الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد البدري وداعا

ضياء السورملي

2006 / 9 / 25
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


رحل عنا وغادرنا بغفلة الفقيد المرحوم الكاتب الكردي محمد البدري ، وبفقده خسر الشعب الكردي واحدا من أبرز الكتاب والأدباء المعروفين بنضالهم العتيد ، وفقدت مدينة الكوت واحدا من ابناءها البررة من الكرد الفيليين الذين ناضلوا في تاسيس لجنة محلية الكوت للحزب الديمقراطي الكردستاني جنبا الى جنب مع بقية المناضلين الاخرين ،

عرفت محمد البدري لاول مرة عندما كان يعمل في الأذاعة السرية الكردية للبشمركة في سنة 1974 في مدينة جومان في كردستان ، كان يعمل في القسم العربي وكان يقرأ اخبار المقاتلين الكرد وهم يتصدون للقوات المعتدية على المناطق الكردية ، كان صوته مدويا وحماسيا ويصل صوته الى اسماع كل المناضلين في المناطق الوسطى والجنوبية في العراق ، قابلته في جومان وفي سهول وجبال كردستان كنت وقتها في ريعانة شبابي انذاك حيث تركت كليتي في جامعة البصرة والتحقت بالحركة الكردية المسلحة ، وعندما التقيته في مدينة جومان اخبرني بانه يعرف عائلتنا ويعرف والدي شخصيا وانهم كانوا يعملون سوية في مدينة الكوت وفي تنظيمات البارتي وانه كان يعمل في لجنة محلية الكوت للحزب الديمقراطي الكردستاني كما أخبرني عن معارفي واهالي الكوت من الكرد الفيليين ، التقيته مرة اخرى في اتحاد الادباء الكرد في بغداد بعد عشرة سنوات من لقاءنا الأول تبادلنا الحديث الطويل والشيق ، كان حلو المعشر ولطيفا وكان يحمل في ذاكرته اشعارا وقصائد كثيرة ، كانت همومه متشعبة ومتعددة ، كان يحمل هم الوطن وهموم الكرد المسفرين وهموم العوائل التي كان مسؤولا عن اعالتهم ، كان المرحوم يعتصر من دمه ولحمه وفكره في سبيل اسعاد الأخرين

إلتقيت به اخيرا في مؤتمر اربيل للكرد الفيليين في ديسمبر من السنة الماضية وايضا بعد عشرة سنوات تقريبا . تبادلت الحديث معه مجددا ، كان المرحوم مجللا بالملابس السوداء ولم اكن اعرف ماذا ألم به من عوادي الزمن لانقطاع اخبارنا عن بعض ، بكى بحرقة عندما عانقته واخبرته لماذا تلبس السواد ، فقال لي والدموع لم تصمد في عينيه ، لقد فقدت ابني آراس ، لقد اغتالته يد الغادرين ، اغتالته ايادي المجرمين ، كان متألما جدا لفقده فلذة كبده ، قبلني وقال لي ارى في وجهك وجه والدك وبكى كان شديد العاطفة وذو حس مرهف ، قلت له لقد توفي والدي ولم اتمكن من رؤيته ولم استطع ان احضر مراسيم الدفن والجنازة بسبب الحكم العفلقي البعثي

تبادلنا العناوين وارقام الهواتف وتبادلنا الحديث الطويل ، اخبرته بانني احتفظ له بمقالات منشورة في جريدة التاخي يعود تاريخها الى شهر تموز سنة 1980 ، انفرجت اساريره وضحك وقال وكيف سترسلها لي ، قلت له سوف انشرها لك باسمك تباعا ، لم استطع الوفاء بعهدي له لكثرة انشغالي ، واليوم اصبح لزاما علي ان اعيد نشر ما كتبه قبل اكثر من عقدين من الزمان وسابدا بنشر مقالة رائعة كتبها بتاريخ 26/7/1980 في جريدة التاخي التي كانت تصدر في بغداد وهي بعنوان لحظات في رحاب الشعر الكردي الكلاسيكي

كان المرحوم البدري رفيقا وصديقا لعائلتنا وكان يقضي معظم وقته مع والدي المرحوم عبد الستار كاظم ، كانا صديقين منذ شبابهما وعملا معا في اتحاد الأدباء الكرد وعملا في تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني كما يذكر ذلك المرحوم محمد البدري في مقالة منشورة له مؤخرا في جريدة التاخي بانه عمل في لجنة محلية الكوت للحزب الديقراطي الكردستاني مع والدي ومع سلمان بيجان وعلي اكبر براري وطاهر نادر ونامي مامكة كما تم اعتقاله اكثر من مرة وسجن في نقرة السلمان وفي السجن المركزي وفي سجن الكوت ، ان السجون العراقية لا نعني بها جرائم جنائية وعند ذكر السجون العراقية فاننا نقصد بها السجون للمفكرين السياسين ومن دون محاكمات اصولية ، يزج بالسجن كل من يقف معارضا لافكار الانظمة المتسلطة على رقاب الناس ، كان المرحوم البدري واحدا من هؤلاء الذين ضحوا بشبابهم وحياتهم في سبيل نصرة قضايا وطنهم

ان المرحوم محمد البدري موسوعة شعرية وكان هو شاعرا وناقدا واديبا ومناضلا يشهد له الجميع بالأخلاق العالية والمعشر اللطيف والكلمة العذبة ، كان هادئا رؤوفا رحيما عطوفا ، بذل كل حياته في سبيل مبادئه وقوميته وشعبه وفكره ، كان انسانا مسالما ، لقد فقد الشعب الكردي برحيله وردة ازكت برائحتها وعطرها سهول ووديان وجبال كردستان

يقول محمد البدري عن المرأة ، انني في الواقع لا اجد عيبا في ان يكتب الشاعر قصائد الحب والتغني بجمال الحبيبة ولست بمؤيد لتلك الأراء الداعية الى تحجر العاطفة وتحويل المرأة وهي تمارس عملية البناء والذود عن كرامة الشعب ومعها في الوقت ذاته حين تعود بعدها الى احضان طبيعتها الأنثوية فتبدو وكأنها بركانا من الشوق والعاطفة والرقة ...

قام الأديب محمد البدري بترجمة العديد من الدراسات والمواضيع من اللغة الكردية الى اللغة العربية واغنى المكتبة العربية بالعديد من المقالات عن الشعر الكردي الكلاسيكي والشعراء الكرد وكتب بقلمه العديد من القصائد الجميلة ، سناتي عليها في مقالات قادمة لنسلط الضوء على قابليات وابداعات الأديب والكاتب الكردي محمد البدري

وداعا محمد البدري ، ستبقى في ذاكرتنا دوما فقد كنت ثائرا لم تغرك الرتب ولم يوهنك الجوع ولا التعب ، كان الشباب عزمك رغم قسوة الزمن ولم نجدك يوما الآ صابرا ولم نسمع منك لا برم ولا عتب، اقسمت ان تكون مفكرا وفكرك متقد وروحك كالبركان كلها لهب ، اقسمت ان تستمر بدربك وتروي بفكرك انهار الزمان والحقب ، كنت نسرا وصقرا في جبال كردستان ولم ينخفض تحت جناحيك غيم او سحب ، كنت شامخا كالطود لم يفت فيك عضد ولم يلتوي لك عصب ، محمد البدري وداعا ، نم قرير العين فقد سلمت من التعب وانزاح عنك الهم والكرب ، ان البكاء على عباقرة بعد الرحيل لا يعدو عن تزلف وكذب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ