الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-تكنوفوبيا- : أصبحت -الرقمية- Digital - قلب الكارثة البيئية

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 8 / 12
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


كيف تحكم التقنيات الرقمية حياتنا؟ ما هي المخاطر التي تشكلها على البشرية وعلى الحياة على الكوكب؟
في الغرب ، ساهمت "الحرب" ضد الكائنات المعدلة وراثيًا في تغيير الرؤية السياسية للكثيرين من أصدقاء البيئة. فأبدعوا أشكالا نضالية جديدة. وبرز تيار العداء للتكنولوجيا – "تكنوفوبيا" ومكسرو الآلات. هؤلاء الذي وصلوا إلى قناعة مفادها أن أقوى التطورات الاجتماعية لم تتحقق من خلال استجداء الأشياء من الدولة أو أرباب العمل ، ولكن من خلال أخذ مصير المرء بيده مباشرة ، وهكذا أظهر العمال والسكان رغبة حقيقية في الاستقلال الذاتي.
كما أدرك الكثيرون في الغرب أيضًا أن النضالات لم تكن دائمًا تتعلق بالحصول على المزيد من المال أو الحقوق الاجتماعية ، ولكنها كانت تدور في بعض الأحيان بشكل مباشر حول وسائل العيش التي صادرتها الرأسمالية تدريجياً عبر التاريخ.

وفي نفس الوقت بدأ الكثيرون من المدافعين على البيئة وتنظيم لقاءات وفعاليات ضد الإعلان والاشهار. وغالبا ما كانت تختتم بمهاجمة رموز النزعة الاستهلاكية من خلال تمزيق إعلانات مترو الأنفاق وكتابة رسائل "تهييجية" بدلاً من ذلك. وبرزت كتابات موقعة بـ "مجموعة Marcuse" (1) (الحركة المستقلة للتفكير النقدي لاستخدام الناجين من الاقتصاد) وتضمين هذه الموجة في دائرة نقد شامل ومتماسك للرأسمالية.
_______________________________
(1) - كان "هربرت ماركوز" 1898 - 1979) ، فيلسوفًا وعالم اجتماع ماركسيًا أمريكيًا من أصل ألماني وعضو في مدرسة فرانكفورت مع "تيودور أدورنو" و"ماكس هوركهايمر". وفي عام 1964 ، أصدر كتابه " الرجل ذو البعد الواحد " الذي ظهر في فرنسا عام 1968 وأصبح إلى حد ما التجسيد النظري لثورة الطلاب الجديدة.
___________________________________

كان هناك أيضًا اضطراب في الأوساط الأكاديمية. إذ برز التساؤل عما إذا كان من اللائق أن يتم رفع شعار إنقاذ البحث العلمي في ضوء مساهمته في النظام الاجتماعي القائم ، في ضوء المبالغ التي أنفقت بالفعل على تكنولوجيا النانو ، والطاقة النووية ، والكائنات المعدلة وراثيًا .
لطالما بدا التقدم التقني وكأنه يحقق العدالة الاجتماعية والحرية، لكن يبين أنه وهم، ويمكن ملاحظة – وبسهولة - أنه في القرن العشرين ، سهلت أدوات التكنولوجيا سهلت تفكيك الحقوق الاجتماعية والتضامن.
وفي مرحلة لاحقة، بدأ الباحثون يهتمون بنقد المعلومات والتكنولوجيا. واهتمت الكثير من الكتابات بالطلاق الحاصل بين التقدم التقني والتقدم البشري. لطالما بدا التقدم التقني حاملاً للعدالة الاجتماعية والحرية، لكن كان وهمًا إلى حد كبير في القرن التاسع عشر ، ولكن على مدار القرن العشرين ، بوز هذا الطلاق بوضوح: لقد سهلت أدوات التكنولوجيا تفكيك الحقوق الاجتماعية والتضامن وقيّدت الحرية إلى حد كبير.


أضحى المجتمع اليوم "مرقمن" من كل جانب. لقد تمت مصادرة – ليس فقط - وسائل للعيش ، بل العالم نفسه والولوج إليه. في المدن الكبرى اليوم ، يبدو أن الأشياء والظواهر لا تكتسي أهمية إلا بتصويرها عندما أراها أو أعاينها ، ولا يهم إلا إذا قمت بتسجيلها والتقاطها ثم القذف بها على الفور في وسائل التواصل الاجتماعي. نستشير هاتفنا الخلوي بشكل إلزامي ، أحيانًا بمجرد استيقاظنا ، في كل لحظة استراحة نملأها من خلال مشاهدة تدفق الأخبار أو الرسائل أو الألعاب ...ونموذجنا الاقتصادي لا يمكن أن يستمر ويتقدم إلا إذا بتوسع نطاق السوق. لذلك أضحى من الضروري اختراع سلع جديدة بشكل متسارع. فهذا ما تسمح به الرقمنة.

ويرتبط هذا إلى حد كبير بديناميات الرأسمالية. فالظاهرة التكنولوجية لا تنفصل عن منطق الربح. فاليوم ، على سبيل المثال ، أصبح "اهتمام الناس وأذواقهم" قابلة للتسويق.

مع الهاتف الذكي ، نتخلى نهائياً عن كوننا أسياد وجودنا. نحن نتعاقد من الباطن على حياتنا ، ونفوضها لمنظمات بيروقراطية وتجارية كبيرة. حتى أنه يؤثر على الجنس والتكاثر والعلاقة الحميمة. هذه المنظمات بحاجة إلى المزيد والمزيد من المعلومات عنا. إنهم يستفيدون من جميع الآثار التي نتركها على الإنترنت من خلال تنقلاتنا اليومية. لكننا نلاحظ في مواجهة هذه الظاهرة شكلاً من أشكال السلبية ، وحتى من الانخراط والانبهار.

فحتى الأنجاب تم تفويضه اليوم. على غرار ما يقع مع حيوانات المزرعة ، والتي تعتبر الوراثة الحيوية - biogenetics - متقدمة جدًا بالنسبة لها. وقد امتدت إلى البشر.

تنمو الهندسة الوراثية من خلال برامج التكاثر الاصطناعي التي يلجأ إليها الناس بدافع الضيق ، مع تفشي العقم والمآسي الشخصية التي تنطوي عليها ؛ أو لأنه يبدو لهم حقًا ، مسألة تمييز ... بسبب التطور البيوكيميائي ، وبسبب المضايقات وطريقة الحياة العصرية الحالية - غياب الوقت الميت أو "الوقت الثالث ، الإجهاد الدائم - إذ يصبح إنجاب الأطفال أكثر فأكثر صعوبة من السابق. وتكفي – في هذا المضمار - الإشارة إلى التطبيقات التي تتيح لنا اللقاءات والاجتماع والتي أضحت تؤثر على خصوصيتنا.
كل هذا ينمو بشكل سريع، وأصبح يترسخ شكل من أشكال الحياة النمطية.

إن "الرقمنة" تخلق رؤية جديدة حيث نعتقد أن العالم تحت تصرفنا ، في بعده البيئي كما في عمل الآخرين.
تفويض الحياة إلى التكنولوجيا قد يولد شكلا من المتعة ، كالشعور بالوجود في كل مكان ، على سبيل المثال. كثير من الناس لا يختبرونه كإدمان ولكن كوسيلة لتملك الحياة الحديثة بشكل مختلف.

يمنحنا هذا النظام وهم توفير الوقت. يقدم لنا أشياء بدلاً من أن نفعلها بأنفسنا. لكنه يزيد من اعتمادنا على نظام تجاري شديد التصنيع. بدلاً من تحضير وجبتك أو الذهاب لإحضارها ، يتم توصيلها إلى منزلك بواسطة دراجة نارية ، وذلك ببساطة عن طريق تمرير إصبعك على شاشة هاتفك الذكي وطلب ما تشاء في أي وقت وبأي كمية.

تخلق "الرقمنة" رؤية، حيث نتوهم أن العالم تحت تصرفنا ، سواء من منظور الموارد الطبيعة أو عمل الآخرين.

فهل نحن على استعداد لمواجهة حقيقة مرة : إن قلب الكارثة البيئية أصبح "رقميًا"، إي بفعل "الرقمنة". هذا التطور المذهل للواجهات والشاشات والأجهزة والشبكات، كما أن وراء "الرقمنة" ، هناك استخراج وإحياء صناعة التعدين العالمية. وبالإضافة إلى المعادن التقليدية ، التي يتضاعف استغلالها ، من الضروري استخراج مواد جديدة وأتربة نادرة ، مثل الليثيوم- lithium- ، والتنجستن – tungstène - ، والجرمانيوم – germanium ... وتسبب هذه الحمى الاستخراجية كوارث بيئية .

كما أن "الرقمنة" من أكبر "مفترسي" الطاقة.
اليوم ، تستحوذ على ما بين 10 و 15 في المائة من الكهرباء المستهلكة في العالم. وإذا استمر توسعها بمعدل يتضاعف كل أربع سنوات ، فستكون "الرقمنة" في سنة 2030 القطاع الأكثر استهلاكًا للكهرباء ، أي ما يعادل كل الكهرباء التي استخدمها العالم في سنة 2008. والحالة هذه، من غير العادي، بل من العبث أن تتحدث الدولة والحكومات عن "الانتقال الطاقي" وفي نفس الوقت تعزز بإصرار قوي هذا النمو الانتحاري!

إن برقية البريد الإلكتروني بمعية صورة أو وثيقة مرفقة تتطيب استهلاك ما يوازي ساعة واحدة من استهلاك المصباح الكهربائي.

والحالة هذه، فما معنى استهلاك المزيد من الكهرباء لمجرد تحقيق الرغبة في تنزيل الأفلام بشكل أسرع، والرغبة في عمل الإنترنت بشكل أسرع ، وما إلى ذلك. فهل هذه من الأولويات حتى بتسابق لحيازة 5G أو 6G؟

لهذا ، يجعل المدافعون على البيئة من الرقمنة موضوع صراع ونضال، لأن الكثير من متطلبات الحياة الضرورية لا تلبيها "الرقمنة" والكثير من المجتمعات لازالت في حاجة ماسة لها والتي يجب التركيز عليها ، كالحاجة إلى السكن اللائق والغذاء الكافي والولوج إلى العلاج ...

الأكيد اليوم هو أن "الرقمنة" ستستمر في التوسع. بل هناك خطر الذهاب إلى أبعد من ذلك في الارتباط بالرقمنة ، في أشكال اندماج بين الإنسان والآلة ، أي "ما بعد الإنسانية" - transhumanism.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة