن أصدر بنفسه قرارا بوقف تصديرها لروسيا ؟
ما رأيك بلقب زيزي لزيلنسكي ؟ طب، خلي بالك من زيزي وفتوة زيزي، رفيق !
أسمى التقدير والحب


2 - الرفيق حسين علوان الجميل
عذرى مازغ ( 2022 / 8 / 12 - 20:43 )
أبدا من حيث انتهيت، نتفق على التسمية فقط بشكل مختلف: عادة اسميه زوزو وليس زيزي
خصوصا في تدويناتي بالفايسبوك، ـ
في أوربا اتابع الإعلام الفرنسي والإسباني بشكل خاص وموقع روسيا في شقه العربي والاسباني وبشكل هام هناك مرحلتين مختلفتين من حيث تغطية الحرب الأوكرانية: مرحلة بداية الحرب والمرحلة الحالية، المرحلة الأولى أصبنا بالسقم من التغطيات الغربية للحرب خصوصا القنوات التي نعتبرها قريبة لليسار وكان من الصعب الإدلاء بالرأي بشكل مستقل في الحرب، ثم بعد هذه المرحلة بدات بعض المواقع تنشر شهادات لمتطوعين سواء عسكريا أو في الأعمال الإنسانية والخيرية، شهادات مرعبة لأناس كانوا هناك واكدوا اعمالا نازية صادمة واذكر مقابلة لقناة السادسة الإسبانية مع عسكري إسباني كان يعيش بأوكرانيا وهي مقابلة فاجات خط التحرير الإعلامي للقناة بشكل كانت لها ردود فعل في المواقع الافتراضية نظرا لتمكن العسكري هذا من فهم الإشكال هناك من خلال التذكير بالاتفاقيات التي لم يحترمها الناتو والتي تمنع توسعها إلى روسيا ثم عرض ماساة سعدب الدونباس وغير ذلك
...بعد اجتماع الدول السبع بدا الانتقاد يكبر اتجاه سياسة الدول الأوربية وبدأ


3 - الرفيق حسين علوان الجميل تتمة
عذرى مازغ ( 2022 / 8 / 12 - 20:54 )
قلت بدا انتقاد وسائل الإعلام صاخبا خصوصا وأن العقوبات ضربت في الصميم القدرة الشرائية للأوربيون انفسهم، أما عن مستشار ألمانيا فصحيح تودده لروسيا وفي نفس الوقت هو اضعف شخصية سياسية في تاريخ ألمانيا بحيث نسي قوة ألمانيا المحورية في الاتحاد الأوربي وتصرف حول الحرب بشكل جبان برغم أنه يعرف بأن العقوبات تضرب بالدرجة الأولى الاقتصاد الألماني وانا هنا استحضر موقف لانجيلا ميركل حين جرت الرئيس الأوكراني السابق من أذنه قائلة: لن نجاريك في إغضاب روسيا وعليك أن تعرف مستوى قدك وتتعامل بواقعية سياسية
ختاما أشكر لك مرورك الجميل
أحييك اجمل التحيات
كل الود رفيق العزيز

اخر الافلام

.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو


.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي




.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي