الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما تبقى لكم

مازن كم الماز

2022 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


أكره الإسلاميين جدًا ، أكرههم لأنهم يشبهوني ، لا شك عندي أني لو ولدت في ثمانينيات القرن العشرين لا في ستينياته و لو أني ابتليت بمرض تغيير العالم كما جرى لي منذ كنت شابًا ، لكنت اليوم سلفيًا بل و جهاديًا ، لكنت اليوم ، على أكبر الاحتمالات أشتم سلمان رشدي و أميركا و ماركس و المثليين جنسيا و أحلم بعالم يرجم فيه الزناة و تقطع أعناق الكفار و كل من يفكر و كل من يشتم النبي أو أحد صحابته أو آل بيته … هذا يرعبني … هل نشبه الدواعش ؟ هل كنا نفكر كما يفكرون ؟ هل كنا قادرين على فعل ما يفعلون ؟ كم هو مرعب أن يكون الجواب أو بعضه بالإيجاب … لا شك أني كنت ذات يوم ستالينيا فخورًا ، ثم استقبلت البريستيروكا بحماس و أعدت سرًا قراءة خروتشيف و تروتسكي و ماو و خوجة لكني انتظرت قدوم غورباتشوف لأفعل ذلك ، و فقط عندما قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي إلغاء قرارات "الحرمان الكنسي" ( الحزبي ) بحق كامينييف و زينوفييف ، فقط عندها خطر لي أنهما قد يكونان على حق ، في بعض ما قالاه على الأقل ، و هو الأغلب ، عندها فقط توقفت عن ازدراء الرجلين كأعداء للبروليتاريا و خونة و عملاء دون حتى أن أقرأهما ، تمامًا كقاتل نجيب محفوظ و فرج فودة و سلمان رشدي … قبل ذلك كنت أتصرف تمامًا كما كان الإسلاميين يتصرفون اليوم ، أقبل ما يقوله لي القادة و ما أقرأه في كتب المفكرين الذين "أقدس" دون نقاش ، دون تفكير … و عندما سقط الاتحاد السوفياتي فقط ، عندها فقط ، أصبت بفضول و شجاعة جديدتين ، غير مسبوقتين ، سمحت لي بقراءة و ترجمة توني كليف ثم باكونين فكروبوتكين ، و كانت حجتي الأهم أمام نفسي و أمام الآخرين أن باكونين كان قد تنبأ منذ سبعينيات القرن التاسع عشر بما سيفعله أتباع ماركس في السلطة … لم تكن لكلمات مثل الغولاغ أو الارهاب الأحمر أي تأثير علي من قبل ، حتى الهولوكوست يومها ، و ربما حتى وقت قريب ، مع أني كنت أعتبر نفسي وقتها راديكاليًا متطرفًا ، ذا نزعة متطرفة في الدعوة لحرية البشر و العقل و حتى الجسد … صحيح أني منذ تعرفت إلى ماكس شتيرنر و ميخائيل باكونين و ايريكو مالاتيستا و إيما غولدمان الخ ، حطمت كل تابوهاتي ، كل قيودي ، و أصبحت قادرًا على أن أقول و أفكر كما أريد بغض النظر عما يقوله الآخرون أو قد يقولوه ، بغض النظر عن أن أكون على توافق مع الفكر الذي أزعم الانتساب إليه أو لا ، رغم أني لم أعد واثقًا مائة بالمائة في أن ما أقوله هو "الحقيقة" كما كنت واثقًا من قبل ، عندما كنت ملتزمًا بتابوهاتي ، بقيود التفكير و الفعل التي كان انتمائي الحزبي و السياسي يفرضها علي مقدما لي بالمقابل ثقة مطلقة في مواقفي أو مواقفه و أفكاره … لم أعد بحاجة للبحث عن مجموعة من البشر أعتبرهم معصومين ، سواءً كانوا المضطهدين ( بفتح الطاء ) أو مؤمنين بفكر ما و حتى لو كانوا "يكرسون حياتهم من أجل الإنسانية أو جزءً منها" لأزعم الحديث باسمها أو أني الأحق بتمثيلها ، إني أتحدث اليوم فقط باسمي ، عني ، و لا أعتقد اليوم ، بكل أسف ، لا بعصمتي و لا بعصمة أي شخص أو جماعة من البشر ، نحن بشر ، فقط ، كلنا ، بلا استثناء ، للأسف … و لكي أنسب الفضل لأصحابه ، يجب أن أذكر أن الربيع العربي كان آخر تلك الضربات التي أطاحت بكل تابوهاتي و أوهامي ، كانت الثورة و الشعوب تبدو لي في لحظة انتقالي لمعارضة نظام الأسد رهاني الأخير ، بعد سقوط كل شيء ، بعد انهيار كل شيء … كانت آخر ملاذ للعصمة ، آخر ملاذ لحتمية العدالة و انتصار الشعوب و الفقراء … كان المعارضون لنظام الأسد بشكل من الأشكال ، هم أبطالي الجدد ، بديلًا عمن سقطوا أمام عيني ، دون رجعة … لكن أحداث هذا الربيع و مآلاته أثبتت ، لي أنا على الأقل ، أن لا عصمة لأحد ، بل أكثر بكثير من ذلك ، أن الثورة و الشعب لا يمكن أن يكونا جزء من المشكلة فقط ، بل شعارًا و كلمة السر للكوارث التي ننجو منها فقط بمحض المصادفة … عندما اكتشفت أن كل شيء مباح في هذا العالم من أجل السلطة و الثروة ، أن كل شيء مباح باسم الشعب و الثورة تمامًا كما هو مباح باسم النظام و باسم الوطن أو الله أو حتى الأخلاق ، يومها فقط صار كل شيء عندي مباح ، لكن فقط لأني أريد ذلك ، و فقط حسب رغبتي أنا ، رغبتي المباشرة دون مداورة أو خداع أو نفاق ، يومها فقط نجح هذا العالم في تحويلي إلى عدمي ، لا يحترم شيئًا و لا يستطيع الركض وراء أي وهم ، الفضل في هذا للعالم و للآخرين كما يجب أن أعترف … و مع سقوط آخر أبطالي الجدد ، مع تهافتهم على السلطة و الثروة بشكلٍ أسوأ من رجال العصابات لكن بشكل أكثر تهذيبًا ، عندما لم يبق شيئًا لم يفعله هؤلاء ، كذبوا نافقوا بشروا بالكراهية ، تفوهوا بأي هراء مفيد ، غازلوا أي حقير على هذه الأرض فقط مقابل السلطة أو أي جزء منها و أحيانًا مقابل أي شيء ، خلقوا وحوشًا و أطلقوا لها العنان معتقدين أنها ستقوم عنهم بكل الأفعال القذرة ، تاجروا بالألم و بالدماء و بالأحلام و بكل شيء يمكن أن يبيعوه … هؤلاء الذين يطالبون بشار الأسد بالتنازل عن سلطة لا يستحقها لا يقبلون التنازل عن أية سلطة مهما بلغت من تفاهة … شكرًا أيها الرفاق ! … و الآن ، ما الذي تبقى لنا … همسة واحدة لبعض الرفاق ، يمكنكم أن تشتموا الاسلام و المسلمين بما تشاؤون و أنتم على حق في كل كلمة من هذا ، لكن أن تصبحوا مطبلاتية لأمثال بيرلوسكوني و أمثاله تحت شعار "الديمقراطية أو الليبرالية" الذي ينهار هو الآخر كل لحظة أمام أعيننا فقط لأنه لا يوجد بديل فهذا هراء و سقوط جديد … ماذا تبقى لنا : أن نكون أنفسنا ، لا نستسلم لإغراء أوهام جديدة أو قديمة جديدة ، أن لا نخشى من الدوس على كل الأوهام و التابوهات ، ليس لأن "عيون التاريخ و الناس" تراقبنا ، لأنه في النهاية لا شيء سيستحق كل تلك الدماء و كل ذلك الهراء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات