الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر قارئ تحت ظلال رواية (المُكْتَوي)

علي دريوسي

2022 / 8 / 17
الادب والفن


الشاعر والكاتب السوري شاهر خضرة يكتب:

منذ زمن بعيد قرأت في كتاب (زمن الشعر) فكرة تقول: إن موضوع القصيدة لا يجعلها شعرا فقصيدة عن عصفور أزرق قد تكون شعرية أكثر من قصيدة عن فدائي استشهد من أجل وطنه، وقصد المنظّر أن الشعر ليس بموضوعه بل بما يبث الشاعر فيه من ذاته الشاعرة بلغة ابتدعها وقد يكون الموضوع يزيده إشعاعا إن كان الشاعر حقيقيا .

هذا القول أستشهد به كمثال في المجمل حول الكتابة وليس تخصيصا هنا عن الشعر، لأن ما بين يدي رواية قصيرة أو قصص بنفَس روائي.

قرأت الليلة الماضية رواية قصيرة كما يسميها المؤلف الأديب القاص علي إبراهيم دريوسي وهي بعنوان المُكتَوى والكاتب كما جاء في التعريف :
((علي إبراهيم دريوسي، بروفيسور دكتور مهندس وكاتب قصصي، مقيم في ألمانيا، من مواليد سوريا /اللاذقية/ بسنادا، حائز على شهادات عليا في مجال تصميم وحسابات الآلات الميكانيكية من جامعات ألمانيا، أستاذ وباحث في جامعة أوفنبورغ الألمانية للعلوم التقنية، لديه اهتمامات في الشأن السياسي- الاجتماعي، في الحقل الإيكولوجي-السياسي وفي مجال قراءة الأدب وكتابته))

عرفت الكاتب على صفحات الأنترنت منذ سنوات وازدادت علاقتي الطيبة به على الفيسبوك كونه من المقيمين في ألمانيا منذ عقود وقد حقق إنجازات علمية في دراساته وفي عمله وتلك لها مكان آخر من الاهتمام حول الأفراد العظماء الذين جاؤوا من العالم العربي وحققوا إنجازات عظيمة نحمل معهم الفخار بما حققوه وما وصلوا إليه من مراتب علمية وعملية .

ولكني هنا أكتب خواطري عنه كأديب سوري، كأديب من أدباء المهجر المعاصرين (لديه اهتمامات في الشأن السياسي- الاجتماعي، في الحقل الإيكولوجي-السياسي وفي مجال "قراءة الأدب وكتابته") وهذا ما يعنيني خاصة أي في مجال قراءة الأدب وكتابته.
حمّلت الرواية المعروضة للتحميل لمن يشاء من صفحته وقلت لنفسي كنت أقرأ وأتابع ما ينشره الكاتب على صفحته من مقتطفات من قصصه ومن رواياته ، وها أنا الآن متاح لي قراءة رواية كاملة.

كنت مشدودا مسبقا لمعرفة تجربته في ألمانيا وبالتأكيد ستكون مختلفة تماما عن تجربتي، فأنا جئت إلى ألمانيا ولم يكن يوما في نيّتي أن أكون مقيما فيها، إنما بعد سبع سنوات من العيش فيها كان لابد لي من الاطّلاع على تجارب من سبقوني هنا وخاصة ممن يكتبون تجاربهم وما عاشوه من غربة ومن معاناة ومن تحقيق للذات، وعلي إبراهيم دريوسي من أهمّهم.
قرأت للروائي السوري الألماني المشهور رفيق الشامي عدة روايات وغيره من الكتاب في المهجر، ولكل منهم تجربته وخلفياته، فلا أحد يختصر أحدا، أو ينوب عن الآخر، أو يلغيه، فللكاتب الحقيقي بصمة تميّزه عن غيره، وفي هذا الجانب أقول كما قال الأقدمون النقاد: (الشعر من أنت في شعره) وكذلك الرواية والقصة (فالرواية من أنت في روايته).
السؤال الذي أطرحه على نفسي دائما: هل استطاعت الرواية بعد قراءة عدة صفحات منها أن تمسك باهتمامي وتجعلني مشدودا أقرأ وأتابع بمتعة؟

نعم لقد حصل لي ذلك معي، لقد أردت أن أبدأ وأنا في السهرة ونيّتي أن أكملها غدا ، ولكن علي دريوسي منذ بدايتها لم يكتب تمهيدا للرواية أو يستدرجني كقارئ ، فقد وضعني فورا في لب الحكاية (كنت في رحلة بحث دائم عن زوجة.) وتتالى شخوص الرواية ليشعر القارئ أنه أمام شخصيات نسائية من الواقع، وهذا ما يؤكد عليه الكاتب، أنه يكتب رواية فيها من الخيال والبعد الأدبي أكثر مما قد يظن المتعجّل أنها وثائق من ذكرياته، لكي نحاسبه على كل اسم وكل موقف وكل معاناة، معظم شخصيات الرواية من النساء، وكل منهن لها خلفياتها الاجتماعية وأبعادها وطموحاتها وهنّ للحقيقة نماذج من المرأة المشرقية التي جاءت إلى الغرب وهي تحمل كل العقد التي تربّت عليها، أو صدمتها المسافةُ الحضارية الشاسعة بين منبتها وبين المجتمع الجديد ذي الثقافة المختلفة. أهمية الرواية في التعمّق النفسي في كل شخصية من شخصيات الرواية وهي ترسمها من الخارج كشكل ومن الأعماق لا بمعنى فلانة فحسب بل بمعنى الأرضية التي تحكم في نزعاتها نحو الآخر أكان ألمانياً أو سوريا مثلها، وفهم بعضهن لحريتها التي وصلتها في المجتمع الألماني، كأنه نير يرزح على عنق ضميرها ويتسبب لها بفصام داخلي وظاهري معا.
من اللافت للنظر أن الكاتب أنهى حياة معظم نسائه في الرواية بالموت بطريقة أو بأخرى أكان الموت من تطرّف طائفي أم كان من شذوذ جنسي له بُعد زنا المحارم وما ينتج عنه من تشوّه نفسي، أو من تخلّف اجتماعي أو من حادثة أليمة كما حصل لزوجته الألمانية وأقصد زوجة في الرواية وليس الفعلية كما قد يظن القارئ المتعجّل في الحكم.
الرواية بكل فصولها تحمل بعد الكاميرة البصرية أيضا في تصوير مشاهدها وشخوصها أكنّ نساء أو كانوا رجالا فضلا عن الأماكن التي كانت تتحرك فيها أحداث الرواية.
دائما أقول لستُ ناقدا إنما أنا مجرد هاوٍ كقارئ للرواية وما أكتبه أسمّيه دائما خواطر قارئ في ظلال رواية كذا

خلال قراءة الرواية لم أشعر لحظة أنني أريد الانتهاء منها ، لأن الحبكة في كل نسيجها شعرت أنها تشبهني، ولا أقول تشبهني بالمعنى الواقعي بل بالمعنى المتخيّل للواقع الذي كنت أريد أن أحياه، ولهذا كنت أقرأ وأنا كأنني مشارك في الكتابة أو في سرد الحكايا.
من أدب المهجر الحديث مثلا قرأت ثلاثية الكاتب الكبير وليد حجار وهو عاش معظم عمره مغتربا في كل أوروبا (السقوط إلى الأعلى) (رحلة النيلوفر أو آخر الأمويين) و(مسافر بلا حقائب) كنت خلال القراءة أقرأ عن واقع غربي بلغة عربية، أقرأ منفصلا عن النصوص والأحداث والحكايا ، لم أشعر لحظة بأن تلك الروايات تمتُّ إليّ بصلة من الواقع، رغم المسميّات الواقعية فدمشقه وهمومه وتاريخه لا أنتمي إليها كقارئ من الطبقة الوسطى -أيام كانت الطبقة الوسطى هي الأكثرية في الشام- ولست هنا بصدد تقييم الروايات التي كتب عنها الكثير أنها روايات عظيمة ، إنما الكاتب كان يكتب من برجه الطبقي، وأنا كنت كقارئ أقرأ باهتمامات عقلية منفصلة لا كقارئ يمسّه ما يقرأ في أعماق ذاته، كما أنا الآن مع الرواية القصصية لكاتبنا علي دريوسي المُكْتَوي .

فإيمان ورهان وأبو رهان مصطفى وأعمامها ومنير ومها وغيرهم من أسماء كلها أسماء تعرفها ذاكرتي وأكره أو أحب معظمها وخاصة من يحملون البعد الديني الشكلي من طوائفهم ومعتقداتهم ، بل وعشت وإن كان ذلك لي في بلاد العرب قبل ملاذي الأخير في بلاد الحرية والتحرر وقد جئت متأخرا إليها وعشت هنا تجارب تقريبا مماثلة ولكنها أعطتني قناعة أننا نعيش هنا بأجسادنا فقط وفي الحقيقة نقلنا كل ما كنا نحمله إلى الغرب متذرّعين بأننا نحافظ على الجذور ونخدع أنفسنا قبل غيرنا بأننا معتزّون بكل تلك القشور والأمراض باسم الجذور والانتماءات وأبشعها الانتماءات الطائفية.

لقد فعل بي الروائي فعل طبيب بمشرط بأن نكأ بعض الدمامل وبعض الجروح المحتقنة ولم يضحك عليّ بآمال خلّبيّة ولا وعدني بأوهام أننا في الفردوس الأعلى.
كل ما قالته الرواية هو أن جعلت القارئ مُشاهداً للتشريح وتذكيرا له بما يحمله من ماضيه وتركه ليسأل نفسه أنِ امرأة أو رجلا: ألست أنا واحدا من تلك الشخوص في الرواية أو أجمعها كلها في شخصي؟
***
شاهر خضرة شاعر وكاتب من سوريا
Shaher Khadra
Bad Doberan-Mecklenburg-Vorpommern
16.08.2022
---------------
رابط تحميل الرواية : https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D9%8A-pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا