الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش التعديل الوزارى

أحمد فاروق عباس

2022 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يحدث أن تقوم أى دولة فى العالم بإجراء تغييرات سياسية ، وهو شئ عادى ويحدث كل يوم ، وإذا كانت الوزراء يتبعون أحزاباً معينة ، فتغيير وزير أو اكثر يكون معروف سببه بمعرفة إتجاه الحزب السياسي ..

اما اذا كان النظام الحزبى ضعيفا مثلما هو الحال عندنا ، فالحل أن تلعب السياسة دورها فى عرض الأمر على الجمهور ، وبالتالى يعرف الناس الإجابة على الأسئلة المنطقية .. من وكيف ولماذا ..

لكن الأمر هذه المرة جاء مختلفاً ، فالتغيير جاء سريعا ومفاجئا ، ووقف المرء حائرا يتساءل ، لماذا جاء من جاء ، ولماذا ذهب من ذهب؟

ربما يرى بعض المغالين ان ذلك تطفلا من الشعب على شئون الدولة !!
وربما كانت تلك هى النظرة الطبيعية للأمور في أزمنة بعيدة فى الماضى ، عندما كانت أمور السياسة والحكم حكراً على أسرة مالكة تؤمن بالحق الألهى الملوك ، أو حكراً على مجموعات اوليجاركية ترى أن الحكم من اختصاصها ، وأن رأى الناس تدخلا فيما لا يعنيهم ..

ذهبت تلك العصور ، وأصبح حق الشعب فى الفهم من حقائق العصر ، وقديما كانت البرلمانات تقوم بدور الوصل بين نبض الشعب السياسي وبين ضرورات السلطة ، ثم قامت
الصحافة فى فترات طويلة بدور الوسيط بين الشعب والسلطة ، عن طريقها عرف الشعب اتجاهات الحكم الرئيسية ، والمتغيرات التى تحكم حركته مع كل مرحلة ، وعن طريقها عرف الحاكم نبض الشعب ومطالبه ..

لكن الصحافة كفت أن تقوم بهذا الدور منذ عقدين تقريبا ، ولم يعد يقرأها أحد إلا قليلا ..

وهنا دخلنا فى معضلة ..
فصلِة الوصل بين الشعب والسلطة أصابها الاعتلال ، ولم يعد أحد يقوم بدور الوسيط بين شعب بكامله وبين حكامه ..
لم تعد البرلمانات تقوم بهذا الدور ، كما كفت الصحافة أن تقوم به ..

لم يعد أمام الناس سوى درجة الثقة في الحاكم ، وبالنسبة للرئيس السيسي فأزعم أنه مازال يتمتع بثقة الكتلة الأكبر من الشعب ، حتى مع صعوبات المعيشة والحياة ..

ولكن هل تكفى درجة الثقة في الرئيس السيسي أو غيره أن تكون بديلا ان يعرف الشعب وأن يفهم على الاقل المجرى الرئيسي للأمور ..

وبالنسبة للتعديل الوزارى الأخير ، كان من المنطقى أن يقدم كل وزير رحل نتيجة عمله فى مدة توليه الوزارة ، وأين أصاب وفيم أخطأ ، وأين هى الصعوبات وأين المشاكل ، ولأى هدف جاء ، ولماذا ذهب ؟
اما أن يذهب من ذهب بدون كلمة منه أو من غيره توضح وتشرح فذلك من غرائب الأمور ..

أضف إلى ذلك الإخراج السياسى شديد السوء للتعديل الوزارى ، وأن يظهر خبر مجهول مساء أمس أن البرلمان مدعو للاجتماع بصورة عاجلة ظهر اليوم للنظر في أمر هام ، لا يعرف أحد ما هو بالضبط ، ولا ما وجه العجلة فيه ، ولماذا التكتم حوله إلى هذه الدرجة ..

السياسة ليست نوع من الكهنوت ، أو هى مهنة الأسرار والطلاسم ، بل هى نشاط انسانى لتنظيم أمور جماعة بشرية معينة ، وبالتالى فالحركة على مسرح حكم هذه الجماعة لابد أن تكون مفهومة وواضحة ، على الاقل فى خطوطها الرئيسية ..

الغريب أن ذلك ما كان يتم فى مصر نفسها حتى وقت قريب ، وكانت الوسائط - وخاصة الصحافة - تقوم بهذا الدور بكفاءة أحيانا أو بدرجة متواضعة من الإقناع فى أحيان أخرى ..

وهذا من طبائع الأمور ، ويجعل المحكومين على درجة من الوعى والعلم بالخطوط الرئيسية لتطورات السياسة فى بلادهم ، وبالتالى لا يصبح الأمر بالنسبة للفرد مجرد ثقة فى حاكمه بدون علم وبدون فهم ، ولكن هى ثقة العالمِ الواعى ، المتفهم للدواعى والضرورات ..

نظرة وفهم أعمق لمعنى السياسة ضرورى فى بلادنا ، وهى ليست ترفا ، وإلا أصبح الشعب فى واد وحكامه في واد آخر ، وفى هذه الفجوة أو الثغرة يمكن أن يظهر مجال لأى عابث أو متربص ينتظر فرصة ..

وعلى صعيد السياسة الخارجية ، ظهرت أيضا فجوات عديدة ، ومنها مثلا :
١ - ليس لمصر خطاب سياسي مناقض للخطاب التركى ، على اعتبار أن تركيا فى العقد الأخير كانت رأس الحربة فى شن الغارة الكبرى على مصر والعالم العربي ، والخطر الأكبر على مصر ليس من الجيش التركى - ولا من أي جيش أخر - إنما الخطر من الخطاب التركى الذي يؤثر في أقسام معينة فى الشارع العربي ..
ومصر إزاء الخطاب التركى أمامها خطابان مضادان :
أ - الخطاب الوطنى : وتركيزه على الوطنية المصرية ، وهو الخطاب المتبع حاليا ، ومشكلته أنه يحارب الإخوان والأتراك وخطابهم في مصر فقط ، فمن ذا الذي يتعاطف مع خطاب مصري محلى يخص أهل مصر فقط فى بلدان كسوريا وليبيا والسودان والعراق ولبنان وتونس والأردن ... وباقى البلاد العربية ؟
ب - خطاب القومية العربية أو التقارب العربي : وربما كان هو الخطاب الأنسب أمام خطاب الأتراك بالهيمنة على العالم العربي باسم الإسلام ، ولدينا أقسام هائلة من السكان في كل بلد عربي مستعدة أن تسمع وترى ذلك النداء بشروط ، وهى :
- ليس المقصود بالقومية العربية غلبة جنس أو عرق معين فى تلك المنطقة متعددة الاعراق ، بل هو تعبير عن الجزء الأكبر من السكان في تلك المنطقة من العالم ، والذين يجمعهم اللسان العربي والثقافة العربية ووحدة التاريخ والآلام والمصير ، وبالتالى فالاكراد والامازيغ والأقباط جزء لا يتجزأ من حياة ومستقبل هذه المنطقة ..
- أن يقدم خطاب وحدة العرب بأسلوب جديد يتلافى ما حمل به هذا الخطاب فى العقود الماضية جراء استخدامه من هذا النظام أو ذاك ..
- تركيزه على وحده العرب في مقابل المشاريع القادمة من الخارج وذات الطابع الدينى ، ممثلة في المشروع الإيراني ذو النفس الدينى الشيعى ، والذي استقطب جزءا من الوجدان العربي ، وخصوصا في أماكن تواجد الشيعة العرب ، والمشروع التركى الاخوانى ذو النفس الدينى السنى ، والذي استقطب جزءا آخر من الوجدان العربي ..

الخطاب العربي أمام مشاريع الهيمنة القادمة من الخارج سواء المشاريع الجديدة ( تركيا - إيران ) أو القديمة ( إسرائيل - الغرب ) هو الكفيل بأعادة الحياة وروح الكفاح فى تلك المنطقة التى تعيش زحام المشاريع الخارجية التى تريد وراثتها موقعا وثروة وبشرا ..

٢ - من ضمن ما ظهر من فجوات في الفترة الأخيرة هو عدم وجود طبقة فكرية وثقافية وطنية مصرية تقدم الاجتهادات - حتى ولو كانت مخالفة - وتفتح المسالك وتنير الطرق ، وتوسع مدى الرؤية ، أغلب ما هو موجود مجموعات من المتحمسين أو المشجعين ، وأينما وجهت وجهك لن تجد أحد يتحدث بآراء ومدارس فكرية وسياسية أخري رصينة ، وعقل مصر - فى الجامعات ومراكز الأبحاث وفى الصحف - يبدو معطلا ..
وهناك اجتهادات رصينة قدمت فى السنوات والعقود الماضية تحتاج إلى إعادة قراءتها ، مثل اجتهادات العظيم الراحل د . أنور عبد الملك فى توجه مصر نحو الشرق ، ومنها إقتراحه بإنشاء جامعة للدراسات الشرقية أو الآسيوية ؛ تقدم للعقل المصري أبرز تراث الفكر والثقافة والسياسة والعلوم فى بلاد الشرق الكبري ( الصين واليابان والهند وكوريا وفيتنام ... إلخ ) وتعقد الصلات مع أهل الفكر والثقافة والسياسة والعلوم والإقتصاد في تلك البلاد التى فيها سيتقرر مصير العالم ، وبعد أن ظل العالم العربي أسير الغرب لعقود طويلة ..

٣ - إن مصر مازلت تحارب الارهابيين ولا تحارب أفكارهم ، وتحارب الإخوان ولا تحارب منطقهم ، ومازلنا على جبهة الدفاع ولسنا على جبهة الهجوم ، ومحاربة الإرهاب وأفكاره والإخوان ومنطقهم تحتاج إلى استراتيجيات أخري منها الفيلم والمسلسل والمسرح والأغنية والوثائقيات ، والأهم فتح الأرشيف المصري فيما يخص هذه القضايا أمام الباحثين حتى يتكلم من يريد أن يتكلم بعلم ودراية وليس بكلام إنشائي ..

٤ - إن مشروعات مهمة مثل مشروع مكتبة الأسرة ، أو مشروع المركز القومى للترجمة لابد أن يتم دعمها وبشدة ، وأن تنشر فيها كتب تناسب اللحظة الراهنة وأن توزع في كل مكان ، فالغريب أن أمريكا ربحت الحرب الباردة بالكتاب ونشره وتوزيعه عبر العالم كله ، وهنا في مصر مازلنا غافلين عن هذه القضايا الجوهرية !!
.. هذه القضايا تستحق فتحها والنقاش حولها ، وأن يتكلم الجميع بما لديه من علم أو خبرة ، حتى نصل إلى بداية طريق يمكن أن يعصمنا من المستقبل وتطوراته ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات