الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-غيتو- غزة يرفض الظلم وتأبيد النكبة

عبد الرحمن البيطار

2022 / 8 / 18
القضية الفلسطينية



في عدد "هآرتس" ليوم ٩ آب ٢٠٢٢، كتب "يونتان ليس" و "جاكي خوري" مقالاً نَشرته "الغد" الأردنية في عددها ليوم ١٠ آب، اختارا له العنوان التالي:
"لبيد: لن نعتذر على دفاعنا عن سكاننا بالقوة". وقد أورد الكاتبان على لسان يئير لبيد، رئيس حكومة الكيان الصهيوني أنه قال أيضًا "أثناء عملية بزوغ الفجر، بذلتُ جهوداً خاصة لمنع المس بغير المشاركين"، وأنه أضاف بأن "دولة إسرائيل لن تعتذر على دفاعها عن مواطنيها في حال استخدام القوة. ولكن موت الأبرياء، لا سيما الأطفال، هو أمر يَفْطِر القلب".
لبيد قال أيضا بأن "العملية ستعيد الرّدع لإسرائيل" و"جميع الأهداف تم تحقيقها".
كان لبيد يتحدث عن العدوان الذي شنته قوات دولة الكيان الصهيوني الفاشي والعنصري على الفلسطينيين في قطاع غزة عشية الخامس من آب ٢٠٢٢ واستمر حتى الساعة الحادية عشر والنصف من مساء يوم ٧ آب ٢٠٢٢، وأدى الى قتل (٤٨) فلسطينيا، بينهم (١٦) طفلاً و (٤) سيدات، وباقي الشهداء هم خليط من المدنيين والمقاومين الفلسطينيين منهم ثلاثة من قادة أحد فصائل المقاومة الفلسطينية، هذا مع إصابة (٣٦٠) فلسطينياً من سكان الأرض الفلسطينية التي احتلتها قوات دولة الكيان في العام ١٩٦٧، وتَدمير وإلحاق الضرر بمئات من الشقق السكنية في عدد من أحياء ومخيمات غزة المحاصَرة.
عندما قَرأتُ المقال هذا الصباح، استفزّني العنوان،… وبقيت طيلة الساعات التي تلت قراءتي له مسكونا بما قال، أتفكر بمفردات ما قاله هو ووزير دفاعه بني غانتس، وقررتُ أن أتعامل مع تصريح كل منهما بتصريح مضاد.
أدلى " يئير لبيد " بتصريحه هذا بصفته " رئيس حكومة " دولة الكيان الصهيوني الذي سمح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٩ تشرين الثاني من العام ١٩٤٧ بإنشائها -على نحو جائر- على ٥٥٪؜ من مساحة فلسطين الانتدابية إلى جانب دولة فلسطينية على ٤٤٪؜ منها، وقدس مُدَّولة؛ أي إلى ثلاثة كيانات، كل منها لكل سكانها الفلسطينيين العرب، واليهود المهاجرين إليها، بمن فيهم أولئك الذين هربوا من "الهولوكوست" في أوروبا أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.
لَمْ تكن يا "يئير" قد أبصرتَ النور بعد، عندما تم الإعلان عن قيام الدولة التي ترأسَ أنت حاليا حكومتها، ولكن والدك (يوسف تومي لبيد) الذي وُلِدَ في "نوفي ساد"، أي في المنطقة الصِّربية مما كان يُعرَف في ذلك الوقت بمملكة يوغسلافيا، وينتمي لعائلة يهودية مَجَرِيّة هو الذي لجأ إلى فلسطين في العام ١٩٤٨ وَلَمْ يكن قبل قد عرفها أبداً.
إني واثق من أنك تعرف تماما الظروف التي دفعت والدك لاتخاذ فلسطين ملجأً له، ولا بد أنه أخبرك كيف قام النازيين خلال أيام الحرب العالمية الثانية بالترحيل القسري لوالده ووالدته، (أي جَدّك وجَدّتَك) وأبناءهم، أي والدك وأعمامك، من الأراضي الصِّربية في يوغسلافيا إلى "غيتو بودابست"، حيث قتله النازيون هناك.
هل أخبرك والدك كيف قام "راؤول والنبرع" برعاية جَدَّتك، وابنها "يوسف تومي لبيد"، أي والدك، وإنقاذ حياتهما، ونقلهما إلى أماكن آمنه في بودابست قبل أن يتمكن والدك من الانتقال من الأراضي الأوروبية -حيث عاش أجدادك لقرون عديدة هناك- إلى فلسطين في العام ١٩٤٨، واختيارها ملجأ له بعد كل تلك المعاناة التي تعرضت لها شعوب العديد من البلدان الأوروبية خلال سني الحرب، ومن ضمنهم، لا بل على رأسهم اليهود من مواطني تلك البلدان الذين قُتِلَ الملايين منهم في المحرقة أو أنهم تعرضوا لأقسى أنواع المعاناة خلال حملات الملاحقة والترهيب والاعتقال والتعذيب والتطهير العرقي.. ولأنه مقال قصير، يا يئير، فسوف لا أستغرق في التفاصيل كثيراً..!
أما أنا يا "يئير"، والذي يُدلي بتصريحه هذا مقابل تصريحك ذاك، فأنا وُلِدتُ في فلسطين في نابلس في ١١ حزيران ١٩٤٨، في ليلة الهدنة الأولى، أي بعد (٢٧) يوما من تاريخ الإعلان الذي أصدرته "المنظمة الصهيونية العالمية" على إقامة دولة إسرائيل، على جزء من أرض فلسطين وبمقتضى قرار التقسيم وأحكامه…، ومع أني أعتقد بأن القرار الذي سمح بتقسيم فلسطين هو قرار جائر، فإن اعتقادي هذا لا يُقلل من قيمة أنه صَدَرَ عَنْ ما يُسمى بـ "الشرعية الدولية"، وهي الشرعية التي أسسها المجتمع الإنساني بعد الحرب العالمية الثانية والويلات التي شهدتها البَشرية خلالها.
ومع أنها هي "الشرعية الدولية" التي سمحت بإنشاء دولة يهودية في فلسطين للفلسطينيين العرب واليهود من سكان ذلك الجزء من فلسطين، وضمن الحدود التي رسمها القرار بدقة، ومع أن إعلان استقلال هذه الدولة في ١٤ أيار ١٩٤٨، قد أفصح على نحو صريح الالتزام بقرار التقسيم والاستعداد لتطبيقه،.. فإن المنظمة الصهيونية العالمية وفصائلها المسلحة في فلسطين قد تجاوزت القرار، وأسقطته عمليا، ومارست الإرهاب بكل أشكاله وأبشعها منذ مطلع نيسان ١٩٤٨، أي قبل شهر ونصف من إعلان إقامة الدولة، وقامت بتنفيذ حملات إبادة، وتطهير عرقي في أكثر من منطقة في فلسطين، أنت تعرفها ويعرفها والدك، وكتب ويكتب عنها الكثير من المؤرخين اليهود الجدد.
وهنا، وأنت ابن الصحفي المشهور، والكاتبة المميزة، يا يئير، فإن أحد ما ترتب على حملات التطهير العرقي التي مارستها فصائل الحركة الصهيونية العالمية في فلسطين، هو الترحيل القسري لنحو مائة وخمسون ألفاً من فلسطينيي المناطق التي أقامت الحركة الصهيونية العالمية دولتها عليها، إلى الأراضي الضيقة لما يسمى بقطاع غزة الفلسطيني، والذي تم اختزال مساحته من ٧٨٠ كيلومتر مربع إلى نحو ٣٦٥ كيلومتر مُرَبّع مع نهاية حملات التطهير العرقي للفلسطينيين العرب مع انقضاء عام النكبة: عام ١٩٤٨، وتوقيع اتفاقيات الهدنة في العام ١٩٤٩، علما بأن الجزء الأكبر من هؤلاء، هم من سُكَّان مدن وبلدات وقرى فلسطين في المناطق المحيطة بغزة أو القريبة منها.
وكما استقبل راؤول والنبرع جدتك وابنها يوسف، أي والدك، ورعاهما…، فقد استقبل الفلسطينيين من سكان القطاع - وكان عددهم في العام ١٩٤٨ نحو (١٥٠) ألفاً أيضا - الفلسطينيين الذين رحلتهم قسرياً فصائل الإرهاب المسلحة التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية في فلسطين.
تنامى، يا يئير، عدد سكان القطاع من أهل غزة الأصليين، والفلسطينيين المُهجرين إليه، ليصبح عددهم الآن، أي في العام ٢٠٢٢ نحو مليوني نسمة.
هناك يا يئير، مفارقة أريد أن أُحدثك عنها: هل ترى عيناك أو يُدركُ ذهنك معالم هذي المفارقة التاريخية؟
مفارقة لسان حالها، يا يئير يقول، أن الأوروبيين أو أنظمتهم الحاكمة، قد أقاموا عبر القرون غيتوات لمواطنيهم اليهود في أغلب مدن أوروبا الرئيسية، وحشروهم فيها واضطهدوهم، وأنها تحولت مع الوقت إلى عُلَب سَرْدين بشرية. ومفارقة أُخرى تقول: أنَّ المنظمة الصهيونية العالمية والكيان الذي صنعته في فلسطين، قد نجحت في تحويل اليهود في فلسطين (أو يَهودٍ فيها) إلى أدوات إعادة تصنيع الغيتو -الذي انتفض عليه الأوروبيين بعد الثورة الفرنسة الكبرى وأزالوه من مدنهم - والتفنن في تقنيات زراعته في فلسطين، لفلسطينييها، وذلك من خلال إقامة الجدران والحواجز الأمنية والطرق الالتفافية، ومن خلال محاصرة قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، وتحويله إلى أكبر غيتو بشري في التاريخ الإنساني.
"غيتو غزة" الكبير، يا يئير، صنعته الصهيونية هذه المرة في فلسطين، ونجحت في تجنيد يهود فلسطين (وبعضهم من ضحايا المحرقة والاضطهاد في أوروبا) في صناعته وإنشائه وإقامته وإدامته.
يا يئير، أنت تعرف معنى أن يكون حصة كل كيلو متر مربع من أراضي غيتو القطاع نحو (٥،٥٠٠) نسمة..! هذا الغيتو لا مثيل له في التاريخ، ولك في ذلك أن تراجع تاريخ الغيتوات التي صُنِعَت لليهود في أوروبا. بقي أن تتذكر بأن هذا الغيتو قد صُنع بمهارة وحرفيه كبيرة من قبل يهود نجحت الصهيونية العنصرية الفاشية في تزوير وعيهم. وتعرف معنى أن يكون قطاع غزة المحدود الموارد الطبيعية، والمُحاصر من قبل قوات الكيان الذي ترأس حكومته، برا وجوا وبحرا،.. هو مصدر رزق وحياة هذه الكتلة من الفلسطينيين الأطفال والشباب والكهول، الرجال والنساء،..!
وتعرف أيضاً، أن هؤلاء، وكل فرد فيهم، عندما يستعرض مجريات الأحداث، منذ أيام النكبة الأولى في العام ١٩٤٨، أي منذ الإعلان عن إقامة دولة يهودية صهيونية فيها، وحملات الإبادة، والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين، ومنع اللاجئين من العودة إلى ديارهم، وحتى تاريخه، أقول؛ إنك تعرف أن ذلك الفِلسطيني الذي يعيش في أي مكان في غيتو، يعرف تماماً أنَّ من صنع نكبته، وبؤسه، يعيش خلف جدران غيتو غزة من الجهة الأخرى؛ يعيش على أراضيه، ويعتاش منها ومن خيراتها وثرواتها الطبيعية والجوفية والبحرية والجوية ويتمتع لوحده بممتلكاته وثرواته هو (أي ثروات هذا الفِلسطيني المقهور)، ليس هذا فحسب، بل أنّ هذا الصّهيوني الفاشي العنصري المُستعمِر، يُصِر و يسعى، على تأبيد نكبة فلسطيني الغيتو وبؤسه، بلا أي مسوغ، ودون أي تبرير، سوى أساطير، طوتها البشرية وعفا عليها الزمان.
الفلسطينيون الذين قَصَفَتهم طائراتك المُسيرة وغير المَسيرة، يا يئير، هم الفلسطينيون المقيمون في غيتو غزة، وهم يمثلون كل فلسطينيي فلسطين وكل من ألحقت الصهيونية الفاشية العنصرية بهم الضرر.. وها أنت في تصريحك تؤكد على إصرارك على الاستمرار في إلحاق الضرر بهم،..
هؤلاء،… يا يئير، لأنهم بشر، لأنهم ينتمون إلى العِرْق الإنساني، الذي ينتمي له يهود كثيرون حين كانوا ضحايا وحتى الآن، أي قبل أن تشوه وتزور وعيهم الصهيونية العنصرية والفاشية … أقول، هؤلاء الفلسطينيون، سكان غيتو غزة، يرفضون الظلم، ويرفضون تأبيد النكبة، وتأبيد بؤسهم،… ولهذا السبب هم يقاومون، وسيبقوا يقاومون لأنهم بشر،.. سُلبتْ حقوقهم، وهم يرفضون الاعتراف للسارق بشرعية ما اقترفه بحقهم، ويصرون على انتزاع حقوقهم، وعلى تخليص البشرية من شرور الصهيونية العنصرية والفاشية، وتخليص يهود العالم من شرور هذه الحركة التي زورت وعي الكثير منهم، وشوهت صورتهم، وألحقت أفدح الأضرار بالفلسطينيين العرب، وشعوب البلدان العربية التي استضافتهم عبر التاريخ، وكذلك بصورة يهود العالم وتراثه وثقافته. لذا أنصحك بإجراء مراجعة تاريخية لتصريحاتك،… فهي لن تجدي نفعا، ومن شأنها أن تطيل أمد المعاناة والصراع.
أما الصهيونية ومَشروعها العنصري الفاشي في فلسطين فمآله الانهيار وسيسقط بنضال الفلسطينيين الأحرار وكل أحرار العالم ومن ضمنهم اليهود الأحرار من الصهيونية.
أما المعذبين في غيتو غزة، فعليهم مع الصبر الاستمرار في النضال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟