الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوروبا : هل هي صحوة جيوسياسية؟

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 8 / 26
السياسة والعلاقات الدولية


هناك شبه إجماع على أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع الاتحاد الأوروبي نحو مزيد من الإصرار والوحدة الجيوسياسية. ويبدو أن الحرب قد فتحت المجال لمزيد من التقدم في السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي في غضون بضعة أشهر. لقد تحقق ما لم يتم التوصل إلى تحقيقه على امتداد العقود السابقة. إنها صحوة أوروبا الجيوسياسية كما قال الممثل السامي "جوزيف بوريل". لكن بينما تم إحكام الوحدة بين الدول الأعضاء بشأن بعض القضايا ، فقد انقسمت على أخرى. وعلى الرغم من التغيير التدريجي في العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي ، إلا أنه لم تبرز بعد المؤشرات الواضحة لسمات الشكل الجديد من القوة التي يمثلها على المستوى الدولي بصفته لاعبًا جيوسياسيا ناشئا ، خلافا عما كان عليه قبل الحرب. لم تتجلى بعد المعالم الجذرية لجيو استراتيجية أوروبية جديدة.

تستدعي الحرب في أوكرانيا جدالا غير مريح بالنسبة للقادة الأوروبيين حول دور الاتحاد الأوروبي وهويته العالمية. إن الصراع قد أدى إلى ظهور أسئلة "مفاهيمية" لم تكن تطرح سابقا بالشكل الذي تطرح به اليوم.
والواضح الآن هو تضافر جهود الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في جبهة موحدة ضد الإجراءات الروسية. تجاوز الاتحاد الأوروبي التردد وقدم أسلحة لأوكرانيا، كما اعتمد عقوبات شديدة ضد موسكو، و رحب باللاجئين الأوكرانيين واستند إلى آلية حماية ظلت في سبات لفترة طويلة للقيام بذلك، وعدت معظم الدول الأعضاء في الاتحاد بزيادة الإنفاق الدفاعي لبلوغ مطلب الناتو والمحدد في نسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

إلا أنه ما تزال قيود واضحة على استجابة الاتحاد الأوروبي. رفضت الدول الأعضاء الانخراط عسكريًا لإنقاذ دولة أوروبية ديمقراطية ذات سيادة من الاحتلال. فقد رفض إمداد الجيش الأوكراني بأنواع معينة من الأسلحة مثل الطائرات المقاتلة. كما أن الدول الأوروبية تحركت ببطء شديد وجزئي قصد التخلص التدريجي من وارداتها من الطاقة الروسية. علما أن العديد من الشركات الأوروبية انسحبت من روسيا ، بمحض إرادتها أساسا وليس بسبب العقوبات الرسمية ، لكن العديد منها هناك. مما نتج عن هذا تذبذب الوضع على أرض الواقع في توازن غير مستقر ، وظهور إحباط متزايد في صفوف الأوكرانيين جراء محدودية ما تلقته بلادهم من دول الاتحاد الأوروبي من حيث الأسلحة وغيرها من أشكال الدعم.

نعم، إن مصطلح الجغرافيا السياسية متنازع عليه ، ولكن إذا كان معناه الأساسي هو التنافس على التكوين الجغرافي للسلطة - أو "الإقليمية" (1) - فهذا يعني أنه لم يؤخذ في الاعتبار كثيرا في استجابات الاتحاد الأوروبي. وإذا كان إسقاط "القوة الصلبة" جزءًا من النفوذ الجيوسياسي ، فقد كان مفتقدا بشكل واضح في ردود أفعال الاتحاد الأوروبي على الغزو الروسي. في حد ذاته ، الزيادة في الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي ليست عملاً من أعمال القوة الجيوسياسية - حتى لو أنفق الاتحاد الأوروبي المزيد على الدفاع قبل الغزو ، فمن غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تدخل الدول الأعضاء في أوكرانيا. إن تحديد هدف بعيد المدى لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي ليس بالضرورة فعلا تدخل في نطاق القوة الجيوسياسية. في هذا الصدد ، سيعتمد الإجراء الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي على كيفية استخدامه لقدرته على المناورة المستمدة من استقلالية الطاقة.
______________________________
(1) - منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014 ، برزت فكرة أن الاتحاد الأوروبي وروسيا منخرطين في منافسة جيوسياسية حول جوارهما المشترك وأن الشراكة الشرقية هي أداة بروكسل في هذا السياق، كمحاولة تهدف إلى " كسب دول الجوار الشرقي و "تعميق" التراجع نفوذ روسيا. في حين ساهمت تصرفات روسيا في أوكرانيا بالتأكيد في تعميق هذه الديناميكية وتعزيزها . ويبدو طرح الشراكة الشرقية هو مشروع يهدف إلى "قهر" البلدان المجاورة و " دحر «نفوذ روسيا.
__________________________________

إن عرض الاتحاد الأوروبي لوضع المرشح لأوكرانيا هو خطوة جيوسياسية حاسمة ، رغم صعوبة تحقيقها الآن. وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات صارمة على روسيا ، لكنه يظل حذرا في أماكن أخرى بشأن استخدام العقوبات كأداة ضغط بيد الحكومات. قد لا يتحول هذا التغيير في السياسة تجاه روسيا إلى تحولات كبيرة في الاستراتيجية تجاه البلدان الأخرى. وقد تكون حرب أوكرانيا استثناء أكثر من كونها قاعدة ناشئة.

حفز الغزو الروسي على أوكرانيا التنسيق الأوروبي في القدرات الدفاعية ، لكنه عزز أيضا القيادة العسكرية للولايات المتحدة في المسائل الأمنية الأوروبية. وإذا كانت الاستقلالية الاستراتيجية تتعلق جزئيا بحاجة الاتحاد الأوروبي إلى التصرف عندما ترفض الولايات المتحدة القيام بذلك ، فمن الصعب رؤية كيف يتناسب هذا المفهوم مع سياق الغزو أو ما بعده. ويبدو أن ضبط الاتحاد الأوروبي للنفس أملته الحسابات الاستراتيجية وغياب الإرادة السياسية ، أكثر من الافتقار إلى الاستقلالية.

لسنوات عديدة ، ظل الخطاب الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي متقدمًا على أفعاله، لاسيما في جواره الشرقي. بدلا من أن تسبب الحرب تحولا جذريا في الجيوإستراتيجية للاتحاد الأوروبي ، عاينا استمرارية جون تغيير. فقد برزت أصداء لكيفية استجابة الاتحاد الأوروبي لضم روسيا لشبه جزيرة القرم والإجراءات في شرق أوكرانيا منذ 2014، لكن لا تزال الدول الأعضاء الأكبر حجما في الاتحاد الأوروبي مترددة في تقديم ضمانات أمنية مباشرة لأوكرانيا وتفضل نوعا من الحل التفاوضي مع روسيا.

لم يتم، إلى حد الآن، تسجيل تحول جيوسياسي كبير من قبل الاتحاد الأوروبي كخطوة أخرى في تطور أطره الاستراتيجية الموجودة مسبقًا. إلى جانب الإجراءات الفردية التي تم تبنيها منذ غزو أوكرانيا ، لا توجد سوى مؤشرات متواضعة على أن الاتحاد الأوروبي يشرع في اتجاه جديد في الطريقة التي يتعامل بها مع التحديات الدولية.

من الملاحظ أن السياسة الرسمية أو الخطابات الحكومية أو منشورات مراكز الأبحاث تسير على نفس الدرب، "أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يرفع مستوى طموحه في السياسة الخارجية". ويسود موقف موحد بشكل ملحوظ وهو أن على الاتحاد الأوروبي أن يلزم نفسه بممارسة المزيد من القوة والنفوذ في العالم. فبالنسبة للبعض ، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تسخير الانفتاح الجيوسياسي الذي حدث مع الحرب في أوكرانيا لتقديم قائمة طويلة الأمد من الخيارات لتعزيز قدراته وعملياته المؤسسية. كما تشير تطلعات السياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء جميعها إلى نفس الهدف المتمثل في زيادة الحضور الدولي وإسماع الصوت الأوروبي. تدور جل النقاشات في الغالب حول مدى تقصير الاتحاد الأوروبي في تحقيق هذا الهدف المتفق عليه على نطاق واسع ، وليس الهدف نفسه.


في الوقت ذاته ، اتبعت العديد من عناصر العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي مسارا معاكسا نحو انخفاض الطموح والمشاركة المبتورة. على الرغم من الخطاب السائد وعلى العكس من ذلك ، فإن معظم الإجراءات الخارجية للاتحاد الأوروبي، لبعض الوقت، لم تكن تتعلق بإبراز قوة خارجية ، ولكن حول صد أو تخفيف نفوذ القوى الأخرى. لقد فهم الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد السياسة الخارجية الليبرالية على أنها "انسحاب وحذر". وهذا الاتجاه أملته عوامل متعددة بما في ذلك القيود المفروضة على السياسة الداخلية ، والضغط على الموارد المالية ، والتركيز على "الحذر الاستراتيجي".

لقد أشارت الأحداث في أفغانستان ومالي وسوريا وأماكن أخرى، بوضوح، إلى الابتعاد عن الأشكال الطموحة لتدخل الاتحاد الأوروبي في الصراع. فأثناء الحديث عن رده على الحرب في أوكرانيا ، كان الاتحاد الأوروبي يستكمل تقليص مهمته الأمنية في مالي. يعمل الاتحاد الأوروبي منذ عدة سنوات على تعزيز قدراته الدفاعية من خلال التعاون المنظم الدائم وصندوق الدفاع الأوروبي ، لكن هذه الجهود موجهة نحو حماية الأراضي الأوروبية أكثر من الإسقاط الخارجي "للقوة الصلبة". تم تأطير ما يسمى بـ "تغيير العصر" -("Zeitenwende") - بألمانيا مؤخرا (نقطة التحول المفترضة في سياستها الخارجية) حتى الآن بالمعنى الضيق نسبيا لتحسين القدرات العسكرية الدفاعية للبلاد.

تعتبر مساعدات التنمية من الاتحاد الأوروبي مستقرة نسبيًا ، ولكنها تمثل حصة صغيرة ومتناقصة من الناتج المحلي الإجمالي للدول المتلقية ، في حين أن المانحين غير الغربيين يزيدون تمويلهم الخارجي بشكل أكثر حسماً. لقد حلت الصين الآن محل الاتحاد الأوروبي بشكل واضح في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وليس لدى الاتحاد الأوروبي استراتيجيات طموحة بشكل خاص في أي من المنطقتين لعكس هذا الاتجاه. في أجزاء من الشرق الأوسط ، همشت روسيا الدول الأوروبية ، على الرغم من قوتها الاقتصادية المحدودة.

بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي من الاتحاد الأوروبي ذروتها قبل بضع سنوات ، وتتحول السياسة التجارية للاتحاد الآن إلى سياسة صناعية داخلية. تباطأت وتيرة توقيع اتفاقيات تجارية جديدة ، وتم التخلي عن محادثات التجارة الحرة التي استمرت لسنوات. منذ عقد ابتعد الاتحاد الأوروبي عن العمل الخارجي الذي كان يركز على التصدير بالجملة لمعاييره ومنظوماته نحو أشكال أخف من الحوار الدبلوماسي. بخصوص حرب أوكرانيا كانت قرارات السياسة الرئيسية للاتحاد الأوروبي تسترشد بالرغبة في عدم المشاركة بشكل مباشر ، وعدم تحمل مسؤولية الاندماج السريع لأوكرانيا ، وعدم الاضطرار إلى إدارة الترابطات الدولية المتشابكة بشدة.
ذهب بعض المحللين إلى القول، قد يكون الخطر الذي يحتاج إلى تحليل هو أن الاتحاد الأوروبي عالق في منطقة "بين المنزلتين": فقد اقتناعه بالمفاهيم الليبرالية للأمن دون استبدالها بتعبئة كاملة للقوة الجيوسياسية.

قد تكون سياسات جديدة التي هي في طور الإعداد لتعزيز قوة الاتحاد منذ غزو أوكرانيا ولضمان أن يكون له بصمة عالمية أثقل. حتى مع إصرار القادة على أن الهدف هو أو ينبغي أن يكون تعزيز وتوسيع نفوذ وقوة الاتحاد الأوروبي على الصعيد العالمي ، فإنهم يتجهون -إلى حد الآن - نحو استراتيجيات تتجنب الانخراط المكثف في المبادرات الخارجية المحفوفة بالمخاطر والمكلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ‎نصف يقظة بعد نوم طويل
د. لبيب سلطان ( 2022 / 8 / 26 - 11:14 )
استذنا العزيز
تحليلك واقعي ويحمل عنوانا كأنما بدا لي بعد قرائته - صح النوم يااوروبي- حيث استيقظت اوروبا يوم 24 فبراير مرعوبة والدبابات الروسية تتجول قرب كييف ولم يصدق شولتز ولا مكرون ذلك فهرعا الى بوتين ليقول لهم نعم انها حقيقة ، فقد حان وقت العمل الثوري ، ومع ذلك لن يصدقا وفقط بعد شهر او اكثر وبعدما هاج الرأي العام عليهم اعلنوا خجولين انهم سيساندون اوكراينا ..شولتز مثلا تبرع بخمسة الاف خوذة ..ومكرون بعشرة الاف خيمة ..اثلجت صدر بوتين
هم ترعرعوا تحت مظلة امريكا تحمينا ..والمانيا بالذات تكاد تكون تخلت عن الجيش لولا بوتين... واليوم وبعد نصف استيقاظ هم جاهزين للصرف على جيوشهم ..وعلى تمسكهم من جديد بالناتو الذي مات سريريا كما قال مكرون..ولكن بوتين بغباءه اعاد له الحياة بل مع اضافات دول محايدة وميزانيات انفجارية وحصار خانق ..لم يحسب ان من رقص حوله من الأوربيين ميركل او ساركوزي وغيرهم سيرتعبون ..فهو مجرد دب لاغير


2 - امريكا واوربا والدكتاتوريات العاتية
منير كريم ( 2022 / 8 / 26 - 17:09 )
تحية للحضور الكريم
تبين الاحداث الراهنة ان اوربا قصيرة النظر واقل يقظة من امريكا او حتى اليابان و قد كانت في حالة من الغفلة والسذاجة لولا تدارك امريكا للامر
وخطأ اخرتقع فيه كل من اكريكا واوربا وهو عدم ادراك المنطق الداخلي لتحالف الدكتاتوريات الكبرى وان هذه الديكتاتوريات تضع امن نظمها كاولوية قصوى ومصالحها الاقتصادية بدرجة ثانية
واليوم تخطيء امريكا في الموضوع النووي الايراني وبغير استخدام القوة ستكون ايران هي المنتصرة ليس لانها ايران بل هذا منطق فشل التفاهم مع الديكتاتوريات عبر التاريخ
شكرا

اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس