الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنهاء استعمار الهوية الإسرائيلية/ -النكبة- في العقلية الإسرائيلية

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


"النكبة"، عنوان كتاب بقلم "إليونور ميرزا برونشتاين" - Eléonore Merza Bronstein – و"إيتان برونشتاين أباريسيو" - Eitan Bronstein Aparicio –
لفترة طويلة ، كانت النكبة التي أدت إلى طرد مئات الآلاف من اللاجئين شأنًا فلسطينيًا بحتًا. لكن هذا الكتاب جعل منها قصة إسرائيلية.
_______________________
(1) - "إليونور ميرزا" (من مواليد 1980) باحثة في الأنثروبولوجيا تدرس مجتمعات الشتات "الأديغي" في إسرائيل وخارجها.
(2) - ولد "إيتان" في الأرجنتين عام 1960 وهاجر إلى إسرائيل في سن الخامسة. خدم في الجيش الإسرائيلي ورفض ثلاث مرات الخدمة كجندي احتياطي في لبنان والضفة الغربية. في عام 2001 أسس "زوخروت" - منظمة مقرها تل أبيب وكان مديرها حتى عام 2011.
_____________________________

في أوائل عام 2002 ، قبيل حلول ذكرى "يوم الأرض" ، اجتمعت مجموعة صغيرة من النشطاء الإسرائيليين اليساريين والفلسطينيين في موقع قرية "مسكة" (15 كم جنوب غرب طولكرم) ، التي أفرغت من سكانها في 1948 ودُمرت في 1952. القى السكان السابقون شهادات عن حياتهم الماضية في هذه القرية ، وتم لصق لافتات باللغتين العربية والعبرية على الموقع. وتحدث "إيتان برونشتاين أباريسيو" في ذلك اليوم عن حق عودة اللاجئين. وكان هذا أول نشاط قامت به منظمة "زوخروت" – Zochrot – التي تأسست على أرض "مسكة" ، في مارس 2002.
تعني "يتذكرون - ذاكرات" بالعبرية. لماذا هذا الاسم؟ تطلب عالمة الأنثروبولوجيا "إليونور ميرزا برونشتاين" إلى زوجها ، في هذا الكتاب الذي تم تصوره كحوار بين الزوجين. ويجيب "لأن الاشتقاقات المختلفة للكلمات العبرية المتعلقة بمعنى "الذكرى" (ليزكور ، يزكور ...) محفوظة ، في إسرائيل ، لذكرى الإبادة الجماعية لليهود.
هذان النشيطان من اليسار الإسرائيلي أيضًا ، بنفس ترتيب الفكرة ، ضما صوتيهما لكتابة تاريخ الصحوة المترجم إلى معركة سياسية استمرت أكثر من خمسة عشر عامًا لإخراج "النكبة" - طرد السكان الفلسطينيون من إسرائيل الحالية - من العدم الذي تحاول السردية الاستعمارية الإسرائيلية إبقائها فيه، كي تنسى وتمحى من الذاكرة الفردية والجماعية .

نشأ "إيتان برونشتاين أباريسيو" في "كيبوتس" وخدم في الجيش مثل أي إسرائيلي عادي. لكن ذلك حدث أثناء غزو لبنان في 1982، ثم انتقل من الإدانة الأخلاقية للحرب إلى الوعي السياسي. يقول: "لقد فهمت أنني كنت محتلا". هذا الرفض للحرب و "قمع حركة المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني الذي كان يقاتل من أجل تحرره" قاده إلى ما أسمته "إليونور ميرزا برونشتاين" "تحرره من الصهيونية" إبان الانتفاضة الثانية ، عندما أدرك أن " الدولة اليهودية "لا تستطيع ، بحكم تعريفها الحالي ، أن تضمن المساواة بين مواطنيها اليهود والفلسطينيين. والأسوأ من ذلك أنها تصنف الفلسطينيين كأعداء ، سواء حملوا الجنسية الإسرائيلية أم لا. إن "المنطق العنصري" "متأصل في الصهيونية" ولا يمكنها أن تكون بدونه.
إنهاء استعمار الهوية الإسرائيلية من الداخل ، هذا هو الهدف الذي يخصصه هذا "الإسرائيلي العادي" لنفسه والذي ينقله إلى منظمة "زوخروت" غير الحكومية. قصة رحلته الشخصية ، التي يبلغ طولها مائة صفحة والتي استجوبتها زوجته بعناية ، لتبرير وخدمة هذا المشروع. لأنه إذا حققت "زوخروت" بعض النجاح في نشاطها لكي يعترف الإسرائيليون بالنكبة الفلسطينية ، فهذا أولاً وقبل كل شيء ، بالنسبة له ، بسبب أن أعضاءها إسرائيليون.

عارضت "زوخروت" منذ البداية عمل الصندوق القومي اليهودي الذي وضع في جزء من الحدائق من اللوحات الإعلامية لاطلاع الجمهور الإسرائيلي على المكان ، ولا يتردد في ذلك بالعودة إلى الفترات الهيلينية أو الرومانية أو السلوقية أو المملوكية أو حتى التوراتية ، لكن مع تجاهل منهجي للتاريخ الفلسطيني الحديث. إنه تاريخ تم محوه بشكل منهجي ، بما في ذلك عن طريق إقامة الغابات وإنشاء الحدائق على أنقاض القرى الفلسطينية التي تم تدميرها.
إن نشطاء "زوخروت" يحصون ويسجلون ويوثقون و"يأرشفون". ويقومون بأعمال عرض وإعلام مختلفة ، بعضها قريب من الحدث الفني. لقد اهتموا برسم خرائط القرى المدمرة و تطويرها وتحيينها بصبر على مدى عدة سنوات ، وفي أحدث نسختها على الإنترنت ، وثقت 57 قرية دمرت أو هجرت قبل 1948 ، و615 في 1948 ؛ وبعد عام 1967 ، دمرت 11 بلدة ، و 70 مهددة بالتدمير ، و 64 (معظمها من التجمعات البدوية) لم تعترف بها إسرائيل ؛ و يضاف إليها 195 بلدة سورية في الجولان. وإذا تضمنت هذه الأرقام "ما قبل" و "بعد" 1948 ، فهذا يدل على أن هناك سياسة استعمار مستمر لم تبدأ في عام 1967 ، ولكن بدأت قبل عام 1948. إنها خريطة للتواصل التاريخي للدمار الذي تسبب فيه المشروع الصهيوني. إلى جانب التدمير المادي ، هناك "التدمير الرمزي " للأمل والعلاقات السلسة التي كانت قائمة بين السكان قبل النكبة. لم تأت الصهيونية من أجل "نزع الطابع الفلسطيني" عن فلسطين فحسب ، بل إنها جاءت لتقضي على إمكانية التعايش بين الفلسطينيين من خلال تقسيم السكان الفلسطينيين بين يهود وفلسطينيين.

إن المسعى الأساسي الذي ينبع منطقيا من عمل التذكر هذا و جعله أقرب إلى الجمهور الإسرائيلي، هو الاعتراف بحق الفلسطينيين في العودة. فما يبدو كأنه خط أحمر ، بما في ذلك عند جزء من "اليسار" الإسرائيلي يمكن تجاوزه - صرح برونشتاين - إذا تركنا جانباً ادعاء المبدأ للتركيز على الشروط ، والأهمية المادية للعودة ، من خلال إشراك الإسرائيليين. كما لا يمكننا الاستغناء عن الإسرائيليين (...) ، حتى لو تم وصولهم على أساس الظلم والصدمة التي لحقت بالفلسطينيين. (على عكس العديد من نشطاء القضية الفلسطينية حول العالم الذين يفضلون الاعتراف بحق العودة كمبدأ رمزي أساسي بموجب القانون الدولي ، بينما يعترفون بأن تحقيقه ثانوي).
إن إنكار كارثة النكبة الفلسطينية له تاريخ في إسرائيل. يبدأ برفض عودة اللاجئين وخلق روايتين منفصلتين: الكارثة من وجهة النظر الفلسطينية ، ورواية بناء دولة يهودية. ووفقًا لهذا الرأي ، فإن النكبة لا تتعلق بالتاريخ الإسرائيلي ، وقد سادت حجة "لم يكن لدينا خيار" منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي. تم محوها من الذاكرة الجماعية لصالح الاحتلال والطرد المرتبط بحرب صيف 1967. في نهاية الثمانينيات ، نشر المؤرخ "بيني موريس" ، زعيم "المؤرخين الجدد" ، "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" ، وهي نقطة تحول في التساؤل عن الرواية الإسرائيلية لطرد الفلسطينيين ، الأمر الذي أثار نقاشات أكاديمية لا حصر لها ، لكنها لم تمس إلا القليل من الرأي العام ... خاصة عندما يتعلق السرد التاريخي الجديد بالدور الذي لعبته "الهاغانا" (3) والبلماح" (4) ، أصبحت الجماعات الصهيونية شبه العسكرية رسمية بعد عام 1948 من خلال اندماجها في الجيش حديث التكوين. اتضح أن أرشيفات "البلماح" كانت مفتوحة للتشاور منذ بضع سنوات ، وأنها تحتوي على العديد من الشهادات من رجال الميليشيات. استخرجت "زوخروت" معلومات قيمة عن الانتهاكات التي ارتكبها أجداد عدد من الإسرائيليين ، وكشفوا عن بعض "الأسرار العائلية الصغيرة القذرة" على الرغم من حظر نشرها، أسرار ليس من السهل الاعتراف بها للإسرائيليين .
_______________________
(3) - الهاغانا (الدفاع بالعبرية) منظمة صهيونية رئيسية شبه العسكرية للسكان اليهود ("ييشوف") في فلسطين الانتدابية بين عام 1920 وفك ارتباطها عام 1948 ، و أصبحت عمود جيش الدفاع الإسرائيلي. تم تشكيلها من الميليشيات الموجودة سابقا ، وكان هدفها الأصلي هو الدفاع عن المستوطنات اليهودية من الهجمات العربية ، مثل أعمال الشغب في 1920 و 1921 و 1929 وأثناء الثورة العربية 1936-1939 في فلسطين. كانت تحت سيطرة الوكالة اليهودية ، الهيئة الحكومية الرسمية المسؤولة عن الجالية اليهودية في فلسطين خلال الانتداب البريطاني. حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، كانت أنشطة "الهاغاناه" معتدلة ، وفقًا لسياسة "هافلاجا" ("ضبط النفس") ، مما تسبب في انقسام "الإرغون" الأكثر تطرفاً. سعت "الهاغانا" إلى التعاون مع البريطانيين في حالة غزو المحور لفلسطين عبر شمال إفريقيا ، مما دفع إلى إنشاء فرقة عمل "البلماح" في عام 1941.
(4) - البلماح أو البلماك - "وحدة الصدمة" بالعبرية- ، هو اسم إحدى القوات شبه العسكرية اليهودية الصهيونية في فلسطين الانتدابية. نفذت أنشطتها على مدى فترة تمتد من الحرب العالمية الثانية حتى استقلال دولة إسرائيل. في بداية الحرب العالمية الثانية ، اقترب البريطانيون ، من "الهاغاناه" ، قوة الدفاع عن النفس اليهودية في فلسطين. وهكذا تم إنشاء البلماح في مايو 1941 ، بهدف العمل كقوة حرب عصابات في حالة تمكن الألمان من غزو فلسطين. وعهدت القيادة إلى "إسحاق سديه" ، الذي كفل سرا التجنيد ودرب المجندين على التخريب.
________________________



في 1997 ، تعطلت احتفالات "يوم الاستقلال" بسبب "مسيرة العودة" الأولى ، التي أصبحت منذ ذلك الحين تقليدا. يكرس هذا المطلب الفصل بين التاريخين ويعبر عنه الفلسطينيون في إسرائيل بشكل لا لبس فيه: "يوم استقلالكم يوم النكبة بالنسبة لنا". وتقام المسيرة كل عام في احدى التجمعات الفلسطينية المدمرة. بمرور الوقت ، انضم المزيد والمزيد من اليهود ، في حين تضاعفت المناقشات الإسرائيلية -الإسرائيلية حول حق العودة ، وخرجت عن السيطرة الرسمية. انتهى النظام بسن "قانون النكبة" لمنع الاعتراف بهذا الجانب الخطير من تاريخ إسرائيل ودراسته. وكان هذا أفضل دليل على أن "زوخروت" قد حققت أهدافها ، كما علق "إيتان برونشتاين" ، "المرء لا يضع قانونًا لمواجهة شيء يعتبر تافها".

على الرغم من كل محاولات الرقابة والمنع والتضييق ، يبدو أن العمل النضالي قد آتى أكله بالفعل: المعرفة بالمأساة الفلسطينية تتقدم في صفوف الإسرائيليين. في 2001 ، عندما يكتب المرء كلمة "نكبة" بالعبرية على محركات البحث على الإنترنت ، لم يكن يجد شيئا عمليا، ومعنى كلمة "النكبة" أسيء فهمه بالكامل بالعبرية. في سبتمبر 2018 ، قدم هذا الطلب بالعبرية ما يقرب من 85000 احتمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة