الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين جرفين العيون ( ليس شعر بل بوح)

رياض قاسم حسن العلي

2022 / 8 / 27
الادب والفن


لم تكن اغنية بل وجعا في عشرة دقائق...
كنت قد ارتديت ملابسي العسكرية ، فإجازة الاسبوع قد انقضت...
وأنا حزين ، كان حسن بريسم يصدح في الاجواء ، وهو يغني يا بيت اهلنا ، صغار وكبرنا....
كانت تجمعنا فيه أمي على طعام بسيط وهي تخشى علينا من رفاق السوء..
لم تكن تعرف القراءة والكتابة ، لكنها كانت كل يوم تمسح كتبي من غبار الايام...
أمي حبل الله المدود من السماء،
وانقطع هذا الحبل فوجدت ذات صباح تجاعيد تنبت على وجهي،
وهي التي اخبرتني ذات يوم، كفاك ترحالا يا ولدي،
لم ارد عليها..
ولم تعرف اني موعود بمحطات كثيرة،
ترى هل مازالت تدثرني في شتاء المنافي؟
(وصار العمر محطات....)
ويا حزني وأنا امر بهذه المحطات بغير جنة عيونها بنيتي الصافية،
والغافية...
(لوليلي يا امي ، ولو كبران)
كنت اشاهد صوري وأنا صغير امسك بيدي تلك اللعبة المجهولة في ساحة اسد بابل ذات يوم سبعيني غريب...
كنت بريئاً...
قبل ان يأخذني الهور في مجاهله والجبل في محرقة بقيت تشتعل في قلبي كل يوم...
يا لوجع امي وهي تنثر خلف ظلي الماء...
( هل كانت تدرك اني لن أعود اليها؟)
كنت اجلس في عتبة البيت كل صباح،
أقرأ في كتاب ما واشاهد تلك الصبية التي تتغزل بي وهي ذاهبة لجلب القيمر كل صباح...
كان فمها صغير ...
وانا يقتلني العطش ،
كنت وسيماً وقتها قبل أن يهجم علي الهم في عز الشباب...
في ذلك الجحيم كنت أحن الى ركن بسيط في غرفتي ، جحيم الصحراء والمنافي...
كان الشباك يطل على المطبخ...
وكنت اجلب السيارات الصغيرة العب بها في زاوية الشباك وهو يتآكل بغعل الزمن...
في جلبة الرصاص المجاني ، كنت أحن لذلك السطح البارد بعد أن نرشه بالماء عصر كل يوم...
وكان الراديو الصغير يرافقني...
حينما جعت ذات يوم في اسواق السليمانية ، كانت رائحة الطماطة المقلية بزيت قديم من نافذة غرفتي الصغيرة تجوب في ذاكرتي الصدئة..
كم كرهتك يا حسن بريسم وأنت تدعوني أن اعود الى تلك الزاوية...
(وأنا اول من عشق في الدنيا جرحه،)
كان الطريق الى الچبايش ترابا فارغا ، لاشئ فيه...
ورأسي الثقيل يميل الى نافذة السيارة...
وأنا يقتلني العطش..
نسيت كل قصائد المتنبي التي حفظتها ذات يوم على الغداء..
وقصص غازي العبادي...
وشبقيات عبد الستار ناصر..
وصديقي جلال الذي عشق بنت مسيحية اسمها اسكوهيان...
كانت ارمنية جميلة ، قال لي إنّ ملوحة نهديها بقيت في فمه لسنوات طويلة...
(ويالبريسم شرد أعاتب...
وانت تسبقني بعتابك..
يا مذلة كل غشيم يجرب الحياة بسفاهة بلا خبرة،
غشيم انا...)
ترى من تزورني في قبري ممن قلت لهن (احبكِ) ذات يوم؟
كان الهواء الساخن يضرب وجنتي الحمراء ، ويدي على تلك الورقة السخيفة التي تثبت اني التحقت في غاية التاريخ...
ماذا يفعل لو كنت قد استمعت لنداء حسن بريسم..
او لشفاه حبيبتي نجلاء التي زارتني صباح اليوم..
اخبرتني بعد سنوات اني قد قبلتها كثيرا...
وأنا الذي يقتلني العطش...
كان سائق السيارة متعجرفاً وهو يجمع الاجرة بعد أول مفرزة للرفاق...
في حقيبتي كليچة...
ورواية ليشار كمال...
ومجلة اباحية سرقتها من صديقي عادل الذي قتل برصاص بريطاني ذات شتاء...
وذلك الراديو الصغير ماركة عشتار ...
نادى السائق...
من ينزل في الچبايش...
صحت...
نازل...
ومنها نزلت روحي...
ترى ماذا سيحدث لو استمعت لنصيحة حسن بريسم الذي كرهته منذ أن دعاني أن ابقى في البيت ...
وانا الذي صرخت ببرية الهور في وحشة الروح :
الدنيا من تحارب رجل تنفيه
تضكه ولا بعد تنطيه تنفيه
اثاري الضحك للمهضوم تنفيه
تحسده الناس والعلة خفيه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي