الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور العامل الثقافي في التحولات الاجتماعية

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2022 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


جميع المجتمعات - بما فيها تلك التي توصف بالركود – هي في الحقيقة في صيرورة متواصلة. فالركود نسبي، كما هي وتيرة التطور متفاوتة، تسرع أحيانا وتبطئ أحيانا، وفي مجراها تحدث منعطفات، يكون بعضها مفصليا، قد يحرف مجرى التطور من اتجاه الى آخر، ويمكن ان يخلق تراتبية جديدة في مواقع الطبقات والفئات الأجتماعية من حيث دورها في تقرير مسار التوجهات الأجتماعية العامة.

وحين يصل التطور الاجتماعي الى طريق مسدود، ويبقى المجتمع طويلا، في حالة تشبه المراوحة في ذات المواقع، جراء استرخاء الفئات الحاكمة وأعتيادها أدارة البلاد بالطريقة التي تناسب مصالحها، دون مصالح عموم المجتمع، تتفاقم التناقضات، وتحدث الثورات وهي حالات غليان اجتماعي تتفجر إرتباطا بانعدام قدرة أوساط إجتماعية واسعة على تحمل مواصلة العيش بذات الظروف والتراتبية.

ويبقى التأثير الذي تحدثه تلك الهيجانات ((الثورات)) رهنا بعوامل ثقافية، أي بإدراك الفرد والجماعة لترابط المصالح مع الآخر والجماعات الأخرى. وفي الثورات غالبا ما يتوارى هذا الإدراك خلف ما تخلفه حالات الإحتقان التي أدت الى الثورة، ويبرز الى المقدمة سعي الجماعات الى فرض أجنداتها وفكرها وأيديولوجيتها على الآخرين بأدوات مختلفة، وبأساليب قد لا تستبعد العنف.

في أوقات الهيجان يغيب استيعاب ترابط المصالح، والقدرة على الحوار المجتمعي الثقافي - الآيديولوجي، ولا يبدأ من جديد إلا بعد فترات إستقرار قد لا تكون قصيرة، فترات تكفي لكي تتمكن خلالها الجماعات من أستخلاص دروس صائبة من تجاربها، وتصحيح تصوراتها، وتعديل مواقفها وإنضاج خطابها وأساليب عملها، بما يقلص مساحة الهوة التي تفصلها عن بعضها البعض، ويساعدها على التوصل الى تسويات بمديات قصيرة ومتوسطة، وبعيدة المدى. هنا لا نتحدث عن مراحل للثورة أنجزت، وأخرى في طور الإنتظار، بل عن الأستفادة من دروس الثورة، ومما فجرته من صراعات في تحفيز قدرة القوى الاجتماعية على مراجعة توجهاتها وتطوير وعيها ومواقفها.

ومعنى هذا أن الفشل في حل التناقضات الأجتماعية، سواء عبر التطور التدريجي أو الثورة، أو حتى الحرب الأهلية، يظل متمثلا في تدني الوعي الجمعي، وعجز مختلف مكونات المجتمع، وقواه المتنفذة على نحو خاص، عن التعرف الى قواسم مشتركة فيما بينها، واستمرار كل منها في التمترس في جزر تخيلية منعزلة، وأعتمادها نهج التنافس مع المكونات الأخرى، بدلا من إقرار الجميع بحقوق متساوية للجميع.

ودون الخروج من مستنقع تدني الوعي، وتخلفه عن الإرتقاء الى وعي المواطنة، تظل المجتمعات المعنية تعلق آمالاها على وهم ان تؤدي التضحيات المأساوية الجسيمة، المقدمة في الحراكات الثورية، الى اجتثاث الفساد والطغيان، ووضع المجتمع على طريق التطور والعدل والحرية والرفاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يرجى التوضيح
طلال بغدادي ( 2022 / 8 / 23 - 00:37 )
الاستفادة من دروس الثورة، ومما فجرته من صراعات في تحفيز قدرة القوى الاجتماعية على مراجعة توجهاتها وتطوير وعيها ومواقفها.

الأستاذ الفاضل

هلا تكرمت مشكورا باعطائنا مثال واضح يدلل على صحة ماذكرته شكرا

اخر الافلام

.. خطوة جديدة نحو إكسير الحياة؟ باحثون صينيون يكشفون عن علاج يط


.. ماذا تعني سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معب




.. حفل ميت غالا 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمراء


.. بعد إعلان حماس.. هل تنجح الضغوط في جعل حكومة نتنياهو توافق ع




.. حزب الله – إسرائيل.. جبهة مشتعلة وتطورات تصعيدية| #الظهيرة