الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتحاد اليسار من 4 أغسطس إلى 4 نوفمبر

تامر وجيه

2006 / 9 / 26
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يوم الجمعة 4 أغسطس الماضي، استجاب حوالي 200 شخص لدعوة للحضور لاجتماع تحضيري "لاتحاد اليسار المصري" تأسست على ورقة كان المناضل أحمد نبيل الهلالي قد كتبها قبيل وفاته. وفي الاجتماع ظهرت روحا طيبة بين الحضور على اختلاف أفكارهم وأعمارهم. وقد أثارت هذه الروح انتباه الكثيرين. حيث أن الخبرة الراسخة هي أن اجتماعات أطراف اليسار المختلفة غالبا ما تنتهي بالصراع والتراشق بالتهم. فلما سارت تجربة الرابع من أغسطس على غير المتوقع، أصيب الكثيرون بالدهشة، وشعروا بـ"أمل ما" في أن تثمر شيئا مختلفا عما اعتاده اليسار المصري.
التعليقات المتكررة حول "الروح الإيجابية" في الاجتماع تكشف توجسا من انقلاب الأحوال وانهيار التجربة التي عقد الكثيرون حولها آمالا عراض. وفي اعتقادي أن هذا التوجس له أسبابه الوجيهة، وتفادي أسبابه لن يأتي – فقط – بالإمعان في حسن النوايا، ولكن بالبحث في الشروط التي تبني تحالفا يساريا متماسكا لأنه يحمل في داخله أسباب تماسكه.
واحد من هذه الشروط هو الوضوح السياسي حول "ما هو بالتحديد هذا التحالف أو الاتحاد أو الحزب الذي عقد المجتمعون العزم على إنشائه؟"
وفي هذا الصدد أثارت انتباهي نقطة معينة أثيرت أكثر من مرة في اجتماع الرابع من أغسطس، وأعني بها نقطة الخلاف بين عدد من المتحدثين حول طبيعة التكوين الذي نحن بصدد بناؤه: حزب أم اتحاد؟ البعض يفضله حزبا، والبعض الآخر يريده اتحادا.


في تقديري أن السؤال "حزب أم اتحاد؟" سؤال في غير موضعه. فما نحن بصدده سيكون بالقطع – إذا تجسد على أرض الواقع – اتحادا وحزبا في نفس الوقت.
فالمطروح عمليا هو عمل سياسي مشترك بين منظمة الاشتراكيين الثوريين وحزب الشعب الاشتراكي ومجموعة اليسار الديمقراطي الملتفة حول مجلة البوصلة ومجموعة اليساريين الملتفة حول موقع زد نت بالعربية والمركز الاجتماعي المصري الديمقراطي وغيرهم من المجموعات، بالإضافة إلى أعداد من المستقلين من اليساريين والنشطاء ذوي التوجه اليساري؛.. أقول أن المطروح هو عمل مشترك بين هذه المجموعات والمستقلين تحت مظلة سياسية واحدة.
إذا كان بعضنا يعتقد أن هذا التكوين – كمظلة سياسية – يمكنه أن يكون التعبير السياسي الوحيد لكل هذه المجموعات، فإننا سنكون في هذه الحالة نتحدث عن حزب تقليدي وليس حزب-اتحاد. فلو كان هذا التكوين السياسي – برؤيته وأرضيته المشتركة ومجالات كفاحه – قادرا مثلا على إقناع منظمة الاشتراكيين الثوريين أو مجموعة البوصلة بكونه صالحا لأن يكون التعبير السياسي الوحيد عنها وعن مواقفها، فسوف تشرع هذه التكوينات في حل نفسها والاندماج كلية في الحزب الجديد.


لكن كلنا يعلم أن هذا التكوين الجديد غير قادر على هذا، وليس مطلوبا منه هذا. فالاشتراكيون الثوريون يمكنهم أن ينخرطوا بقوة وإخلاص في تكوين سياسي يناضل ضد الاستبداد والليبرالية الجديدة والإمبريالية، ولكنهم لن يروا أبدا أن هذا التكوين سيكون وحده كافيا للتعبير عن مجمل استراتيجيتهم السياسية طالما ظل غير متبنيا لمواقف استراتيجية حاسمة من وجهة نظرهم، مثل الموقف من مسألة "ثورة أم إصلاح؟" ومن مسألة "الدولة الرأسمالية والدولة الاشتراكية" وغيرها من القضايا التي ربما لن تكون مطروحة في الأجل القريب، ولكنها بالقطع ستطرح نفسها في حال تطور الصراع الطبقي في مصر وانتقاله إلى حالة ثورية أو شبه ثورية.
نفس الأمر ينطبق على كل المجموعات التي تتوافق على حد سياسي أدنى (مشروع سياسي) ولكنها لا تتوافق حول قضايا استراتيجية بعيدة المدى. من هنا فإن الاندماج الكامل – وهو شرط تكوين حزب سياسي منصهر تماما – ليس أمرا مطروحا بين القوى اليسارية المشتبكة مع مشروع اتحاد اليسار. ولو حاولنا أن نبني حزبا منصهرا فسوف تكون النتيجة "العملية" هي التشرذم وخسارة أطراف كثيرة لن ترضى أن تقايض اتفاقاتها السياسية المرحلية باستراتيجياتها السياسية.


لكن هذا الاتحاد السياسي بين قوى اليسار المتباينة في قضايا استراتيجية ليس مجرد اتحاد بين قوى مستقلة، هو أيضا حزب من نوع خاص؛ هو حزب-جبهة جربته، ولازالت تجربه، قوى اليسار في بلدان عديدة في العالم.
لماذا نصر على أن ما نحن بصدده لابد أن يكون حزبا وليس فقط اتحادا؟ السبب من المفترض أن يكون واضحا. فالاتحاد بين قوى منظمة مختلفة هو – في أحسن الظروف – عمل تنسيقي لن يتجاوز الاتفاق العابر حول هذه القضية أو تلك. هذا النوع من الاتحاد لن يقدم أو يؤخر، ولن يحل المعضلة التي يطرحها واقع الصراع السياسي والطبقي في مصر حاليا.


فكل حزب أو تكوين سياسي "صحي" لابد أن يؤسس وجوده على احتياج موضوعي. بهذا المعيار نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا: ما هي الحاجة الموضوعية التي يلبيها اتحاد اليسار؟
في منظورنا أن الصراعات السياسية والطبقية في مصر في السنوات القليلة الأخيرة فتحت الباب لظهور جيل جديد – صغير الحجم ولكن واضح الحيوية – من المناضلين ضد الإمبريالية والصهيونية والحرب؛ ضد الديكتاتورية والاستبداد؛ ضد الظلم الاقتصادي والاجتماعي. جزء من هؤلاء المناضلين كشفت الأحداث أنهم ذوي هوى يساري بمواقفهم في المعارك المختلفة وبرؤاهم حول الروابط بين المعارك على الجبهات المختلفة.
المشكلة أن هؤلاء المناضلين لا يجدون لنفسهم تعبيرا سياسيا. فالتجمع لم يعد حزبا يساريا مناضلا يربط بين قضايا الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي والتحرر الوطني بشكل مستقيم وكفاحي. والتنظيمات اليسارية الصغيرة ليست كفؤا – بحجمها وباستراتيجياتها السياسية الثورية – لاستيعاب الغالبية العظمى من هذه العناصر التي سارت يسارا بفعل التجربة النضالية، ولكنها لم تصل بعد إلى حد تبني مشروعا ثوريا متكاملا.
المطروح إذن أن يكون اتحاد اليسار هو التعبير السياسي عن هؤلاء. المطلوب أن يكون بيتا لكل هؤلاء المناضلين والنشطاء الذين ظهروا في حركة مناهضة الصهيونية والإمبريالية والحرب، والذين ظهروا في حركة التغيير الديمقراطي، والذين ظهروا في معارك العمال والفلاحين والموظفين في السنوات الأخيرة.
وحتى يكون هذا الاتحاد تعبيرا سياسيا عن هؤلاء، لابد أن يأخذ شكل الحزب. أي لابد أن يطرح برنامجا سياسيا يربط بين تلك المعارك.. ولابد أن يكون له هيكلا تنظيميا يستوعب طاقات النشطاء والمناضلين ويوجهها.. ولابد أن يكون قادرا على كسب عناصر جديدة.. ولابد أن أن يشارك في الانتخابات المختلفة وأن يرفع شعارات سياسية (ومطلبية فيها).. أي لابد أن يلعب دور البديل السياسي، حتى ولو لم يكن قادرا على حسم قضايا استراتيجية مركزية كقضية "إصلاح أم ثورة؟"


من هنا، فإن ما نحن بصدده هو حزب-اتحاد أو حزب-جبهة. ومن هنا فإن صيغة العضوية الفردية والديمقراطية الداخلية وحرية المنابر هي الصيغة التنظيمية المثلى للتنظيم المقترح.
ولكن حتى يكون لهذا التكوين مستقبل حقيقي – يقوم على مبدأ جدل الوحدة والتنوع – لابد له أن يجاوب بدقة سياسية على سؤال حاسم: ما هو الحد الأدنى للاتفاق السياسي المطلوب حتى يتحرك هذا التجمع السياسي من المختلفين استراتيجيا بشكل موحد وفاعل؟ مثلا: هل هناك ضرورة لأن تتوفر لهذا التكوين رؤية موحدة حول الحركة الإسلامية حتى يكتب له النجاح؟ وهل يمكن لتكوين بهذه الطبيعة أن يتحمل مواقف متباينة – وإلى أي مدى – من المقاومة وحركات التحرر؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الحاسمة والجوهرية.
أعتقد أن هذه المسألة – مسألة حدود الاتفاق السياسي المطلوب ونوعه في تكوين كهذا – ينبغي أن تكون مسألة جوهرية بالنسبة لنا في الشهور الثلاثة القادمة (هذا بالطبع إلى جانب النضال المشترك في المواقع والمهام). فالمسألة ليست أن نطرح أسئلة حول قضايا خلافية لسنا بحاجة لحسمها حتى يكتب لهذا الحزب-الاتحاد النجاح. المسألة أن نحدد ما هي القضايا التي نحتاج لحسمها (وإلى أي حد) حتى يتحقق التماسك لهذا التكوين الوليد، ثم أن نقوم بحسم موقف موحد من هذه القضايا وحدها دون غيرها.



(الاشتراكي: العدد التاسع- 18 اغسطس 2006)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية