الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الحيوان في النرويج

طارق حربي

2022 / 8 / 24
الادب والفن


فصل من كتابي الجديد
جائحة كورونا
(يوميات لاجىء عراقي في النرويج)
كلاب مدللة نظيفة يُحمِّمها مالكوها بالشامبو ويقدمون لها أجود أصناف الطعام، تحت رعاية أطباء يسهرون على راحتها وحلاقين يقصُّون شعورها. بعضها مُزَيَّنٌ بشرائط ملونة في شعر رأسه أصحابها في الغالب من النساء المسنّات، يحلو لبعضهنَّ وضع كلابهنَّ الصغيرة من صنف (Pomchi) وهي بحجم القطط، في سلة صغيرة مثبتة في مقدمة دراجاتهنَّ الهوائية، وهنَّ يَقِدنَها في شوارع المدينة النظيفة إلّا من الكمّامات! وقد يلتقي كلب وكلبة مربوطان بوثاقين في شارع أو زقاق فينبحان قليلاً، ثم يشتمّان بعضهما البعض وقد يمهد ذلك إلى تعارف صاحبيهما!
أنظر إلى تأثير الحيوان على الإنسان عزيزي القارىء، فالمدينة التي رفعتْ مداخيل صيد الحيتان قبل اكتشاف النفط من مستواها الاقتصادي، وأصبحتْ هي وبلداتها الصغيرة حولها من أغنى المقاطعات، استطاعت الكلاب اليوم مدَّ جسور التعارف بين الكثير من سكانها!
مدينتان في النرويج ساعدتْ زعنفيات الأقدام وثديّيات البحر قبل اكتشاف النفط، على غنى طبقة من سكانهما وإلى حد ما تطورهما، الفقمة في مدينة ترومسو في الشمال، والحوت في مدينة (Sandefjord) في الجنوب الشرقي. لذلك سمّوا شارعاً هنا باسم شارع صيد الحيتان، ومتحف الحوت، والمتاجر الرئيسة جُمِعَتْ في مول الحوت (Hvaltorvet)، وكان مغلقاً بعد انتشار الجائحة في المدينة.
إن عدم شروق الشمس إلّا خلال بضعة أسابيع أو شهور من السنة، والبرد القارس وتساقط الثلوج بغزارة، حذف حضور الطبيعة من نفوس النرويجيين، فأصبحوا توّاقين لأشعة الشمس والتنزُّه في أحضان الطبيعة في الغابات واستئناساً بالحيوان *، ونسبة كبيرة منهم يدجنون القطط والكلاب أو كلا النوعين. والطيور والأرانب وخنازير غينيا ذات الطبع الخجول وغيرها. إنهم يعاملون الحيوان أفضل معاملة، ويراعونه أفضل مراعاة، ويخاطبونه بأرقِّ الكلمات إلى درجة جعله يبدو كأنه أحد أفراد العائلة! وإذا مرض يحزنون عليه وإذا مات يبكون على فقدِ عزيز! الكلب على وجه الخصوص وتتطلب تربيته تكلفة باهظة، وبما له من مباشرة مع الإنسان وطاعة له وتنفيذاً لأوامره، اكتشف علماء الآثار أن صداقته للإنسان وتدجينه له كان قبل أكثر من 15 ألف عام.
بعد انتشار الجائحة اختار الكثير من السكان اقتناء حيوانات أليفة، وازداد الطلب على شراء منتجات القطط والكلاب (أواني الطعام، المساكن الخشبية الصغيرة التي تنام فيها، الأقفاص التي تُنقل فيها، اللوازم التي تتسلّى باللعب فيها وغيرها)
أدى الإغلاق إلى قضاء العائلات والأفراد أكثر أوقاتهم في منازلهم. وكان لديهم الكثير من الوقت والاستمتاع من (أفراد عائلتهم) الجدد! أُجريتْ بحوث عديدة في النرويج عن أن الحيوانات يمكن أن يكون لها تأثير مهدئ على الإنسان وتمنع الاضطرابات النفسية، لذلك شعر الكثيرون بالراحة في رفقة الحيوانات، وانشغلوا باللعب معها وتدليلها بعيداً عن أخبار الجائحة السلبية. ربما كان الكثيرون متسرعين في اقتناء حيوان أليف ونسوا أن ذلك يتطلب نفقات مالية، خاصة إذا كان لدى أحدهم كلب ويجب أن يحظى برعاية خاصة، فعدا الطعام هنالك التأمين الصحي إذا ما احتاج إلى مراجعة عيادة طبيب بيطري، أو ربما تكون هنالك حاجة إلى إجراء عملية جراحية وهي مكلفة في النرويج. كذلك تتطلب رعاية الحيوانات، توفير الطعام الصحي لها لإبقائها في صحة جيدة جسديًا وعقليًا تمامًا مثل الكيان الإنساني. من حقوق الحيوان على مالكه أنه إذا كان مسافراً لقضاء عطلة خارج النرويج، فعليه واجب الترتيب لرعاية الحيوان بإيداعه لدى صديق أو جار له، وإذا كان ذلك غير ممكن فيجب اصطحابه معه في الرحلة. نظرًا لأن الحياة اليومية أصبحت شبه طبيعية بعد انحسار الجائحة ورفع القيود وانفتاح المجتمع، أصبح الكثير من الناس مشغولين بالعمل والأسرة والسفر والأنشطة الترفيهية، واختار البعض نقل الحيوانات معهم وتجنب تركها، وتوجد فنادق مخصصة ومريحة للكلاب، دلّني على إحداها في العاصمة عن طريق الصدفة نُباح الكلاب!
يوجد في النرويج قانون خاص بالحيوانات ومنظمة تسمى حماية الحيوان تهدف إلى تعزيز الرفق به واحترامه. إذا خالف أحدهم القانون، فيمكن مقاضاته بفرض غرامة، وحرمانه من ملكية الحيوان، وفي أسوأ الأحوال ينتهي به الأمر إلى عقوبة السجن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يوجد في النرويج قانون لرعاية الحيوان وتعزيز مبدأ الرفق به واحترامه، دخل حيز التنفيذ بتاريخ 1/1/2010 وينص على التعامل الجيد (الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات والأسماك ورأسيات الأرجل والحبار ونحل العسل) ، كما ورد في البند الثاني من القانون. أما البند الأول فكان تعزيز الرفق بالحيوان واحترامه. لكن قانون حماية الحيوان صدر عام 1935، وقبل ذلك التاريخ أي في عام 1842 كان القانون الجنائي يحظر القسوة على الحيوان. وركز المشرع النرويجي بعد الحرب العالمية الثانية على الظروف المعيشية للحيوان. ومع تصنيع الزراعة ظهر مبدأ الثروة الحيوانية وهكذا. أي أن الكلاب التي أشاهدها في الشارع مع مالكيها، وكم يبدو الطرفان سعيدين ببعضهما البعض وفي الحياة، لم يأتِ من فراغ، إنما من مسؤولية تبدو لي أخلاقية وذوقية، إلى درجة تبلور مبدأ الرفق بالحيوان والشعور بالمسؤولية تجاهه في خمس نقاط هي (أن لا يشعر الحيوان بالجوع والعطش، ولا بالبرودة والحرارة الزائدة عن اللزوم، وأن يتحرر من الخوف والتوتر، ويتوفر على صحة تقيه شرَّ المرض، وحرية السلوك الطبيعي) وتلك المبادىء في الحقيقة ترقى إلى لجنة برامبل التي شكلتها الحكومة الإنكليزية ووضعت توصياتها في عام 1965








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل