الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربـاط عــنــق بــيــن الــقــاهــرة ومــدريـــد

أحمد الخميسي

2022 / 8 / 26
الادب والفن


أنصفتني إسبانيا منحازة إلى صفي في النقاش بشأن رباط العنق وإن جاء انصافها بعد نصف قرن مع تصريح رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في مؤتمر صحفي :" يلاحظ الجميع أنني لا أرتدي رباط عنق، وقد طلبت من وزرائي أن يفعلوا ذلك أيضا، لأن التخلي عن الزائد من الملابس يحد من الحاجة إلى تشغيل المكيفات مما يقلل استهلاك الطاقة". منذ أكثر من نصف قرن، كنت أعمل أنا والشاعرين أمل دنقل وأحمد نجم في دار الأدباء التي يشرف عليها يوسف السباعي، وكانت مشكلتي الوحيدة مع يوسف السباعي اصراره على أن أرتدي رباط عنق عند حضوري العمل، وعندما لم أستجب إلى طلبه اكتفى كلما رآني بتوجيه بصره إلى عنقي، هناك حيث ينبغي أن يعقد الرباط، كأنه يلومني بصمت.
الآن هناك دعوة رسمية في إسبانيا لنبذ تلك القماشة الطويلة التي لا أدري فائدتها أو نفعها، اللهم إلا إن كانت لقياس المسافة من عنق الانسان إلى سرته، ومثل تلك القماشة كثير في تاريخ البشرية، وكنا منذ نحو قرن نرى الأفلام التي تصور الرجال في الحفلات وهم في بدلة ذات ذيل طويل مشقوق من الخلف إلى نصفين، ونساء يرتدين قبعات يبرز منها ريش طويل يخزق عيون المارة، وفساتين تجر ذيولا كأنما لمسح الأرض. اختفى كل ذلك، كما اختفى من قبل الخلخال من قدم الفلاحات وكما اختفى الطربوش الذي كان الجميع يرتدونه حتى مطلع الخمسينيات، وجاء اختفاء الطربوش بعد معركة اجتماعية وفكرية واسعة النطاق في المفاضلة بين " الطربوش"، و" القبعة"، سخر خلالها توفيق الحكيم من الطربوش وأصرعلى اعتمار"البيريه" الأوروبي حتى نهاية العمر، أما سلامة موسى فكتب أن القبعة:"رمز الحضارة يلبسها كل رجل متحضر"، بينما دعا المحافظون إلى التمسك بالطربوش بصفته رمز العروبة والاسلام وكفروا كل من دعا إلى خلعه! وهاجموا أنصار القبعة حتى بلغ الأمر أن كتب مصطفى صادق الرافعي أن" القبعة على رأس المصري تهتك أخلاقي"! ومع ذلك زال الطربوش، كما زال الخلخال، وتراجعت مفاهيم جمالية كانت ترى أن المرأة الجميلة لابد أن تكون بدينة. وقد كان رباط العنق، والطربوش، وغيره علامات على طريق الجمال أو التجمل لكنها لم تكن مرتبطة بوظيفة أو بضرورة أو حاجة واقعية، وأكثر الجمال يذبل ويتوارى إذا لم يرتبط بحاجة واقعية ملموسة، سواء أكان ذلك في الملابس أو الفن. وفي الأدب على سبيل المثال كان السجع والجناس في وقت ما من المحسنات الأدبية، رغم أنه لم تكن هناك ضرورة لذلك، وظل نجيب محفوظ ظل يستخدم السجع حتى " الثلاثية" عندما يكتب " الزمان عدود لدود للورود"، ثم تخلى عنه لاحقا، لأنه لا يمثل ضرورة في التعبير الأدبي. يشحب الجمال ويختفي مالم يكن مرتبطا بحاجة واضحة، ومعبرا عن ضرورة، أو وظيفة، سواء أكان ذلك رباط عنق أو سجع أو فساتين بذيول طويلة، تظهر فقط لمجرد أن ذلك منظر جميل.
أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا